الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جدتي لا تصلي، فكيف ننصحها
المجيب أمل الجليل
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية /اجتماعية أخرى
التاريخ 21/08/1426هـ
السؤال
سؤالي بخصوص جدتي لأمي، فحالتها الصحية سيئة فهي لا تغادر السرير، ونحن نقوم بخدمتها والمشكلة أنها أصبحت تتحسس من أي كلام وتغضب بسرعة على أتفه الأسباب، وهي لا تتكلم معنا إلا إذا طلبت شيئاً، تظل معظم النهار مستلقية ومغمضة العينين، والشيء الذي يضايقنا هو أننا لا نراها تصلي مع أنها عندما كانت صحيحة كانت تصلي كل صلاة في وقتها، أما الآن فهي تقول: إنها لا تستطيع؛ لأنها مريضه وغير قادرة على الطهارة في كل وقت للصلاة، وهي تقول: إن الله يعلم بنيتها وبحالها، ولو ألححنا عليها في أمر الصلاة تغضب، وتقول: ألا ترون حالي؟ فأحياناً تقول للذي ينصحها بالصلاة لا أريد أن أرى وجهك، الله يعلم بمرضي. مع العلم أن عقلها سليم. فأرجو منكم أن تدلوني وتنصحوني بكيفية التعامل معها، سواء بإخراجها من الغضب الذي هي فيه، وكيفية نصحها للصلاة بالطريقة التي تريحها ولا تغضبها. وجزاكم الله عني وعن المسلمين خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ذكرت في خطابك الحالة الصحية لجدتك الكبيرة في السن، وشدة غضبها لأتفه الأسباب، وأردفت بقضية تركها للصلاة مع كامل وعيها وقدرتها عليها ولو على جنب، وتسأل عن كيفية التعامل معها، وإخراجها من حالة الغضب الدائمة، وكيفية حثها على إقامة الصلاة دون إغضابها، فأود أن أوضح -والله المستعان- عدة نقاط مهمة، نحتاج التعرف عليها للتعامل مع المسن، أولاً يا أخي -رزقك الله البر والأجر- لابد من معرفة نفسية المسن، وكيف يفكر وماذا يريد؟ فالمسن يشعر بأنه أصبح غير قادر على العطاء، وأنه بعد أن كان المعيل والمنفق، أصبح اليوم يحتاج إلى من يعوله، ويحتاج إلى من يخدمه، وهذا يجعل لديه حساسية شديدة لأي نقد أو إرشاد أو توجيه مباشر، فهو يشعر أنه عالة على المجتمع، وأنه ثقيل على من حوله، وأنهم يرتقبون اليوم الذي يتخلصون منه فيه. ولذلك ركز الله في وصيته بالوالدين على هذه المرحلة العمرية، قال تعالى:"وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما.....الآية"[الإسراء:23] فركز على هذه المرحلة العمرية، وهي حين يبلغ الوالدان الكبر؛ لأن الوالدين يكون لديهما حساسية شديدة، وملاحظة شديدة لأي عبارة أو حركة أو إشارة تدل على التضجر أو الضيق أو التأفف، فنهى عن كلمة بسيطة صغيرة في حجمها، كبيرة في معناها، وهي كلمة أف، للدلالة على ما هو أكبر منها، فتأمل معي -يا أخي- فلابد من ملاحظة ما يصدر من الأبناء والأحفاد من تصرفات بدقة أكثر والانتباه للغة، فالمسن يلاحظ ما لا يلاحظه الآخرون، من تعابير الوجه والعينين كعلامات الضيق، والضجر، والتقرف، والسخرية والاستعجال، وكل هذه الإشارات لها الأثر البالغ في نفسية المسن، فهو يشعر بالمهانة وعدم الاهتمام، ويفسر بعض التصرفات بقلة الاحترام، والتطاول. فلا بد من مراعاة حسن التصرف بإلانة القول واختيار العبارات وإظهار الاحترام والتوقير، وعدم الاستغناء عن الدعاء، والرضا منهما ومشاورتهما، وإظهار الفرح بنصيحتهما حتى وإن كانت شيئاً معروفاً، ومطروقاً بالنسبة للولد، وإظهار الاهتمام بسماع ما يقصان من حكايات قديمة قد تكون مكررة ومسموعة، وكأنها تسمع لأول مرة!! فهذه بضاعتهم! لا يملكون إلا اجترار الذكريات ومداومة الاعتراف بالجميل للوالدين، وتذكيرهم بالمواقف الرائعة، والتضحيات التي قدموها في تربيتهم، وعطائهم، وكأننا نقول لهم: إننا ما نسينا ما قدمتم من أجلنا وما جحدنا فضلكم علينا، وأيضاً الاهتمام بالعلاقة الجسدية التي لها الأثر الكبير في إيصال معانٍ كبيرة قد لا يستطيع اللسان التعبير عنها، مثل تقبيل الأيدي والرأس والقدمين، أيضاً اهتمام البنات بمباشرة عملية الإطعام، والتنظيف وتمشيط الشعر برفق ولطف، وعدم ترك هذه الأمور للخادمة، وتبادل الجلوس معها، وإن تيسر (دون الإضرار بها) إخراجها للتنزه والعمرة ورؤية الناس، وإحضار ما تشتهي من الطعام والتنويع في ذلك، ونقل الأخبار السارة لها، وكل هذا مع استعمال العبارات الرقيقة اللطيفة، مثل يا أمي يا حبيتي، يا تاج رأسي، الله لا يحرمني منك، الله يطول في عمرك، الله يديمك خيمة على روؤسنا يا ست الحبايب يا أغلى الحبايب. قال
تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً"[الإسراء 23-24] .
ثانياً: بالنسبة لقضية الصلاة فهي داخلة تحت موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" أخرجه مسلم (49) .
فالواجب على المسلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يقدر عليه بحسب قدرته بحسب التدرج المذكور في الحديث، ولكن في موضوع الوالدين فالأمر مختلف، فمقام الوالد مختلف عن غيره من الناس، حيث قرر علماؤنا أنه لا يجوز الإنكار على الوالدين بغير الرفق واللين، وفي مثل حالة الجدة هذه قد يكون الأجدى معها التعريض وليس النصح المباشر، وذلك بإدارة الحديث عندها عن فضل الصلاة وحسن الخاتمة وسرد القصص المشوقة في ذلك، وليس بتوجيه الكلام لها مباشرة، بحيث تستمع لحديثكم دون أن تشعر أن هناك نقداً مباشراً لسلوكها، ثم بعد هذا لا تملكون لها غير ذلك، والدعاء لها بظهر الغيب، فالهداية بيد الله، والله أعلم بخفايا النفوس. و" ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" وقوله تعالى:"إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء". وفقك الله لكل خير، فهو الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.