الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: " ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حِمى التوحيد، وسدِّه طرق الشرك
"
عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه1 قال: " انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا. فقال: السيد الله تبارك وتعالى. قلنا: وأفضلنا
"قوله: باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، وسده طرق الشرك".
حمايته صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد عما يشوبه من الأقوال والأعمال التي يضمحل
_________
1 قال في أسد الغابة: عبد الله بن الشخير بن عوف بن كعب بن وفدان بن الحريش.. العامري ثم الكعبي ثم من بني الحريش، وهو بطن من بني عامر بن صعصعة، له صحبة. سكن البصرة- ثم ساق بسنده إلى مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه أنه قال:"قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من بني عامر; فقالوا: يا رسول الله، أنت سيدنا، وأنت والدنا، وأنت أفضلنا علينا فضلا، وأنت أطولنا علينا طولا، وأنت الجفنة الغراء، وأنت وأنت. فقال: قولوا بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان". وقولهم: "أنت الجفنة الغراء". كانت العرب تدعو السيد المطعام (جفنة) ؛ لأنه يضعها ويطعم الناس فيها، فسمي باسمها. و (الغراء) البيضاء أي أنها مملوءة بالشحم والدهن. قاله أبو السعادات في النهاية.
معها التوحيد أو ينقص1، وكذا كثير في السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم كقوله:" لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله " 2وتقدم. وقوله: " إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله عز وجل " 3ونحو ذلك. ونهى عن التمادح وشدد القول فيه، كقوله لمن مدح إنسانا:" ويلك قطعت عنق صاحبك " 4 الحديث. أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن ابن أبي بكرة عن أبيه: " أن رجلا أثنى على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: قطعت عنق صاحبك - ثلاثا " 5 وقال: " إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب " 6 أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه عن المقداد بن الأسود.
وفي هذا الحديث: "نهى عن أن يقولوا: أنت سيدنا. وقال: السيد الله تبارك وتعالى". ونهاهم أن يقولوا: "وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا" وقال: " لا يستجرينكم الشيطان ".
وكذلك قوله في حديث أنس: " أن ناسا قالوا: يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا " إلخ. كره صلى الله عليه وسلم أن يواجهوه بالمدح فيفضي بهم إلى الغلو. وأخبر صلى الله عليه وسلم أن مواجهة
وسيدنا وابن سيدنا. فقال: يا أيها الناس، قولوا بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله7، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل ". رواه النسائي بسند جيد.
فيه مسائل:
الأولى: تحذير الناس من الغلو.
الثانية:: ما ينبغي أن يقول مَنْ قيل له: أنت سيدنا.
المادح للممدوح بمدحه- ولو بما هو فيه- من عمل الشيطان؛ لما تفضي محبة المدح إليه من تعاظم الممدوح في نفسه، وذلك ينافي كمال التوحيد؛ فإن العبادة لا تقوم إلا بقطب رحاها الذي لا تدور إلا عليه، وذلك غاية الذل في غاية المحبة، وكمال الذل يقتضي الخضوع والخشية والاستكانة لله تعالى، وأن لا يرى نفسه إلا في مقام الذم لها والمعاتبة لها في حق ربه، وكذلك الحب لا تحصل غايته إلا إذا كان يحب ما يحبه الله، ويكره ما يكرهه الله من الأقوال والأعمال والإرادات، ومحبة المدح من العبد لنفسه تخالف ما يحبه الله منه، والمادح يغره من نفسه فيكون آثما، فمقام العبودية يقتضي كراهة المدح
1 في قرة العيون: وقد اشتمل هذا الكتاب- على اختصاره- على أكثر ذلك، والنهي عما ينافي التوحيد أو يضعفه، يعرف ذلك من تدبره وعرف ما تضمنه بابا بابا.
2 تقدم تخريجه برقم (160) .
3 447- تقدم تخريجه برقم (135) .
4 البخاري: الشهادات (2662)، ومسلم: الزهد والرقائق (3000)، وأبو داود: الأدب (4805)، وابن ماجه: الأدب (3744) ، وأحمد (5/45 ،5/47) .
5 البخاري: الشهادات (2662) والأدب (6061)، ومسلم: الزهد والرقائق (3000)، وأبو داود: الأدب (4805) ، وأحمد (5/41) .
6 مسلم: كتاب الزهد (2002)(69) : باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط والترمذي: كتاب الزهد (2393) : باب ما جاء في كراهية المدحة والمداحين. وابن ماجة: كتاب الأدب (3742) : باب المدح. والحديث أخرجه أبو داود أيضا: كتاب الأدب (4804) : باب في كراهية التمادح.
7رواه مسلم من حديث أبي سعد وأبي هريرة، ورواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان.
رأسا، والنهي عنه صيانة لهذا المقام، فمتى أخلص العبد الذل لله والمحبة له خلصت أعماله وصحت، ومتى أدخل عليها ما يشوبها من هذه الشوائب دخل على مقام العبودية بالنقص أو الفساد. وإذا أداه المدح إلى التعاظم في نفسه والإعجاب بها وقع في أمر عظيم ينافي العبودية الخاصة كما في الحديث:" الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني شيئا منهما عذبته " 1 2. وفي الحديث:
1 مسلم: البر والصلة والآداب (2620)، وأبو داود: اللباس (4090) ، وأحمد (2/442) .
2 رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص. (*) بإسناد رجاله رجال الصحيح. (*) قوله: (رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص) إلخ. أقول: وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، ولا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة خردل من كبرياء ".