الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: ما جاء في الرقى والتمائم
في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه " أنه كان مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلاة من وتر أو قلاة إلا قطعت "1.
قوله: "باب ما جاء في الرقى والتمائم".
أي من النهي وما ورد عن السلف في ذلك.
قوله: "في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري أنه كان مع النبي صلي الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولا: "أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت " هذا الحديث في الصحيحين.
قوله: "عن أبي بشير" بفتح أوله وكسر المعجمة، قيل: اسمه قيس بن عبيد قاله ابن سعد. وقال ابن عبد البر: لا يوقف له على اسم صحيح، وهو صحابي شهد الخندق ومات بعد الستين. ويقال: إنه جاوز المائة.
قوله: "في بعض أسفاره" قال الحافط: لم أقف على تعيينه.
قوله: "فأرسل رسولا" هو زيد بن حارثة. روى ذلك الحارث ابن أبي أسامة في مسنده قاله الحافظ.
قوله: "أن لا يبقين" بالمثناة التحتية والقاف المفتوحتين، و"قلادة" مرفوع على أنه فاعل. و "الوتر" بفتحتين، واحد أوتار القوس. وكان أهل الجاهلية إذا اخلولق الوتر أبدلوه بغيره وقلدوا به الدواب؛ اعتقادا منهم أنه يدفع عن الدابة العين3.
قوله: " أو قلادة إلا قطعت " معناه: أن الراوي شك هل قال شيخه: قلادة من وتر
_________
1 البخاري: الجهاد والسير (3005)، ومسلم: اللباس والزينة (2115)، وأبو داود: الجهاد (2552) ، وأحمد (5/216)، ومالك: الجامع (1745) .
2 أبو داود: الطب (3883)، وابن ماجه: الطب (3530) ، وأحمد (1/381) .
3 وأصل معنى القلادة: ما يوضع في العنق من الحلي والزينة للنساء، والحبل يوضع في عنق الدابة لتقاد به. ومثل ذلك ما يعلقه بعض الناس اليوم على السيارات من صورة قرد ونحوه، وما يضعه بعضهم على أبواب البيوت والحوانيت من حدوة حمار أو حصان، وتعليق سنابل من الحنطة أو غير ذلك كله من عمل الجاهلية المنهي عنه أشد النهي، وقد يصل إلى الشرك الأكبر عند بعضهم حين يعتقد فيه أنه هو الذي يدفع حقيقة الضر والسوء.
أو قال: قلادة وأطلق ولم يقيده؟ ويؤيد الأول ما روي عن مالك: أنه سئل عن القلادة؟ فقال: "ما سمعت بكراهتها إلا في الوتر". ولأبي داود: "ولا قلادة" بغير شك.
قال البغوي في شرح السنة: "تأول مالك أمره عليه الصلاة والسلام بقطع القلائد على أنه من أجل العين. وذلك أنهم كانوا يشدون تلك الأوتار والتمائم ويعلقون عليها العوذ، يظنون أنها تعصمهم من الآفات، فنهاهم النبي صلي الله عليه وسلم عنها وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئا".
قال أبو عبيد: "كانوا يقلدون الإبل الأوتار; لئلا تصيبها العين، فأمرهم النبي صلي الله عليه وسلم بإزالتها إعلاما لهم بأن الأوتار لا ترد شيئا". وكذا قال ابن الجوزي وغيره.
قال الحافظ:. "ويؤيده حديث عقبة بن عامر، رفعه: " من تعلق تميمة فلا أتم الله له " 1 رواه أبو داود. وهي ما علق من القلائد خشية العين ونحو ذلك". انتهى.
قال المصنف: "وعن ابن مسعود: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " رواه أحمد وأبو داود".
وفيه قصة. ولفظ أبي داود: " عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: "إن عبد الله رأى في عنقي خيطا; فقال: ما هذا؟ قلت: خيط رقي لي فيه. قالت: فأخذه ثم قطعه ثم قال: أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك2 سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: إن الرقى والتمائم والتولة شرك فقلت: لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي، فإذا رقى سكنت. فقال عبد الله: إنما ذلك عمل الشيطان، كان ينخسها بيده، فإذا كف عنها. إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلي الله عليه
1 تقدم تخريجه برقم (91) . وهو ليس موجودا عند أبي داود كما عزاه المؤلف.
2 من أول الحديث إلى هنا ليس في سنن أبي داود في باب تعليق التمائم. وهو عند ابن ماجة بلفظ: "كانت عجوز تدخل علينا من الحمرة، وكان لنا سرير طويل القوائم، وكان عبد الله إذا دخل تنحنح وصوت، فدخل يوما، فلما سمعت صوته احتجبت منه، فجاء فجلس إلى جانبي فمسني فوجد مس خيط، فقال: ما هذا؟ فقلت رقي لي فيه من الحمى، فجذبه فقطعه فرمى به، ثم قال: لقد أصبح آل عبد الله أغنياء عن الشرك. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
إلخ".
وسلم يقول: أذهب الباس، رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما " ورواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال: صحيح، وأقره الذهبي1.
قوله: "إن الرقى". قال المصنف: "هي التي تسمى العزائم، وخص منه الدليل ما خلا من الشرك، فقد رخص فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم من العين والحمة" يشير إلى أن الرقى الموصوفة بكونها شركا هي التي يستعان فيها بغير الله، وأما إذا لم يذكر فيها إلا بأسماء الله وصفاته وآياته; والمأثور عن النبي صلي الله عليه وسلم فهذا حسن جائز أو مستحب.
قوله: "فقد رخص فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم من العين والحمة" كما تقدم ذلك في باب من حقق التوحيد. وكذا رخص في الرقى من غيرها; كما في صحيح مسلم عن عوف بن مالك: " كنا نرقى في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا " 2 وفي الباب أحاديث كثيرة.
قال الخطابي: وكان عليه السلام قد رقى ورقي، وأمر بها وأجازها، فإذا كانت بالقرآن وبأسماء الله فهي مباحة أو مأمور بها، وإنما جاءت الكراهة والمنع فيما كان منها بغير لسان العرب، فإنه ربما كان كفرا أو قولا يدخله شرك. قلت: من ذلك ما كان على مذاهب الجاهلية التي يتعاطونها، وأنها تدفع عنهم الآفات، ويعتقدون أن ذلك من قبل الجن ومعونتهم. وبنحو هذا ذكر الخطابي.
وقال شيخ الإسلام: " كل اسم مجهول فليس لأحد أن يرقي به فضلا عن أن يدعو به، ولو عرف معناه؛ لأنه يكره الدعاء بغير العربية، وإنما يرخص لمن لا يحسن العربية، فأما جعل الألفاظ الأعجمية شعارا فليس من دين الإسلام3".
1 صحيح: أحمد (1/381) وأبو داود: كتاب الطب (3883) : باب في تعليق التمائم وابن ماجة كتاب الطب (3530) : باب في تعليق التمائم، والحاكم (4/418،417) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وابن حبان (1412- موارد) . وصححه الألباني في الصحيحة (331) .
2 مسلم: السلام (2200)، وأبو داود: الطب (3886) .
3 وذلك مثل قول أرباب الطرق الصوفية في أورادهم: "كركدن كرددن دهده، أصباءوات أهيا شراهيا جلجلوت" وأمثالها مما يقولون عنه أنه ذكر الله، فهذا كله ليس من دين الإسلام في شيء؛ لأن الإسلام عربي متين، وهذا وغيره يدل على أن أصل هذه الطرق الصوفية خدعة يهودية هندية فارسية يونانية. كادوا بها للمسلمين ففرقوهم شيعا وأحزابا، وملأوا قلوبهم من الشرك في الإلهية والشرك في الربويية. فوصلوا من ذلك إلى ما يريدون من تقويض الدولة الإسلامية.
وقال السيوطي: " قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي وما يعرف معناه، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى".
قوله: "والتمائم". قال المصنف: "شيء يعلق على الأولاد من العين". وقال الخلخالي: التمائم جمع تميمة، وهي ما يعلق بأعناق الصبيان من خرزات وعظام لدفع العين، وهذا منهي عنه؛ لأنه لا دافع إلا الله، ولا يطلب دفع المؤذيات إلا بالله وبأسمائه وصفاته.
فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود رضي الله عنه. و"الرقى": هي التي تسمى العزائم، وخص منه الدليل ما خلا من الشرك، رخص فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم من العين والحمة
قال المصنف: "لكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه. منهم ابن مسعود".
اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته، فقالت طائفة: يجوز ذلك، وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص1، وهو ظاهر ما روي عن عائشة. وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية. وحملوا الحديث على التمائم التي فيها شرك.
وقالت طائفة: لا يجوز ذلك. وبه قال ابن مسعود وابن عباس. وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم، وبه قال جماعة من التابعين، منهم: أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختاره كثير من أصحابه، وجزم بها المتأخرون، واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه2.
1 الرواية بذلك ضعيفة، ولا تدل على هذا ; لأن فيها أن ابن عمرو وكان يحفظه أولاده الكبار. ويكتبه في ألواح ويعلقه في عنق الصغار فالظاهر أنه كان يعلقه في اللوح ليحفظه الصغير لا على أنه تميمة، والتميمة تكتب في ورقة لا في لوح. وبدليل تحفيظه الكبار. وكيفما كان فهو عمل فردي من عبد الله بن عمرو لا يترك به حديث رسول الله، وعمل كبار الصحابة الذين لم يعملوا مثل عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم.
2 في قرة العيون: والمقصود بيان أن هذه الأمور الشركية وإن خفيت فقد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لكمال علمهم بما دلت عليه لا إله إلا الله من نفي الشرك قليله وكثيره؛ لتعلق القلب بغير الله في دفع الضر أو جلب نفع، وقد عمت البلوى بما هو أعظم من ذلك بأضعاف مضاعفة، فمن عرف هذه الأمور الشركية المذكورة في هذين البابين عرف ما وقع مما هو أعظم من ذلك كما تقدم بيانه، وفيه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من التحذير من الشرك والتغليظ في إنكاره، وإن كان من الشرك الأصغر فهو أكبر من الكبائر.
قلت: هذا هو الصحيح لوجوه ثلاثة تطهر للمتأمل: الأول: عموم النهي ولا مخصص للعموم. والثاني: سد الذريعة؛ فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك. الثالث:
و"التولة": شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته.
أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك1.
وتأمل هذه الأحاديث وما كان عليه السلف -رضي الله تعالى عنهم- يتبين لك بذلك غربة الإسلام، خصوصا إن عرفت عظيم ما وقع فيه الكثير بعد القرون المفضلة من تعظيم القبور واتخاذ المساجد عليها، والإقبال إليها بالقلب والوجه، وصرف جل الدعوات والرغبات والرهبات وأنواع العبادات التي هي حق الله تعالى إليها من دونه، كما قال تعالى:{وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 2 ونظائرها في القرآن أكثر من أن تحصر.
قوله: "التولة". قال المصنف: "هي شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته". وبهذا فسرها ابن مسعود راوي الحديث: كما في صحيح ابن حبان
1 ولأن فعل ذلك استهزاء أشد استهزاء بآيات الله، ومناقضة لما جاءت به. (*) ومحادة لله ولرسوله، فإن الله أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وشفاء لما في الصدور ولا يزيد الظالمين إلا خسارا. وإنه لتذكرة للمتقين. وإنه لحسرة على الكافرين. وإنه لحق اليقين. ولم ينزل القرآن ليتخذ حجبا وتمائم، ولا ليتلاعب به المتأكلون به الذين يشترون به ثمنا قليلا، والذين يقرءونه على المقابر وأمثال ذلك مما ذهب بحرمة القرآن، وجرأ الرؤساء على ترك الحكم به. (*) قوله:(ولأن فعل ذلك استهزاء أشد استهزاء بآيات الله، ومناقضة لما جاءت به) إلخ. أقول: هذه فيها نظر، والصواب أن تعليق التمائم ليس من الاستهزاء بالدين بل من الشرك الأصغر، ومن التشبه بالجاهلية، وقد يكون شركا أكبر على حسب ما يقوم بقلب صاحب التعليق من اعتقاد النفع فيها، وأنها تنفع وتضر دون الله عز وجل، وما أشبه هذا الاعتقاد. أما إذا اعتقد أنها سبب للسلامة من العين أو الجن ونحو ذلك فهذا من الشرك الأصغر؛ لأن الله سبحانه لم يجعلها سببا، بل نهى عنها وحذر وبين أنها شرك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا لما يقوم بقلب صاحبها من الالتفات إليها والتعلق بها، ولو كان تعليقها استهزاء بآيات الله سبحانه لكان ذلك كفرا وردة عن الإسلام، كما قال الله عز وجل:(قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) الآية. ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال: إن تعليق التمائم استهزاء بآيات الله، ولأن الواقع من المعلقين يخالف ذلك؛ فإنهم إنما يعلقون التمائم من القرآن والسنة رجاء نفعها وبركتها، لا لقصد الاستهزاء بها، وهذا بين واضح لمن تأمل. والله المستعان.
2 سورة يونس آية: 106-107.
والحاكم: " قالوا: يا أبا عبد الرحمن، هذه الرقى والتمائم قد عرفناها. فما التولة؟ قال: شيء نصنعه للنساء يتحببن به إلى أزواجهن "1 قال الحافظ: " التولة - بكسر المثناة وفتح الواو واللام مخففا - شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها، وهو ضرب من السحر2 والله أعلم".
وكان من الشرك لما يراد به من دفع المضار وجلب المنافع من غير الله تعالى.
قال المصنف: " وعن عبد الله بن عكيم مرفوعا: " من تعلق شيئا وكل إليه " رواه أحمد والترمذي". ورواه أبو داود والحاكم. وعبد الله بن عكيم هو بضم المهملة مصغرا، ويكنى أبا معبد الجهني الكوفي. قال البخاري: أدرك زمن النبي صلي الله عليه وسلم ولا يعرف له سماع صحيح. وكذا قال أبو حاتم. قال الخطيب: سكن الكوفة وقدم المدائن في حياة حذيفة، وكان ثقة. وذكر ابن سعد عن غيره أنه مات في ولاية الحجاج.
قوله: " من تعلق شيئا وكل إليه " التعلق يكون بالقلب، ويكون بالفعل، ويكون بهما3. وكل إليه أي وكله الله إلى ذلك الشيء الذي تعلقه، فمن تعلق بالله وأنزل
1تفسير ابن مسعود راوي الحديث عند ابن حبان (1412-موارد) ، والحاكم (4/418) وصححه ووافقه الذهبي.
2 وإن زعم الذين يصنعونها للنساء أنهم مسلمون ومتدينون، وأن ما يكتبونه من القرآن وأسماء الله؛ فإنهم يفعلون ذلك تضليلا بالقرآن وإلحادا فيه؛ لأنهم يكتبونه على طريقة اليهود حروفا مقطعة وبمداد خاص، ويمزجونه بأدعية جاهلية وبخطوط يزعمونها على صورة خاتم سليمان الذي كان فيه سر ملكه، كما يزعم اليهود الذين يعتقدون كفر سليمان، وأنه كان يسخر الجن بالسحر لا بمعجزة من الله. وعلى هذه العقيدة اليهودية الدجالون الذين يكتبون التمائم والتولات، ويزعمون أن للحروف والأسماء خداما يقومون بما يطلب منهم من الأعمال السحرية، ويتخذون أنواعا من البخور والأدوات المخصوصة التي يوحي بها شياطينهم، وكل ذلك من الكفر العظيم.
3 في قرة العيون: التعلق يكون بالقلب وينشأ عنه القول والفعل، وهو التفات القلب عن الله إلى شيء يعتقد أنه ينفعه أو يدفع عنه كما تقدم بيانه في الأحاديث في هذا الباب والذي قبله، وهو ينافي قوله تعالى:(بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) . فإن كان من الشرك الأصغر فهو ينافي كمال التوحيد ، وإن كان من الشرك الأكبر كعبادة أرباب القبور والمشاهد والطواغيت ونحو ذلك فهو كفر بالله، وخروج عن دين الإسلام، ولا يصح معه قول ولا عمل.
حوائجه به والتجأ إليه، وفوض أمره إليه، كفاه وقرب إليه كل بعيد ويسر له كل عسير، ومن تعلق بغيره أو سكن إلى رأيه وعقله ودوائه وتمائمه ونحو ذلك، وكله الله إلى ذلك وخذله، وهذا معروف بالنصوص والتجارب. قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 1.
قال الإمام أحمد: حدثنا هشام بن القاسم حدثنا أبو سعيد المؤدب حدثنا من سمع عطاء الخراساني قال: " لقيت وهب بن منبه -وهو يطوف بالبيت- فقلت: حدثني حديثا أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز. قال: نعم، أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود: يا داود، أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم بي عبد من عبادي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السماوات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن إلا جعلت له من بينهن مخرجا. أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني، أعرف ذلك من نيته، إلا قطعت أسباب السماء من يده، وأسخت الأرض من تحت قدميه، ثم لا أبالي بأى أوديتها هلك ".
قال المصنف: وروى الإمام أحمد عن رويفع قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " يا رويفع; لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمدا بريء منه " الحديث. رواه الإمام أحمد عن يحيى بن إسحاق والحسن بن موسى الأشيب كلاهما عن ابن لهيعة. وفيه قصة اختصرها المصنف. وهذا لفظ حسن: حدثنا ابن لهيعة حدثنا عياش بن عباس عن شييم بن بيتان قال: حدثنا رويفع بن ثابت قال: " كان أحدنا في زمن رسول الله صلي الله عليه وسلم يأخذ جمل أخيه على أن يعطيه النصف مما غنم وله النصف، حتى إن أحدنا ليصير له النصل والريش وللآخر القدح. " ثم قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم - الحديث. ثم رواه أحمد عن يحيى بن غيلان حدثني الفضل حدثنا عياش بن عباس أن شييم بن بيتان أخبره أنه سمع شيبان القتباني - الحديث2 ابن لهيعة فيه مقال.
1 سورة الطلاق آية: 3.
2 الحديث رواه أبو داود في باب ما ينهى عنه أو يستنجى به: حدثنا يزيد بن خالد بن عبد
وفي الإسناد الثاني شيبان القتباني، قيل: فيه مجهول. وبقية رجالهما ثقات.
قوله: "فأخبر الناس" دليل على وجوب إخبار الناس، وليس هذا مختصا برويفع، بل كل من كان عنده علم ليس عند غيره مما يحتاج إليه الناس وجب إعلامهم به، فإن اشترك هو وغيره في علم ذلك فالتبليغ فرض كفاية. قاله أبو زرعة في شرح سنن أبي داود.
قوله: " لعل الحياة ستطول بك " فيه علم من أعلام النبوة؛ فإن رويفعا طالت حياته إلى سنة ست وخمسين فمات ببرقة من أعمال مصر أميرا عليها، وهو من الأنصار، وقيل مات سنة ثلاث وخمسين.
قوله: "أن من عقد لحيته" بكسر اللام لا غير، والجمع لحى بالكسر والضم قاله الجوهري.
قال الخطابي: أما نهيه عن عقد اللحية فيفسر على وجهين: أحدهما: ما كانوا يفعلونه في الحرب، كانوا يعقدون لحاهم، وذلك من زي بعض الأعاجم يفتلونها ويعقدونها. قال أبو السعادات: تكبرا وعجبا. ثانيهما: أن معناه معالجة الشعر ليتعقد ويتجعد، وذلك من فعل أهل التأنيث. وقال أبو زرعة ابن العراقي: والأولى حمله على عقد اللحية في الصلاة، كما دلت عليه رواية محمد بن الربيع.
وفيه: "أن من عقد لحيته في الصلاة"1.
قوله: "أو تقلد وترا" أي جعله قلادة في عنقه أو عنق دابته. وفي رواية محمد بن الربيع: "أو تقلد وترا- يريد تميمة". فإذا كان هذا فيمن تقلد وترا فكيف بمن تعلق بالأموات وسألهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، الذي جاء النهي عنه وتغليظه في الآيات المحكمات؟
قوله: "أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا بريء منه" قال النووي: أي بريء من فعله. وهذا خلاف الظاهر. والنووي كثيرا ما يتأول الأحاديث بصرفها عن ظاهرها فيغفر الله تعالى له.
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: " لا تستنجوا بالروث ولا العظام فإنه زاد إخوانكم من الجن " 2 وعليه لا يجزي الاستنجاء بهما كما هو ظاهر مذهب أحمد؛ لما روى ابن خزيمة والدارقطني عن أبي هريرة
وعن سعيد بن جبير قال: " من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة " رواه وكيع.
وله عن إبراهيم قال: " كانوا يكرهون التمائم كلها، من القرآن وغير القرآن ".
فيه مسائل:
الأولى: تفسير الرقى والتمائم.
الثانية: تفسير التولة.
الثالثة: أن هذه الثلاث كلها من الشرك من غير استثناء.
الرابعة: أن الرقية بالكلام الحق من العين والحمة ليس من ذلك.
الخامسة: أن التميمة إذا كانت من القرآن فقد اختلف العلماء هل هي من ذلك أم لا؟.
السادسة: أن تعليق الأوتار على الدواب عن العين من ذلك.
السابعة: الوعيد الشديد على من تعلق وترا.
الثامنة: فضل ثواب من قطع تميمة من إنسان.
التاسعة: أن كلام إبراهيم لا يخالف ما تقدم من الاختلاف؛ لأن مراده أصحاب عبد الله.
" أن النبي صلي الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بعظم أو روث، وقال: إنهما لا يطهران "3.
قوله: " وعن سعيد بن جبير قال: " من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة " رواه وكيع" هذا عند أهل العلم له حكم الرفع؛ لأن مثل ذلك لا يقال بالرأي ويكون هذا مرسلا؛ لأن سعيدا تابعي4 وفيه فضل قطع التمائم لأنها شرك.
ووكيع: هو ابن الجراح بن وكيع الكوفي، ثقة إمام، صاحب تصانيف منها الجامع وغيره. روى عنه الإمام أحمد وطبقته. مات سنة سبع وتسعين ومائة.
قوله: "وله عن إبراهيم قال: " كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن "
1 في قرة العيون: قلت ويشبه هذا ما يفعله كثير من فتل أطراف الشارب فيترك أطرافه لذلك وهي بعضه. وفي حديث زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا) رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال: صحيح. وفي الصحيح: (خالفوا المشركين احفوا الشوارب واعفوا اللحى) وذلك يدل على الوجوب، وذكر ابن حزم الإجماع على أنه فرض فيتعين النهي عن ذلك.
2 مسلم: كتاب الصلاة (1450)(150) : باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن.
3 إسناده ضعيف: الدارقطني (1/56) وقال: إسناده صحيح، وفي إسناده الحسن بن الفرات منكر الحديث كما قال أبو حاتم وراجع النهج السديد (115) .
4 في قرة العيون: فعلى هذا يجب النهي عن تعليق التمائم والترغيب في قطعها وأن ذلك مما يجب، وفيه مع ما تقدم أنه شرك، وبيان حال السلف رضي الله عنهم من تعظيم الشرك قليله وكثيره والنهي عنه، فلما اشتدت غربة الإسلام في أواخر هذه الأمة صار إنكار هذا وما هو أعظم منه أعظم المنكرات حتى عند من ينتسب إلى العلم كما لا يخفى.