الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يزني ويتوب ثم يعود وهكذا
…
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 15/8/1424هـ
السؤال
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
سؤالي: وبما أنني أعرف الإجابة، ولكن لراحة القلب كتبت هذا السؤال، والذي أتمنى الإجابة عنه من قبل أحد الشيوخ، وأدعو الله أن يجعل ذلك في موازين أعمالكم،
بصراحة أنا إنسان أنعم الله علي بكل شيء، بالزوجة، والأولاد، والوظيفة، والحمد لله، ولكن - وللأسف الشديد - ذهبت إلى إحدى الكبائر وهي الزنا، وكلما أرتكبها أعود وأبكي واستغفر الله، وأقوم الليل وأصلي وأدعو الله أن يغفر ذنوبي، إلا أني وبعد فترة أقوم وأعيد الكرة مره ثانية، وبعدها أقوم بنفس العمل من الاستغفار والتوبة، وفعلاً بدأت أتعب نفسياً، وأخاف من تلك العهود التي عاهدت الله وأخلفته أن ينزل الله علي غضباً، وهو أن لا يغفر لي تلك الكبيرة، فأرجو من الله ثم منكم مساعدتي، فوالله إن هذه الدنيا لا تساوي لدي شيئاً، وأتمنى جنة الفردوس، وأخاف عذابه وعذاب النار، فأفتوني عن الطريقة التي تساعدني على ترك هذه الكبيرة وكل كبيرة.
وجزاكم الله ألف خير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد التائبين نبينا محمد القائل:"والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" أخرجه البخاري (11/85) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد:
إلى الأخ السائل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوام الاتصال والمراسلة على الموقع.
لقد قرأت رسالتك مرات عديدة، وساءني جداً - يعلم الله- ما أساءك، وأحزنني ما أنت فيه، وعلمت أن الشيطان لعنه الله قد أقبل عليك بخيله ورجله، وأحاط بك إحاطة السوار بالمعصم؛ ليضلك عن السبيل القويم، ويجعلك تغرق في هذا المستنقع الآسن، مستنقع الشهوات واللذات المحرمة.
لكن أقول لك أخي: اعلم أن رحمة الله واسعة بعباده، وأن رحمته سبقت غضبه سبحانه، وهو يقبل توبة التائبين، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" أخرجه مسلم (2760) ، والآيات والأحاديث كثيرة، ويبدو من سؤالك أنك تعرفها فلا حاجة إذاً لإعادتها.
أما قولك بأن الدنيا لا تساوي عندك شيء وأنك تتمنى جنة الفردوس، وتخاف عذاب الله وعذاب النار، فهذا كلام نظري جميل ورائع، لكن أين الفعل والتنفيذ، والترجمة العملية لهذه الدعوى العريضة؟.
إن كنت حقاً صادقاً في دعواك لانعكس ذلك في تصرفاتك وأفعالك، وصدق الإمام الشافعي حيث قال:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه*** هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته*** إن المحب لمن يحب مطيع
قال تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"[آل عمران: 31]، يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله كما ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (أن هناك أناس ادَّعو محبة الله فابتلاهم الله بهذه الآية" اهـ.
فيا أخي الكريم: إن الترجمة الفعلية لما تدعيه وتزعمه هو تقوى الله في السر والعلن، وتقوى الله أن تجعل بينك وبين محارم الله وقاية، وذلك بفعل ما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر.
أخي الكريم: أتظن أن الجنة سلعة رخيصة، لا والله، سلعة الله غالية جداً، ولا يقوى على ثمنها إلا أصحاب الهمم العالية، إن الجنة أعدها الله لعباده المتقين الذين يراقبونه في السر والعلن، فهم دائماً وأبداً يعلمون بأن الله يراهم ومطلع عليهم في سرهم وجهرهم، فهم مراقبون له سبحانه في جميع أحوالهم، نسأل الله أن نكون منهم، وإني أستعين بالله وأرشدك على أمور عسى الله أن ينفعك بها، وتعينك على التخلص من هذه الكبيرة وكل كبيرة بإذن الله، فيا رعاك الله أرعني سمعك، واحضر قلبك فإني محدثك فأقول:
(1)
عليك أولاً بالبعد عن كل أسباب هذه المعصية، سواء منها المسموع أو المقروء أو المشاهد، أو الصحبة، فعليك أن تقلع عن مصاحبة أهل الشر والفساد والفجور، وعليك بمصاحبة أهل الخير والبر والتقوى من طلبة العلم والدعاة والصالحين.
(2)
تذكَّر نعم الله عليك من زوجة وأولاد وصحة وعافية، ومال، ووظيفة، أهكذا يكون شكر النعم؟. هذا المال وتلك الصحة التي أنعم الله عليك بها، تكون هذه النعم هي وسيلتك لمعصية الله. اعلم أن الله قادر أن يسلب منك كل شيء، ويدعك وليس معك أي شيء.
(3)
عليك بغض البصر، وإذا دعتك نفسك للحرام فاذهب إلى زوجتك واقضي منها وطرك وحاجتك، فإن هذا أفضل لك في دينك ودنياك، وآخرتك، كما أرشد لذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
إذا همَّت نفسك بفعل هذه المعصية القبيحة وغيرها تذكَّر بأن هناك ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى، أُعدت للفجار والفساق والزناة، فهل تقوى على هذه النار؟.
(5)
تذكَّر بأن عاقبة الزنا وخيمة في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا عار وشقاء، ووحشة في القلب، وبغض من الخلق، وربما طالك الأذى في أهلك.
أخي! أترضى هذا الأمر المنكر والفعل القبيح لأمك؟ أو لأختك؟ أو لعمتك؟ أو لخالتك؟ أو لزوجتك؟ أو لابنتك؟ أو لأي قريبة لك؟ فإن كنت لا ترضاه لهؤلاء كلهم، فلماذا ترضاه لغيرك؟.
أما في الآخرة فعذاب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
(6)
تذكَّر وأنت تمارس هذا العفن أن الله مطَّلع عليك ويراك، فهل استهنت بنظر الله إليك، وجعلته سبحانه أهون الناظرين إليك، اعلم بأن الله قادر على أن يقبض روحك وأنت على هذه الحالة فماذا تفعل؟ والمرء يحشر يوم القيامة على ما مات عليه.
(7)
تذكَّر الموت وما فيه من شدائد وكربات، والقبر وما فيه من أهوال وظلمات، وتذكَّر يوم القيامة وما فيه من شدائد عظام، وتذكَّر حالك عندما تتطاير الصحف، فمنهم من أخذ كتابه باليمين فكان من الفائزين، ومنهم من أخذ كتابه بشماله فكان من الخاسرين الهالكين، وتذكَّر في ساعة الحساب والعرض على أحكم الحاكمين، وتذكَّر الصراط الذي نصب على متن جهنم وهو أحدّ من السيف وأدقّ من الشعرة، وتذكَّر منصرف القوم فريق في الجنة يتنعمون، وفريق في النار يعذبون ويصرخون، فأهل الجنة في نعيم دائم مقيم، وأهل النار في عذاب قائم مهين، فمع أي الفريقين تحب أن تكون؟ والعاقل بصير نفسه، والظمآن يكفيه من الماء اليسير.
(8)
عليك بصدق اللجوء إلى الله والتوبة إليه، وكثرة الدعاء بأن يصرف عنك هذه المعاصي والمنكرات، ويوفقك لعمل البر والخيرات، إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه.
هذا والله أعلم. والله أسأل أن يجنبنا وإياك شر المعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن. وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.