الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل لي من توبة
؟
المجيب سليمان بن سعد الخضير
مشرف مناهج بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 13/11/1424هـ
السؤال
أنا شاب متزوج، وأحسب نفسي كنت مستقيماً، ولكن للأسف زنيت قبل عدة أشهر ولم أحس بالندم إلا قبل عدة أيام، فحاولت أن أتوب توبة نصوحاً من تلك الفاحشة، ولكني واقع فيما هو دونها.... في مشاهدة الأفلام الإباحية، وكلما حاولت الإقلاع عدت، ولهذا السبب أحس بأن الله لم يقبل توبتي، وحتى إن استغفرت لن يغفر لي، وأظنني وصلت مرحلة القنوط، أدركوني قبل أن أهلك، أدعو بالدعاء وأنا في قرارة نفسي أحسه مردوداً علي، ومن ثم بدأت أفكر بقول الشافعي وهو أن الزنا دين، وأن من يزن يزن بأهله. فما هو ذنبها (الزوجة) ؟ إن كانت صالحة أن تؤخذ بجريرة زوجها، هل يقبل الله توبتي ويستجيب دعوتي وإن كنت عاصيا؟.وما هي علامات قبول التوبة؟.
ولقد دعوت الله أن يرزقني ذرية صالحة خلال شهر رمضان وقبله أيضاً، ولكن لم تحمل زوجتي، فانهارت معنوياتي، وأحسب بأن الله لم يقبل صيامي ولا دعائي ولا أي شيء مني غضباً منه علي، أغيثوني أدركوني أريد أن أعود صالحاً كما كنت أو أفضل، أريد أن أعود وأحب عمل الصالحات بدلاً من تثاقلها. أفتوني مأجورين.
الجواب
ربما وجدت من يبدأ جوابه معك بفتح باب الرجاء لك، وسعة مغفرة الله للمذنبين، ويسوق أحاديث التوبة وآياتها، وهي أمور تدعو الحاجة إليها، ومع ذلك فالأنفع أن نؤخرها قليلاً؛ لأنك إذا كنت ترى أن المشكلة متركزة في أمر واحد، وهو وقوعك في «الزنا» وما ترتب عليه من مخاوف على نفسك وأهلك؛ فإن المشكلة في تقديري تتمثل في شخصك قبل أي شيء آخر.
يغلب على ظني أنك تعيش نوعًا من التطرف مع نفسك، ولونًا من التقلب الذي لا يحسن بالرجل السويّ أن يسلكه:
فبعد أن كنت مستقيمًا ـ حسب وصفك ـ وقعت في «الزنا» ! وبعد أن لم تكن مباليًا بوقوعك في كبيرة «الزنا» أصبحت أسيرًا للخوف المنهك منها!
وبعد أن زهدت في إعفاف زوجتك لك، أصبحت تعيش تحت وطأة الخوف عليها!
لا يسعني التقليل من شأن وقوعك في جريمة «الزنا» ؛ لأنك خائف تستغيث وتستنجد، وبخاصة أنك محصن (متزوج) فأي شيء بحثت عنه في غير زوجك التي أحلها الله لك؟!
إن الخوف الذي هجم عليك له ما يسوغه، وهي علامة صحة، ونرجو أن تكون سببًا في التوبة وفي قبولها، لكن قدر الخوف الذي وصفته هو زيادة من الشيطان، فإذا أردت السلامة من المبالغة في الخوف فاستعذ بالله من الشيطان أولاً.
وعلامة الخوف الذي يحبه الله هو الخوف الذي يقربك إليه، ويوقظك لفعل الطاعة والإقلاع عن المعصية، فإذا تسلل إلى نفسك خوف يقنطك في رحمة الله وفي قبول الله لتوبتك فاعلم أنه وارد من الشيطان، رأى تعبدك لله بالخوف منه، وتوقع إقلاعك عن الذنب فأراد أن يوقعك في ذنبٍ أشد من ذنبك الأول، وهي كبيرة القنوط من رحمة الله.
ومع يقيني أن هذا القدر من الخوف الذي غشيك إنما هو من الشيطان، فإن ذلك لا يمنع أن يكون عقوبة عجّلها الله لك، تتناسب بوجه ما مع اللذة التي غمرتك أثناء مواقعة الفاحشة، «والجزاء من جنس العمل» ونرجو أن تكون كفارة، فإن ما يصيب القلبَ من الهمّ والحزن والخوف والقلق هي عقوبات بما كسبت أيدي الناس، قال الله - تعالى -:"وما أصابك من سيئة فمن نفسك"[النساء:79] ومع ذلك فإن من كرم الله وفضله علينا أن الله يكفر بها عمن يشاء من عباده إذا هم احتسبوا وصبروا. مصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه عند البخاري (5642) ، ومسلم (2573) ، ومن حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما.
ولا أدري ما الذي أشعرك بأن الله لم يقبل توبتك؟!.
إن معاودتك لمشاهدة الصور الإباحية دليل على أن خوفك لم يكن صادقًا بما فيه الكفاية، لكنه ليس دليلاً على عدم قبول التوبة مطلقاً، كما يؤكد استمرارك في المشاهدة أنك تشكو من ضعف في نفسك التي تتغلب عليك، قال صلى الله عليه وسلم:«ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» متفق عليه. عند البخاري (6114) ومسلم (2609) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فالقوي في المنظور الشرعي وعلم النفس الحديث، هو الذي يقوى نفسه ويديرها لا أن تديره وتوجهه إلى ما فيه هلاكه، وليس ذلك خاصاً بالغضب الذي مثّل به النبي صلى الله عليه وسلم، بل يقوى نفسه حتى عند الشهوة، فإنهما (الغضب والشهوة) مغروزان في الإنسان لكن الشيطان يستغلهما للانحراف بالإنسان، من خلال الإفراط (وهو الأكثر) والتفريط.
إن معرفتك خطأ فعلك وشعورك بالندم عليه وإعلان توبتك هي علامات لصحة الاتجاه الذي سلكته مع نفسك إلى الله، لكن ذلك لا يكفي، فعليك مجاهدة نفسك أولاً وقبل كل شيء، بأن تقطع الأسباب التي دفعتك (أو جذبتك للفاحشة) وهي مداومة النظر للصور المحرمة، ويغلب على ظني أن الفعلة التي وقعت فيها لم تكن عن لذة تبحث عنها بقدر ما هي شهوة تسببت في استثارتها، فأردت أن تطفئها فازدادت اشتعالاً.
وربما كان أول العقوبة التي يقع فيها من يشاهد الأفلام الإباحية هي عدم شعوره باللذة مع زوجته التي أحلها الله له، وذلك أن تلك المشاهدات نقلت اللذة الطبيعية التي يجدها الإنسان في القرب من أهله وغشيانهم إلى لذة وهمية لا يجدها إلا من طريق عينيه، بما تتضمنه وسائل العرض الإجرامية من محاولات استثارة غير حقيقية لا يمكن أن يجدها الإنسان في الواقع، ولذلك ربما أتعب بعض الذين يشاهدون زوجاتهم بحركات قد لا يحسنّها؛ طمعاً منهم أن يجدوا هيجان الشهوة التي تغمرهم أثناء المشاهدة، وهذه والله عقوبة.
وإذا كنت تشعر بشفقة على زوجتك أن يصيبها مكروه (أعيذها بالله من ذلك) ، فإن الشفقة على زوجات من يشاهدون الأفلام ويجبرونهن بمحاكاة البغايا والمومسات في اللباس والحركات والموضات والجماع لا تقل عن ذلك.
إن التوفيق في مجاهدة نفسك عن مشاهدة الأفلام لا تتبين من أولى المحاولات، فإن الرجل يكون قد فتل على نفسه حبلاً من الفولاذ من خلال التكرار والمداومة، وعليه أن يحاول قطعه بتكرار الإقلاع والمجاهدة على عفة النظر؛ والله قادر على أن يسلب منك التعلق بالأفلام في أقل من لحظة، ولكن ليستبين صحة نيتك وصدق عزيمتك، فلو كان المرء يبلغ المعالي بمجرد الأماني لكان أوفر الناس حظًا أكثرهم خيالاً.
ومن يحفظ بصره عن الحرام فليترقب أوفر الخير من الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: «النظرة سهم من سهام إبليس، مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه عز وجل إيماناً يجد حلاوته في قلبه" حديث حسن رواه الحاكم (7875) من حديث حذيفة رضي الله عنه وقد أعقب الله - تعالى - آيات غض البصر المذكورة في سورة النور بقوله تعالى:"الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح
…
" [النور:35] ، قال أبي بن كعب: «مثل نوره في قلب عبده المؤمن» . فوازن بين لذة عابرة ولذة إيمان بها صلاح الدنيا والآخرة. وتذكر أن الاستقامة النموذجية، - وهي ما تسمى بالإمامة في الدين - تحصل بالصبر واليقين، فالصبر دواء الشهوات، واليقين دواء الشبهات، قال الله - تعالى -: "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون" [السجدة:24] .
وتذكر أن الصالحين لم يصلحوا لكونهم لا شهوة لهم، ولكنهم وضعوها في الحلال، أو صبروا عن الحرام فعليك أن تكثر من الاستغفار فإنه من أشد ما يكره الشيطان، جاء في الأثر عن الشيطان قوله:«أهلكت بني آدم بالذنوب وأهلكوني بالاستغفار» رواه ابن أبي عاصم في السنة (1/9) ، وهو يجلو القلوب بإذن الله، وداوم على قراءة القرآن، فإنه شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين. واستعذ بالله من الشيطان؛ فإنه سبب نظرك ووقوعك في المحرم وإتلاف قلبك بالخوف، قال الله - تعالى -:"وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم"[الأعراف:200] أنصحك أن تطالع في أحاديث التوبة، كتاب «رياض الصالحين» مثلاً، واستشعر أنها أحاديث لا تدعو لمعاودة المعصية، بقدر ما هي مبشّرة للتائبين الصادقين.
ولا تستعجل فضل الله بتأخر الإنجاب؛ "فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا"[النساء: 19] والدعاء مع بذل الأسباب الشرعية والطبيعية هو سلوك المؤمنين، ولا تقلق على زوجتك أن يصيبها مكروه (حماها الله) ما صدقت توبتك وصحت عزيمتك.
من الممكن أن تكون الإجابة مختلفة لو كنت لم تصف نفسك بالتدين في وقت سابق، فما عساي أقول لشخص عرف الحق وسلكه، وهذا يدعو للتنبيه إلى أن الثبات على طريق الحق مضمون، - بإذن الله -، للذي «ذاق طعم الإيمان» و «وجد طعم الإيمان» وأسباب ذلك نجدها في حديث: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" رواه البخاري (16) ومسلم (43) من حديث أنس رضي الله عنه، وهو الوصف الذي ذكره هرقل في حديث أبي سفيان بعدما سأله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه؟ " فقال لا، قال هرقل: «وكذلك الإيمان حيث تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد" رواه البخاري (51) ومسلم (1773) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أسأل الله أن يرزقك عفة النفس، ويقنعك بأهلك، ويجعلهم لك قرة عين، وأن يلهمك رشدك، ويقيك شر نفسك، ويعيذك من شر الشيطان وشركه، ويجعلنا وإياك من عباده الصالحين الأوابين.