الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإبراهيم: هو الإمام إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي، يكنى أبا عمران ثقة من كبار الفقهاء. قال المزي: دخل على عائشة، ولم يثبت له سماع معها. مات سنة ست وتسعين، وله خمسون سنة أو نحوها.
قوله: "كانوا يكرهون التمائم" إلى آخره، مراده بذلك أصحاب عبد الله بن مسعود، كعلقمة، والأسود وأبي وائل والحارث بن سويد، وعبيدة السلماني ومسروق والربيع بن خثيم، وسويد بن غفلة وغيرهم، وهم من سادات التابعين. وهذه الصيغة يستعملها إبراهيم في حكاية أقوالهم كما بين ذلك الحافظ كالعراقي وغيره.
باب: " من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما
"
وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} 1.
قوله: "باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما" كبقعة وقبر ونحو ذلك، أي فهو مشرك.
_________
1 سورة النجم آية: 19-20.
قوله: "قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} الآيات". وكانت اللات لثقيف، والعزى لقريش وبني كنانة، ومناة لبني هلال. وقال ابن هشام: كانت لهذيل وخزاعة.
فأما "اللات" فقرأ الجمهور بتخفيف التاء، وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وحميد وأبو صالح ورويس بتشديد التاء.
فعلى الأولى قال الأعمش: سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز. قال ابن جرير: وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله تعالى، فقالوا: اللات مؤنثة منه، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. قال: وكذا العزى من العزيز.
وقال ابن كثير: اللات كانت صخرة بيضاء منقوشة عليها بيت بالطائف له أستار وسدنة، وحوله فناء معظم عند أهل الطائف، وهم ثقيف ومن تبعها يفتخرون به على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش. قال ابن هشام: فبعث رسول الله صلي الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار.
وعلى الثانية قال ابن عباس: " كان رجلا يلت السويق للحاج، فلما مات عكفوا على قبره " ذكره البخاري. قال ابن عباس: " كان يبيع السويق والسمن عند صخرة
ويسلؤه عليها، فلما مات ذلك الرجل عبدت ثقيف تلك الصخرة إعظاما لصاحب السويق "1 وعن مجاهد نحوه وقال:" فلما مات عبدوه". رواه سعيد بن منصور. وكذا روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: "أنهم عبدوه" وبنحو هذا قال جماعة من أهل العلم.
قلت: لا منافاة بين القولين؛ فإنهم عبدوا الصخرة والقبر تأليها وتعظيما.
1 وفي النهاية: السلاء السمن. وفي فتح الباري (ج8 ص433) : وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس -ولفظه في زيادة- " وكان يلت السويق على الحجر، فلا يشرب منه أحد إلا سمن، فعبدوه". واختلف في اسم هذا الرجل، فعن مجاهد:"كان رجلا في الجاهلية على صخرة بالطائف وعليها له غنم فكان يسلؤ من رسلها. ويأخذ من زبيب الطائف والأقط فيجعل منه حيسا ويطعم من يمر به من الناس. فلما مات عبدوه". وزعم بعض الناس أنه عامر بن الظرب. اهـ مختصرا.
ولمثل هذا بنيت المشاهد والقباب على القبور واتخذت أوثانا. وفيه بيان أن أهل الجاهلية كانوا يعبدون الصالحين والأصنام.
وأما "العزى" فقال ابن جرير: كانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة - بين مكة والطائف - كانت قريش يعظمونها. كما قال أبو سفيان يوم أحد: "لنا العزى ولا عزى لكم". فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم "1. وروى النسائي وابن مردويه عن أبي الطفيل قال: 2. " لما فتح رسول الله صلي الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة - وكانت بها العزى، وكانت على ثلاث سمرات - فقطع السمرات، وهدم البيت الذي كان عليها، ثم أتى النبي صلي الله عليه وسلم فأخبره. فقال: ارجع فإنك لم تصنع شيئا، فرجع خالد، فلما أبصرته السدنة أمعنوا في الجبل وهم يقولون: يا عزى يا عزى، فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحفن التراب على رأسها فعمها بالسيف فقتلها. ثم رجع إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخبره. فقال: تلك العزى " قلت: وكل هذا وما هو أعظم منه يقع في هذه الأزمنة عند ضرائح الأموات وفي المشاهد.
وأما "مناة" فكانت بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة، وكانت خزاعة والأوس والخزرج يعظمونها ويهلون منها للحج. وأصل اشتقاقها: من اسم الله المنان، وقيل: لكثرة ما يمنى - أي يراق - عندها من الدماء للتبرك بها. قال البخاري رحمه الله في حديث عروة عن عائشة "رضي الله عنها: "إنها صنم بين مكة والمدينة". قال ابن هشام: " فبعث رسول الله صلي الله عليه وسلم عليا فهدمها عام الفتح ". فمعنى الآية كما قال القرطبي: أن فيها حذفا تقديره: أفرأيتم هذه الآلهة، أنفعت أو ضرت، حتى تكون شركاء لله تعالى؟.
وقوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى} 3 قال ابن كثير: تجعلون له ولدا وتجعلون ولده أنثى وتختارون لكم الذكور؟ قوله: {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} 4 أي جور وباطلة. فكيف تقاسمون ربكم هذه القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جورا وسفها فتنزهون أنفسكم عن الإناث وتجعلونهن لله تعالى. وقوله: {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} 5 أي من تلقاء أنفسكم {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} أي من حجة {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ} 6 أي ليس لهم مستند إلا
1 البخاري: الشروط (2734)، وأبو داود: الجهاد (2765) .
2 البخاري: كتاب المغازي (4043) : باب غزوة أحد من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
3 سورة النجم آية: 21.
4 سورة النجم آية: 22.
5 سورة النجم آية: 23.
6 سورة النجم آية: 28.
حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم1 {وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} وإلا حظ أنفسهم في رياستهم وتعظيم آبائهم
عن أبي واقد الليثي قال: " خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات
الأقدمين. قوله: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} 2 قال ابن كثير: " ولقد أرسل الله تعالى إليهم الرسل بالحق المنير والحجة القاطعة، ومع هذا ما اتبعوا ما جاءوهم به ولا انقادوا له" اهـ.
ومطابقة الآيات للترجمة من جهة أن عباد هذه الأوثان إنما كانوا يعتقدون حصول البركة معها بتعظيمها ودعائها والاستعانة بها والاعتماد عليها في حصول ما يرجونه منها، ويؤملونه ببركاتها وشفاعتها وغير ذلك، فالتبرك بقبور الصالحين كاللات، وبالأشجار كالعزى ومناة3 من ضمن فعل أولئك المشركين مع تلك الأوثان، فمن فعل مثل ذلك واعتقد في قبر أو حجر أو شجر فقد ضاهى عباد هذه الأوثان فيما كانوا يفعلونه معها من هذا الشرك، على أن الواقع من هؤلاء المشركين مع معبوديهم أعظم مما وقع من أولئك. فالله المستعان.
قوله: " عن أبي واقد الليثي قال: " خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال:
1 الظن هنا: ظن المشركين بأوليائهم أنها تسمع الدعاء وتجيب؛ فإنهم ليس لهم علم بذلك لا من طريق حواسهم، ولا من خبر صادق، وإنما هو مما يشيعه السدنة ترويجا لتجارتهم الخاسرة. ويزيد الجاهلين تعلقا بأوليائهم من دون الله: ما تهوى أنفسهم من قضاء حاجاتهم بغير الأسباب الكونية، فهم يعظمون أولئك الموتى لهوى أنفسهم وقضاء وطرهم لا حبا في الإيمان والمؤمنين. ولذلك تراهم يتنقلون من ميت إلى آخر إذا لم يجدوا مسألتهم قضيت عند الأول. وهكذا ترى السدنة إذا انتقلوا من وظيفة عند هذا الولي الذي كان في نظرهم كبيرا أصبح الولي الذي انتقلوا عند قبره أعظم بركة وأكثر كرامات. والله يقول: إن هؤلاء جميعا لا يتبعون إلا هوى أنفسهم وهم كاذبون أعظم الكذب في دعواهم حب الأولياء والصالحين.
2 سورة النجم آية: 23.
3 ما كانوا يتبركون بالعزى ومناة على أنها أحجار مجردة، وإنما كانوا يعتقدون فيها البركة من العزى التي كانت امرأة يزعمون أنها ولية ودفنت عند هذه الشجيرات. وكذلك مناة. ولذلك سموا الأشجار العزى والحجر مناة; كما يسمي الناس اليوم النحاس الذي يقام على القبر حسينا وزينب وغيرهما من الصالحين، فهم يتبركون بها على هذه العقيدة الجاهلية.
لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: الله أكبر إنها السنن قلتم، والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لتركبن سنن من كان قبلكم " رواه الترمذي وصححه1.
أبو واقد: اسمه الحارث بن عوف، وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة قاله الترمذي، وقد رواه أحمد وأبو يعلى وابن أبي شيبة والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني بنحوه.
قوله: "عن أبي واقد" قد تقدم ذكر اسمه في قول الترمذي، وهو صحابي مشهور مات سنة ثمان وستين وله خمس وثمانون سنة.
قوله: "خرجنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى حنين" وفي حديث عمرو بن عوف وهو عند ابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني قال: " غزونا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم الفتح، ونحن ألف ونيف حتى إذا كنا بين حنين والطائف " الحديث.
قوله: "ونحن حدثاء عهد بكفر" أي قريب عهدنا بالكفر، ففيه دليل على أن غيرهم ممن تقدم إسلامه من الصحابة لا يجهل هذا، وأن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة. ذكره المصنف رحمه الله.
قوله: "وللمشركين سدرة يعكفون عندها". العكوف هو الإقامة على الشيء في المكان، ومنه قول الخليل عليه السلام:{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} 2، وكان عكوف المشركين عند تلك السدرة تبركا بها وتعظيما لها3. وفي حديث عمرو:"كان يناط بها السلاح فسميت ذات أنواط وكانت تعبد من دون الله".
قوله: "وينوطون بها أسلحتهم" أي يعلقونها عليها للبركة.
1 صحيح: الترمذي: كتاب الفتن (2180) : باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وأحمد (5/218) ، وابن جرير (9/31 ، 32) ، والطبراني في الكبير (3290) ، (3294) . وصححه الأرناؤوط في تخريج جامع الأصول (10/34) .
2 سورة الأنبياء آية: 52.
3 كما يعكف اليوم عباد القبور عندها ويجاورون، معتقدين أن لهم بذلك الزلفى والقربى، ويعتقد الجاهلون لهم ذلك فيعاونونهم بالنذور لتلك القبور والصدقات قربة لأولئك الموتى. وكل ذلك من الشرك الأكبر.
أنواط. فقال رسول الله:صلي الله عليه وسلم الله أكبر، إنها السنن قلتم، والذي نفسي بيده، كما قالت بنو إسرائيل لموسى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}
قلت: ففي هذا بيان أن عبادتهم لها بالتعظيم والعكوف والتبرك، وبهذه الأمور الثلاثة عبدت الأشجار ونحوها.
قوله: " فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط " قال أبو السعادات: سألوه أن يجعل لهم مثلها فنهاهم عن ذلك. وأنواط: جمع نوط، وهو مصدر سمي بها المنوط. ظنوا أن هذا أمر محبوب عند الله وقصدوا التقرب به، وإلا فهم أجل قدرا من أن يقصدوا مخالفة النبي صلي الله عليه وسلم.
قوله: "فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: الله أكبر" وفي رواية: "سبحان الله". والمراد تعظيم الله تعالى وتنزيهه عن هذا الشرك بأي نوع كان، مما لا يجوز أن يطلب أو يقصد به غير الله، وكان النبي صلي الله عليه وسلم يستعمل التكبير والتسبيح في حال التعجب تعظيما لله وتنزيها له إذا سمع من أحد ما لا يليق بالله مما فيه هضم للربوبية أو الإلهية.
قوله: "إنها السنن" بضم السين أي الطرق.
قوله: " قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " شبه مقالتهم هذه بقول بني إسرائيل، بجامع أن كلا طلب أن يجعل له ما يألهه ويعبده من دون الله، وإن اختلف اللفظان فالمعنى واحد، فتغيير الاسم لا يغير الحقيقة.
ففيه الخوف من الشرك، وأن الإنسان قد يستحسن شيئا يظن أنه يقربه إلى الله، وهو أبعد ما يبعده من رحمته ويقربه من سخطه، ولا يعرف هذا على الحقيقة إلا من عرف ما وقع في هذه الأزمان من كثير من العلماء والعباد مع أرباب القبور، من الغلو فيها وصرف جل العبادة لها، ويحسبون أنهم على شيء وهو الذنب الذي لا يغفره الله.
قال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل الشافعي المعروف بابن أبي شامة في كتاب البدع والحوادث: " ومن هذا القسم أيضا ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد وإسراج مواضع مخصوصة في كل بلد، يحكي لهم حاك أنه رأى في
منامه بها أحدا ممن شهر بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم لفرائض الله تعالى وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها، ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي من عيون وشجر وحائط وحجر. وفي مدينة دمشق من ذلك مواضع متعددة كعوينة الحمى خارج باب توما، والعمود المخلق داخل باب الصغير، والشجرة الملعونة خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق سهل الله قطعها واجتثاثها من أصلها، فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث1 انتهى.
وذكر ابن القيم رحمه الله نحو ما ذكره أبو شامة، ثم قال: فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون الله ولو كانت ما كانت، ويقولون: إن هذا الحجر وهذه الشجرة وهذه العين تقبل النذر; أي تقل العبادة من دون الله; فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور له، وسيأتي ما يتعلق بهذا الباب عند قوله صلي الله عليه وسلم:" اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد "2.
وفي هذه الجملة من الفوائد: أن ما يفعله من يعتقد في الأشجار والقبور والأحجار من التبرك بها والعكوف عندها والذبح لها هو الشرك، ولا يغتر بالعوام والطغام، ولا يستبعد كون الشرك بالله تعالى يقع في هذه الأمة، فإذا كان بعض الصحابة ظنوا ذلك حسنا، وطلبوه من النبي صلي الله عليه وسلم حتى بين لهم أن ذلك كقول بني إسرائيل:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} 3 فكيف لا يخفى على من دونهم في العلم والفضل بأضعاف مضاعفة مع غلبة الجهل وبعد العهد بآثار النبوة؟! بل خفي عليهم عظائم الشرك في الإلهية والربويية، فأكبروا فعله واتخذوه قربة.
1 وفي مصر كذلك من هذه القبور المنامية ونحوها كقبر الحسين وزينب رضي الله عنهما، وكثير مما يسمى بالأربعين، بناء على عقيدة أخبث من عقيدة أهل الجاهلية الأولى، وهي عقيدة أن الولي يتشكل في أربعين جسما. وزعم الدباغ مبالغة في الوقاحة والضلال أنه يكون للولي ثلاثمائة وستون جسما، وكم في غير مصر من هذه المواضع الشركية من قبور وأشجار وأحجار، عجل الله بتطهير البلاد منها كما طهر الحجاز بيد جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، مد الله في حياته، ووفق أبناءه للقيام بمثل عمله الصالح وأعلى بهم منار الإسلام.
2 البخاري: الفرائض (6764)، ومسلم: الفرائض (1614)، والترمذي: الفرائض (2107)، وأبو داود: الفرائض (2909)، وابن ماجه: الفرائض (2729 ،2730) ، وأحمد (5/200 ،5/201 ،5/202 ،5/208 ،5/209)، والدارمي: الفرائض (2998 ،3000 ،3001) .
3 سورة الأعراف آية: 138.
وفيها: أن الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء، ولهذا جعل النبي صلي الله عليه وسلم طلبتهم كطلبة بني إسرائيل، ولم يلتفت إلى كونهم سموها ذات أنواط. فالمشرك مشرك وإن سمى شركه ما سماه، كمن يسمي دعاء الأموات والذبح والنذر لهم ونحو ذلك تعظيما ومحبة، فإن ذلك هو الشرك وإن سماه ما سماه. وقس على ذلك.
قوله: " لتركبن سنن من كان قبلكم " بضم1 الموحدة وضم السين أي طرقهم
1 أي اليهود والنصارى، وقد وقع كما أخبر به صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة فركبوا طريق من كان قبلهم ممن ذكرنا كما هو في الأحاديث الصحيحة، كحديث:"لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقدة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:"فمن؟ " وهو في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه _. وفي رواية: "ومن الناس إلا أولئك؟ ".
ومناهجهم، وقد يجوز فتح السين على الأفراد أي طريقهم. وهذا خبر صحيح. والواقع من كثير من هذه الأمة يشهد له.
وفيه علم من أعلام النبوة من حيث إنه وقع كما أخبر به صلي الله عليه وسلم.
وفي الحديث: النهي عن التشبه بأهل الجاهلية وأهل الكتاب فيما كانوا يفعلونه، إلا ما دل على أنه من شريعة محمد صلي الله عليه وسلم.