الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استدراك وجواب حول (المشاكل التربوية التي تواجه المعلم)
المجيب سليمان بن سعد الخضير
مشرف مناهج بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/قضايا التعليم
التاريخ 23/7/1425هـ
السؤال
سبق وأن نشرنا في نافذتنا استشارة بعنوان: (مشاكل تربوية تواجه المعلم) ثم وردنا تعقيب من أحد الإخوة يعترض على الشيخ المجيب استشهاده ببعض النظريات الغربية فأرسلنا هذا التعقيب إلى الشيخ المجيب وقد أفادنا بالإجابة الشافية على هذا التعقيب وبيان الصواب في هذه المسألة بالأدلة القوية.
الأخ الحبيب: السلام عليكم. وبعد:
كان من المؤمل أن نرجع في حل مشاكلنا ومنها التربوية إلى رأي الإسلام قرآنا وسنة واجتهاد العلماء في إطارهما، والفكر التربوي الغربي وبشهادة أربابها أنها علوم فاشلة، فشلت في بناء الشخصية السوية، ومن هذه النظريات الفاشلة ما قاله (جيلفورد) الذي يخلط فيها بين القدرات والمحتوى في معرض تعريفه للذكاء، وادعى الذكاء المتعدد وهي نظرية أصبحت في مزبلة الفكر، وهذه إحدى سمات العلوم الإنسانية التي ترى النسبية في كل شيء حتى النظرية والأخلاق والدين، فتعدد القدرات نظرية قرآنية، "ورفعنا بعضكم فوق
…
"، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل ميسر لما خلق له"، أما مشاكل العلم والتعليم هو الأخذ بالنظريات الحديثة، والقوانين، فهنالك المشاغل والعلائق الشاغلة الملهية، ومع ذلك نسمح للطالب أن يهذرم بما يشاء، والحسن يقول:(كنا نتعلم حسن الاستماع قبل حسن الكلام) ، وكذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما الشاهد في أنه يجب الرجوع إلى فكرنا في الحل المقترح.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ما يتعلق بمداخلة الأخ على (مشاكل تربوية تواجه المعلم) الملاحظة تتلخص في أن المؤمل أن نرجع في حل مشكلاتنا إلى رأي الإسلام، وأتفق مع الأخ الكريم فيما أشار إليه من حيث الأصل، وقد استوعبت فكرة المداخلة، وسأحاول الإجابة دون مناقشة تفاصيلها التي سيقت للتعبير عن الموقف من الفكر الغربي.
عند النظر في حلول المشاكل الإنسانية يحسن مراعاة الملاحظ التالي:
o هناك حلول اختص بها الإسلام، فالبحث عنها في غير الإسلام مهلكة وضياع للوقت.
o هناك حلول لم يختص بها الإسلام، بل أشاع البحث عنها، وهي ثلاثة أنواع:
- نوع يتعارض مع ما جاء به الإسلام، فهذا يرفض لمعارضته الإسلام، لا لكونه حلاً من خارج دائرة الإسلام.
- نوع يتوافق مع الإسلام، وهذا يقبل لموافقته الإسلام، دون النظر لمصدره.
- نوع لا يتعارض ولا يتوافق، فهي حلول محل نظر واجتهاد، والشخص يوفق فيها أو يخفق، لا لمصدرها وإنما لصحتها في نفسها، وصحتها في المحل الذي نفذت فيه ومن أجله.
وعليه فإن تحفظ الأخ الكريم حول اقتراح الإفادة مما يسمى الذكاء المتعدد؛ لمجرد كونه وافدًا من الغرب ليس في محله؛ لأنه لا يتعارض مع أصل شرعي أو قاعدة إسلامية معتبرة، بل هو نظرية تدور في فلك تعدد القدرات التي أشار إلى بعض النصوص المؤيدة لها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"الناس معادن كمعادن الذهب والفضة" رواه البخاري (3494) ومسلم (2638) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وطبيعة تكليفه صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم ببعض الأعمال كتعلم زيد بن ثابت رضي الله عنه السريانية دون سواه انظر ما رواه الترمذي (2715) وأبو داود (3645) وبعث معاذ رضي الله عنه إلى اليمن انظر ما رواه البخاري (1395) ومسلم (19) عن ابن عباس رضي الله عنهما وتحميل أسامة بن زيد رضي الله عنهما قيادة الجيش مع صغره انظر ما رواه البخاري (3730) ومسلم (2426) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في مقابل مواقف (سلبية) تجاه بعض الصحابة رضي الله عنهم كهجره كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم لما يعلم من قوة إيمانهما انظر ما رواه البخاري (4418) ومسلم (3769) ، وتحذير أبي ذر رضي الله عنه أن يتحمل مسؤولية الإمرة ولو على اثنين، أو يشرف على مال يتيم؛ وذلك لتعليلات مذكورة في الحديث الذي رواه مسلم (1825) .
والتخبطات التي وقع ويقع فيها الغرب لا تعني عدم الإفادة مطلقًا، تبقى هي نظرية، هل الناس على ثمانية أصناف أو أقل أو أكثر هي محل اجتهاد، وابن القيم رحمه الله أكثر من الاعتماد على تقسيمات أن النفوس أربعة (سبعية وكلبية
…
الخ) وردد مرارًا أن أصول الناس ترجع إلى أربعة أقسام (ترابية ونارية ومائية
…
) وبنى عليهما نصائح وتطبيقات، وكلتا النظريتين مأخوذتان عن أرسطو، ولم يوقف حتى الآن على أي دليل صريح في الكتاب والسنة يدعم هاتين النظريتين أو يبطلهما.
وهناك عشرات النظريات التي تبحث في النفس البشرية في محاولة للاقتراب منها (أي النفس) ، والعالم يبحث في النصوص يتلمس ما يدعم هذا الرأي أو ذاك، أو يصل إلى نظرية جديدة يدعمها بالأدلة.
ولا أدري هل يرحب الأخ الكريم بنشر تطبيقات (الذكاء المتعدد) بوصفها تطبيقاً لتفاوت قدرات الناس، دون الإشارة إلى أن مصدرها نظرية الذكاء المتعدد أو لا يرحب؟
وأحب أن أؤكد أن تأصيل العلوم الإنسانية أمر مهم، ولكن من التعقل ألا يكون موقفنا الرفض تمامًا ولا التسليم تماماً والتفتيش في النصوص عما يؤسلمها، بل التأمل فيها ونقاشها وفق أصول المعرفة (الوحي، العقل، الحس والملاحظة، الفطرة، التجربة) . والاقتصار على أصل واحد منها دون غيره خلل في العلم.
والقرآن والسنة مصدرا تشريع، وليسا موسوعتين تقدمان كل العلوم وتجيبان على كل الأسئلة، نعم وضع الوحي قواعد عامة وأطرًا وتفصيلات، لكن ثمة أشياء تركت لاجتهادات أهلها، فظهر لنا أصول الفقه ومصطلح الحديث التي تعد جل قواعدهما عقلية، والسياسة الشرعية التي يعد جل تطبيقاتها مبنية على المصلحة والمفسدة.
والكتاب والسنة جاءا ببيان أصول التربية وأسسها وغايتها الكبرى، مع بعض التطبيقات التي تصلح في مكان أو زمان ولا تصلح في مكان أو زمان، وهذه أعظم منقبة في التربية.
ويمكن القول بأن المسلمين يملكون وضوح بداية التربية ونهايتها، والغرب يملك تطبيقاتها مع ضلاله في أصولها وغايتها. والموفق من جمع بين وضوح البداية والنهاية مع التطبيقات الفاعلة.
وأقترح على الأخ النظر في هذين الرابطين:
http://www.islamonline.net/Tarbia/Arabic/display.asp?hquestionID=3291
http://www.almaktab-alislami.com/bookpage.asp?id=1143
وأخيرًا فإن نظرية الذكاء المتعدد ليست لجلفورد، بل هي لهاورد جاردنر، وإذا كان عند الغرب تخبطات (فيما مثل به الأخ الكريم) فإن الإجابة لم تكن نصيحة بالرجوع إلى نظريات الغرب، وإنما استفادة من تطبيقات النظرية المذكورة.
والله أعلم.