الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جمع فظاظة وأفكارًا غالية! فهل نهجره
؟
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مفاهيم دعوية خاطئة
التاريخ 26/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندنا أخ له فكر تكفيري محض، يسب العلماء والدعاة ويسخر منهم، وله أخلاق سيئة، ويتعامل بخشونة وفظاظة حتى مع والديه، ولا يقول (التي هي أحسن) إطلاقًا، في الآونة الأخيرة أراد أن يبطش بنا وأن يضربنا فدفعناه، فظن أننا قمنا لضربه، وما أردنا ذلك، ومن ثم لم يعد يكلمنا ولا نكلمه لمدة شهرين تقريبًا، ويشهد الله أن الراحة في تركه وهجره، والله يا شيخ إن الراحة في هجره، ولعلمكم إنه لا يفيد معه نصح ولا حوار، ولا يعترف بشيء، أفيدونا وانصحونا، جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الأخ الكريم- سلمه الله ورعاه- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) ، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
والجواب على ما سألت كالتالي:
لا يخفى عليك- أخي الفاضل- أن معالجة الخطأ بالخطأ تزيده تمكنًا واستقرارًا، ومثل من في حالة أخيك يحتاج الأمر في علاجه إلى علم وحلم وهدوء ورفق وليس إلى شدة وعنف، لأنك في الوقت الذي تنتقد عنف أخيك هو في نفس الوقت يواجه بعنف مضاد، ولذلك أرى أن الأمر يتطلب منكم صبرًا أكثر وتؤدة في التعامل معه، ولا تنس أنه أخوك من أقرب الناس لكم جميعًا في الأسرة، فإذا لم تتلطفوا معه وتتحملوا خشونته فمن إذًا يتحمله؟ وتذكر معي تلك القصة التي وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم مع أحد الأعراب، وكيف واجه النبي عليه الصلاة والسلام رعونته بلطف ورفق، وكان ذلك سببًا في حمايته من الكفر، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يستعينه في شيء- قال عكرمة: أراه في دم. يعني في دية- فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، ثم قال:"أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟ ". قال الأعرابي: لا، ولا أَجْمَلْتَ! فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كُفُّوا. فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت، فقال:"إِنَّمَا جِئْتَنا فَسَأَلْتَنَا فَأَعْطَيْنَاكَ، فَقُلْتَ مَا قُلْتَ". فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، وقال:"أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟ ". فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشير خيرًا. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِنَّكَ جِئْتَنَا فَسَأَلْتَنَا فَأَعْطَيْنَاكَ، فقُلتَ ما قُلتَ، وفي أَنْفُسِ أَصْحَابِي عَلَيْكَ مِن ذَلِكَ شَيْءٌ، فإذَا جئتَ فقُلْ بينَ أَيْدِيهِم مَا قلتَ بينَ يَدَيَّ؛ حتَّى يَذْهَبَ عَن صُدُورِهِمْ". قال: نعم. فلما جاء الأعرابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ صاحبَكم كانَ جاءَنا فَسأَلَنا فأَعطَيْناهُ فَقَالَ مَا قال، وإِنَّا قَدْ دعَونَاهُ فَأَعطَيناهُ، فزَعَم أنَّه قَد رَضِيَ، كَذَلِكَ يَا أَعْرَابِيُّ؟ ". فقال الأعرابي: نَعَمْ، فجزاك الله من أهل وعشير خيرًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنَّ مَثَلِي ومَثَلُ هَذَا الأَعْرَابِيِّ كمَثَلِ رَجُلٍ كانتْ لَهُ نَاقَةٌ فَشَرَدَتْ عَلَيْهِ، فَاتَّبَعها النَّاسُ فَلَم يَزِيدُوها إِلَّا نُفُورًا، فقالَ لَهُمْ صاحبُ الناقةِ: خَلُّوا بَيْنِي وبينَ نَاقَتِي، فَأَنَا أَرْفَقُ بِهَا، وَأَنَا أَعْلَمُ بِهَا، فَتَوَجَّه إِلَيْهَا وأَخَذَ لَهَا مِن قَتَامِ الأَرْضِ ودعَاهَا حتَّى جاءَتْ واسْتَجَابَتْ وشَدَّ عَلَيْهَا رَحْلَهَا، وَإِنِّي لَوْ أَطَعْتُكُمْ حِينَ قَالَ مَا قَالَ لَدَخَلَ النَّارَ". رواه البزار (2476-كشف) ومحمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (992) بسند فيه ضعف.
فانظر كيف تلطف النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الأعرابي، مع أنه جاء يسأل ويطلب مالًا، والرسول صلى الله عليه وسلم هو المحسن والمعطي، ومع ذلك أغلظ الأعرابي في العبارة، فما كان من صاحب القلب الحنون الرؤوف الرحيم بأمته إلا أن زاده مالًا وزاد في التلطف معه، فكان ذلك سببًا في حمايته من النار؛ لأن قوله: لا، ولا أجملتَ. جحود، وفيه رد على النبي صلى الله عليه وسلم، وسوء أدب، ووصف للنبي صلى الله عليه وسلم بما لا يليق بمقامه، وفي هذا كفر، وأيضًا كان من الممكن لو لم يزده رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يرتد ويكره الإسلام فيكون مصيره إلى النار. أفليس أخوك أولى بمثل هذا اللطف، لاسيما وأن من يحمل مثل هذا الفكر التكفيري؛ أنه في الغالب الذي يدعوه لذلك حرقته على هذا الدين واستنكاره الذل الواقع في الأمة، لكنه أخطأ الفهم بسبب بعض الكتابات التي ربما قرأها، أو الشبه التي سمعها من غيره، فأوصلته إلى هذه القناعة، فهو يحتاج إلى من يناقشه بالعلم والحجة والبرهان مع اللطف والحب والمودة، ثم ما المانع إن كنت لا تملك علمًا في ذلك أن تذهب به إلى عالم أو طالب علم متمكن؛ ليبين له الحق في ذلك، أو تزوده بالكتب التي تبين عقيدة السلف في أمر التكفير، وما أكثرها اليوم في المكتبات! أوتحاول أن تجمعه بأصحاب الفكر الصحيح المستنير بهدي الكتاب والسنة على منهج سلف الأمة، ثم تزوده أيضًا ببعض الكتب والأشرطة التي تعنى بالترغيب في الخلق الحسن وطيب المعاملة ووجوب بر الوالدين وما شابهه مما يهذب خلقه ويعرف به مجانبته الحق في طريقة تعامله مع والديه وبقية أهله.
وخلاصة الأمر أن الرفق واللين وطيب الكلمة والبشاشة من أهم الرسل إلى قلب أخيك، وتأكد أن من شأنها أن تخفف من حدته وخشونته، وفي هذا يقول المعصوم عليه الصلاة والسلام:"إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ". أخرجه مسلم (2594) .
وأما قولك: إن الهجر لمثله راحة. فليس على إطلاقه، فلربما زاده ذلك عنفًا وانحرافًا، ثم لا أتفق معك أن مثله لا ينفع معه نصح ولا توجيه لأنه يبقى بشرًا خاضعًا للتأثر والتأثير بحسب توافر تلك الأدوات التي تعين على قوة التأثير فيه وفي فكره، والتاريخ القديم والمعاصر ممتلئ بالنماذج التي تصور كثيرًا من الناس أنه لا فائدة من نصحها أو التأثير عليها أو الطمع في هدايتها، وإذا بها تتوب وتعود وينصلح حالها، ولا يخفى ما في يأس الإنسان من هداية أحد أو رجوعه عن الباطل من سوء ظن بالله أنه لا يقدر على هداية ذلك الإنسان أو تدركه رحمته، فعليك ألا تيأس، وتحبب إلى أخيك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ولن تعدم أثر ذلك الرفق واللين أبدًا، والله معك.
والله أسأل لأخيك الهداية والرشاد، ولنا جميعًا التوفيق والسداد، وشكرًا لحرصك على أمر أخيك، وتفضل بقبول تحياتي وتقديري. والسلام عليكم.