المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: " بيان شيء من أنواع السحر - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌باب: كتاب التوحيد

- ‌باب: فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌باب" من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌باب الخوف من الشرك

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب" تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب: "من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

- ‌باب: ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌باب: " من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

- ‌باب: " ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌باب: " لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌باب: " من الشرك النذر لغير الله

- ‌باب: " من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌باب: " من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌باب: قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}

- ‌باب: قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير ُ}

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب: قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}

- ‌باب: "ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب: " ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌باب: "ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب: ما جاء في حماية المصطفى صلي الله عليه وسلم جناب التوحيد "وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

- ‌باب: " ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌باب " ما جاء في السحر

- ‌باب: " بيان شيء من أنواع السحر

- ‌باب: " ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب: " ما جاء في النُّشْرة

- ‌باب: " ما جاء في التطير

- ‌باب: " ما جاء في التنجيم

- ‌باب: " ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب: قول الله تعلى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

- ‌باب: قول الله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين}

- ‌باب: قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب: قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب: " من الإيمان بالله: الصبر على أقدار الله

- ‌باب: " ما جاء في الرياء

- ‌باب: " من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌باب: " من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أربابا من دون الله

- ‌باب: قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا به}

- ‌باب: من جحد شيئا من الأسماء والصفات، وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}

- ‌باب: قول الله تعالى: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}

- ‌باب: قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب: " ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌باب: "قول "ما شاء الله وشئت

- ‌باب: " من سَبَّ الدهر فقد آذى الله

- ‌بااب: التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌باب: " احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب: " من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول

- ‌باب: قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَ

- ‌باب: "قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} 1 الآية

- ‌باب "لا يقال " السلام على الله

- ‌باب" قول: " اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب " لا يقول عبدي وأَمَتي

- ‌باب " لا يرد من سأل بالله

- ‌باب: " لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب: ما جاء في "لو

- ‌باب النهي عن سب الريح

- ‌باب: قول الله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْ

- ‌باب: " ما جاء في منكري القدر

- ‌باب: " ما جاء في المصورين

- ‌باب: " ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب: "ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه

- ‌باب: " ما جاء في الإقسام على الله

- ‌باب: لا يستشفع بالله على خلقه

- ‌باب: " ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حِمى التوحيد، وسدِّه طرق الشرك

- ‌باب: ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}

الفصل: ‌باب: " بيان شيء من أنواع السحر

السابعة: أنه يُقتل ولا يستتاب.

الثامنة: وجود هذا في المسلمين على عهد عمر، فكيف بعده؟

ص: 288

‌باب: " بيان شيء من أنواع السحر

"

قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن حيان بن العلاء حدثنا

قوله: باب "بيان شيء من أنواع السحر".

قلت: ذكر الشارح -رحمه الله تعالى- هاهنا شيئا من الخوارق وكرامات الأولياء، وذكر ما اغتر به كثير من الناس من الأحوال الشيطانية التي غرت كثيرا من العوام والجهال، وظنوا أنها تدل على ولاية من جرت على يديه ممن هو من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن، ثم قال:"" ولشيخ الإسلام كتاب "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" فراجعه". انتهى.

قال -رحمه الله تعالى-: "قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف عن حيان بن العلاء، حدثنا قَطَن بن قبيصة عن أبيه أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إنّ العيافة، والطرق، والطيرة من الجبت " قال عوف: العيافة: زجر الطير، والطرق: الخط يخط في الأرض، والجبت: قال الحسن: "رنة الشيطان". إسناده جيد. ولأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه: المسند منه".

قوله: "قال أحمد" هو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل.

ومحمد بن جعفر هو المشهور بغندر الهذلي البصري، ثقة مشهور، مات سنة ست ومائتين.

وعوف هو ابن أبي جميلة - بفتح الجيم - العبدي البصري، المعروف بعوف الأعرابي، ثقة مات سنة ست أو سبع وأربعين، وله ست وثمانون سنة.

قطن بن قبيصة عن أبيه أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت "1.

قال عوف: "العيافة: زجر الطير. والطرق: الخط يخط بالأرض "2.

والجبت: قال الحسن: " رنة الشيطان". إسناد جيد.

وحيان بن العلاء هو بالتحتية، ويقال: حيان بن مخارق، أبو العلاء البصري، مقبول.

وقطن، بفتحتين أبو سهل البصري صدوق.

قوله: "عن أبيه" هو قبيصة - بفتح أوله - ابن مخارق - بضم الميم - أبو عبد الله الهلالي. صحابي، نزل البصرة.

_________

1ضعيف. أحمد (3/477) ، (5/60)، وأبو داود: كتاب الطب (3907) : باب في الخط وزجر الطير، والنسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (8/275) ، وابن حبان (1426-موارد) . وضعفه الألباني في تخريج رياض الصالحين (1668) .

2 هو ما يسمونه خط الرمل وعلمه، وهو ذائع بين أهل العصر، ولبعضهم فيه تأليف، وقد يتعيش به كثير من المتكهنين يغرون به البله والجهلة; زاعمين أنهم يطلعون على المغيبات وهم كاذبون; فإن هذا العلم بل الجهل لا يقصد به إلا خداع الناس، وأكل أموالهم بالباطل، وقد بحثت في قواعده فوجدته -كما ذكرت لك- رجما بالغيب، وهو من الجبت كما في الحديث. فيجب على المؤمنين بالله الكفر به. ومثله ما يسمونه علم قراءة الكف، وقراءة الفنجان، ومناجاة حب البن ونحوه. كل ذلك دجل وسحر واستمتاع كل من شياطين الجن والإنس ببعضهم. نسأل الله العافية للمسلمين من هذه الأمراض الفتاكة.

ص: 288

قوله: " إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت ". قال عوف: العيافة: زجر الطير، والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها، هو من عادات العرب، وكثير في أشعارهم. يقال: عاف يعيف عيفا، إذا زجر وحدس وظن.

قوله: "والطرق: الخط يخط بالأرض" كذا فسره عوف، وهو كذلك.

وقال أبو السعادات: هو الضرب بالحصى الذي يفعله النساء. وأما الطيرة فيأتي الكلام عليها في بابها إن شاء الله تعالى.

قوله: "من الجبت" أي السحر. قال القاضي: والجبت في الأصل الفشل الذي لا خير فيه، ثم استعير لما يعبد من دون الله، وللساحر والسحر.

قوله: "قال الحسن: رنة الشيطان" قلت: ذكر إبراهيم بن محمد بن مفلح أن في تفسير بقي بن مخلد أن إبليس رن أربع رنات: رنة حين لُعن، ورنة حين أُهبط;

ولأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه المسند منه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد "1. رواه أبو داود، وإسناده صحيح.

ورنة حين ولد رسول الله صلي الله عليه وسلم، ورنة حين نزلت فاتحة الكتاب. قال سعيد بن جبير:"لما لعن الله تعالى إبليس تغيرت صورته عن صورة الملائكة، ورن رنة، فكل رنة منها في الدنيا إلى يوم القيامة ". رواه ابن أبي حاتم. وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "لما فتح رسول الله صلي الله عليه وسلم مكة رن إبليس رنة اجتمعت إليه جنوده". رواه الحافظ الضياء في المختارة. الرنين: الصوت. وقد رن يرن رنينا، وبهذا يظهر معنى قول الحسن -رحمه الله تعالى-.

1حسن. أبو داود: كتاب الطب (3905) : باب في النجوم، وأحمد (1/277،311)، وابن ماجة كتاب الأدب (3726) : باب تعلم النجوم. وصححه الألباني في صحيح الجامع (5950) ، وفي الصحيحة (793) .

ص: 289

قوله: "ولأبي داود وابن حبان في صحيحه: المسند منه" ولم يذكر التفسير الذي فسره به عوف. وقد رواه أبو داود بالتفسير المذكور بدون كلام الحسن.

قوله: "وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد ". رواه أبو داود بإسناد صحيح". وكذا صححه النووي والذهبي ورواه أحمد وابن ماجه.

قوله: "من اقتبس" قال أبو السعادات: " قبست العلم واقتبسته إذا علمته" اهـ1.

قوله: "شعبة" أي طائفة من علم النجوم. والشعبة الطائقة. ومنه الحديث: ? " الحياء شعبة من الإيمان "2. أي جزء منه.

وللنسائي من حديث أبي هريرة: " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك. ومن تعلق شيئا وكل إليه "3.

قوله: "فقد اقتبس شعبة من السحر" المحرم تعلمه. قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: " فقد صرح رسول الله صلي الله عليه وسلم بأن علم النجوم من السحر". وقال تعالى: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} 4.

قوله: "زاد ما زاد" أي كلما زاد من تعلم علم النجوم زاد في الإثم الحاصل بزيادة الاقتباس5 من شعبه، فإن ما يعتقده في النجوم من التأثير باطل، كما أن تأثير

1 أصله مأخوذ من القبس، وهو القليل من النار ليستدفئ به. قال موسى لأهله:(امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى) .

2 البخاري: الإيمان (9)، ومسلم: الإيمان (35)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (5006)، وأبو داود: السنة (4676)، وابن ماجه: المقدمة (57) ، وأحمد (2/414 ،2/442) .

3 ضعيف. النسائي: كتاب تحريم الدم (7/112)(4079) : باب الحكم في السحرة. وضعفه الذهبي في الميزان (2/378) . وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5714) .

4 سورة طه آية: 69.

5 الوعيد لمن يتعلم منه ما يؤدي إلى الكفر كادعاء علم الغيب، كما في كتيب ينسب إلى أبي معشر، وهو شائع بين السحرة الذين يتسمون بأسماء إسلامية يغرون به النساء وضعفة العقول. وقد تمدن الشياطين وإخوانهم من سحرة هذا الزمان في البلاد المتمدنة، فاخترعوا أسماء للسحر جديدة وصورا كذلك، مثل اسم التنويم المغناطيسي، ومناجاة الأرواح، واستحضارها بأنواع من الحيل والتعازيم المتمدنة أيضا.

ص: 290

السحر باطل1.

قوله: "وللنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر. ومن سحر فقد أشرك. ومن تعلق شيئا وكل إليه " هذا حديث ذكره المصنف من حديث أبي هريرة وعزاه للنسائي. وقد رواه النسائي مرفوعا وحسنه ابن مفلح.

قوله: "وللنسائي" هو الإمام الحافظ أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار أبو عبد الرحمن صاحب السنن وغيرها. وروى عن محمد بن المثنى وابن بشار وقتيبة وخلق، وكان إليه المنتهى في العلم بعلل الحديث، مات سنة ثلاث وثلاثمائة، وله ثمان وثمانون سنة رحمه الله تعالى.

قوله: "من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر" اعلم أن السحرة إذا أرادوا عمل السحر عقدوا الخيوط ونفثوا على كل عقدة، حتى ينعقد ما يريدون من السحر، قال الله تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} 2 يعني السواحر اللاتي يفعلن ذلك، والنفث هو النفخ مع الريق، وهو دون التفل. والنفث فعل الساحر، فإذا تكيفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده المسحور، ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة نفخ في تلك العقدة نفخا معه ريق، فيخرج من نفسه الخبيثة نفس ممازج للشر والأذى مقارن للريق الممازج لذلك، وقد يتساعد هو والروح الشيطانية على أذى المسحور فيصيبه بإذن الله الكوني القدري لا الشرعي، قاله ابن القيم -رحمه الله تعالى-.

قوله: " " ومن سحر فقد أشرك " نص في أن الساحر مشرك؛ إذ لا يتأتى السحر بدون الشرك كما حكاه الحافظ عن بعضهم.

1 علم النجوم علمان: علم يعرف به سيرها ومدارها ومنازلها وأبعادها وأحجامها. وهذا علم الفلك لا بأس بتعلمه والعمل به. وعلم يعرف بالعلم الروحاني، يزعمون أنه معرفة روحانية النجوم والكواكب وتأثيرها في الأرض ومن عليها بالأمراض والحروب والضيق والسعة والموت والحياة، والسعادة والشقاوة بين الزوجين إذا عقد قرانهما عند اقتران كذا من النجوم والكواكب بكذا. ولهم في ذلك ما يسمونه بالطالع، ويعملون جدولا بالحوادث التي ستحدث في العام كله من حوادث عامة وخاصة. وهذا هو الدجل والكذب. وهو نوع من السحر واستخدام الشياطين والقول على الله بلا علم.

2 سورة الفلق آية: 4.

ص: 291

قوله: " ومن تعلق شيئا وكل إليه " أي من تعلق قلبه شيئا; بحيث يعتمد عليه ويرجوه، وكله الله إلى ذلك الشيء. 1 فمن تعلق على ربه وإلهه وسيده ومولاه رب كل شيء ومليكه، كفاه ووقاه وحفظه وتولاه، فنعم المولى ونعم النصير. قال تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} 2. ومن تعلق على السحرة والشياطين وغيرهم من المخلوقين، وكله الله إلى من تعلقه فهلك، ومن تأمل ذلك في أحوال الخلق ونظر بعين البصيرة رأى ذلك عيانا، وهذا من جوامع الكلم. والله أعلم.

قال: "وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " ألا هل أنبئكم ما العَضْه؟ هي النميمة: القالة بين الناس ". رواه مسلم".

هي النميمة: القالة بين الناس "3 رواه مسلم. ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " إن من البيان لسحرا " 4.

قوله: "ألا هل أنبئكم" أخبركم و "العضه" بفتح المهملة وسكون المعجمة; قال أبو السعادات: هكذا يروى في كتب الحديث. والذي في كتب الغريب "ألا أنبئكم ما العِضَه" بكسر العين وفتح الضاد. قال الزمخشري: أصلها "العضهة" فعلة من العضه وهو البهت. فحذفت لامه، كما حذفت من السنة والسفه، وتجمع على "عضين"، ثم فسره بقوله:"هي النميمة: القالة بين الناس"، فأطلق عليها "العضه"؛ لأنها لا تنفك من الكذب والبهتان غالبا. ذكره القرطبي.

وذكر ابن عبد البر عن يحيى ابن أبي كثير قال: "يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة". وقال أبو الخطاب في عيون المسائل: ومن السحر السعي بالنميمة والإفساد بين الناس. قال في الفروع: ووجهه أنه يقصد الأذى بكلامه وعمله على وجه المكر والحيلة، أشبه السحر، وهذا يعرف بالعرف والعادة أنه يؤثر وينتج ما يعمله السحر أو أكثر، فيعطى حكمه تسوية بين المتماثلين أو المتقاربين. لكن يقال: الساحر إنما يكفر لوصف السحر وهو أمر خاص ودليله خاص، وهذا ليس بساحر. وإنما يؤثر عمله ما يؤثره فيعطى حكمه إلا فيما اختص به من الكفر وعدم قبول التوبة. انتهى ملخصا.

1 ومن قصر تعلق قلبه على الله وحده كفاه كما قال تعالى: (65: 3)(ومن يتوكل على الله فهو حسبه) . وقال: (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) . وهذا التعلق هو روح الإيمان وخلاصة التوحيد، فمن تعلق قلبه بغير الله يرجوه في دفع ضر أو جلب نفع فقد أشرك بالله أعظم الشرك.

2 سورة الزمر آية: 36.

3 مسلم: البر والصلة والآداب (2606) ، وأحمد (1/437) .

4 البخاري: النكاح (5146)، والترمذي: البر والصلة (2028)، وأبو داود: الأدب (5007) ، وأحمد (2/16 ،2/59 ،2/62 ،2/94)، ومالك: الجامع (1850) .

ص: 292

وبه يظهر مطابقة الحديث للترجمة. وهو يدل على تحريم النميمة، وهو مجمع عليه. قال ابن حزم رحمه الله:" اتفقوا على تحريم الغيبة والنميمة في غير النصيحة الواجبة". وفيه دليل على أنها من الكبائر.

قوله: "القالة بين الناس". قال أبو السعادات: أي كثرة القول وإيقاع الخصومة بين الناس. ومنه الحديث: " فشت القالة بين الناس "1.

قال: "ولهما عن ابن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " إن من البيان لسحرا ". البيان: البلاغة والفصاحة. قال صعصعة

فيه مسائل:

الأولى: أن العيافة والطرق والطيرة من الجبت.

الثانية: تفسير العيافة والطرق.

الثالثة: أن علم النجوم نوع من السحر.

الرابعة: العقد مع النفث من ذلك.

الخامسة: أن النميمة من ذلك.

السادسة: أن من ذلك بعض الفصاحة.

بن صوحان: "صدق نبي الله؛ فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق، فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق". وقال ابن عبد البر: " تأولته طائفة على الذم؛ لأن السحر مذموم، وذهب أكثر أهل العلم وجماعة أهل الأدب إلى أنه على المدح؛ لأن الله تعالى مدح البيان. قال: وقد قال عمر بن عبد العزيز لرجل سأله عن حاجة فأحسن المسألة فأعجبه قوله. قال: "هذا والله السحر الحلال"". انتهى.

والأول أصح، والمراد به البيان الذي فيه تمويه على السامع وتلبيس، كما قال بعضهم:

في زخرف القول تزيين لباطله

والحق قد يعتريه سوء تعبير

مأخوذ من قول الشاعر:

تقول هذا مُجاج النحل تمدحه

وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير

مدحا وذما وما جاوزت وصفهما

والحق قد يعتريه سوء تعبير

قوله: " إن من البيان لسحرا ". هذا من التشبيه البليغ؛ لكون ذلك يعمل عمل السحر، فيجعل الحق في قالب الباطل، والباطل في قالب الحق، فيستميل به قلوب الجهال، حتى يقبلوا الباطل وينكروا الحق، ونسأل الله الثبات والاستقامة على الهدى.

وأما البيان الذي يوضح الحق ويقرره، ويبطل الباطل ويبينه، فهذا هو الممدوح، وهكذا حال الرسل وأتباعهم، ولهذا علت مراتبهم في الفضائل وعظمت حسناتهم.

1 مسلم: البر والصلة والآداب (2606) ، وأحمد (1/437) .

ص: 293