الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما صفة تبارك فمختصة به، كما أطلقه على نفسه في قوله:{تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1. {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 2. أفلا تراها كيف اطردت في القرآن جارية عليه مختصة به، لا تطلق على غيره، وجاءت على بناء السعة والمبالغة، كتعالى وتعاظم ونحوه، فجاء بناء "تبارك" على بناء "تعالى" الذي هو دال على كمال العلو ونهايته، فكذلك تبارك دال على كمال بركته ووعظمته ووسعتها. وهذا معنى قول من قال من السلف:"تبارك" تعاظم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: " جاء بكل بركة".
1 سورة الأعراف آية: 54.
2 سورة الملك آية: 1.
باب " ما جاء في السحر
"
وقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 1.
قوله: "باب ما جاء في السحر" أي والكهانة.
السحر في اللغة: عبارة عما خفي ولطُف سببه، ولهذا جاء الحديث: 2 " إن من البيان لسحرا "3. وسمي السحر سحرا؛ لأنه يقع خفيا آخر الليل. قال أبو محمد المقدسي في الكافي: "" السحر عزائم ورُقى وعقد يؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه". قال الله تعالى:{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} 4. وقال سبحانه: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} 5. يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن وينفثن في عقدهن. ولولا أن للسحر حقيقة لم يأمر الله بالاستعاذة منه.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلي الله عليه وسلم سُحر حتى إنه ليخيل إليه
_________
1 سورة البقرة آية: 102.
2 جزء من حديث. أخرجه البخاري: كتاب النكاح (5146) : باب الخطبة. من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وأخرجه مسلم: كتاب الجمعة (869)(47) : باب تخفيف الصلاة والخطبة.
3 رواه مالك وأحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عمر.
4 سورة البقرة آية: 102.
5 سورة الفلق آية: 4.
أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال لها ذات يوم:" أتاني ملكان، فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم في مشط ومِشاطة وفي جَف طلعة ذكر في بئر ذروان " 2 رواه البخاري.
قال: "وقول الله تعالى: {عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 3". قال ابن عباس: "من نصيب". قال قتادة: وقد علم أهل الكتاب فيما عهد إليهم: أن الساحر لا خلاق له في الآخرة. وقال الحسن: ليس له دين.
فدلت الآية على تحريم السحر، وكذلك هو محرم في جميع أديان الرسل عليهم السلام، كما قال تعالى:{وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} 4. وقد نص أصحاب أحمد أنه يكفر بتعلمه وتعليمه. وروى عبد الرزاق 5عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " من تعلم شيئا من السحر قليلا كان أو كثيرا كان آخر عهده من الله "6. وهذا مرسل.
واختلفوا: هل يكفر الساحر أو لا؟ فذهب طائفة من السلف إلى أنه يكفر. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله. قال أصحابه: إلا أن يكون سحره بأدوية وتدخين وسقي شيء يضر فلا يكفر.
وقال الشافعي: " إذا تعلم السحر قلنا له: صف لنا سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر; مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته كفر". اهـ. وقد سماه الله كفرا بقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} 7. وقوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} 8. قال ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} : وذلك أنهما علما الخير والشر والكفر والإيمان، فعرفا أن السحر من الكفر. قال:"وقوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} 9 " تقدم الكلام عليهما في الباب قبله. وفيه أن السحر من الجبت. قاله المصنف رحمه الله.
1 سورة النساء آية: 51.
2 البخاري: بدء الخلق (3268)، ومسلم: السلام (2189)، وابن ماجه: الطب (3545) ، وأحمد (6/57) .
3 سورة البقرة آية: 102.
4 سورة طه آية: 69.
5 228- موضوع. عبد الرزاق (10/184) . وفيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي. قال ابن معين: كذاب رافضي. وقال النسائي والدارقطني وأحمد بن حنبل: متروك. راجع الميزان (1/57: 61) .
6 وأخرجه مسلم أيضا: كتاب السلام (2189)(43) : باب السحر.
7 سورة البقرة آية: 102.
8 سورة البقرة آية: 102.
9 سورة النساء آية: 51.
قوله: "قال عمر رضي الله عنه: " الجبت: السحر. والطاغوت: الشيطان " هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم وغيره.
قوله: "وقال جابر: " الطواغيت: كهان كان ينزل عليهم الشيطان، في كل حي واحد ". هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم بنحوه مطولا عن وهب بن منبه قال: سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها، فقال: إن في جهينة واحدا، وفي أسلم واحدا، وفي هلال واحدا، وفي كل حي واحدا، وهم كهان كانت تنزل عليهم الشياطين "1.
قوله: "قال جابر" هو ابن عبد الله بن حرام الأنصاري2.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " اجتنبوا السبع الموبقات.
قوله: "الطواغيت كهان" أراد أن الكهان من الطواغيت: فهو من أفراد المعنى.
قوله: "كان ينزل عليهم الشيطان" أراد الجنس لا الشيطان الذي هو إبليس خاصة، بل تنزل عليهم الشياطين ويخاطبونهم ويخبرونهم بما يسترقون من السمع، فيصدقون مرة ويكذبون مائة.
قوله: "في كل حي واحد" الحي واحد الأحياء، وهم القبائل; أي في كل قبيلة كاهن يتحاكمون إليه ويسألونه عن الغيب، وكذلك كان الأمر قبل مبعث النبي صلي الله عليه وسلم فأبطل الله ذلك بالإسلام وحرست السماء بكثرة الشهب.
1 الذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم: أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله، سواء في ذلك الشيطان من الجن والشيطان من الإنس، والأشجار والأحجار وغيرها. ويدخل في ذلك بلا شك: الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال، وليبطل بها شرائع الله، من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها. والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروجوها طواغيت. وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إما قصدا أو من غير قصد من واضعه، فهو طاغوت.
2 توفي جابر سنة74، وقيل: سنة77، وكان عمره أربعا وتسعين سنة.
قوله: "وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق; وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ".
كذا أورده المصنف غير معزو. وقد رواه البخاري ومسلم.
قوله: "اجتنبوا" أي أبعدوا، وهو أبلغ من قوله: دعوا واتركوا؛ لأن النهي عن القربان أبلغ، كقوله:{وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} 1.
قوله: "الموبقات" بموحدة وقاف. أي المهلكات. وسميت هذه موبقات؛ لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات، وفي الآخرة من العذاب.
وفي حديث ابن عمر عند البخاري في الأدب المفرد والطبري في التفسير، وعبد الرزاق مرفوعا وموقوفا قال:
الكبائر تسع- وذكر السبعة المذكورة- وزاد: والإلحاد في الحرم، وعقوق الوالدين" 2. ولابن أبي حاتم عن علي قال:" الكبائر- فذكر السبع- إلا مال اليتيم، وزاد: العقوق، والتعرب بعد الهجرة، وفراق الجماعة، ونكث الصفقة ".
قال الحافظ: ويحتاج عندي هذا الجواب عن الحكمة في الاقتصار على سبع.
ويجاب: بأن مفهوم العدد ليس بحجة وهو ضعيف، أو بأنه أعلم أولا بالمذكورات، ثم أعلم بما زاد. فيجب الأخذ بالزائد، أو أن الاقتصار وقع بحسب المقام بالنسبة إلى السائل.
وقد أخرج الطبراني وإسماعيل القاضي عن ابن عباس أنه قيل له: " الكبائر سبع ". قال: "هن أكثر من سبع وسبع". وفي رواية: "هي إلى سبعين أقرب". وفي رواية: "إلى السبعمائة"3.
قوله: "قال الشرك بالله" هو أن يجعل لله ندا يدعوه ويرجوه، ويخافه كما يخاف الله، بدأ به؛ لأنه أعظم ذنب عصى الله به، كما في الصحيحين عن ابن مسعود:" سألت النبي صلي الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك "4. الحديث.
1 سورة الأنعام آية: 151.
2 حسن. البخاري في الأدب المفرد (8) . وابن جرير في تفسيره (5/26) . عن ابن عمر موقوفا بسند صحيح. وأخرجه البيهقي. عن ابن عمر مرفوعا (409) . وحسنه الألباني في الإرواء (3/156) لشواهده.
3 قد ألف الحافظ عبد الرحمن بن رجب رحمه الله كتابا في عد الكبائر. طبع. ولشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: كتاب مسائل الجاهلية، هو كذلك في عد الكبائر.
4 البخاري: تفسير القرآن (4477)، ومسلم: الإيمان (86)، والترمذي: تفسير القرآن (3182 ،3183)، والنسائي: تحريم الدم (4013 ،4014 ،4015)، وأبو داود: الطلاق (2310) ، وأحمد (1/380 ،1/431 ،1/434 ،1/462 ،1/464) .
وأخرج الترمذي بسنده عن صفوان بن عسال قال: " قال يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي، فقال له صاحبه: لا تقل نبي، إنه لو سمعك لكان له أربع أعين، فأتيا رسول الله صلي الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات بينات، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولوا للفرار يوم الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت. فقبلا يديه ورجليه. وقالا: نشهد أنك نبي " 1 الحديث. وقال: حسن صحيح.
قوله: "السحر" تقدم معناه. وهذا وجه مناسبة الحديث للترجمة.
وقوله: " " وقتل النفس التي حرم الله " أي حرم قتلها. وهي نفس المسلم المعصوم.
قوله: " إلا بالحق" أي بأن تفعل ما يوجب قتلها، كالشرك، والنفس بالنفس، والزاني بعد الإحصان، وكذا قتل المعاهد، كما في الحديث:" من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة "2.
واختلف العلماء فيمن قتل مؤمنا متعمدا، وهل له توبة أم لا؟ فذهب ابن عباس وأبو هريرة وغيرهما إلى أنه لا توبة له، استدلالا بقوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} 3وقال ابن عباس: " نزلت هذه الآية وهي آخر ما نزل، وما نسخها شيء". وفي رواية: "لقد نزلت في آخر ما نزل، وما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلي الله عليه وسلم وما نزل وحي" 4
وروي في ذلك آثار تدل لما ذهب إليه هؤلاء، كما عند الإمام أحمد والنسائي وابن المنذر عن معاوية: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا ?"5.
وذهب جمهور الأمة سلفا وخلفا إلى أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله، فإن تاب وأناب وعمل صالحا بدل الله سيئاته حسنات، كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامايُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناًإِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} 6. الآيات.
قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} 7 قال أبو هريرة وغيره: " هذا جزاؤه إن جازاه".
1 ضعيف. الترمذي: كتاب الاستئذان (2733) : باب ما جاء في قبلة اليد والرجل وقال: حسن صحيح. كتاب التفسير (3144) باب: ومن تفسير سورة بني إسرائيل. وقال: حسن صحيح. وأشار إلى ضعفه ابن كثير في التفسير (3/67) .
2 البخاري: الجزية (3166)، والنسائي: القسامة (4750)، وابن ماجه: الديات (2686) ، وأحمد (2/186) .
3 سورة النساء آية: 93.
4 البخاري: كتاب التفسير (4590) : باب ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم، ومسلم: كتاب التفسير (3023)(16) .
5 صحيح. أحمد (4/99) . والنسائي (7/81) : كتاب تحريم الدم. وصححه الألباني لشواهده في الصحيحة (511) .
6 سورة الفرقان آية: 68-69-70.
7 سورة النساء آية: 93.
وقد روي عن ابن عباس ما يوافق قول الجمهور، فروى عبد بن حميد والنحاس عن سعيد بن عبادة أن ابن عباس رضي الله عنه كان يقول:"لمن قتل مؤمنا توبة". وكذلك ابن عمر رضي الله عنهما. وروى مرفوعا: "أن جزاءه جهنم إن جازاه".
قوله: "وأكل الربا" أي تناوله بأي وجه كان، كما قال تعالى:{الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} 1 الآيات. قال ابن دقيق العيد: "" وهو مجرب لسوء الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك".
قوله: "وأكل مال اليتيم" يعني التعدي فيه. وعبر بالأكل؛ لأنه أعم وجوه الانتفاع، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} 2.
قوله: " والتولي يوم الزحف " أي الإدبار عن الكفار وقت التحام القتال، وإنما يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال. كما قيد به في الآية3.
وعن جندب مرفوعا: " حد الساحر ضربه بالسيف "4. رواه الترمذي، وقال: الصحيح أنه موقوف.
قوله: "وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" وهو بفتح الصاد: المحفوظات من الزنا، وبكسرها: الحافظات فروجهن منه، والمراد بالحرائر العفيفات، والمراد رميهن بزنا أو لواط. والغافلات، أي عن الفواحش وما رمين به. فهو كناية عن البريئات; لأن الغافل بريء عما بُهت به. والمؤمنات، أي بالله تعالى احترازا من قذف الكافرات.
قوله: "وعن جندب مرفوعا: " حد الساحر ضربه بالسيف ". رواه الترمذي وقال: الصحيح أنه موقوف".
قوله: "عن جندب" ظاهر صنيع الطبراني في الكبير أنه جندب بن عبد الله البجلي. لا جندب الخير الأزدي قاتل الساحر؛ فإنه رواه في ترجمة جندب البجلي من طريق خالد العبد عن الحسن عن جندب عن النبي صلي الله عليه وسلم. وخالد العبد ضعيف. قال
1 سورة البقرة آية: 275.
2 سورة النساء آية: 10.
3 في سورة الأنفال (8: 15و16)(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله) .
4 ضعيف. الترمذي: كتاب الحدود (1460) : باب ما جاء في حد الساحر. والحديث ضعفه الحافظ في الفتح (10/236) . وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2698) .
الحافظ: والصواب أنه غيره. وقد رواه ابن قانع والحسن بن سفيان من وجهين عن الحسن عن جندب الخير: "أنه جاء إلى ساحر فضربه بالسيف حتى مات; وقال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول
…
فذكره". وجندب الخير: هو جندب بن كعب، وقيل: جندب بن زهير، وقيل: هما واحد، كما قال ابن حبان: أبو عبد الله الأزدي الغامدي صحابي. روى ابن السكن من حديث بريدة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " يضرب ضربة واحدة فيكون أمة واحدة ".
قوله: " " حد الساحر ضربه بالسيف ". وروي بالهاء وبالتاء، وكلاهما صحيح.
وبهذا الحديث أخذ مالك وأحمد وأبو حنيفة فقالوا: يقتل الساحر. وروي ذلك عن عمر، وعثمان، وابن عمر، وحفصة، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب،
وفي صحيح البخاري عن بَجالة بن عَبْدة قال: " كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر ". وصح عن حفصة رضي الله عنها " أنها أمرت بقتل جارية سحرتها، فقتلت ". وكذلك صح عن جندب.
وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز. ولم ير الشافعي القتل عليه بمجرد السحر إلا إن عمل في سحره ما يبلغ الكفر. وبه قال ابن المنذر، وهو رواية عن أحمد. والأول أولى للحديث ولأثر عمر، وعمل به الناس في خلافته من غير نكير.
قال "وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: " كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر " 1.
هذا الأثر رواه البخاري كما قال المصنف رحمه الله، لكن لم يذكر قتل السواحر.
قوله: "عن بجالة" بفتح الموحدة بعدها جيم، ابن عبدة بفتحتين، التميمي العنبري بصري ثقة.
قوله: "كتب إلينا عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة". وظاهره أنه يقتل من غير استتابة. وهو كذلك على المشهور عن أحمد، وبه قال مالك؛ لأن علم السحر لا يزول بالتوبة. وعن أحمد يستتاب; فإن تاب قبلت توبته. وبه قال الشافعي؛ لأن ذنبه لا يزيد عن الشرك، والمشرك يستتاب وتقبل توبته، ولذلك صح إيمان سحرة فرعون وتوبتهم.
قوله: "وصح عن " حفصة أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت ". هذا الأثر رواه مالك في الموطأ.
1 237- البخاري: كتاب فرض الخمس (3156) : باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب. ولفظه كالآتي: عن بجالة بن عبدة قال: "كنت كاتبا لجزء بن معاوية بن عم الأحنف، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة: فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس".
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية البقرة.
الثانية: تفسير آية النساء.
الثالثة: تفسير الجبت والطاغوت. والفرق بينهما.
الرابعة: أن الطاغوت قد يكون من الجن وقد يكون من الإنس.
الخامسة: معرفة السبع الموبقات المخصوصات بالنهي.
السادسة: أن الساحر يكفر.
وحفصة: هي أم المؤمنين بنت عمر بن الخطاب تزوجها النبي صلي الله عليه وسلم بعد خنيس بن حذافة، وماتت سنة خمس وأربعين.
قوله: "وكذلك صح عن جندب" أشار المصنف بهذا إلى قتله الساحر كما رواه البخاري في تاريخه عن أبي عثمان النهدي قال: "كان عند الوليد رجل يلعب، فذبح إنسانا وأبان رأسه فعجبنا، فأعاد رأسه، فجاء جندب الأزدي فقتله". ورواه البيهقي في الدلائل مطولا. وفيه: "فأمر به الوليد فسجن". فذكر القصة بتمامها ولها طرق كثيرة.
قوله: "قال أحمد: عن ثلاثة من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم". أحمد: هو الإمام ابن محمد بن حنبل1.
قوله: "عن ثلاثة" أي صح قتل الساحر عن ثلاثة، أو جاء قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم يعني عمر، وحفصة، وجندبا. والله أعلم.
1 الإمام الجليل، ناصر السنة وقامع البدعة، الصابر المحتسب في الله ولله على ما لقي في نصر دين الله، العلم الحافظ الحجة. ولد سنة 164، ومات سنة241. قال الشافعي رحمه الله:(خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد من أحمد بن حنبل) . رحمة الله عليه.