الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله ". رواه عبد الرزاق1.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية الأعراف.
الثانية: تفسير آية الحجر.
الثالثة: شدة الوعيد فيمن أمن مكر الله.
الرابعة: شدة الوعيد في القنوط.
قوله: وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله " رواه عبد الرزاق.
ورواه ابن جرير بأسانيد صحاح عن ابن مسعود رضي الله عنه.
قوله: "أكبر الكبائر الإشراك بالله" أي في ربوبيته أو عبادته. وهذا بالإجماع.
قوله: "والقنوط من رحمة الله" قال أبو السعادات: هو أشد اليأس. وفيه التنبيه على الرجاء والخوف، فإذا خاف فلا يقنط ولا ييأس، بل يرجو رحمة الله. وكان السلف يستحبون أن يقوى في الصحة الخوف، وفي المرض الرجاء. وهذه طريقة أبي سليمان الداراني وغيره. قال: ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف، فإذا غلب الرجاء الخوف فسد القلب. قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} 2. وقال: {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} 3. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} 4. وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} 5 الآية. قدم الحذر على الرجاء في هذه الآية.
1 صحيح. عبد الرزاق (10/ 459 ، 460)، وابن جرير (5/ 26) . وقال ابن كثير في تفسيره (1/ 484) :"وهو صحيح إليه بلا شك" ا. هـ. وقال الهيثمي (1/ 104) : "وإسناده صحيح" ا. هـ.
2 سورة الملك آية: 12.
3 سورة النور آية: 37.
4 سورة المؤمنون آية: 60-61.
5 سورة الزمر آية: 9.
باب: " من الإيمان بالله: الصبر على أقدار الله
"
قوله: "باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله". قال الإمام أحمد: ذكر الله تعالى الصبر في تسعين موضعا من كتابه. وفي الحديث الصحيح: " الصبر ضياء "1. رواه أحمد ومسلم. وللبخاري ومسلم مرفوعا: " ما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر "2.
قال عمر رضي الله عنه: " وجدنا خير عيشنا بالصبر " 3رواه البخاري.
_________
1 جزء من حديث أبي مالك الأشعري مسلم: كتاب الطهارة (223)(1) : باب فضل الوضوء، وأحمد (5/ 343 ، 344) .
2 البخاري: الزكاة (1469)، ومسلم: الزكاة (1053)، والترمذي: البر والصلة (2024)، والنسائي: الزكاة (2588)، وأبو داود: الزكاة (1644) ، وأحمد (3/93)، ومالك: الجامع (1880)، والدارمي: الزكاة (1646) .
3 البخاري معلقا (11/ 303) كتاب الرقاق. وقال الحافظ في الفتح (11/ 303) : وقد وصله أحمد في كتاب الزهد بسند صحيح عن مجاهد قال: قال عمر
…
" ا. هـ.
قال علي رضي الله عنه: " إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد - ثم رفع صوته- فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له ". واشتقاقه: من صبر إذا حبس ومنع. والصبر: حبس النفس عن الجزع، وحبست اللسان عن التشكي والتسخط، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوهما. ذكره ابن القيم رحمه الله. واعلم أن الصبر ثلاثة أقسام: صبر على ما أمر الله به، وصبر عما نهى عنه، وصبر على ما قدره من المصائب.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 1. قال علقمة: " هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم".
قوله: "وقول الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} ".
وأول الآية: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} 2 أي بمشيئته وإرادته وحكمته، كما قال في الآية الأخرى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} 3 وقال: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} 4. قوله: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} . قال ابن عباس في قوله: {إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} "إلا بأمر الله" يعني عن قدره ومشيئته. {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} أي من صابته مصيبة فعلم أنها بقدر الله فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه، ويقينا صادقا. وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه.
قوله: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 5 تنبيه على أن ذلك إنما يصدر عن علمه المتضمن لحكمته، وذلك يوجب الصبر والرضا.
قوله: "قال علقمة: " هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ".
هذا الأثر رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وعلقمة: هو ابن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد وابن مسعود وعائشة وغيرهم -رضي الله
1 سورة التغابن آية: 11.
2 سورة التغابن آية: 11.
3 سورة الحديد آية: 22.
4 سورة البقرة آية: 156-157.
5 سورة البقرة آية: 282.
عنهم-. وهو من كبار التابعين وأجلائهم وعلمائهم وثقاتهم مات بعد الستين.
قوله: "هو الرجل تصيبه المصيبة" إلخ. هذا الأثر رواه الأعمش عن أبي ظبيان، قال: كنا عند علقمة فقرئ عليه هذه الآية {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} 1 قال: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. هذا سياق ابن جرير.
وفي هذا دليل على أن الأعمال من مسمى الإيمان. قال سعيد بن جبير: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} يعني يسترجع. يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. وفي الآية بيان أن الصبر سبب لهداية القلب، وأنها ثواب الصابرين.
قوله: "وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت " 2". أي هما بالناس كفر حيث كانتا من أعمال الجاهلية، وهما قائمتان بالناس ولا يسلم منهما إلا من سلمه الله تعالى ورزقه علما وإيمانا يستضيء به. لكن ليس من قام به شعبة من شعب الكفر يصير كافرا كالكفر المطلق، كما أنه ليس من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمنا الإيمان المطلق. وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله:" ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة " 3 4 وبين كفر منكر في الإثبات.
قوله: "الطعن في النسب" أي عيبه، يدخل فيه أن يقال: هذا ليس ابن فلان مع ثبوت نسبه.
هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت "5.
ولهما عن ابن مسعود مرفوعا: " ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية "6.
قوله: "والنياحة على الميت" أي رفع الصوت بالندب وتعداد فضائل الميت، لما فيه من التسخط على القدر المنافي للصبر، كقول النائحة: واعضداه، واناصراه، ونحو ذلك. وفيه دليل على أن الصبر واجب، وأن من الكفر ما لا ينقل عن الملة.
قوله: "ولهما عن ابن مسعود مرفوعا: " ليس منا من ضرب الخدود; وشق
1 سورة التغابن آية: 11.
2 مسلم: كتاب الإيمان (67)(121) : باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة.
3 أخرجه مسلم: كتاب الإيمان (82)(134) : باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، وذلك من حديث جابر بن عبد الله مرفوعا بلفظ:"إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة". أما الرواية بهذا اللفظ فهي عند ابن ماجة من حديث أنس (1080) .
4 رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن جابر بن عبد الله بألفاظ متقاربة.
5 مسلم: الإيمان (67) ، وأحمد (2/496) .
6 البخاري: الجنائز (1297)، ومسلم: الإيمان (103)، والترمذي: الجنائز (999)، والنسائي: الجنائز (1860 ،1862 ،1864)، وابن ماجه: ما جاء في الجنائز (1584) ، وأحمد (1/386 ،1/432) .
الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية ". هذا من نصوص الوعيد، وقد جاء عن سفيان الثوري وأحمد كراهية تأويلها ليكون أوقع في النفوس; وأبلغ في الزجر، وهو يدل على أن ذلك ينافي كمال الإيمان الواجب.
قوله: "من ضرب الخدود" وقال الحافظ: " خُص الخد لكونه الغالب، وإلا فضرب بقية الوجه مثله". قوله: "وشق الجيوب" هو الذي يدخل فيه الرأس من الثوب، وذلك من عادة أهل الجاهلية حزنا على الميت.
قوله: "ودعا بدعوى الجاهلية" قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: هو ندب الميت. وقال غيره: هو الدعاء بالويل والثبور. وقال ابن القيم رحمه الله: " الدعاء بدعوى الجاهلية كالدعاء إلى القبائل والعصبية، ومثله التعصب إلى المذاهب والطوائف والمشايخ، وتفضيل بعضهم على بعض، يدعو إلى ذلك ويوالي عليه ويعادي، فكل هذا من دعوى الجاهلية".
وعند ابن ماجه وصححه ابن حبان عن أبي أمامة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور "1.
وهذا يدل على أن هذه الأمور من الكبائر، وقد يعفى عن الشيء اليسير من ذلك إذا كان صدقا، وليس على وجه النوح والتسخط. نص عليه أحمد رحمه الله؛ لما وقع لأبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وليس في هذه الأحاديث ما يدل على النهي عن البكاء، لما في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم قال: " تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون " 2 3 وفي الصحيحين.
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق إلى إحدى بناته4 ولها صبي في الموت، فرفع إليه ونفسه تقعقع كأنها شن، ففاضت عيناه، فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء "5.
1 حسن. ابن ماجة: كتاب الجنائز (1585) : باب ما جاء في النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب وابن حبان (737- موارد) وصححه البوصيري في الزوائد. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4968) .
2 البخاري: كتاب الجنائز (1303) : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا بك لمحزونون مسلم: كتاب الفصائل (2315)(62) : باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال.
3 رواه البخاري وغيره.
4 هي زينب كما في صحيح البخاري.
5 البخاري: كتاب الجنائز (1284) : باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه.... مسلم: كتاب الجنائز (923)(11) : باب البكاء على الميت.
قوله: "وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة " 1.
هذا الحديث رواه الترمذي والحاكم. وحسنه الترمذي. وأخرجه الطبراني والحاكم عن عبد الله بن مغفل. وأخرجه ابن عدي عن أبي هريرة، والطبراني عن عمار بن ياسر.
قوله: " إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا ". أي يصب عليه البلاء والمصائب لما فرط من الذنوب منه، فيخرج منها وليس عليه ذنب يوافي به يوم القيامة.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: المصائب نعمة؛ لأنها مكفرات للذنوب، وتدعو إلى الصبر فيثاب عليها. وتقتضي الإنابة إلى الله والذل له; والإعراض عن الخلق، إلى غير ذلك من المصالح العظيمة. فنفس البلاء يكفر الله به الذنوب والخطايا وهذا من أعظم النعم. فالمصائب رحمة ونعمة في حق عموم الخلق، إلا أن يدخل صاحبها بسببها في معاصي أعظم مما كان قبل ذلك، فيكون شرا عليه من جهة ما أصابه في دينه، فإن من الناس من إذا ابتلي بفقر أو مرض أو وجع، حصل له من النفاق والجزع ومرض القلب والكفر الظاهر، وترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات ما يوجب له الضرر في دينه، فهذا كانت العافية خيرا له من جهة ما أورثته المصيبة لا من جهة نفس المصيبة، كما أن من أوجبت له المصيبة صبرا وطاعة، كانت في حقه نعمة دينية، فهي بعينها فعل الرب عز وجل ورحمة للخلق، والله تعالى محمود عليها، فمن ابتلي فرزق الصبر كان الصبر عليه نعمة في دينه، وحصل له بعد ما كفر من خطاياه رحمة، وحصل له بثنائه على ربه صلاة ربه عليه، قال تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} 2. وحصل له غفران السيئات ورفع الدرجات. فمن قام بالصبر الواجب حصل له ذلك. انتهى ملخصا.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء،
قوله: "وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه" أي أخر عنه العقوبة بذنبه. "حتى يوافي به يوم القيامة" وهو بضم الياء وكسر الفاء منصوبا بحتى مبنيا للفاعل.
قال العزيزي:
1 صحيح. الترمذي: كتاب الزهد (2396) : باب ما جاء في الصبر على البلاء. وقال: هذا حديث حسن غريب. والحاكم (1/ 349 ، 4/ 376 ، 377) . وصححه الألباني لشواهده وطرقه في الصحيحة (1220) .
2 سورة البقرة آية: 157.
أي لا يجازيه بذنبه في الدنيا حتى يجيء في الآخرة مستوفر الذنوب وافيها، فيستوفي ما يستحقه من العقاب. وهذه الجملة هي آخر الحديث. فأما قوله:" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء " إلى آخره"، فهو أول حديث آخر، لكن لما رواهما الترمذي بإسناد واحد وصحابي واحد جعلهما المصنف كالحديث الواحد.
وفيه التنبيه على حسن الرجاء وحسن الظن بالله فيما يقضيه لك، كما قال تعالى: " {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 1.
قوله: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط ". حسنه الترمذي".
قال الترمذي: حدثنا قتيبة ثنا الليث عن يزيد ابن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس، فذكر الحديث السابق ثم قال: وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن عظم الجزاء " الحديث. ثم قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. ورواه ابن ماجه.
وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم. فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط " 2. حسنه الترمذي.
وروى الإمام أحمد عن محمود بن لبيد رفعه: " إذا أحب الله قوما ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع " 3 قال المنذري: رواته ثقات. قوله: "إن عظم الجزاء" بكسر العين وفتح الظاء فيها. ويجوز ضمها مع سكون الظاء أي من كان ابتلاؤه أعظم كمية وكيفية. وقد يحتج بهذا الحديث من يقول: إن المصائب يثاب عليها مع تكفير الخطايا. ورجح ابن القيم أن ثوابها تكفير الخطايا فقط، إلا إذا كانت سببا لعمل صالح، كالصبر والرضا والتوبة والاستغفار، فإنه حينئذ يثاب على ما تولد منها، وعلى هذا يقال في معنى الحديث: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء إذا صبر واحتسب.
قوله: "وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم" ولهذا ورد في حديث سعد " سئل صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل; يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر
1 سورة البقرة آية: 216.
2 حسن. الترمذي: كتاب الزهد (2396) : باب ما جاء في الصبر على البلاء. وابن ماجة: كتاب الفتن (4031) : باب الصبر على البلاء من حديث أنس. وحسنه الألباني في الصحيحة (146) . وحسنه الأرناؤوط في تخريج شرح السنة (5/ 245) .
3 صحيح. أحمد (5/ 427 ، 429) . وقال المنذري في الترغيب (4/ 283) ، والهيثمي في المجمع (2/ 291)، والحافظ (10/ 108) :"رواته ثقات". وصححه الألباني في صحيح الجامع (282) .
الثالثة: الطعن في النسب.
الرابعة: شدة الوعيد فيمن ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية.
الخامسة: علامة إرادة الله بعبده الخير.
السادسة: إرادة الله به الشر.
السابعة: علامة حب الله للعبد.
الثامنة: تحريم السخط.
التاسعة: ثواب الرضا بالبلاء.
قوله: "فمن رضي فله الرضا" أي من الله تعالى; والرضا قد وصف الله تعالى به نفسه في مواضع من كتابه كقوله تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} 2. ومذهب السلف وأتباعهم من أهل السنة: إثبات الصفات التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليق بجلاله وعظمته إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل، فإذا رضي الله تعالى عنه حصل له كل خير، وسلم من كل شر. والرضى هو أن يسلم العبد أمره إلى الله، ويحسن الظن به، ويرغب في ثوابه، وقد يجد لذلك راحة وانبساطا محبة لله وثقة به، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه:" إن الله بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل لهم الحزن في الشك والسخط ".
قوله: "ومن سخط" وهو بكسر الخاء، قال أبو السعادات: السخط: الكراهية للشيء وعدم الرضا به. أي من سخط على الله فيما دبره فله السخط، أي من الله، وكفى بذلك عقوبة. وقد يستدل به على وجوب الرضا، وهو اختيار ابن عقيل. واختار القاضي عدم الوجوب، ورجحه شيخ الإسلام وابن القيم.
1 صحيح. أحمد (1/ 172 ، 174 ، 180 ، 185) والترمذي: كتابه الزهد (2398) : باب ما جاء في الصبر على البلاء وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجة: كتاب الفتن (4023) : باب الصبر على البلاء والدارمي (2/ 320) . ورواه أيضا النسائي في الكبرى [كما في تحفة الأشراف (3/ 318) ] . وصححه الألباني في الصحيحة (143) . وصححه الأرناءوط في تخريج شرح السنة (5/ 245) .
2 سورة البينة آية: 8.