الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالجملة فالبيان لا يحمد إلا إذا لم يخرج إلى حد الإسهاب والإطناب،
وتغطية الحق، وتحسين الباطل. فإذا خرج إلى هذا فهو مذموم، وعلى هذا تدل الأحاديث كحديث الباب وحديث:" إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة بلسانها "1. رواه أحمد وأبو داود.
1 حسن. أحمد (2/165،187) . أبو داود: كتاب الأدب (5005) : باب ما جاء في المتشدق في الكلام والترمذي: كتاب الأدب (2853) : باب ما جاء في الفصاحة والبيان وقال: حديث حسن غريب. من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. وحسنه الألباني في الصحيحة (880) .
باب: " ما جاء في الكهان ونحوهم
"
روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلي الله عليه وسلم عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " من
قوله: "باب ما جاء في الكهان ونحوهم".
"الكاهن" هو الذي يأخذ عن مسترق السمع، وكانوا قبل المبعث كثيرا. وأما بعد المبعث فإنهم قليل؛ لأن الله تعالى حرس السماء بالشهب، وأكثر ما يقع في هذه الأمة ما يخبر به الجن أولياءهم من الإنس عن الأشياء الغائبة بما يقع في الأرض من الأخبار، فيظنه الجاهل كشفا وكرامة1، وقد اغتر بذلك كثير من الناس يظنون المخبر لهم بذلك عن الجن وليا لله، وهو من أولياء الشيطان، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً
_________
1 والواقع أن ذلك من تآلف روح الشيطان القرين مع روح قرينه الإنسان الخبيث، فيتناجيان ويتكلم الشيطان مع قرينه بما يحب من الأخبار التي يتلقاها الشيطان عن الشيطان الآخر قرين الإنسان الآخر. وهكذا فإن لكل إنسان قرينا من الشيطان كما جاء ذلك في القرآن والسنة. فيخبر شيطان الإنس بما أوحى إليه شيطان الجن من أخبار السائل وأحواله في منزله وخصوصية نفسه مما ألقاه إليه الشيطان القرين، فيظن الجهلة والمغفلون أن ذلك عن صلاح وتقوى وكرامات، وأنه بصلاحه قد كشف الحجاب عنه. وهذا من أضل الضلال ومن أعظم الخذلان، وإن اعتقده وخدع به كثير ممن ينتسب إلى ظاهر العلم والصلاح.
يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} 1.
قوله: " روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلي الله عليه وسلم عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:
" من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه بما يقول، لم تقبل له صلاة أربعين يوما ".
قوله: "عن بعض أزواج النبي صلي الله عليه وسلم" هي حفصة، ذكره أبو مسعود الثقفي؛ لأنه ذكر هذا الحديث في الأطراف في مسندها.
قوله: " من أتى عرافا" سيأتي بيان العراف إن شاء الله تعالى. وظاهر هذا الحديث أن الوعيد مرتب على مجيئه وسؤاله، سواء صدقه أو شك في خبره. فإن في بعض روايات الصحيح:" من أتى عرافا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ".
قوله: " لم تقبل له صلاة" إذا كانت هذه حال السائل، فكيف بالمسئول؟ قال النووي وغيره: معناه أنه لا ثواب له فيها، وإن كانت مجزئة بسقوط الفرض عنه، ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث; فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العراف إعادة صلاة أربعين ليلة. اهـ ملخصا.
وفي الحديث النهي عن إتيان الكاهن ونحوه قال القرطبي: " يجب على من قدر على ذلك من محتسب وغيره أن يقيم من يتعاطى شيئا من ذلك من الأسواق وينكر عليهم أشد النكير، وعلى من يجيء إليهم، ولا يغتر بصدقهم في بعض الأمور، ولا بكثرة من يجيء إليهم ممن ينتسب إلى العلم؛ فإنهم غير راسخين في العلم، بل من الجهال بما في إتيانهم من المحذور".
وعن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " من أتى
1 سورة الأنعام آية: 128.
كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلي الله عليه وسلم " 1 رواه أبو داود.
وللأربعة والحاكم –وقال: صحيح على شرطهما- عن النبي صلي الله عليه وسلم2: " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلي الله عليه وسلم "3.
قال: "عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلي الله عليه وسلم ". رواه أبو داود"4.
وفي رواية أبي داود: " أو أتى امرأة - قال مسدد: امرأته حائضا- أو أتى امرأة. قال مسدد: امرأته في دبرها - فقد برئ مما أنزل على محمد صلي الله عليه وسلم ". فناقل هذا الحديث من السنن حذف منه هذه الجملة، واقتصر على ما يناسب الترجمة.
قال: "وللأربعة والحاكم- وقال: صحيح على شرطهما- عن النبي صلي الله عليه وسلم: " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلي الله عليه وسلم ".
هكذا بيض المصنف لاسم الراوي. وقد رواه أحمد والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة مرفوعا.
قوله " من أتى كاهنا" قال بعضهم: لا تعارض بين هذا وبين حديث: " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ". هذا على قول من يقول: هو كفر دون كفر، أما على قول من يقول بظاهر الحديث فيسأل عن وجه الجمع بين الحديثين. وظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان. وكان غالب الكهان قبل النبوة إنما كانوا يأخذون عن الشياطين.
قوله: " فقد كفر بما أنزل على محمد صلي الله عليه وسلم". قال القرطبي: " المراد بالمنزل الكتاب والسنة". اهـ. وهل الكفر في هذا الموضع كفر دون كفر، فلا ينقل عن الملة، أم يتوقف فيه فلا يقال: يخرج عن الملة ولا لا يخرج؟ وهذا أشهر الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى.
قال: "ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله موقوفا": أبو يعلى اسمه أحمد بن علي بن المثنى الموصلي الإمام صاحب التصانيف كالمسند وغيره. روى عن يحيى بن معين وأبي خيثمة وأبي بكر ابن أبي شيبة وخلق، وكان من الأئمة
1 الترمذي: الطهارة (135)، وأبو داود: الطب (3904)، وابن ماجه: الطهارة وسننها (639) ، وأحمد (2/429)، والدارمي: الطهارة (1136) ، وصححه الألباني في الإرواء (2006) .
2 بياض بالأصل.
3 الترمذي: الطهارة (135)، وأبو داود: الطب (3904)، وابن ماجه: الطهارة وسننها (639) ، وأحمد (2/476)، والدارمي: الطهارة (1136) .
4 صحيح: أحمد (2/429) . والبيهقي (8/135) . والحاكم (1/8) . عن أبي هريرة مرفوعا وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. قال الألباني في الإرواء (7/69) : "وهو كما قالا" اهـ.
الحفاظ; مات سنة سبع وثلاثمائة.
وهذا الأثر رواه البزار أيضا ولفظه: " من أتى كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلي الله عليه وسلم "1. وفيه دليل على كفر الكاهن والساحر؛ لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر، والمصدق لهما يعتقد ذلك ويرضى به، وذلك كفر أيضا2.
قال: "وعن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعا: 3 " ليس منا من تَطير أو تُطيِّر له، أو تَكهن أو تُكهِّن له، أو سَحر أو سُحر له. ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد" (رواه البزار بإسناد جيد) .
ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله: " ومن أتى" إلى آخره.
قال البغوي: " العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك".
له. ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلي الله عليه وسلم ". رواه البزار بإسناد جيد، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله: " ومن أتى كاهنا " " إلى آخره".
قوله: "ليس منا"4 فيه وعيد شديد يدل على أن هذه الأمور من الكبائر، وتقدم أن الكهانة والسحر كفر.
قوله: "من تطير" أي فعل الطيرة "أو تطير له" أي قبل قول المتطير له وتابعه، كذا معنى "أو تكهن أو تكهن له" كالذي يأتي الكاهن ويصدقه ويتابعه، وكذلك من عمل الساحر له السحر.
فكل من تلقى هذه الأمور عمن تعاطاها فقد برئ منه رسول الله صلي الله عليه وسلم؛ لكونها إما شركا كالطيرة، أو كفرا كالكهانة والسحر. فمن رضي بذلك وتابع عليه فهو كالفاعل لقبوله الباطل واتباعه.
قوله: "رواه البزار" هو أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، أبو بكر البزار البصري صاحب
1 جيد. البزار (2067- كشف الأستار) . وقال المنذري في الترغيب (4/36) : "رواه البزار وأبو يعلى بإسناد جيد موقوفا) اهـ. وقال الحافظ في الفتح (10/217) : إسناده جيد.
2 وذلك لأن في الكتاب المنزل: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) . وقال في سورة الأنعام: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) . وقال في سورة الجن: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا من ارتضى من رسول) . فمن صدق العراف والكاهن فقد كذب بهذه الآيات، ومن كذبها كفر.
3 حسن. قال المنذري في الترغيب (4/33) : "رواه البزار بإسناد جيد" اهـ. وقال الهيثمي (5/117) : "ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع وهو ثقة" اهـ. أما حديث ابن عباس فقال عنه المنذري (4/33) : "إسناده حسن" اهـ.
4 فيه دليل على نفي الإيمان الواجب، وهو لا ينافي ما تقدم من أن الطيرة شرك، وأن الكهانة كفر.
المسند الكبير. وروى عن ابن بشار وابن المثنى وخلق، مات سنة اثنتين وتسعين ومائتين.
قوله: "قال البغوي إلى آخره" البغوي - بفتحتين - هو الحسين بن مسعود الفراء الشافعي، صاحب التصانيف وعالم أهل خراسان، كان ثقة فقيها زاهدا، مات في شوال سنة ست عشرة وخمسمائة رحمه الله تعالى.
وقيل: هو الكاهن. والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل. وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.
وقال أبو العباس ابن تيمية: " العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق". قوله: "العرّاف: الذي يدعي معرفة الأمور" ظاهره: أن العراف هو الذي يخبر عن الوقائع كالسرقة وسارقها والضالة ومكانها.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: " إن العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم، كالحازر الذي يدعي علم الغيب أو يدعي الكشف".
وقال أيضا: " والمنجم يدخل في اسم العراف، وعند بعضهم هو معناه".
وقال أيضا: " والمنجم يدخل في اسم الكاهن عند الخطابي وغيره من العلماء، وحكى ذلك عن العرب. وعند آخرين: هو من جنس الكاهن، وأسوأ حالا منه، فيلحق به من جهة المعنى".
وقال الإمام أحمد: " العرافة طَرَف من السحر. والساحر أخبث". وقال أبو السعادات: "" العراف المنجم، والحازر الذي يدعي علم الغيب، وقد استأثر الله تعالى به".
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: " من اشتهر بإحسان الزجر عندهم سموه عائفا وعرافا".
والمقصود من هذا: معرفة أن من يدعي معرفة علم الشيء من المغيبات فهو إما داخل في
اسم الكاهن، وإما مشارك له في المعنى فيلحق به. وذلك أن إصابة المخبر ببعض الأمور الغائبة في بعض الأحيان يكون بالكشف. ومنه ما هو من الشياطين، ويكون بالفأل والزجر والطيرة والضرب بالحصى والخط في الأرض والتنجيم والكهانة والسحر، ونحو هذا من علوم الجاهلية، ونعني بالجاهلية كل من ليس من أتباع الرسل عليهم السلام، كالفلاسفة والكهان والمنجمين، وجاهلية العرب الذين كانوا قبل مبعث النبي صلي الله عليه وسلم؛ فإن هذه علوم لقوم ليس لهم علم بما جاءت به الرسل صلي الله عليه وسلم1، وكل هذه الأمور يسمى صاحبها كاهنا أو عرافا أو في معناهما، فمن أتاهم فصدقهم يما يقولون لحقه الوعيد. وقد ورث هذه العلوم عنهم أقوام فادعوا بها علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وادعوا أنهم أولياء وأن ذلك كرامة.
ولا ريب أن من ادعى الولاية، واستدل بإخباره ببعض المغيبات فهو من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن، إن الكرامة أمر يجريه الله على يد عبده المؤمن التقي، إما بدعاء أو أعمال صالحة لا صنع للولي فيها، ولا قدرة له عليها، بخلاف من يدعي أنه ولي ويقول للناس: اعلموا أني أعلم المغيبات; فإن هذه الأمور قد تحصل بما ذكرنا من الأسباب، وإن كانت أسبابا محرمة كاذبة في الغالب، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم في وصف الكهان:" فيكذبون معها مائة كذبة "2. فبين أنهم يصدقون مرة ويكذبون مائة، وهكذا حال من سلك سبيل الكهان ممن يدعي الولاية والعلم بما في ضمائر الناس، مع أن نفس دعواه دليل على كذبه؛ لأن في دعواه الولاية تزكية النفس المنهي عنها بقوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} 3. وليس هذا من شأن الأولياء؛ فإن شأنهم الإزراء على نفوسهم وعيبهم لها; وخوفهم من ربهم، فكيف يأتون الناس ويقولون: اعرفوا أننا أولياء، وأنا نعلم الغيب؟ وفي ضمن
1 ومعنى الجاهلية: الإعراض عن العلم المنزل من الله على رسله هدى ورحمة، والاعتماد على التقاليد والعادات والظنون والتخرصات، وما يوحي به الشياطين، ويحددها قول الله تعالى: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وقد عادت الجاهلية إلى الناس اليوم مثل الجاهلية الأولى وشرا منها، ولا يمنع وجود القرآن والحديث؛ لأنهم اتخذوهما مهجورين، فوجودهما حجة عليهم فقط، ولا يغرنك منهم عمائم ولحى وصور فما وراءها إلا جاهلية وعقلية عامية، قد تكون شرا من عقلية من يتبعون أذناب الإبل والبقر، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
2 جزء من حديث عائشة. أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق (2210) : باب ذكر الملائكة. ومسلم: كتاب السلام (2228)(122) : باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان.
3 سورة النجم آية: 32.
ذلك طلب المنزلة في قلوب الخلق واقتناص الدنيا بهذه الأمور. وحسبك بحال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وهم سادات الأولياء، أفكان عندهم من هذه الدعاوى والشطحات شيء؟ لا والله، بل كان أحدهم لا يملك نفسه من البكاء إذا قرأ القرآن، كالصديق رضي الله عنه، وكان عمر رضي الله عنه
وقال ابن عباس - في قوم يكتبون أبا جاد وينظرون في النجوم-: " ما أرى مَن فعل ذلك له عند الله من خلاق ".
يسمع نشيجه من وراء الصفوف يبكي في صلاته، وكان يمر بالآية في ورده من الليل فيمرض منها ليالي يعودونه، وكان تميم الداري يتقلب على فراشه ولا يستطيع النوم إلا قليلا خوفا من النار، ثم يقوم إلى صلاته. ويكفيك في صفات الأولياء ما ذكره الله تعالى في صفاتهم في سورة الرعد والمؤمنين والفرقان والذاريات والطور1. فالمتصفون بتلك الصفات هم الأولياء الأصفياء، لا أهل الدعوى والكذب ومنازعة رب العالمين فيما اختص به من الكبرياء والعظمة وعلم الغيب، بل مجرد دعواه علم الغيب كفر، فكيف يكون المدعي لذلك وليا لله؟ ولقد عظم الضرر واشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين ورثوا هذه العلوم عن المشركين، ولبسوا بها على خفافيش القلوب. نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة.
قوله: "وقال ابن عباس في قوم يكتبون أبا جاد إلى آخره". هذا الأثر رواه الطبراني عن ابن عباس مرفوعا. وإسناده ضعيف. ولفظه: " رُبّ معلم حروف أبي جاد دارس في
1 قوله تعالى: (13: 19و20)(إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) الآيات إلى 24. وقوله: (13: 30) (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب) . وقوله: (57: 22)(إن الذين هم عن خشية ربهم مشفقون) الآيات إلى (61) . وقوله: (63: 25)(وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) الآيات إلى (76) . وقوله: (51: 15)(إن المتقين في جنات وعيون) الآيات إلى (19) . وقوله: (17: 52)(إن المتقين في جنات ونعيم) الآيات إلى (28) . هذا وفي القرآن الكريم صفات المؤمنين كثرة جدا; بل أكثر آي القرآن في وصف الإيمان وأهله; وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ومن أدل الدلائل على أن الجهل ضرب على القلوب نطاقا كثيفا أن يعتقد الناس هذه الدرجة الرفيعة لعباد الرحمن في قوم يبولون على ثيابهم وهم في غاية القذر والوسخ، ولا يركعون لله ركعة; وقد سلبوا كل نعمة إلا الحيوانية; وربما تكلم الشيطان على ألسنتهم بالكلمة يفتن بها أولئك الجاهلين، ولا قوة إلا بالله.