الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب" قول: " اللهم اغفر لي إن شئت
"
في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له "1.
قوله: "باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت".
يعني أن ذلك لا يجوز لورود النهي عنه في حديث الباب.
_________
1 البخاري: الدعوات (6339)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2679)، والترمذي: الدعوات (3497)، وأبو داود: الصلاة (1483) ، وأحمد (2/463 ،2/486)، ومالك: النداء للصلاة (494) .
قوله: "في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت. ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له ". بخلاف العبد؛ فإنه قد يعطي السائل مسألته لحاجته إليه، أو لخوفه أو رجائه، فيعطيه مسألته وهو كاره. فاللائق بالسائل للمخلوق أن يعلق حصول حاجته على مشيئة المسئول; مخافة أن يعطيه وهو كاره، بخلاف رب العالمين؛ فإنه –تعالى- لا يليق به ذلك لكمال غناه عن جميع خلقه، وكمال جوده وكرمه، وكلهم فقير إليه، محتاج لا يستغني عن ربه طرفة عين، وعطاؤه كلام.
وفي الحديث: " يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار. أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه; وفي يده الأخرى القسط يخفضه ويرفعه " 1 2. يعطي تعالى لحكمة ويمنع لحكمة وهو الحكيم الخبير. فاللائق بمن سأل الله أن يعزم المسألة، فإنه لا يعطي عبده شيئا عن كراهة ولا عن عظم مسألة. وقد قال بعض الشعراء فيمن يمدحه:
ويعظم في عين الصغير صغارها
…
ويصغر في عين العظيم العظائم
وهذا بالنسبة إلى ما في نفوس أرباب الدنيا، وإلا فإن العبد يعطي تارة ويمنع أكثر، ويعطي كرها، والبخل عليه أغلب. وبالنسبة إلى حاله هذه فليس عطاؤه بعظيم، وأما ما يعطيه الله تعالى عباده فهو دائم مستمر، يجود بالنوال قبل السؤال من حين وضعت النطفة
1 البخاري: التوحيد (7419)، ومسلم: الزكاة (993)، والترمذي: تفسير القرآن (3045)، وابن ماجه: المقدمة (197) ، وأحمد (2/313 ،2/500) .
2 رواه البخاري في عدة مواضع من الجامع، ومسلم عن أبي هريرة وفيه زيادة:"وكان عرشه على الماء" بعد "خلق السماوات والأرض". وفي تفسير سورة هود من البخاري أول الحديث: "أنفق أنفق عليك، وقال: "يد الله ملأى
…
الحديث" قال الحافظ في الفتح: " وترد رواية: "يمين الله" على من فسر اليد هنا بالنعمة، وأبعد منه من فسرها بالخزائن ". اهـ. ومعنى:"يغيضها" ينقصها، يقال: غاض الماء إذا نقص. ومعنى: "سحاء" أي دائمة الصب والعطاء الكبير.
في الرحم. فنعمه على الجنين في بطن أمه دارّة، يربيه أحسن تربية، فإذا وضعته أمه عطف عليه والديه ورباه بنعمه حتى يبلغ أشده، يتقلب في نعم الله مدة حياته، فإن كانت حياته على الإيمان والتقوى، ازدادت نعم الله تعالى عليه إذا توفاه أضعاف أضعاف ما كان عليه في الدنيا من النعم التي لا يقدر قدرها إلا الله، مما أعده الله تعالى لعباده المؤمنين المتقين. وكل ما يناله العبد في الدنيا من النعم، وإن كان بعضها على يد مخلوق فهو بإذن الله وإرادته وإحسانه إلى عبده، فالله تعالى هو المحمود على النعم كلها، فهو الذي شاءها وقدّرها وأجراها عن كرمه وجوده وفضله، فله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن.
قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} 1. وقد يمنع سبحانه عبده إذا سأله لحكمة وعلم بما يصلح عبده من العطاء والمنع، وقد يؤخر ما سأله عبده لوقته المقدر، أو ليعطيه أكثر. فتبارك الله رب العالمين.
ولمسلم: " وليعظم الرغبة؛ فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه "2.
فيه مسائل:
الأولى: النهي عن الاستثناء في الدعاء.
الثانية: بيان العلة في ذلك.
الثالثة: قوله: " ليعزم المسألة".
الرابعة: إعظام الرغبة.
الخامسة: التعليل لهذا الأمر.
وقوله: "ولمسلم: "وليعظم الرغبة" أي في سؤاله ربه حاجته; فإنه يعطي العظائم كرما وجودا وإحسانا. فالله تعالى لا يتعاظمه شيء أعطاه، أي ليس شيء عنده بعظيم، وإن عظم في نفس المخلوق؛ لأن سائل المخلوق لا يسأله إلا ما يهون عليه بذله بخلاف رب العالمين، فإن عطاءه كلام {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 3. فسبحان من لا يقدر الخلق قدره، لا إله غيره ولا رب سواه.
1 سورة النحل آية: 53.
2 مسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2679) .
3 سورة يس آية: 82.