الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأولى: تفسير الآية.
الثانية: ما معنى: "ليقولن هذا لي".
الثالثة: ما معنى قوله: "إنما أوتيته على علم عندي".
الرابعة: ما في هذه القصة العجيبة من العبر العظيمة.
باب: "قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}
1.
قوله "باب قول الله: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
قال الإمام أحمد رحمه الله في معنى هذه الآية: حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن إبراهيم حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال: سميِّه عبد الحارث فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث فعاش. وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره " 2 3. وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار بندار عن عبد الصمد بن عبد الوارث به. ورواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن محمد بن المثنى عن عبد الصمد به، وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه. ورواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الصمد مرفوعا، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ورواه الإمام أبو محمد ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي زرعة الرازي عن هلال بن فياض عن عمر بن إبراهيم به مرفوعا4.
_________
1 سورة الأعراف آية: 190.
2 ضعيف: أحمد (5/ 11) . والترمذي: كتاب التفسير (3077) باب: ومن سورة الأعراف. والحاكم (2/ 545) . وابن جرير (15513) . وضعفه الحافظ ابن كثير (2/ 274) . وضعفه الألباني في الضعيفة (342) وراجع تعليق الشيخ أحمد شاكر على تفسير الطبري (13/ 309) .
3 الترمذي: تفسير القرآن (3077) ، وأحمد (5/11) .
4 قال الحافظ ابن كثير: والغرض أن هذا الحديث معلول من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري. وقد وثقه ابن معين. ولكن قال حاتم الرازي: لا يحتج به. ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعا. فالله أعلم.
الثاني: أنه قد روي من قول سمرة نفسه، وليس مرفوعا. كما قال ابن جرير.
الثالث: أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا. فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعا لما عدل عنه- ثم ساق ابن كثير الروايات عن الحسن بمثل ما روى ابن جرير عنه، ثم قال: هذه أسانيد صحيحة عن الحسن: أنه فسر الآية بذلك; وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية. ولو كان هذا الحديث عنده محفوظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره، ولا سيما مع تقواه وورعه. فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه عن بعض أهل الكتاب من آمن منهم، مثل كعب أو وهب بن منبه أو غيرهما كما سيأتي بيانه إن شاء الله، إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع. والله أعلم اهـ. وقال الإمام أبو محمد بن حزم في كتاب الملل والنحل:((وهذا الذي نسبوه إلى آدم من أنه سمى ابنه عبد الحارث خرافة موضوعة مكذوبة من تأليف من لا دين له ولا حياء، لم يصح سندها قط، وإنما نزلت الآية في المشركين على ظاهرها)) . اهـ.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا سهيل بن يوسف عن عمرو عن الحسن {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} 1 قال:" كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن آدم ". وحدثنا بشر بن معاذ قال: حدثني يزيد، حدثنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول: " هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولادا فهوّدوا ونصّروا ". وهذا إسناد صحيح عن الحسن رحمه الله.
قال العماد ابن كثير في تفسيره: وأما الآثار: فقال محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: " كانت حواء تلد لآدم عليه السلام أولادا فتعبدهم لله وتسميهم عبد الله وعبيد الله ونحو ذلك، فيصيبهم الموت، فأتاهما إبليس فقال: أما إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه به لعاش، فولدت له رجلا فسماه عبد الحارث، ففيه أنزل الله "{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} الآية. وقال العوفي عن ابن عباس: " فأتاهما الشيطان فقال: هل تدريان ما يولد لكما؟ أم هل تدريان ما يكون، أبهيمة أم لا؟ وزين لهما الباطل، إنه لغوي مبين; وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا، فقال لهما الشيطان: إنكما إن لم تسمياه بي لم يخرج سويا، ومات كما مات الأول. فسميا ولدهما عبد الحارث، فذلك قوله تعالى: "{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
وذكر مثله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. ورواه ابن أبي حاتم. وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس جماعة من أصحابه كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، ومن الطبقة الثانية: قتادة والسدي وجماعة من الخلف; ومن المفسرين والمتأخرين جماعات لا يحصون كثرة.
1 سورة الأعراف آية: 190.
قال العماد ابن كثير: وكأن أصله - والله أعلم - مأخوذ من أهل الكتاب1.
قلت: وهذا بعيد جدا.
قوله: "قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد عمرو وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب".
ابن حزم: هو عالم الأندلس، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم القرطبي الظاهري. صاحب التصانيف، توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة. وله اثنتان وسبعون سنة.
وعبد المطلب هذا: هو جد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وما فوق عدنان مختلف فيه. ولا ريب أنهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام.
حكى رحمه الله اتفاق العلماء على تحريم كل ما عبد لغير الله؛ لأنه شرك في الربوبية والإلهية; لأن الخلق كلهم ملك لله وعبيد له، استعبدهم لعبادته وحده، وتوحيده في ربوبيته وإلهيته، فمنهم من عبد الله ووحده في ربوبيته وإلهيته، ومنهم من أشرك به في إلهيته وأقر له بربوبيته وأسمائه وصفاته، وأحكامه القدرية جارية عليهم ولا بد، كما قال تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} 2 فهذه هي العبودية العامة. وأما
1 قال ابن كثير: وهذه الآثار يظهر عليها -والله أعلم- أنها من آثار أهل الكتاب، أما نحن فعلى مذهب الحسن البصري في هذا، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المشركون من ذريته، ولهذا قال:(فتعالى الله عما يشركون) .
فائدة: قال شيخنا العلامة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ- أطال الله حياته لنفع المسلمين- ((أما قوله تعالى في آخر الآية: (فتعالى الله عما يشركون) فليس المراد به آدم وحواء؛ لأن الكلام قد تم قبله، وهذا ابتداء كلام مستأنف، وإنما المراد به المشركون، وما ساقه الشارح رحمه الله في قوله:(فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما) هو القول المعتمد الذي يدل عليه ظاهر القرآن)) . اهـ.
2 سورة مريم آية: 93.
العبودية الخاصة فإنها تختص بأهل الإخلاص والطاعة، كما قال تعالى:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} 1 ونحوها.
قوله: "حاشا عبد المطلب" هذا استثناء من العموم المستفاد من كل، وذلك أن تسميته بهذا الاسم لا محذور فيها؛ لأن أصله من عبودية الرق، وذلك أن المطلب أخو هاشم قدم المدينة، وكان ابن أخيه شيبة هذا قد نشأ في أخواله بني النجار من الخزرج؛ لأن هاشما تزوج فيهم امرأة، فجاءت منه بهذا الابن، فلما شب في أخواله، وبلغ سن التمييز سافر به عمه المطلب إلى مكة بلد أبيه وعشيرته2، فقدم به مكة وهو رديفه، فرآه أهل مكة وقد تغير لونه بالسفر، فحسبوه عبدا للمطلب، فقالوا: هذا عبد المطلب، فعلق به هذا الاسم وركبه، فصار لا يذكر ولا يدعى إلا به3 فلم يبق للأصل معنى مقصود. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" أنا ابن عبد المطلب " 4 5. وقد صار معظما في قريش والعرب، فهو سيد قريش وأشرفهم في جاهليته، وهو الذي حفر زمزم وصارت له السقاية وفي ذريته من بعده. وعبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد بني عبد المطلب، وتوفي في حياة أبيه.
وعن ابن عباس في الآية قال: " لما تغشاها آدم حملت، فأتاهما إبليس. فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعنني أو لأجعلن له قرني أيل، فيخرج من بطنك فيشقه، ولأفعلن ولأفعلن، يخوفهما. سمياه عبد الحارث. فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا. ثم حملت، فأتاهما فقال مثل قوله، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتا. ثم حملت فأتاهما فذكر لهما فأدركهما حب الولد، فسمياه عبد الحارث. فذلك قوله: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} ". رواه ابن أبي حاتم.
وله بسند صحيح عن قتادة قال: " شركاء في طاعته، ولم يكن في عبادته ".
وله بسند صحيح عن مجاهد في قوله: {لئن آتيتنا صالحا} 6 قال: " أشفقا أن لا يكون إنسانا " وذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما.
قال الحافظ صلاح الدين العلائي في كتاب الدرة السنية في مولد خير البرية: " كان سن أبيه عبد الله حين حملت منه آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ثمانية عشر عاما، ثم ذهب إلى المدينة ليمتار منها تمرا لأهله، فمات بها عند أخواله بني عدي بن النجار، والنبي صلى الله عليه وسلم حملٌ على الصحيح". انتهى.
قلت: وصار النبي صلى الله عليه وسلم لما أوضعته أمه في كفالة جده عبد المطلب.
1 سورة الزمر آية: 36.
2 وكانت أمه سلمى قد شرط أبوها عمرو بن زيد الخزرجي النجاري على هاشم أن تلد عنده بالمدينة، فولدت له شيبة. ومات هاشم في الشام فبقي شيبة بالمدينة عند أخواله بني عدي بن النجار سبع سنين حتى ذهب عمه المطلب إليه وأحضره إلى مكة.
3 واسمه العلم: شيبة الحمد.
4 البخاري: الجهاد والسير (2864)، ومسلم: الجهاد والسير (1776)، والترمذي: الجهاد (1688) ، وأحمد (4/280 ،4/281) .
5 روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب- وسأله رجل من قيس-: أفررتم عن رسول الله يوم حنين؟ فقال: "لكن رسول الله لم يفر. كانت هوزان رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم فاستقبلتنا بالسهام. ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأن أبا سفيان آخذ بزمامها يقول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، اللهم نزل نصرك". وكنا إذا حمي البأس اتقينا برسول الله. وأن الشجاع الذي يحاذي به".
6 سورة الأعراف آية: 189.
قال الحافظ الذهبي: وتوفي أبوه عبد الله وللنبي صلى الله عليه وسلم ثمانية وعشرون شهرا، وقيل أقل من ذلك، وقيل: وهو حمل. توفي بالمدينة، وكان قد قدمها ليمتار تمرا، وقيل: بل مر بها راجعا من الشام، وعاش خمسة وعشرين سنة. قال الواقدي:" وذلك أثبت الأقاويل في سنه ووفاته. وتوفيت أمه آمنة بالأبواء وهي راجعة به صلى الله عليه وسلم إلى مكة من زيارة أخوال أبيه بني عدي بن النجار، وهو يومئذ ابن ست سنين ومائة يوم. وقيل: ابن أربع سنين. فلما ماتت أمه حملته أم أيمن مولاته إلى جده، فكان في كفالته إلى أن توفي جده، وللنبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين فأوصى به إلى عمه أبي طالب". اهـ.
قوله: "وعن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية". قد قدمنا نظيره عن ابن عباس في المعنى.
قوله: "وله بسند صحيح عن قتادة قال: " شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته ". قال شيخنا رحمه الله: " إن هذا الشرك في مجرد تسمية، لم يقصدا حقيقته التي يريدها إبليس، وهو محمل حسن يبين أن ما وقع من الأبوين من تسميتهما ابنهما عبد الحارث إنما هو مجرد تسمية لم يقصدا تعبيده لغير الله. وهذا معنى قول قتادة: شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته".