الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زنت وتريد أن تتوب
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/الزنا
التاريخ 6/12/1424هـ
السؤال
هل يقبل الله توبتي بعد الزنا؟ وهل يغفر لي؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو، إليه المصير، والصلاة والسلام على إمام التائبين القائل:"والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" أخرجه البخاري (11/85) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، صلى الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إلى الأخت السائلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوام الاتصال والمراسلة على الموقع.
أختي السائلة، لقد قرأت رسالتك بكل مرارة وحزن، ويعلم الله أنه قد ساءني جداً ما وقعت فيه من جريمة الزنا، تلك الجريمة المنكرة، والكبيرة الموبقة المهلكة، والتي هي عدوان آثم على العرض، وهتك للستر، وتدنيس للشرف، وقتل للفضيلة، وإماتة للعفاف والحشمة، ونشر للرذيلة، وإضاعة للأحساب والأنساب، وعار وشنار على صاحبها، فهذه الجريمة البغيضة تنافي الإيمان وتجافيه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" متفق عليه البخاري (2475) ، ومسلم (57)، وعنه صلى الله عليه وسلم قال:"إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان كالظلة، فإذا خرج من ذلك العمل عاد إليه الإيمان" أخرجه الترمذي (2625) ، وأبو داود (4690) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومع هذا كله وفوق هذا كله من تاب إلى الله تاب الله عليه، بل إذا صدق في توبته فإن الله يبدل هذه السيئات إلى حسنات، وإن شئت فاقرئي قوله - تعالى -:"والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً"[الفرقان: 68-70] .
أرأيتِ - يا أمة الله - كيف أن الله - جلَّت قدرته ووسعت رحمته - لطيف بعباده: "يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً"، بل قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى وتقدس في عليائه - يفرح بتوبة العبد حين يتوب إليه، عن أنس رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" متفق عليه البخاري (6309) ، ومسلم (2747) ، واللفظ لمسلم.
فيا أمة الله، البدار البدار إلى التوبة النصوح، والرجوع إلى الله والندم على ما حدث، ولقد وضع أهل العلم شروطاً للتوبة النصوح وهي:
(1)
الإقلاع عن الذنب.
(2)
الندم على فعل هذا الذنب والبكاء عند تذكره.
(3)
العزم الأكيد على عدم العودة إليه مرة أخرى.
فسارعي بالتوبة يا أمة الله بمجرد قراءتك لهذه الكلمات، وأذرفي الدمع سخيناً سخياً على ما فات، عسى الله أن يطلع عليك بعين الرضا، فيتوب عليك ويقبلك، فلا تقنطي من رحمة الله. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله -تعالى- يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" أخرجه مسلم (2759) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" أخرجه مسلم (2703)، وهناك أمور يجب عليك أن تراعيها وهي:
(1)
البعد كل البعد عن مصاحبة أهل الشر والفجور من نساء ورجال، فيجب أن تقطعي علاقتك بكل صاحب سوء وخصوصاً من كانت لك معه علاقات آثمة.
(2)
البعد عن كل شيء يثير شهوتك، ويزيد من فورانها، سواء كان هذا مسموعاً أو مشاهداً أو مقروءاً.
(3)
الإكثار من الاستغفار والمحافظة على الصلاة، وقيام الليل، وقراءة القرآن وقراءة ما ينفعك في دينك ودنياك وسماع الأشرطة الإسلامية النافعة.
(4)
عليك دائماً أن تتذكري أن الله يطلع عليك ويراك، فاحرصي أن يراك حيث أمرك ويفتقدك حيث نهاك.
(5)
عليك بمصاحبة أهل الخير، وحضور مجالس العلم والذكر.
(6)
عليك الإسراع بالزواج إذا تقدم لك شاب صاحب دين وخلق، فهذا أجمل لك وأستر.
(7)
عليك بغض البصر عن كل ما حرم الله عليك من النظر إلى الرجال وكل ما يثير شهوتك؛ امتثالاً لأمر الله - تعالى-: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن"[النور: 31] .
(8)
عليك أن تشغلي نفسك بطاعة الله؛ لأن النفس إذا لم تشغليها بطاعة الله شغلتك بالمعصية.
(9)
إذا كان عندك شهوة قوية ولم يتيسر لك الزواج بعد فعليك بالصوم؛ لأن الصوم يحد من لهيب الشهوة، ويطفئ من نارها، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء" متفق عليه البخاري (1905-5065) ، ومسلم (1400)، ومعنى قوله:"فإنه له وجاء" أي وقاية له من الوقوع في الحرام، والنساء في ذلك مثل الرجال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إن النساء شقائق الرجال" رواه الترمذي (113) وأبو داود (236) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(10)
عليك بالتحلي بالعفاف والحشمة والوقار حتى ييسر الله أمر زواجك قال -تعالى-: "وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنهم الله من فضله"[النور: 33] .
(11)
عليك بالالتزام بشرع الله في كل كبيرة وصغيرة، وعليك بارتداء الحجاب الشرعي والمحافظة على سمعتك وسمعة أهلك.
(12)
عليك بكثرة الدعاء والتضرع إلى الله واللجوء إليه بأن يقبل الله توبتك ويغفر زلتك، ويستر عيبتك، ويعفو عن خطيئتك، ويطهر قلبك، ويحفظ فرجك، وييسر أمرك بالزواج، وأبشري بخير فهو - سبحانه - القائل:"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"[البقرة: 186]، وقال -تعالى-:"أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"[النمل: 62] .
(13)
وأخيراً أقول لك إذا يسَّر الله أمر زواجك احذري ثم احذري ثم احذري أن تخبري زوجك بما كان منك في سالف زمنك، فاستري على نفسك كما ستر الله عليك، وأكرر وأقول: إياك ثم إياك ثم إياك أن تخبري زوجك أو أي أحد مهما كان قريباً منك أو حبيباً إلى قلبك، فلربما انقلب هذا القريب إلى بعيد والحبيب إلى عدو بغيض، فاحذري - يا أمة الله - أن تخبري أحداً بذلك، فكم من بيوت هدمت بسبب ذلك.
هذا والله أعلم، والله أسأل أن يستر علينا وعليك وعلى سائر المسلمين في الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.