المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في حماية المصطفى صلي الله عليه وسلم جناب التوحيد "وسده كل طريق يوصل إلى الشرك - فتح المجيد شرح كتاب التوحيد

[عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌باب: كتاب التوحيد

- ‌باب: فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب

- ‌باب" من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب

- ‌باب الخوف من الشرك

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب" تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌باب: "من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه

- ‌باب: ما جاء في الرقى والتمائم

- ‌باب: " من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما

- ‌باب: " ما جاء في الذبح لغير الله

- ‌باب: " لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

- ‌باب: " من الشرك النذر لغير الله

- ‌باب: " من الشرك الاستعاذة بغير الله

- ‌باب: " من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

- ‌باب: قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}

- ‌باب: قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير ُ}

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب: قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}

- ‌باب: "ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب: " ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌باب: "ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله

- ‌باب: ما جاء في حماية المصطفى صلي الله عليه وسلم جناب التوحيد "وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

- ‌باب: " ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

- ‌باب " ما جاء في السحر

- ‌باب: " بيان شيء من أنواع السحر

- ‌باب: " ما جاء في الكهان ونحوهم

- ‌باب: " ما جاء في النُّشْرة

- ‌باب: " ما جاء في التطير

- ‌باب: " ما جاء في التنجيم

- ‌باب: " ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب: قول الله تعلى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

- ‌باب: قول الله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين}

- ‌باب: قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب: قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب: " من الإيمان بالله: الصبر على أقدار الله

- ‌باب: " ما جاء في الرياء

- ‌باب: " من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا

- ‌باب: " من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله، فقد اتخذهم أربابا من دون الله

- ‌باب: قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا به}

- ‌باب: من جحد شيئا من الأسماء والصفات، وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}

- ‌باب: قول الله تعالى: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}

- ‌باب: قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب: " ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌باب: "قول "ما شاء الله وشئت

- ‌باب: " من سَبَّ الدهر فقد آذى الله

- ‌بااب: التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌باب: " احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب: " من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول

- ‌باب: قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَ

- ‌باب: "قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} 1 الآية

- ‌باب "لا يقال " السلام على الله

- ‌باب" قول: " اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب " لا يقول عبدي وأَمَتي

- ‌باب " لا يرد من سأل بالله

- ‌باب: " لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب: ما جاء في "لو

- ‌باب النهي عن سب الريح

- ‌باب: قول الله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْ

- ‌باب: " ما جاء في منكري القدر

- ‌باب: " ما جاء في المصورين

- ‌باب: " ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب: "ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه

- ‌باب: " ما جاء في الإقسام على الله

- ‌باب: لا يستشفع بالله على خلقه

- ‌باب: " ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حِمى التوحيد، وسدِّه طرق الشرك

- ‌باب: ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}

الفصل: ‌باب: ما جاء في حماية المصطفى صلي الله عليه وسلم جناب التوحيد "وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

لأن فيه تضييعا للمال في غير فائدة; وإفراطا في تعظيم القبور أشبه بتعظيم الأصنام".

وقال ابن القيم رحمه الله: " اتخاذها مساجد وإيقاد السرج عليها من الكبائر"1.

قوله: "رواه أهل السنن" يعني أبا داود والترمذي وابن ماجه فقط ولم يروه النسائي 2.

الثانية: تفسير العبادة.

الثالثة: أنه صلي الله عليه وسلم لم يستعذ إلا مما يُخاف وقوعه.

الرابعة: قَرْنه بهذا اتخاذ قبور الأنبياء مساجد 3.

الخامسة: ذكر شدة الغضب من الله.

السادسة: وهي من أهمها، صفة معرفة عبادة اللات التي هي أكبر الأوثان.

السابعة: معرفة أنه قبر رجل صالح.

الثامنة: أنه اسم صاحب القبر، وذكر معنى التسمية.

التاسعة: لعنة زوارات القبور.

العاشرة: لعنة من أسرجها.

1 وقد عده ابن حجر الهيتمي في الكبائر أيضا.

2 بل رواه النسائي كما تقدم في تخريج رقم [182] .

3 يعني أنه لما قرن بذلك الدعاء اتخاذ القبور مساجد علم أن اتخادها مساجد ذريعة إلى إتخاذها أوثانا.

ص: 254

‌باب: ما جاء في حماية المصطفى صلي الله عليه وسلم جناب التوحيد "وسده كل طريق يوصل إلى الشرك

وقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ

قوله: باب "ما جاء في حماية المصطفى صلي الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك".

الجناب: هو الجانب. والمراد حمايته عما يقرب منه أو يخالطه من الشرك وأسبابه.

ص: 254

قوله: "وقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 1".

قال ابن كثير رحمه الله: يقول الله تعالى ممتنا على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولا من أنفسهم أي من جنسهم وعلى لغتهم، كما قال إبراهيم عليه السلام:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ} 2. وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} 3. وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} 4 أي منكم، كما قال جعفر ابن أبي طالب للنجاشي; والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى:" إن الله بعث فينا رسولا منا نعرف نسبه وصفته، ومدخله ومخرجه، وصدقه وأمانته " وذكر الحديث.

قال سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} 5 قال: " لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية "6.

وقوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} 7 أي يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها8، ولهذا جاء في الحديث المروي من طرق عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال:" بعثت بالحنيفية السمحة "9. وفي الصحيح: " إن هذا الدين يسر "10. وشريعته كلها سمحة سهلة كاملة، يسيرة على من يسرها الله عليه.

1 سورة التوبة آية: 128-129.

2 سورة البقرة آية: 129.

3 سورة آل عمران آية: 164.

4 سورة التوبة آية: 128.

5 سورة التوبة آية: 128.

6 ثم ذكر ابن كثير الحديث: "خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح". وقد وصل هذا من وجه آخر. كما قال الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي في كتابه: الفاصل بين الراوي والواعي: وقد استدل بعض الجاهلين بهذا على إيمان آباء النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من عظيم جهلهم، فليس فيه أي دليل؛ لأن في البخاري من حديث عائشة أنهم كانوا في الجاهلية لهم نكاح هو نكاح الناس اليوم.

7 سورة التوبة آية: 128.

8 في قرة العيون: ووجه الدلالة بالآية أنه صلى الله عليه وسلم يعز عليه كل ما يؤثم الأمة ويشق عليهم، وأعظم ما يؤثم الأمة ويشق عليهم الشرك بالله قليله وكثيره، ووسائله وما يقرب منه من كبائر الذنوب، وقد بالغ صلى الله عليه وسلم في النهي عن الشرك وأسبابه أعظم مبالغة كما لا يخفى، وقد كانت هذه حالة أصحابه رضي الله عنهم في قطعهم الخيوط التي يرقى للمريض فيها، ونحو ذلك من تعليق التمائم.

9 حسن. جاء من طرق كثيرة كما قال المصنف: من حديث حبيب بن أبي ثابت مرسلا، ومن حديث أبي أمامة وجابر وعائشة موصولا. والحديث ضعفه الألباني في غاية المرام (8) من حديث جابر ومرسل حبيب فقط. وحسن بهما الحديث في بحث جيد تظهر عليه أمارات التأدب مع العلماء. ص (333: 335) .

10 جزء من حديث أخرجه البخاري: كتاب الإيمان (39) : باب الدين يسر. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 255

قوله: {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أي على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم. وعن أبي ذر رضي الله عنه1 قال:

{حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 2.

" تركنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر لنا منه علما "3 أخرجه الطبراني. قال4: وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بينته لكم "5.

وقوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 6، كما قال تعالى:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} 7. وهكذا أمره تعالى في هذه الآية الكريمة، وهي قوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} أي عما جئتم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة {فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} 8.

قلت: فاقتضت هذه الأوصاف التي وصف بها رسول الله صلي الله عليه وسلم في حق أمته أن أنذرهم وحذرهم الشرك الذي هو أعظم الذنوب، وبيّن لهم ذرائعه الموصلة إليه، وأبلغ في نهيهم عنها، ومن ذلك تعظيم القبور والغلو فيها، والصلاة عندها وإليها، ونحو ذلك مما يوصل إلى عبادتها كما تقدم، وكما سيأتي في أحاديث الباب.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا عليَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " 9 رواه أبو داود بإسناد حسن. ورواته ثقات.

1 ساق ابن كثير سند الطبراني إلى أبي ذر.

2 سورة التوبة آية: 128-129.

3 صحيح. الطبراني في الكبير [16471] ، وأخرجه أحمد أيضا (5/153،162) . وصححه الأرناؤوط في تخريج ابن حبان برقم (65) .

4 أي قال أبو ذر: وهو من رواية الطبراني أيضا. وقد ذكر الحافظ ابن كثير بعد هذا الحديث من طريق الإمام أحمد عن ابن عباس حديث الملكين اللذين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وقعد أحدهما عند رجليه والآخر عند رأسه. ثم ضربا له ولأمته المثل. وروى عدة أحاديث في هذا المعنى في رحمة النبي صلى الله عليه وسلم.

5 جاء الحديث بنحوه عن ابن مسعود مطولا وفيه: "ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه.." الحديث. أخرجه الحاكم (2/4) ، وذكره المنذري في الترغيب (3/7) ونسبه للحاكم فقط. وراجع كلام الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الحديث على كتاب الرسالة للشافعي ص (94،95) .

6 سورة التوبة آية: 128.

7 سورة الشعراء آية: 215-216-217.

8 سورة التوبة آية: 129.

9 أبو داود: المناسك (2042) ، وأحمد (2/367) .

ص: 256

قوله: "وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " 1 رواه أبو داود بإسناد حسن. ورواته ثقات"2.

قوله: " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " قال شيخ الإسلام: أي لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء والقراءة، فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري العبادة في البيوت ونهى عن تحريها عند القبور، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم من هذه الأمة.

وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعا: " اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا "3.

وفي صحيح مسلم عن ابن عمر مرفوعا: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر؛ فإن الشيطان يفر من البيت الذي يسمع سورة البقرة تقرأ فيه "4.

قوله: " ولا تجعلوا قبري عيدا " قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: " العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائدا إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر ونحو ذلك".

وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: العيد ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان، مأخوذ من المعاودة والاعتياد. فإذا كان اسما للمكان فهو المكان الذي يقصد فيه الاجتماع وانتيابه للعبادة وغيرها، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها الله عيدا للحنفاء ومثابة، كما جعل أيام العيد فيها عيدا. وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية. فلما جاء الله بالإسلام أبطلها وعوض الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر وأيام منى، كما عوضهم من أعياد المشركين المكانية بالكعبة ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر".

قوله: " وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ".

قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: " يشير بذلك إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبُعدكم، فلا حاجة لكم إلى اتخاذه عيدا".

قوله: " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " تقدم كلام شيخ الإسلام في معنى الحديث قبله اهـ.

قوله: "وعن علي بن الحسين رضي الله عنه " أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلي الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو، فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم؟ قال: لا تتخذوا قبري عيدا،

1 صحيح. تقدم تخريجه برقم [117] .

2 في قرة العيون: قال الحافظ محمد بن عبد الهادي: هو حديث حسن، جيد الإسناد، وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة. نهاهم صلى الله عليه وسلم أن يهجروا بيوتهم عن الصلاة فيها، كما تهجر القبور عن الصلاة إليها، مخافة الفتنة بها، وما يفضي إلى عبادتها من دون الله؛ لأن النهي عن ذلك قد تقرر عندهم، فنهاهم أن يجعلوا بيوتهم كذلك.

3 البخاري: كتاب الصلاة (432) : باب كراهية الصلاة في المقابر. ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها (777)(208) : باب استحباب صلاة النافلة في بيتها وجوازها في المسجد.

4 مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها (780)(212) : باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوزها في المسجد. (*) وهو عن أبي هريرة وليس ابن عمر كما ذكر المصنف.

ص: 257

ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم ". رواه في المختارة".

هذا الحديث والذي قبله جيدان حسنا الإسنادين.

أما الأول فرواه أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن نافع الصائغ قال: أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فذكره، ورواته ثقات مشاهير، لكن عبد الله بن نافع قال فيه أبو حاتم: ليس بالحافظ، تعرف وتنكر. وقال ابن معين: هو ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به. قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ومثل هذا إذا كان

لحديثه شواهد علم أنه محفوظ، وهذا له شواهد متعددة". وقال الحافظ محمد بن عبد الهادي:" " هو حديث حسن جيد الإسناد، وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة". وأما الحديث الثاني فرواه أبو يعلى والقاضي إسماعيل والحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي في المختارة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: " فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة، وأهل البيت الذين لهم من رسول الله صلي الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار; لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم، فكانوا له أضبط". اهـ.

وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل ابن أبي سهل قال: " رآني الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم عند القبر، فناداني، وهو في بيت فاطمة رضي الله عنها يتعشى، فقال: هلم إلى العشاء. فقلت: لا أريده. فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت: سلمت على النبي صلي الله عليه وسلم. فقال: إذا دخلت المسجد فسلم. ثم قال: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ما أنتم وبني بالأندلس إلا سواء "1.

1 قال في قرة العيون: وهذا أيضا له قرب النسب وقرب الدار، فنهى عن المجيء إلى القبر للدعاء عنده. فالمجيء إلى القبر للسلام عليه وتحري إجابة الدعاء ليس مما شرعه الله ورسوله لهذه الأمة. ولو كان مشروعا لما تركه الخلفاء والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من سادات أهل البيت وأئمة التابعين، ولما أنكروا على من فعله، وقولهم هو الحجة، وهو الذي دلت عليه الأحاديث، كحديث عاثشة وحديث الباب وغيرهما، لعلم السلف بما أراده النبي صلى الله عليه وسلم بنهيه عن الغلو، وخوفه مما وقع ممن غلا في الدين، واتبع غير سبيل المؤمنين; كما قال تعالى:(4: 115)(ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) . ولما حدث الشرك بأرباب القبور في هذه الأمة وتعظيمها وعبادتها صارت تشد الرحال إليها لقصد دعائها والاستغاثة بها، وبذل نفيس المال تقربا إليها وتعظيم سدنتها. فيا لها من مصيبة ما أعظمها! نسأل الله السلامة من هذا الشرك وما يقرب منه أو يوصل إليه.

ص: 258

وقال سعيد أيضا: حدثنا حبان بن علي حدثنا محمد عجلان عن أبي سعيد مولى المهري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني "1.

قال شيخ الإسلام: فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث، لا سيما وقد احتج به من أرسله. وذلك يقتضي ثبوته عنده هذا لو لم يُرْوَ من وجوه مسندة غير هذين، فكيف وقد تقدم مسندا؟

قوله: "علي بن الحسين" أي ابن علي ابن أبي طالب، المعروف بزين العابدين رضي الله عنه أفضل التابعين من أهل بيته وأعلمهم. قال الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل منه. مات سنة ثلاث وتسعين على الصحيح. وأبوه الحسين سِبْط رسول الله صلي الله عليه وسلم وريحانته، حفظ عن النبي صلي الله عليه وسلم، واستشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وله ست وخمسون سنة رضي الله عنه.

قوله: "أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة" بضم الفاء وسكون الراء، وهي الكوة في الجدار والخوخة ونحوهما.

قوله: "فيدخل فيها فيدعو فنهاه" هذا يدل على النهي عن قصد القبور والمشاهد لأجل الدعاء والصلاة عندها.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: ما علمت أحدا رخص فيه؛ لأن ذلك نوع من اتخاذه عيدا، ويدل أيضا على أن قصد القبر للسلام إذا دخل المسجد ليصلي منهي عنه؛ لأن ذلك لم يشرع، وكره مالك لأهل المدينة كلما دخل الإنسان المسجد أن يأتي قبر النبي صلي الله عليه وسلم؛ لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك، قال:" ولن يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ". وكان الصحابة والتابعون رضي الله عنهم يأتون إلى مسجد النبي صلي الله

1 البخاري: المظالم والغصب (2463)، ومسلم: المساقاة (1609)، والترمذي: الأحكام (1353)، وأبو داود: الأقضية (3634)، وابن ماجه: الأحكام (2335) ، وأحمد (2/240 ،2/274 ،2/327 ،2/396 ،2/447 ،2/463)، ومالك: الأقضية (1462) .

ص: 259

عليه وسلم فيصلون، فإذا قضوا الصلاة قعدوا أو خرجوا، ولم يكونوا يأتون القبر للسلام؛ لعلمهم أن الصلاة والسلام عليه في الصلاة أكمل وأفضل، وأما دخولهم عند قبره للصلاة والسلام عليه هناك، أو للصلاة والدعاء فلم يشرعه لهم; بل نهاهم عنه في قوله:" لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني ". فبين أن الصلاة تصل إليه من بعد وكذلك السلام، ولعن من اتخذ قبور الأنبياء مساجد. وكانت الحجرة في زمانهم يُدخَل إليها من الباب، إذ كانت عائشة رضي الله عنها فيها، وبعد ذلك إلى أن بني الحائط الآخر، وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون عليه، لا للسلام ولا للصلاة، ولا للدعاء لأنفسهم ولا لغيرهم، ولا لسؤال عن حديث أو علم، ولا كان الشيطان يطمع فيهم حتى يسمعهم كلاما أو سلاما فيظنون أنه هو كلمهم وأفتاهم، وبين لهم الأحاديث، أو أنه قد رد عليهم السلام بصوت يسمع من خارج، كما طمع الشيطان في غيرهم فأضلهم عند قبره1 وقبر غيره، حتى ظنوا أن صاحب القبر يأمرهم وينهاهم ويفتيهم ويحدثهم في الظاهر، وأنه يخرج من القبر ويرونه خارجا من القبر، ويظنون أن نفس أبدان الموتى خرجت تكلمهم، وأن روح الميت تجسدت لهم فرأوها كما رآهم النبي صلي الله عليه وسلم ليلة المعراج.

والمقصود: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يعتادون الصلاة والسلام عليه عند قبره كما يفعله من بعدهم من الخلوف، وإنما كان بعضهم يأتي من خارج فيسلم عليه إذا قدم من سفر، كما كان ابن عمر يفعله. قال عبيد الله بن عمر عن نافع:" كان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلي الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا أبا بكر. السلام عليك يا أبتاه ثم ينصرف "2 قال عبيد الله ما نعلم أحدا من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم فعل ذلك إلا ابن عمر وهذا يدل على أنه لا يقف عند القبر للدعاء إذا سلم كما يفعله كثير.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: " لأن ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة، فكان

1 ومن ذلك الحكاية المفترأة المنسوبة إلى الشيخ أحمد الرفاعي، وأنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم مد يده ليقبلها ففعل، وخرجت اليد فقبلها. فانظر بالله كيف استطاعت شياطين الجن والإنس أن تلعب بعقول أولئك المخبولين، المحرومين من كل علم وعقل ودين! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

2 صحيح. أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رقم (20) وصححه الألباني لطرقه وشواهده في تخريج الكتاب المذكور ص (34) .

ص: 260

بدعة محضة". وفي المبسوط: قال مالك: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلي الله عليه وسلم، ولكن

يسلم ويمضي. ونص أحمد أنه يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره لئلا يستدبره.

وبالجملة فقد اتفق الأئمة على أنه إذا دعا لا يستقبل القبر. وتنازعوا: هل يستقبله عند السلام عليه أم لا؟ وفي الحديث دليل على منع شد الرحال إلى قبره صلي الله عليه وسلم وإلى غيره من القبور والمشاهد؛ لأن ذلك من اتخاذها أعيادا. بل من أعظم أسباب الإشراك بأصحابها. وهذه هي المسألة التي أفتى بها شيخ الإسلام رحمه الله أعني من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين- ونقل فيها اختلاف العلماء، فمن مبيح لذلك كالغزالي وأبي محمد المقدسي. ومن مانع لذلك كابن بطة وابن عقيل، وأبي محمد الجويني، والقاضي عياض. وهو قول الجمهور، نص عليه مالك ولم يخالفه أحد من الأئمة، وهو الصواب؛ لما في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى "1. فدخل في النهي شدها لزيارة القبور والمشاهد، فإما أن يكون نهيا، وإما أن يكون نفيا. وجاء في رواية بصيغة النهي، فتعين أن يكون للنهي، ولهذا فهم منه الصحابة رضي الله عنهم المنع - كما في الموطأ والمسند والسنن –.

عن بصرة ابن أبي بصرة الغفاري أنه قال لأبي هريرة - وقد أقبل من الطور -: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه لما خرجت سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى "2. وروى الإمام أحمد وعمر بن شبّة في أخبار المدينة بإسناد جيد عن قزعة قال:

" أتيت ابن عمر فقلت: إني أريد الطور. فقال: إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى. فدع عنك الطور ولا تأته "3. فابن عمر وبصرة ابن أبي بصرة جعلا الطور مما نهي عن شد الرحال إليه؛ لأن اللفظ الذي ذكراه فيه النهي عن شدها إلى غير الثلاثة مما يقصد به القربة، فعلم أن المستثنى منه عام في المساجد وغيرها، وأن النهي ليس خاصا بالمساجد، ولهذا نهيا عن شدها إلى الطور مستدلين بهذا الحديث. والطور إنما يسافر من يسافر إليه لفضيلة

1 البخاري: كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1197) : باب مسجد بيت المقدس. ومسلم: كتاب الحج (827)(415) : باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره.

2 صحيح: مالك (1/108) في الجمعة: باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة. وأحمد (6/7،397) . والنسائي (3/113،115) في الجمعة باب الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة. وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص (226) . وصحيح الجامع (7248) .

3 رواه أحمد (3/64،93) عن أبي سعيد الخدري وفيه شهر بن حوشب وهو مضطرب الحديث، والحديث ثابت عدا فقرة:"إلى مسجد يبتغي فيه الصلاة" فهي ضعيفة لتفرد شهر بها. أفاده الدوسري في النهج السديد (237) .

ص: 261

البقعة. فإن الله سماه "الوادي المقدس، والبقعة المباركة". وكلّم كليمه موسى عليه السلام هناك، وهذا هو الذي عليه الأئمة الأربعة وجمهور العلماء، ومن أراد بسط القول في ذلك والجواب عما يعارضه، فعليه بما كتبه شيخ الإسلام مجيبا لابن الأخنائي1 فيما اعترض به على ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وأخذ به العلماء وقياس الأولى; لأن المفسدة في ذلك ظاهرة.

وأما النهي عن زيارة غير المساجد الثلاثة فغاية ما فيها: أنها لا مصلحة في ذلك توجب شد الرحال، ولا مزية تدعو إليه. وقد بسط القول في ذلك الحافظ محمد بن عبد الهادي في كتاب الصارم المنكي في رده على السبكي، وذكر فيه علل الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي صلي الله عليه وسلم وذكر هو وشيخ الإسلام -رحمهما الله تعالى- أنه لا يصح منها حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، مع أنها لا تدل على محل النزاع؛ إذ ليس فيها إلا مطلق الزيارة، وذلك لا ينكره أحد بدون شد الرحال، فيحمل على الزيارة الشرعية التي ليس فيها شرك ولا بدعة.

قوله: "رواه في المختارة" المختارة: كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث الجياد الزائدة على الصحيحين.

ومؤلفه: هو أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحافظ ضياء الدين الحنبلي أحد الأعلام. قال الذهبي: أفنى عمره في هذا الشأن مع الدين المتين،

فيه مسائل:

الأولى: تفسير آية براءة.

الثانية: إبعاده أمته عن هذه الحمى غاية البعد.

الثالثة: ذكر حرصه علينا ورأفته ورحمته.

الرابعة: نهيه عن زيارة قبره على وجه مخصوص، مع أن زيارته من أفضل الأعمال.

الخامسة: نهيه عن الإكثار من الزيارة.

السادسة: حثه على النافلة في البيت.

السابعة: أنه متقرر عندهم أنه لا يصلى في المقبرة.

الثامنة: تعليله ذلك بأن صلاة الرجل وسلامه عليه يبلغه وإن بعد، فلا حاجة إلى ما يتوهمه من أراد القرب.

التاسعة: كونه صلي الله عليه وسلم في البرزخ تُعرَض أعمال أمته في الصلاة والسلام عليه2.

والورع والفضيلة التامة والإتقان. فالله يرحمه ويرضى عنه.

وقال شيخ الإسلام: " تصحيحه في مختاراته خير من تصحيح الحاكم بلا ريب". مات سنة ثلاث وأربعين وستمائة.

1 قاضي المالكية في عصره، والرد عليه مطبوع بهامش الرد على البكري، على نفقة جلالة الملك الصالح المصلح: الملك عبد العزيز آل سعود. أدام الله تأييده ونصره.

2 يريد المصنف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرض عليه من أعمالنا إلا الصلاة والسلام عليه فقط، لا كما يظنه المبتدعون أن كل الأعمال تعرض عليه، فإن وجد خيرا حمد الله، وإن وجد غير ذلك استغفر، مستدلين على ذلك بحديث: أوهى من بيت العنكبوت، ومعرضين عن صحاح النصوص من الكتاب والسنة التي رواها البخاري ومسلم.

ص: 262