الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المصنف رحمه الله: "وفيه معرفة قدر الشرك في قلوب المؤمنين كيف صبر على القتل ولم يوافقهم على طلبتهم مع كونهم لم يطلبوا منه إلا العمل الظاهر".
باب: " لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله
"
قوله: "باب: لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله تعالى"2.
"لا" نافية ويحتمل انها للنهي وهو أظهر. قوله: "وقول الله تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} 3 الآية" قال المفسرون: إن الله تعالى نهى رسوله عن الصلاة في مسجد الضرار، والأمة تبع له في ذلك، ثم إنه تعالى حثه على الصلاة في مسجد قباء الذي أسس من أول يوم بني على التقوى، وهي طاعة الله ورسوله صلي الله عليه وسلم وجمعا لكلمة المؤمنين، ومعقلا ومنزلا
_________
1 سورة التوبة آية: 108.
2 في قرة العيون: أشار - رحمه الله تعالى - إلى ما كان الناس يفعلونه في نجد وغيرها قبل دعوتهم إلى التوحيد من ذبحهم للجن لطلب الشفاء منهم لمرضاهم، ويتخذون للذبح لهم مكانا مخصوصا في دورهم. فنفى الله سبحانه الشرك بهذه الدعوة الإسلامية. فلله الحمد على زوال الشرك والبدع والفساد بطلعة الداعي إلى توحيد رب العالمين.
3 سورة التوبة آية: 108.
للإسلام وأهله، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:" صلاة في مسجد قباء كعمرة " 1 وفي الصحيح.
" أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يزور قباء راكبا وماشيا "2. وقد صرح أن المسجد المذكور في الآية هو مسجد قباء جماعة من السلف، منهم ابن عباس، وعروة; وعطية، والشعبي، والحسن وغيرهم.
قلت: ويؤيده قوله في الآية: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} 3 وقيل: هو مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم؛ لحديث أبي سعيد قال: " تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء. وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: هو مسجدي هذا4 " رواه مسلم، وهو قول عمر وابنه وزيد بن ثابت وغيرهم.
قال ابن كثير: وهذا صحيح. ولا منافاة بين الآية والحديث؛ لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم بطريق أولى، وهذا بخلاف مسجد الضرار الذي أسس على معصية الله كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} 5 فلهذه الأمور نهى الله نبيه عن القيام فيه للصلاة. وكان الذين بنوه جاءوا إلى النبي صلي الله عليه وسلم قبل خروجه إلى غزوة تبوك فسألوه أن يصلي فيه، وأنهم إنما بنوه للضعفاء وأهل العلة في الليلة الشاتية، فقال:" إنا على سفر; ولكن إذا رجعنا - إن شاء الله - فلما قفل عليه السلام راجعا إلى المدينة; ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعضه نزل الوحي بخبر المسجد، فبعث إليه فهدمه قبل قدومه إلى المدينة. "67.
وجه مناسبة الآية للترجمة: أن المواضع المعدة للذبح لغير الله يجب اجتناب الذبح فيها لله،
1 صحيح: الترمذي: كتاب الصلاة (324) : باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء. وحسنه وابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة (1411) : باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء والحاكم (1/487) من حديث أسيد بن ظهير الأنصاري وصححه الأرناؤوط في تخريج شرح السنة (2/344) لشواهده.
2 البخاري: كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1193) : باب من أتى مسجد قباء كل سبت. ومسلم: كتاب الحج (1399)(515) : باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
3 سورة التوبة آية: 108.
4 مسلم: كتاب الحج (1398)(514) : باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
5 سورة التوبة آية: 107.
6 ضعيف. رواه إسحاق كما في تفسير ابن كثير (2/388) ، وابن جرير (11/17،18) عن جماعة من التابعين مرسلا وفيه عنعنة ابن إسحاق. أفاده الدوسري في النهج السديد (71) .
7 كان أبو عامر الفاسق الخزرجي قد ذهب إلى هرقل بعد غزوة أحد، يستعديه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعده هرقل ومناه، فأرسل جماعة من قومه من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويغلبه ويرده عما هو فيه، وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه، ويكون مرصدا له إذا قدم عليهم، فبنوا هذا المسجد، والذي هدمه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وحرقه مالك بن الدخشم أخو بني سالم بن عوف ومعن بن عدي أو أخوه عامر بن عدي.
كما أن هذا المسجد لما أعد لمعصية الله صار محل غضب لأجل ذلك، فلا تجوز الصلاة فيه لله. وهذا قياس صحيح يؤيده حديث ثابت بن الضحاك الآتي.
قوله: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} 1 روى الإمام أحمد وابن خزيمة وغيرهما عن عويم بن ساعدة الأنصاري:
" أن النبي صلي الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال: إن الله قد أحسن عليكم الثناء بالطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ فقالوا: والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط، فغسلنا كما غسلوا " وفي رواية عن جابر وأنس: " هو ذاك فعليكموه " رواه ابن ماجه وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم2.
قوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} 3 قال أبو العالية: إن الطهور بالماء لحسن ولكنهم المتطهرون من الذنوب. وفيه إثبات صفة المحبة، خلافا للأشاعرة ونحوهم.
عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: " نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة، فسأل النبي صلي الله عليه وسلم فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء
قوله: "وعن ثابت بن الضحاك قال: " نذر رجل 4 أن ينحر إبلا ببوانة، فسأل النبي صلي الله عليه وسلم فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أوف بنذرك؛ فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم " 5 رواه أبو داود، وإسناده على شرطهما.
قوله: "عن ثابت بن الضحاك" أي ابن خليفة الأشهلي، صحابي مشهور، روى عنه أبو قلابة وغيره. مات سنة أربع وستين.
قوله: "ببوانة" بضم الباء وقيل بفتحها. قال البغوي: موضع في أسفل مكة دون يلملم. قال أبو السعادات: هضبة من وراء ينبع.
قوله: " فهل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " فيه المنع من الوفاء بالنذر إذا كان في المكان وثن ولو بعد زواله. قاله المصنف رحمه الله.
قوله: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ ".
قال شيخ الإسلام رحمه الله: 6 "العيد:
لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم " رواه أبو داود وإسناده على شرطهما.
1 سورة التوبة آية: 108.
2 حسن: أحمد (3/422) وابن خزيمة (83) ، والطبراني في الكبير (17/140) وفي الصغير (2/23)، والحاكم (1/155) وصححه ووافقه الذهبي. والرواية الأخرى من حديث جابر وأنس عند ابن ماجة كتاب الطهارة (355) : باب الاستنجاء بالماء. والدارقطني (1/62) ، والحاكم (1/55)، (2/334) وصححها ووافقه الذهبي. والحديث حسن لغيره لكثرة شواهده وطرقه وراجع النهج السديد ص (71: 73) .
3 سورة التوبة آية: 108.
4 روى أبو داود بعد هذا الحديث عن سارة بنت مقسم الثقفي أنها قالت: سمعت ميمونة بنت كردم قالت: "خرجت مع أبي في حجه فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت الناس يقولون: رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أبده بصري، فدنا إليه أبي وهو على ناقة، ومعه درة كدرة الكتاب، فسمعت الأعراب والناس يقولون الطبطبية الطبطبية. فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه، قالت فأقر له ووقف فاستمع منه، فقال: يا رسول الله، إني نذرت إن ولد لي ولد ذكر أن أنحر على رأس بوانة في عقبة من الثنايا عدة من الغنم - قال: لا أعلم إلا أنها قالت خمسين - فقال رسول الله: هل بها من الأوثان شيء؟ قال: لا. قال: فأوف بما نذرت لله - الحديث".
5 صحيح: أبو داود: كتاب الأيمان والنذور (3313) : باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر. وصححه الحافظ في التلخيص (4/180) وصححه الألباني في تخريج المشكاة (3437) وصحيح الجامع (2548) .
6 في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم.
اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة أو الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك1 والمراد به هنا الاجتماع المعتاد من اجتماع أهل الجاهلية. فالعيد يجمع أمورا منها يوم عائد، كيوم الفطر ويوم الجمعة، ومنها اجتماع فيه، ومنها أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقا، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا. فالزمان كقول النبي صلي الله عليه وسلم في يوم الجمعة:" إن هذا يوم قد جعله الله للمسلمين عيدا "2. والاجتماع والأعمال كقول ابن عباس: " شهدت العيد مع رسول الله صلي الله عليه وسلم "3 والمكان كقول النبي صلي الله عليه وسلم: " لا تتخذوا قبري عيدا " 4. وقد يكون لفظ العيد اسما لمجموع اليوم والعمل فيه وهو الغالب، كقول النبي صلي الله عليه وسلم " دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا " 5 انتهى6.
1 وهي التي يسميها الناس اليوم الموالد والذكرانات التي ملأت البلاد باسم الأولياء، وهي نوع من العبادة لهم (*) وتعظيمهم. ولذلك لا يذكر الناس ويعرفون إلا من أقيمت له هذه الذكرانات ولو كان أجهل خلق الله وأفسقهم. فكلما كسدت سوق طاغوت من هؤلاء قام السدنة بهذا العيد لتحيا في نفوس العامة عبادته وتكثر الهدايا والقرابين باسمه. وقد امتلأت البلاد الإسلامية بهذه الذكرانات، وعمت بها المصيبة وعادت بها الجاهلية إلى بلاد الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولم ينج منها إلا نجد والحجاز فيما نعلم بفضل الله ثم بفضل آل سعود الذين قاموا بحماية دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب.
2 ابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1098)، ومالك: الطهارة (146) .
3 البخاري: الجمعة (962)، ومسلم: صلاة العيدين (884 ،886)، والنسائي: صلاة العيدين (1569)، وأبو داود: الصلاة (1142)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1273) ، وأحمد (1/220 ،1/226 ،1/232 ،1/286 ،1/331 ،1/345 ،1/368)، والدارمي: الصلاة (1603 ،1610) .
4 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (780)، والترمذي: فضائل القرآن (2877)، وأبو داود: المناسك (2042) ، وأحمد (2/367) .
5 البخاري: كتاب العيدين (952) : باب سنة العيدين لأهل الإسلام. ومسلم كتاب صلاة العيدين (892)(16) : باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد من حديث عائشة رضي الله عنها.
6 في قرة العيون: وقد أحدث هؤلاء المشركون أعيادا عند القبور التي تعبد من دون الله ويسمونها عيدا كمولد البدوي بمصر وغيره، بل هي أعظم لما يوجد فيها من الشرك والمعاصي العظيمة. قال المصنف - رحمه الله تعالى -: وفيه استفصال المفتي والمنع من الوفاء بالنذر بمكان عيد الجاهلية ولو بعد زواله. قلت: وفيه المنع من اتخاذ آثار المشركين محلا للعبادة؛ لكونها صارت محلا لما حرم الله من الشرك والمعاصي، والحديث وإن كان في النذر فيشمل كل ما كان عبادة لله فلا نفعل في هذه الأماكن الخبيثة التي اتخذت محلا لما يسخط الله تعالى، فبهذا صار الحديث شاهدا للترجمة والمصنف - رحمه الله تعالى - لم يرد التخصيص بالذبح وإنما ذكر الذبح كالمثال. وقد استشكل جعل محل اللات بالطائف مسجدا. والجواب والله أعلم: أنه لو ترك هذا المحل في هذه البلدة لكان يخشى أن تفتتن به قلوب الجهال فيرجع إلى جعله وثنا، كما كان يفعل فيه أولا فجعله مسجدا والحالة هذه ينسى فيها ما كان يفعل فيه ويذهب به أثر الشرك بالكلية، فاختص هذا المحل لهذه العلة وهي قوة المعارض والله أعلم. (*) قوله:(وهي نوع من العبادة لهم) إلخ. أقول: هذا فيه إجمال، والصواب التفصيل بأن يقال: من أقام المولد لقصد التقرب إلى صاحبه ورجاء نفعه وبركته، أو لكي يدفع عن مقيم المولد بعض الضرر ونحو ذلك، فهذا تعتبر إقامته المولد عبادة لصاحبه، فإن دعاه مع ذلك أو استغاث به أو نذر له أو ذبح له أو فعل معه شيئا من بقية أنواع العبادة، صار ذلك شركا إلى شرك، وهذا هو الذي يفعله الكثيرون ممن يقيم الموالد للنبي صلى الله عليه وسلم، أو للحسين رضي الله عنه أو للبدوي أو غيرهم. أما من أقام المولد لقصد التقرب إلى الله سبحانه ظنا منه أن ذلك من العبادات التي يحبها الله، فهذا لا يكون عابدا لصاحب المولد إذا لم يقع منه شيء من الشرك في احتفال المولد، ولكنه قد أتى بدعة لم يشرعها الله سبحانه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا فعلها السلف الصالح رضي الله عنهم ولو كان قصده حسنا؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز الإتيان بشيء منها إلا بتشريع من الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم، ولقد عظمت المصيبة بهذه الموالد وحصل بها من الشرك والفساد ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ويمنحهم الفقه في الدين ويوفقهم لاتباع السنة وترك البدعة إنه سميع قريب.
قال المصنف: "وفيه استفصال المفتي والمنع من الوفاء بالنذر بمكان عيد الجاهلية ولو بعد زواله". قلت: وفيه سد الذريعة وترك مشابهة المشركين، والمنع مما هو وسيلة إلى ذلك. قوله:"فأوف بنذرك" هذا يدل على أن الذبح لله في المكان الذي يذبح فيه المشركون لغير الله. أي في محل أعيادهم، معصية؛ لأن قوله:"فأوف بنذرك" تعقيب
للوصف بالحكم بالفاء، وذلك يدل على أن الوصف سبب الحكم. فيكون سبب الأمر بالوفاء خلوه عن هذين الوصفين. فلما قالوا:"لا" قال: "أوف بنذرك" وهذا يقتضي أن كون البقعة مكانا لعيدهم، أو بها وثن من أوثانهم: مانع من الذبح بها ولو نذره. قاله شيخ الإسلام.
وقوله: " فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله " دليل على أن هذا نذر معصية لو قد وجد في المكان بعض الموانع. وما كان من نذر المعصية فلا يجوز الوفاء به بإجماع العلماء.
واختلفوا هل تجب فيه كفارة يمين؟ على قولين: هما روايتان عن أحمد. أحدهما: يجب
وهو المذهب. وروي عن ابن مسعود وابن عباس. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه; لحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا: " لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين " 1 رواه أحمد وأهل السنن2 واحتج به أحمد وإسحاق. والثاني: لا كفارة عليه. وروي ذلك عن مسروق والشعبي والشافعي؛ لحديث الباب. ولم يذكر فيه كفارة. وجوابه: أنه ذكر الكفارة في الحديث المتقدم. والمطلق يحمل على المقيد.
قوله: "ولا فيما لا يملك ابن آدم" قال في شرح المصابيح: يعني إذا أضاف النذر إلى معين لا يملكه بأن قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أعتق عبد فلان ونحو ذلك. فأما إذا التزم في الذمة شيئا; بأن قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أعتق رقبة، وهو في تلك الحال لا يملك ولا قيمتها، فإذا شفي مريضه ثبت ذلك في ذمته.
قوله: "رواه أبو داود وإسناده على شرطهما" أي البخاري ومسلم.
1 صحيح: أحمد (6/247) ، وأبو داود (3290،3291) كتاب الأيمان والنذور: باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية. والترمذي (1524) : كتاب النذور: باب ما جاء عن رسول الله أن لا نذر في معصية. والنسائي (7/26 ، 27) كتاب الأيمان والنذور: باب كفارة النذر، وابن ماجة (2125) كتاب الكفارات: باب النذر في المعصية. وهو حديث صحيح صححه الألباني في الإرواء (2590) .
2 قال الترمذي: هذا حديث لا يصح؛ لأن الزهري لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة، وقال غيره: لم يسمعه الزهري من أبي سلمة، وإنما سمعه من سليمان بن أرقم وسليمان متروك. وقال مثل هذا أبو داود بعد إخراجه إياه.