المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في "لو - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌باب: كتاب التوحيد

- ‌باب: فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌باب" من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌باب الخوف من الشرك

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب" تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب: "من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

- ‌باب: ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌باب: " من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

- ‌باب: " ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌باب: " لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌باب: " من الشرك النذر لغير الله

- ‌باب: " من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌باب: " من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌باب: قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}

- ‌باب: قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير ُ}

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب: قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}

- ‌باب: "ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب: " ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌باب: "ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب: ما جاء في حماية المصطفى صلي الله عليه وسلم جناب التوحيد "وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

- ‌باب: " ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌باب " ما جاء في السحر

- ‌باب: " بيان شيء من أنواع السحر

- ‌باب: " ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب: " ما جاء في النُّشْرة

- ‌باب: " ما جاء في التطير

- ‌باب: " ما جاء في التنجيم

- ‌باب: " ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب: قول الله تعلى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

- ‌باب: قول الله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين}

- ‌باب: قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب: قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب: " من الإيمان بالله: الصبر على أقدار الله

- ‌باب: " ما جاء في الرياء

- ‌باب: " من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌باب: " من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أربابا من دون الله

- ‌باب: قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا به}

- ‌باب: من جحد شيئا من الأسماء والصفات، وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}

- ‌باب: قول الله تعالى: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}

- ‌باب: قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب: " ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌باب: "قول "ما شاء الله وشئت

- ‌باب: " من سَبَّ الدهر فقد آذى الله

- ‌بااب: التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌باب: " احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب: " من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول

- ‌باب: قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَ

- ‌باب: "قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} 1 الآية

- ‌باب "لا يقال " السلام على الله

- ‌باب" قول: " اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب " لا يقول عبدي وأَمَتي

- ‌باب " لا يرد من سأل بالله

- ‌باب: " لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب: ما جاء في "لو

- ‌باب النهي عن سب الريح

- ‌باب: قول الله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْ

- ‌باب: " ما جاء في منكري القدر

- ‌باب: " ما جاء في المصورين

- ‌باب: " ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب: "ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه

- ‌باب: " ما جاء في الإقسام على الله

- ‌باب: لا يستشفع بالله على خلقه

- ‌باب: " ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حِمى التوحيد، وسدِّه طرق الشرك

- ‌باب: ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}

الفصل: ‌باب: ما جاء في "لو

قوله: "باب ما جاء في اللو".

أي من الوعيد والنهي عنه عند الأمور المكروهة، كالمصائب إذا جرى بها القدر لما فيه من الإشعار بعدم الصبر والأسى على ما فات، مما لا يمكن استدراكه، فالواجب التسليم للقدر، والقيام بالعبودية الواجبة وهو الصبر على ما أصاب العبد مما يكره. والإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان الستة. وأدخل المصنف رحمه الله أداة التعريف على "لو"، وهذه في هذا المقام لا تفيد تعريفا كنظائرها؛ لأن المراد هذا اللفظ كما قال الشاعر:

رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله

وقوله: "وقول الله عز وجل: {يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} ".

قاله بعض المنافقين يوم أحد؛ لخوفهم وجزعهم وخورهم.

قال ابن اسحاق: فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: قال الزبير: " لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف

_________

1 سورة آل عمران آية: 154.

ص: 460

علينا أرسل الله علينا

وقوله: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} 1.

النوم. فما منا رجل إلا ذقنه في صدره، قال: فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه إلا كالحلم: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا. فحفظتها منه، وفي ذلك أنزل الله عز وجل:{يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} لقول معتب " 2. رواه ابن أبي حاتم.

قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} 3 أي هذا قدر مقدّر من الله عز وجل، وحكم حتم لازم لا محيد عنه ولا مناص منه.

وقوله: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} الآية.

قال العماد ابن كثير: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} : أي لو سمعوا مشورتنا عليهم بالقعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل. قال الله تعالى: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 4 أي إذا كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت، فينبغي لكم أن لا تموتوا، والموت لا بد آت إليكم، ولو كنتم في بروج مشيدة، فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين. قال مجاهد عن جابر بن عبد الله:"نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبيّ وأصحابه" يعني أنه هو الذي قال ذلك. وأخرج البيهقي عن أنس أن أبا طلحة قال: " غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، فجعل يسقط سيفي وآخذه ويسقط وآخذه. قال: والطائفة الأخرى - المنافقون- ليس لها هم إلا أنفسهم، أجبن قوم وأرعبه، وأخذله للحق، {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} إنما هم أهل ريب وشك بالله عز وجل ".

قوله: {قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} يعني لا يغشاهم النعاس عن القلق والجزع والخوف {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} 5.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: " لما ذكر ما وقع من عبد الله بن أبيّ في غزوة أحد قال: فلما انخذل يوم أحد وقال: "يدع رأيي ورأيه ويأخذ برأي الصبيان؟ " أو كما قال.. انخذل معه خلق كثير، كان كثير منهم لم ينافق قبل ذلك. فأولئك كانوا مسلمين وكان معهم إيمان، هو الضوء الذي ضرب الله به المثل. فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق لماتوا على الإسلام، ولم يكونوا من المؤمنين حقا الذين امتحنوا فثبتوا على المحنة، ولا من المنافقين حقا الذين ارتدوا عن الإيمان بالمحنة. وهذا حال كثير من المسلمين في زماننا أو أكثرهم، إذا ابتلوا بالمحنة التي

1 سورة آل عمران آية: 168.

2 حسن: رواه ابن إسحاق كما قال ابن كثير في تفسيره (1/ 418) . وابن جرير (4/ 94) عن الزبير بسند حسن: وانظر النهج السديد (532) .

3 سورة آل عمران آية: 154.

4 سورة آل عمران آية: 168.

5 سورة آل عمران آية: 154.

ص: 461

يتضعضع فيها أهل الإيمان ينقص إيمانهم كثيرا، وينافق كثير منهم. ومنهم من يظهر الردة إذا كان العدو غالبا، وقد رأينا من هذا ورأى غيرنا من هذا ما فيه عبرة. وإذا كانت العافية، أو كان المسلمون ظاهرين على عدوهم كانوا مسلمين، وهم مؤمنون بالرسل باطنا وظاهرا، لكنه إيمان لا يثبت على المحنة، ولهذا يكثر في هؤلاء ترك الفرائض وانتهاك المحارم، وهؤلاء من الذين قالوا آمنا، فقيل لهم:{لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} 1 أي الإيمان المطلق الذي أهله هم المؤمنون حقا؛ فإن هذا هو الإيمان إذا أطلق في كتاب الله تعالى، كما دل عليه الكتاب والسنة، فلم يحصل لهم ريب عند المحن التي تقلقل الإيمان في القلوب". انتهى.

قوله: وقد رأينا من هذا ورأى غيرنا ما فيه عبرة.

قلت: ونحن كذلك رأينا من ذلك ما فيه عبرة عند غلبة العدو، من إعانتهم العدو على المسلمين، والطعن في الدين، وإظهار العداوة والشماتة، وبذل الجهد في إطفاء نور الإسلام، وذهاب أهله، وغير ذلك مما يطول ذكره. والله المستعان.

قوله: "في الصحيح" أي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"احرص.. الحديث"2.

وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان " 3.

اختصر المصنف رحمه الله هذا الحديث، وتمامه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك ". أي في معاشك ومعادك. والمراد الحرص على فعل الأسباب التي تنفع العبد في دنياه وأخراه مما شرعه الله تعالى لعباده من الأسباب الواجبة والمستحبة والمباحة، ويكون العبد في حال فعله السبب مستعينا بالله وحده دون كل ما سواه ليتم له سببه وينفعه، ويكون اعتماده على الله تعالى في ذلك; لأن الله تعالى هو الذي خلق السبب والمسبب، ولا ينفعه سبب إلا إذا نفعه الله به، فيكون اعتماده في فعل السبب على الله تعالى. ففعل السبب سنة، والتوكل على الله توحيد. فإذا جمع بينهما تم له مراده بإذن الله.

قوله: "ولا تعجزن" النون نون التأكيد الخفيفة، نهاه صلى الله عليه وسلم عن العجز

1 سورة الحجرات آية: 14.

2 جزء من حديث أبي هريرة الذي أخرجه. مسلم: كتاب القدر (2664)(34) باب في الأمر بالقوة وترك العجز

3 مسلم: القدر (2664)، وابن ماجه: المقدمة (79) ، وأحمد (2/366 ،2/370) .

ص: 462

وذمه، والعجز مذموم شرعا وعقلا، وفي الحديث:" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني " 1 2. فأرشده صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إذا أصابه ما يكره أن لا يقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن يقول: قد قَدَّرَ الله وما شاء فعل، أي هذا قدر الله، والواجب التسليم للقدر والرضى به، واحتساب الثواب عليه.

قوله: "فإن "لو" تفتح عمل الشيطان" أي لما فيها من التأسف على ما فات والتحسر ولوم القدر، وذلك ينافي الصبر والرضى، والصبر واجب، والإيمان بالقدر

فرض، قال تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} 3.

قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: " الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ". وقال الإمام أحمد: "ذكر الله الصبر في تسعين موضعا من القرآن".

قال شيخ الإسلام رحمه الله وذكر حديث الباب بتمامه- ثم قال في معناه: لا تعجز عن مأمور، ولا تجزع عن مقدور، ومن الناس من يجمع كلا الشرين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالحرص على النافع والاستعانة بالله، والأمر يقتضي الوجوب، وإلا فالاستحباب، ونهى عن العجز وقال:" إن الله يلوم على العجز "4. والعاجر ضد "الذين هم ينتصرون" فالأمر بالصبر والنهي عن العجز مأمور به في مواضع كثيرة; وذلك لأن الإنسان بين أمرين: أمر أُمر بفعله، فعليه أن يفعله ويحرص عليه ويستعين الله ولا يعجز. وأمرٌ أصيب به من غير فعله. فعليه أن يصبر عليه ولا يجزع منه. ولهذا قال بعض العقلاء- ابن المقفع أو غيره-: الأمور أمران: أمر فيه حيلة فلا تعجز عنه، وأمر لا حيلة فيه فلا تجزع منه.

1 ضعيف: أخرجه أحمد (4/ 124) والترمذي: كتاب صفة القيامة (2459) : باب رقم (25) . وابن ماجة: كتاب الزهد (4260) : باب ذكر الموت والاستعداد له من حديث شداد بن أوس. وصححه الحاكم على شرط البخاري (1/ 57) وتعقبه الذهبي بقوله: "لا والله وأبو بكر واه" ا. هـ. أي أبو بكر بن أبي مريم، وضعفه الألباني في تخريج رياض الصالحين (67) .

2 رواه أحمد والترمذي- وحسنه-، والحاكم وقال:" صحيح على شرط البخاري "، وتعقبه الذهبي بأن فيه ابن أبي مريم وهو واه. وهذا من حديث شداد بن أوس. وهو عندهم بدون كلمة "الأماني".

3 سورة الحديد آية: 22-23.

4 ضعيف: أخرجه أحمد (6/ 25) . وأبو داود: كتاب الأقضية (3627) : باب الرجل يحلف على حقه. من حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، وضعفه الألباني في تخريج الكلم الطيب (137) ، وضعيف الجامع (1759) .

ص: 463

وهذا في جميع الأمور لكن عند المؤمن: الذي فيه حيلة هو ما أمره الله به، وأحبه له؛ فإن الله لم يأمره إلا بما فيه حيلة له، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقد أمره بكل خير له فيه حيلة. وما لا حيلة له فيه هو ما أصيب به من غير فعله. واسم الحسنات والسيئات يتناول قسمين: فالأفعال مثل قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا} 1. ومثل قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} 2. ومثل قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 3. ومثل قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} 4 إلى آيات كثيرة من هذا الجنس والله أعلم.

فيه مسائل:

الأولى: تفسير الآيتين في آل عمران.

الثانية: النهي الصريح عن قول: " لو " إذا أصابك شيء.

الثالثة: تعليل المسألة بأن ذلك يفتح عمل الشيطان.

الرابعة: الإرشاد إلى الكلام الحسن.

الخامسة: الأمر بالحرص على ما ينفع، مع الاستعانة بالله.

السادسة: النهي عن ضد ذلك، وهو العجز.

والقسم الثاني. ما يجري على العبد بغير فعله من النعم والمصائب. كما قال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} 5. والآية قبلها، فالحسنة في هاتين الآيتين: النعم. والسيئة: المصائب، هذا هو الثاني من القسمين.

وأظن شيخ الإسلام رحمه الله ذكره في هذا الموضع، ولعل الناسخ أسقطه والله أعلم.

ثم قال رحمه الله: " فإن الإنسان ليس مأمورا أن ينظر إلى القدر عندما يؤمر به من الأفعال، ولكن عندما يجري عليه من المصائب التي لا حيلة له في دفعها، فما أصابك بفعل الآدميين أو بغير فعلهم، فاصبر عليه وارض وسلم. قال تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} 6. ولهذا قال آدم لموسى:

"أتلومني على أمر قَدّره الله عليّ قبل أن أخلق بأربعين سنة؟ فحج آدم موسى" 7؛ لأن موسى قال له: "لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة"8. فلامه على المصيبة التي حصلت بسبب فعله، لا لأجل كونها ذنبا. وأما كونه لأجل الذنب- كما يظنه طوائف من الناس- فليس مرادا بالحديث؛ فإن آدم عليه السلام كان قد تاب من

الذنب. والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. ولا يجوز لوم التائب باتفاق الناس". انتهى.

1 سورة الأنعام آية: 160.

2 سورة الإسراء آية: 7.

3 سورة الشورى آية: 40.

4 سورة البقرة آية: 81.

5 سورة النساء آية: 79.

6 سورة التغابن آية: 11.

7 البخاري: كتاب القدر (6614) : باب تحاج آدم وموسى عند الله. ومسلم: كتاب القدر (2652) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

8 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن عمر بن الخطاب.

ص: 464

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: تضمن هذا الحديث أصولا عظيمة من أصول الإيمان:

أحدها: أن الله سبحانه موصوف بالمحبة وأنه يحب حقيقة.

الثاني: أنه يحب مقتضى أسمائه وصفاته وما يوافقها، فهو القوي ويحب المؤمن القوي، وهو وتر ويحب الوتر، وجميل يحب الجمال; وعليم يحب العلماء، ونظيف يحب النظافة، ومؤمن يحب المؤمنين، ومحسن يحب المحسنين، وصابر يحب الصابرين، وشاكر يحب الشاكرين.

ومنها: أن محبته للمؤمنين تتفاضل، فيحب بعضهم أكثر من بعض.

ومنها: أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده. والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع. فإذا صادف ما ينتفع به الحريص كان حرصه محمودا، وكماله كله في مجموع هذين الأمرين: أن يكون حريصا، وأن يكون حرصه على ما ينتفع به، فإن حرص على ما لا ينفعه أو فعل ما ينفعه من غير حرص؛ فإنه من الكمال بقدر ما فاته من ذلك، فالخير كله في الحرص على ما ينفع.

ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه أمره أن يستعين بالله ليجتمع له مقام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 1. فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله تعالى. ولا يتم إلا بمعونته فأمره أن يعبده وأن يستعين به. فالحريص على ما ينفعه، المستعين بالله ضد العاجز. فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده ومصدرها منه ومردها إليه.

فإن فاته ما لم يقدر له فله حالتان: عجز. وهو مفتاح عمل الشيطان; فيلقيه العجز إلى "لو" ولا فائدة من "لو" هاهنا، بل هي مفتاح اللوم والعجز والسخط والأسف والحزن، وذلك كله من عمل الشيطان. فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا الافتتاح، وأمره بالحالة الثانية، وهي النظر إلى القدر وملاحظته، وأنه لو قدر له لم يفته ولم يغلبه عليه أحد، قلم يبق له هاهنا أنفع من شهود القدر، ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجوب

المقدور، وإن انتفت امتنع وجوده; ولهذا قال:" فإن غلبك أمر فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل "2. فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين: حالة حصول المطلوب، وحالة فواته، فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا، بل هو أشد إليه ضرورة، وهو يتضمن إثبات القدر والكسب والاختيار، والقيام بالعبودية ظاهرا وباطنا في حالتي حصول المطلوب وعدمه، وبالله التوفيق.

1 سورة الفاتحة آية: 5.

2 مسلم: القدر (2664)، وابن ماجه: المقدمة (79) ، وأحمد (2/366) .

ص: 465