الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية النجم.
الثانية: معرفة صورة الأمر الذي طلبوا1.
الثالثة: كونهم لم يفعلوا.
الرابعة: كونهم قصدوا التقرب إلى الله بذلك؛ لظنهم أنه يحبه.
الخامسة: أنهم إذا جهلوا هذا فغيرهم أولى بالجهل.
السادسة: أن لهم من الحسنات والوعد بالمغفرة ما ليس لغيرهم.
السابعة: أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يعذرهم في الأمر بل رد عليهم بقوله: " الله أكبر، إنها السنن، لتتبعن سنن من كان قبلكم " فغلظ الأمر بهذه الثلاث.
الثامنة: الأمر الكبير، وهو المقصود: أنه أخبر أن طلبتهم كطلبة بني إسرائيل لما قالوا لموسى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً} 2.
التاسعة: أن نفي هذا من معنى " لا إله إلا الله" مع دقته وخفائه على أولئك.
العاشرة: أنه حلف على الفتيا، وهو لا يحلف إلا لمصلحة.
الحادية عشرة: أن الشرك فيه أكبر وأصغر؛ لأنهم لم يرتدوا بهذا3.
الثانية عشرة: قولهم: " ونحن حدثاء عهد بكفر" فيه أن غيرهم لا يجهل ذلك.
التابعون من ساداتهم في العلم والدين وأهل الأسوة. فلا يجوز أن يقاس على رسول الله صلي الله عليه وسلم أحد من الأمة، وللنبي صلي الله عليه وسلم في حال الحياة خصائص كثيرة لا يصلح أن يشاركه فيها غيره.
الثالثة عشرة: التكبير عند التعجب، خلافا لمن كرهه.
الرابعة عشرة: سد الذرائع.
الخامسة عشرة: النهي عن التشبه بأهل الجاهلية.
السادسة عشرة: الغضب عند التعليم.
السابعة عشرة: القاعدة الكلية لقوله: " إنها السنن".
الثامنة عشرة: أن هذا علم من أعلام النبوة؛ لكونه وقع كما أخبر.
التاسعة عشرة: أن ما ذم الله به اليهود والنصارى في القرآن أنه لنا.
العشرون: أنه متقرر عندهم أن العبادات مبناها على الأمر، فصار فيه التنبيه على مسائل القبر، أما " من ربك "؟ فواضح. وأما " من نبيك؟ " فمن إخباره بأنباء الغيب. وأما " ما دينك؟ " فمن قولهم:" اجعل لنا" إلى آخره.
الحادية والعشرون: أن سنة أهل الكتاب مذمومة كسنة المشركين.
الثانية والعشرون: أن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه لا يؤمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة، لقولهم: ونحن حدثاء عهد كفر.
ومنها: أن في المنع عن ذلك سدا لذريعة الشرك كما لا يخفى.
1 يعني أنهم لم يطلبوا منه أن يجعل لهم إلها يعبدونه من دون الله؛ لأنهم كانوا أجل وأعقل من ذلك، وإنما طلبوا شجرة يأذن لهم النبي فيها فيتبركون بها ويعلقون عليها أسلحتهم دون أن يصلوا أو يتصدقوا لها، فبين لهم أن ما طلبوا من التبرك ولو لم يكن صلاة ولا صياما ولا صدقة هو الشرك بعينه. وفيه إبطال لشبهة مشركي هذا الزمان وزعمهم أن ما يفعلونه تبرك وتعظيم لا بأس به.
2 سورة الأعراف آية: 138.
3 ليس ما طلبوه من الشرك الأصغر، ولو كان منه لما جعله النبي نظير قول نبي إسرائيل (اجعل لنا إلها) وأقسم على ذلك، بل هو من الشرك الأكبر كما أن ما طلبه بنو إسرائيل من الأكبر. وإنما لم يكفروا بطلبهم؛ لأنهم حدثاء عهد بالإسلام; ولأنهم لم يفعلوا ما طلبوه ولم يقدموا عليه بل سألوا النبي فتأمل.
باب: " ما جاء في الذبح لغير الله
"
قال المصنف رحمه الله: "وفيه التنبيه على مسائل القبر، أما من ربك؟ فواضح، وأما من نبيك؟ فمن إخباره بأنباء الغيب، وأما ما دينك؟ فمن قولهم اجعل لنا إلها إلخ. وفيه: أن الشرك لا بد أن يقع في هذه الأمة خلافا لمن ادعى خلاف ذلك، وفيه الغضب عند التعليم، وأن ما ذم الله به اليهود والنصارى فإنه قاله لنا لنحذره" قاله المصنف رحمه الله
وأما ما ادعاه بعض المتأخرين من أنه يجوز التبرك بآثار الصالحين فممنوع من وجوه:
منها: أن السابقين الأولين من الصحابة ومن بعدهم لم يكونوا يفعلون ذلك مع غير النبي صلي الله عليه وسلم، لا في حياته ولا بعد موته، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وأفضل الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. وقد شهد لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم فيمن شهد له بالجنة; وما فعله أحد من الصحابة والتابعين مع أحد من هؤلاء السادة، ولا فعله
وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} 1.
قوله "باب ما جاء في الذبح لغير الله" من الوعيد وأنه شرك بالله.
_________
1 سورة الأنعام آية: 162-163.
قوله: "وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي 1 وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ} الآية".
قال ابن كثير: "يأمره الله تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله وبذبحون له: بأنه أخلص لله صلاته وذبيحته؛ لأن المشركين يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى. قال مجاهد: النسك الذبح في الحج والعمرة".
وقال الثوري عن السدي عن سعيد بن جبير: ونسكي ذبحي. وكذا قال الضحاك. وقال غيره: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} أي وما آتيه في حياتي، وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 3 خالصا لوجهه {لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ} الإخلاص {أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} أي من هذه الأمة لأن إسلام كل نبي متقدم.
قال ابن كثير: وهو كما قال: فإن جميع الأنبياء قبله كانت دعوتهم إلى الإسلام، وهو عبادة الله وحده لا شريك له. كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} 4 وذكر آيات في هذا المعنى.
ووجه مطابقة الآية للترجمة: أن الله تعالى تعبد عباده بأن يتقربوا إليه بالنسك، كما تعبدهم بالصلاة وغيرها من أنواع العبادات؛ فإن الله تعالى أمرهم أن يخلصوا جميع أنواع
1 في قرة العيون: يشمل الفرائض والنوافل، والصلوات كلها عبادة، وقد اشتملت على نوعي الدعاء: دعاء المسألة ودعاء العبادة، فما كان فيها من السؤال والطلب فهو دعاء مسألة، وما كان فيها من الحمد والثناء والتسبيح والركوع والسجود وغير ذلك من الأركان والواجبات فهو دعاء عبادة، وهذا هو التحقيق في تسميتها صلاة؛ لأنها اشتملت على نوعي الدعاء الذي هو صلاة لغة وشرعا "*" قرره شيخ الإسلام وابن القيم - رحمهما الله تعالى -. (*) وهي مأخوذة من "الصلة"؛ لأنها الصلة والمنحة التي وصل الله بها حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ومنحه إياها في ليلة الوصل الأعظم: ليلة المعراج. وهي أقوى صلة بين العبد وبين ربه؛ لأنه فيها يناجي ربه كما في الأحاديث، ومن ثم كانت قرة عين رسول الله – صلى الله عليه وسلم وكانت مفزعه عند كل أمر يهمه. وكانت الفارق بين المسلم والكافر. فمن تركها فلا حظ له في الإيمان بالله وحبه، ولا صلة بينه وبين ربه مهما حاول.
3 سورة الأنعام آية: 162.
4 سورة الأنبياء آية: 25.
العبادة له دون كل ما سواه، فإذا تقربوا إلى غير الله بالذبح أو غيره من أنواع العبادة، فقد جعلوا لله شريكا في عبادته، ظاهر في قوله:{لا شَرِيكَ لَهُ} 1 نفى أن يكون الله تعالى شريك في هذه العبادات، وهو بحمد الله واضح2.
قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 3 قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: "أمره الله أن يجمع بين هاتين العبادتين، وهما الصلاة والنسك، الدالتان على القرب والتواضع والافتقار وحسن الظن وقوة اليقين، وطمأنينة القلب إلى الله وإلى عدته، عكس حال أهل الكبر والنفرة، وأهل الغنى عن الله الذين لا حاجة لهم في صلاتهم إلى ربهم، والذين لا ينحرون له خوفا من الفقر، ولهذا جمع بينهما في قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} - الآية. والنسك: الذبيحة لله تعالى ابتغاء وجهه؛ فإنهما أجل ما يتقرب به إلى الله، فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب; لأن فعل ذلك سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله تعالى من الكوثر. وأجل العبادات البدنية: الصلاة; وأجل العبادات المالية: النحر. وما يجتمع للعبد في الصلاة لا يجتمع له في غيرها، كما عرفه أرباب القلوب الحية، وما يجتمع له في النحر إذا قارنه الإيمان والإخلاص، من قوة اليقين وحسن الظن أمر عجيب، وكان النبي صلي الله عليه وسلم كثير الصلاة، كثير النحر". اهـ.
قلت: وقد تضمنت الصلاة من أنواع العبادات كثيرا، فمن ذلك الدعاء والتكبير، والتسبيح والقراءة، والتسميع والثناء، والقيام والركوع، والسجود والاعتدال، وإقامة الوجه لله تعالى، والإقبال عليه بالقلب; وغير ذلك مما هو مشروع في الصلاة، وكل هذه الأمور من أنواع العبادة التي لا يجوز أن يصرف منها شيء لغير الله، وكذلك النسك يتضمن أمورا من العبادة كما تقدم في كلام شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -.
قوله: وعن علي ابن أبي طالب قال: " حدثني رسول الله صلي الله عليه وسلم بأربع
1 سورة الأنعام آية: 163.
2 في قرة العيون: والمقصود أن هذه الآية دلت على أن أقوال العبد وأعماله الباطنة والظاهرة لا يجوز أن يصرف منها شيء لغير الله كائنا من كان، فمن صرف منها شيئا لغير الله فقد وقع فيما نفاه تعالى من الشرك بقوله:(وما أنا من المشركين) . والقرآن كله في تقرير هذا التوحيد في عبادته وبيانه ونفي الشرك والبراءة منه.
3 سورة الكوثر آية: 2.
كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله; ولعن الله من لعن والديه ولعن الله من آوى محدثا; ولعن الله من غير منار الأرض " رواه مسلم من طرق وفيه قصة.
ورواه الإمام أحمد كذلك عن أبي طفيل قال: " قلنا لعلي: أخبرنا بشيء أسره إليك رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: ما أسر إلي شيئا كتمه الناس; ولكن سمعته يقول: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من غير تخوم الأرض، يعنى المنار "1.
وعلي ابن أبي طالب: هو الإمام أمير المؤمنين أبو الحسن الهاشمي ابن عم النبي صلي الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة الزهراء; كان من أسبق السابقين الأولين، ومن أهل بدر وبيعة الرضوان، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ورابع الخلفاء الراشدين، ومناقبه مشهورة رضي الله عنه، قتله ابن ملجم الخارجي في رمضان سنة أربعين.
قوله: "لعن الله" اللعن: البعد عن مظان الرحمة ومواطنها. قيل: واللعين والملعون من حقت عليه اللعنة، أو دعي عليه بها. قال أبو السعادات: أصل اللعن: الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السب والدعاء.
قال شيخ الإسلام رحمه الله ما معناه: إن الله تعالى يلعن من استحق اللعنة بالقول كما يصلي سبحانه على من استحق الصلاة من عباده. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} 3 وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً} 4 وقال: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} 5. والقرآن كلامه تعالى أوحاه إلى جبريل عليه السلام وبلغه رسوله محمدا صلي الله عليه وسلم. وجبريل سمعه منه كما سيأتي في الصلاة إن شاء الله تعالى، فالصلاة ثناء الله تعالى كما تقدم. فالله تعالى هو المصلي وهو المثيب، كما دل على ذلك الكتاب والسنة; وعليه سلف الأمة. قال الإمام أحمد رحمه الله:"لم يزل الله متكلما إذا شاء".
قوله: "من ذبح لغير الله" قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: " {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} 67 ظاهره: أنه ما ذبح لغير الله، مثل أن يقول: هذا ذبيحة لكذا.
وإذا كان هذا
1
3 سورة الأحزاب آية: 43-44.
4 سورة الأحزاب آية: 64.
5 سورة الأحزاب آية: 61.
6 سورة البقرة آية: 173.
7 وفي سورة المائدة الآية الثالثة. وسورة الأنعام الآية (145)، وسورة النحل الآية (115) (وما أهل لغير الله به) وأصل الإهلال: رفع الصوت والإعلام. فالمقصود بما أهل به لغير الله: ما أعلن عنه أنه منذور به لغير الله. سواء كان هذا الإهلال والإعلام قبل الذبح كأن يقال: هذه شاة السيدة فلانة والسيد فلان، فيعرف الناس ذلك، وأنها مهل بها لغير الله ولو سمى الذابح باسم الله، فإن هذه التسمية اللفظية لاغية، والعبرة بالإهلال الحقيقي بما انطوى عليه من قصد التقرب، به لغير الله. (وكذلك أيضا ما سمى من الطعام أو الشراب أو غيره نذرا وقربة لغير الله. فكل طعام ليوزع على العاكفين عند هذه القبور والطواغيت)(*) باسمها وعلى بركتها هو مما أهل به لغير الله.
هو المقصود فسواء لفظ به أو لم يلفظ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه للحم وقال فيه: باسم المسيح أو نحوه. كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله كان أذكى وأعظم مما ذبحناه للحم، وقلنا عليه: بسم الله. فإذا حرم ما قيل فيه باسم المسيح أو الزهرة، فلأن يحرم ما قيل فيه لأجل المسيح أو الزهرة أو قصد به ذلك أولى؛ فإن العبادة لغير الله أعظم كفرا من الاستعانة بغير الله، وعلى هذا فلو ذبح لغير الله متقربا إليه يحرم1 وإن قال فيه باسم الله، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة الذين يتقربون إلى الكواكب بالذبح والبخور ونحو ذلك2 وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال. لكن يجتمع في الذبيحة مانعان: الأول: أنه مما أهل به لغير الله. والثاني: أنها ذبيحة مرتد. ومن هذا الباب: ما يفعله الجاهلون بمكة من الذبح للجن، 3 ولهذا روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه نهى عن ذبائح الجن". اهـ4.
قال الزمخشري: "كانوا إذا اشتروا دارا أو بنوها أو استخرجوا عينا ذبحوا ذبيحة خوفا أن تصيبهم الجن، فأضيفت إليهم الذبائح لذلك". وذكر إبراهيم المروزي: أن ما ذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه، أفتى أهل بخارى
1 بل يكون هذا الذبح شركا أكبر. (ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) .
2 وهم الذين يكتبون الحجب والتمائم والتعاويذ ونحوها، فإنهم يتحرون بها يوم السبت في ساعة كذا أو غيره من الأيام والساعات، ويذبحون ويبخرون عند نزول الكوكب الفلاني في منزلة كذا ونحو كذا، وهم في البلاد الإسلامية كثير - لا كثرهم الله -، ويعتقد العامة فيهم الصلاح والتقوى، مع أنهم مشركون مرتدون مفسدون للعقول بدجلهم بهذه التمائم والحجب، ومتخذون آيات الله هزوا، ومتقربون بهذه المناسك لغير الله. فيا لله ما أشد غربة الإسلام! وإنا لله وإنا إليه راجعون.
3 وفي غير مكة باسم الزار وإخراج الجن المتلبس بالإنس. ويدقون لذلك الطبول. (*) قوله: (وكذلك أيضا ما يسمى من الطعام والشراب أو غيره نذرا أو قربة لغير الله، فكل طعام يصنع ليوزع على العاكفين عند هذه القبور والطواغيت) إلخ. أقول: هذا المقام فيه تفصيل: فإن كان المراد من ذلك من أن هذا الشرك لكونه عبادة لغير الله وتقربا إليه فهذا صحيح؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يعبد غير الله بشيء من العبادات لا نبيا ولا غيره، ولا ريب أن تقديم الطعام والشراب والنقود وغير ذلك للأموات من الأنبياء والأولياء أو غيرهم أو للأصنام ونحوها رغبة ورهبة، داخل في عبادة غير الله؛ لأن العبادة لله هي ما أمر الله به ورسوله، أما إن كان مراد الشيخ حامد أن النقود والطعام والشراب والحيوانات الحية التي قدمها ملاكها للأنبياء والأولياء وغيرهم يحرم أخذها والانتفاع بها، فذلك غير صحيح؛ لأنها أموال ينتفع بها قد رغب عنها أهلها، وليست في حكم الميتة فوجب أن تكون مباحة لمن أخذها، كسائر الأموال التي تركها أهلها لمن أرادها، كالذي يتركه الزراع وجذاذ النخل من السنابل والتمر للفقراء، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الأموال التي في خزائن اللات، وقضى منها دين عروة بن مسعود الثقفي، ولم ير تقديمها للات مانعا من أخذها عند القدرة عليها. ولكن يجب على من رأى من يفعل ذلك من الجهلة والمشركين أن ينكر عليه، ويبين له أن ذلك من الشرك حتى لا يظن أن سكوته عن الإنكار أو أخذه لها إن أخذ منها شيئا دليل على جوازها وإباحة التقرب بها إلى غير الله سبحانه، ولأن الشرك أعظم المنكرات فوجب إنكاره على من فعله، لكن إذا كان الطعام مصنوعا من لحوم ذبائح المشركين أو شحمها أو مرقها فإنه حرام؛ لأن ذبيحتهم في حكم الميتة فتحرم، وينجس بها ما خالطته من الطعام، بخلاف الخبز ونحوه ما لم يخالطه شيء من ذبائح المشركين فإنه حل لمن أخذه، وهكذا النقود ونحوها كما تقدم والله أعلم.
4 موضوع: رواه البيهقي في سننه (9/314) عن أبي هريرة مرفرعا وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وحكم بوضعه الألباني في الضعيفة (240) وقال: "والعمدة في النهي عن هذه الذبائح الأحاديث الصحيحة في النهي عن الطيرة والله أعلم" ا. هـ.
بتحريمه; لأنه مما أهل به لغير الله.
قوله: " لعن الله من لعن والديه " يعني أباه وأمه وإن عليا. وفي الصحيح: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:
" من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه "1.
قوله: " "لعن الله من آوى محدثا" " أي منعه من أن يؤخذ معه الحق الذي وجب عليه. و"آوى" بفتح الهمزة ممدودة أي ضمه إليه وحماه.
قال أبو السعادات: أويت إلى المنزل، وأويت غيري; وآويته. وأنكر بعضهم المقصور المتعدي.
وأما "محدثا" فقال أبو السعادات: يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل
والمفعول، فمعنى الكسر: من نصر جانيا وآواه وأجاره من خصمه، وحال بينه وبين أن يقتص منه. وبالفتح: هو الأمر المبتدع نفسه، ويكون معنى الإيواء فيه الرضى به والصبر عليه; فإنه إذا رضي بالبدعة وأقر فاعلها ولم ينكر عليه فقد آواه.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "هذه الكبيرة تختلف مراتبها باختلاف مراتب الحدث في نفسه، فكلما كان الحدث في نفسه أكبر كانت الكبيرة أعظم".
قوله: "ولعن الله من غير منار الأرض" بفتح الميم علامات حدودها. قال أبو السعادات في النهاية - في مادة "تخم" -: ملعون من غير تخوم الأرض أي معالمها واحدودها، وحدها تخم قيل: أراد حدود الحرم خاصة. وقيل: هو عام في جميع الأرض، وأراد المعالم التي يهتدى بها في الطريق. وقيل: هو أن يدخل الرجل في ملك غيره فيقتطعه ظلما. قال: ويروى "تخوم" بفتح التاء على الإفراد وجمعه تخم بضم التاء والخاء". اهـ.
وتغييرها: أن يقدمها أو يؤخرها، فيكون هذا من ظلم الأرض الذي قال فيه النبي صلي الله عليه وسلم:
" من ظلم شبرا من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين " 2 ففيه جواز لعن أهل الظلم من غير تعيين.
1 مسلم: كتاب الإيمان (90)(146) : باب بيان الكبائر وأكبرها من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
2 رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن عائشة، وعن سعيد بن زيد رضي الله عنهما.
وأما لعن الفاسق المعين ففيه قولان: أحدهما: أنه جائز. اختاره ابن الجوزي وغيره. والثاني: لا يجوز. اختاره أبو بكر عبد العزيز وشيخ الإسلام.
قوله: "وعن طارق بن شهاب أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب. قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجاوزه أحد حتى يقرب له شيئا. قالوا لأحدهما: قرب. قال: ليس عندي شي أقرب. قالوا: قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا. فخلوا سبيله، فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب، قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل فضربوا عنقه، فدخل الجنة " رواه أحمد"1.
قال ابن القيم رحمه الله: قال الإمام أحمد رحمه الله2 حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب يرفعه قال: " دخل رجل الجنة في ذباب " -الحديث.
وطارق بن شهاب: هو البجلي الأحمس، أبو عبد الله. رأى النبي صلي الله عليه وسلم وهو رجل. قال البغوي: نزل الكوفة. وقال أبو داود: رأى النبي صلي الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا. قال الحافظ: إذا ثبت أنه لقي النبي صلي الله عليه وسلم فهو صحابي، وإذا ثبت أنه لم يسمع منه فروايته عنه مرسل صحابي وهو مقبول على الراجح; وكانت وفاته - على ما جزم به ابن حبان - سنة ثلاث وثمانين.
قوله: " دخل الجنة رجل في ذباب " أي من أجله.
قوله: "قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ " كأنهم تقالوا ذلك، وتعجبوا منه. فبين
لهم
1 صحيح موقوفا: رواه أحمد في الزهد (15 ، 16) ، وأبو نعيم في الحلية (1/203) عن طارق بن شهاب عن سلمان الفارسي موقوفا بسند صحيح أفاده الدوسري في النهج السديد.
2 الحديث في كتاب الزهد ص15 س18، وفي الحلية ج1 ص203 موقوفا فيهما كليهما على سليمان في الزهد وعلى سلمان في الحلية. وهو خطأ في الحلية؛ لأن الحافظ ابن حجر قال في تعجيل المنفعة:((سليمان بن ميسرة الأحمسي عن طارق بن شهاب، وعنه الأعمش وحبيب بن أبي ثابت، وثقه ابن معين. وقال ابن حبان في ثقات التابعين: روى عن طارق بن شهاب وله صحبة، وقال ابن خلفون في الثقات: وثقه العجلي ويحيى والنسائي)) . اهـ.
صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب. قال: ليس عندي شيء أقرب. قالوا له: قرب ولو ذبابا. فقرب ذبابا، فخلوا سبيله، فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب. فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل: فضربوا عنقه فدخل الجنة " رواه أحمد.
فيه مسائل: الأولى: تفسير {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} 1.
الثانية: تفسير {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 2.
لهم النبي صلي الله عليه وسلم ما صير هذا الأمر الحقير عندهم عظيما يستحق هذا عليه الجنة، ويستوجب الآخر عليه النار.
قوله: " فقال: مر رجلان على قوم لهم صنم " الصنم: ما كان منحوتا على صورة، ويطلق عليه الوثن كما مر 3.
قوله: "لا يجاوزه" أي لا يمر به ولا يتعداه أحد حتى يقرب إليه شيئا وإن قل.
قوله: " قالوا له: قرب ولو ذبابا فقرب ذبابا فخلوا سبيله; فدخل النار " في هذا بيان عظمة الشرك، ولو في شيء قليل، وأنه يوجب النار4. كما قال تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} 5.
وفي هذا الحديث: التحذير من الوقوع في الشرك، وأن الإنسان قد يقع فيه وهو لا يدري أنه من الشرك الذي يوجب النار.
وفيه: أنه دخل النار بسبب لم يقصده ابتداء، وإنما فعله تخلصا من شر أهل الصنم.
الثالثة: البداءة بلعنة من ذبح لغير الله.
الرابعة: لعن من لعن والديه، ومنه أن تلعن والدي الرجل فيلعن والديك.
الخامسة: لعن من آوى محدثا، وهو الرجل يحدث شيئا يجب فيه حق لله، فيلتجئ إلى من يجيره من ذلك.
السادسة: لعن من غير منار الأرض، وهي المراسيم التي تفرق بين حقك وحق جارك، فتغيرها بتقديم أو تأخير.
السابعة: الفرق بين لعن المعين ولعن أهل المعاصي على سبيل العموم.
الثامنة: هذه القصة العظيمة، وهي قصة الذباب.
التاسعة: كونه دخل النار بسبب ذلك الذباب الذي لم يقصده، بل فعله تخلصا من شرهم6.
العاشرة: معرفة قدر الشرك في قلوب المؤمنين، كيف صبر ذلك على القتل ولم يوافقهم على طلبتهم، مع كونهم لم يطلبوا إلا العمل الظاهر.
الحادية عشرة: أن الذي دخل النار مسلم؛ لأنه لو كان كافرا لم يقل " دخل النار في ذباب".
الثانية عشرة: فيه شاهد للحديث الصحيح " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك "7.
وفيه: أن ذلك الرجل كان مسلما قبل ذلك، وإلا فلو لم يكن مسلما لم يقل دخل النار في ذباب.
وفيه: أن عمل القلب هو المقصود الأعظم حتى عند عبدة الأوثان، ذكره المصنف بمعناه.
1 سورة الأنعام آية: 162.
2 سورة الكوثر آية: 2.
3 قال في النهاية: كل ما عبد من دون الله بل كل ما يشغل عن الله يقال له: صنم.
4 في قرة العيون: لأنه قصد غير الله بقلبه أو انقاد بعمله فوجبت له النار، ففيه معنى حديث مسلم الذي تقدم في باب الخوف من الشرك عن جابر مرفوعا:"من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار". فإذا كان هذا فيمن قرب للصنم ذبابا فكيف بمن يستسمن الإبل والبقر والغنم ليتقرب بنحرها وذبحها لمن كان يعبده من دون الله، من ميت أو غائب، أو طاغوت أو مشهد أو شجر، أو حجر أو غير ذلك؟ وكان هؤلاء المشركون في أواخر هذه الأمة يعدون ذلك أفضل من الأضحية في وقتها الذي شرعت فيه، وربما اكتفى بعضهم بذلك عن أن يضحي لشدة رغبته وتعظيمه ورجائه لمن كان يعبده من دون الله; وقد عمت البلوى بهذا وما هو أعظم منه.
5 سورة المائدة آية: 72.
6 الظاهر أنه ليس متخلصا وإلا لم يدخل النار; (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) .
7 البخاري: الشهادات (2650)، ومسلم: الهبات (1623)، والنسائي: النحل (3681 ،3682 ،3683) ، وأحمد (4/273) .
الثالثة عشرة: معرفة أن عمل القلب هو المقصود الأعظم، حتى عند عبدة الأوثان.
قوله: " وقالوا للآخر: قرب. قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل " ففيه بيان فضيلة التوحيد والإخلاص1.
1 في قرة العيون: ففيه معرفة قدر الشرك في قلوب أهل الإيمان ونفرتهم عنه وصلابتهم في الإخلاص، كما في حديث أنس الذي في البخاري وغيره الآتي - إن شاء الله تعالى -:"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان"، وفيه:"وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار". وفيه: تفاوت الناس في الإيمان؛ لأن هذا الرجل الذي قرب الذباب لم يكن له عمل يستحق به دخول النار قبل ما فعله مع هذا الصنم، كما هو ظاهر الحديث والله أعلم.