الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة أماتوها" (1) على وجوب الرجم على اليهود بين الزانيين غير أنه زيد في شرائط الإحصان.
وثالثًا: لأن النبي عليه السلام أصل في الشرائع وسائر الأنبياء كالأمة له لأية أخذ الميثاق عليهم وفي ذلك شرف عظيم له وفي تقليده لشريعتهم عكسه ولذا كان عليه السلام يعمل بما وجده صحيحًا منها إن لم ينزل وحى كرجم اليهودين والصحيح عندنا أنه يلزمنا على أنه شريعتنا لكن لا مطلقًا بل إن قص الله تعالى أو رسوله بلا إنكار وذم فيعود إلى الكتاب والسنة لأنه حرفوا كتبهم وأظهروا عداوتهم فلا يعتبر نقلهم ولا نقل من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار لأنه عن كتبهم فإن التحريف دخل فيها من زمن داود وعيسى لقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 78] الآية وليس احتمال الكذب في أخبار الأحادَ مثله لأن قواعد قبولها مضبوطة وبهذا النوع من العمل أول قوله تعالى: {فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [آل عمران: 95] ومن الدليل على أن الأصل الموافقة في الشرَائع أيضًا أنه عليه السلام قال: "من نام عن صلاة ونسيها"(2) الحديث ثم تلا قوله {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]، وهي مقولة لموسى عليه السلام وسياقه الاستدلال وعلى أنه المذهَب عند مشايخنا احتجاج محمَّد رحمه الله على جواز قسمة الماء بطريق المهايأة بقوله تعالى {لَهَا شِرْبٌ} [الشعراء: 155] الآية و {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} [القمر: 28]، وهو إخبار عن صالح عليه السلام وأبي يوسف رحمه الله علىَ جرى القود بين الذكر والأنثى بآية {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 45] والكرخي على جريه بين الحر والعبد والمسلم والذمي بتلك الآية الواردة في بني إسرائيل.
المبحث الثاني: في تقليد صحبه عليه السلام
لا نزاع أن لا يجب على صحابي آخر أو تابعي زاحمهم في الفتوى أما على غيرهما فقال أبو سعيد البردعي يجب فيما لا يقاس ويقاس ويقدم على القياس وهو قول مالك واحد قولي الشافعي وأحمد رضي الله عنهم واختاره المتأخرون من أصحابنا والآخر لهما أنه ليس بحجة (3).
(1) أخرجه البيهقي في الكبرى (8/ 214)، والإمام أحمد في مسنده (4/ 300).
(2)
أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 70)(239)، والدارمي (1/ 305) ح (1229)، والطبراني في الأوسط (6/ 182) ح (6129)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 409) ح (3086) وانظر التلخيص الحبير (1/ 186)، نصب الراية للزيلعى (2/ 162).
(3)
انظر المحصول لفخر الدين الرازى (2/ 562)، إحكام الأحكام للآمدي (4/ 201)، نهاية السول =
فأولا لاحتمال السماع والتوقيف لأن الظاهر أن لا يجعل فتواهم وهم مضاجعوهم ليلًا ونهارًا منقطعة عن السماع إلا بدليل.
وثانيًا: أن الغالب إصابتهم في الرأى لمشاهدتهم طريقه عليه السلام وأحوال نزول النصوص ومحال تغير الأحكام ولمزيد بذل جهدهم في طلب الحق وضبط الأدلة والتأمل فمها ولفضل درجة لهم ليس لغيرهم بالأحاديث فيعود إما إلى النص أو القياس.
وقال الكرخي وجماعة من أصحابنا وعليه أبو زيد رضي الله عنه يجب تقليد كل منهم لكن فيما لا يدرك بالقياس {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [التوبة: 100] فاستحقاق التابعين المدح إنما هو على اتباعهم والخبر أصَحابي كالنجوم لا فيما يدرك به لأن الظاهر في ذلك حكمهم بالرأى وهم في احتمال الخطأ كسائر المجتهدين للخلاف بينهم ورجوعهم عن الفتوى وتجويزهم بالخطأ لأنفسهم.
أما فيما لا يقاس فلا بد من حجة تقليد بها التمسك بالحقيقة.
قيل لو صح لزم الصحابي العمل به ولوجب تقليد التابعين على من بعدهم وهكذا بعين هذا.
قلنا لا نعلم اللزوم الأول لاحتمال سماع النص الراجح والناسخ له ولا الثاني لعدم احتمال السماع فيهم ومبناه عليه ذلك ولئن سلم فملتزم فيمن زاحمهم فتواه.
ومن العلماء من قلد الخلفاء الراشدين وأمثالهم كابن مسعود وابن عباس ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم لقوله عليه السلام: "عليكم بسنتي وبسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"(1) ومدحه عليه السلام أمثالهم ومنهم من قلد الشيخين فقط لقوله عليه السلام: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر".
قيل على الدليلين المراد المقلدون لأن الخطاب للصحابة وليس قول بعضهم حجة على بعض بالإجماع.
قلنا المعهود في خطاب العام إرادة جميع الأمة وهو الظاهر من بعثه إلى الكافة كما في وما آتاكم الرسول فخذوه وعليكم بسنتى واقتداء الكل إنما يتحقق باقتداء المجتهدين أولًا والمقلدين بواسطهم وإنما لم يجز التقليد فيما بينهم لأنهم بصدد تقليد النبي عليه السلام
= للإسنوى (4/ 408)، البرهان لإمام الحرمين (2/ 1358)، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت
(2/ 186)، شرح الكوكب المنير (4/ 422)، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص/ 229)
بتحقيقنا.
(1)
تقدم تخريجه.
المقدم على تقليدهم ومعنى الأمر تقليدهم بعد تقليده للشافعي وأحمد في أنه ليس بحجة أولًا أنه لم يذكر في كتاب عمر رض الله عنه إلى شريح قبل قوله ثم برأيك ثم بقولي.
قلنا لاندراجه في العمل بالسنة لأنه في حكمها لأن حجيته باحتمال السماع.
وثانيا: أن حجيته لو ثبتت لكان لأنهم أعلم وأفضل فيكون قول الأعلم والأفضل حجة مطلقا.
قلنا بل اعتبار خصوصيتهم السالفة بوجوه واحتمال السماع.
وثالثا: لو كان حجة لزم تناقض الحجج لاختلافهم في المسائل الكثيرة.
قلنا: يدفعه إمكان الترجيح والتخيير والاختيار بشهادة القلب ولا أقل من الوقف إن لم يمكن شيء منها.
ورابعا: لزم أن يكون المجتهد مقلدا.
قلنا إذا كان حجة صار أحد مآخذ الحكم بل السنة الحكمية واتفق عمل سلفنا به فيما لا يقاس كما في أقل الحيض وأكثره بقول أنس وعثمان بن أبي العاص وعمر وعلى وابن مسعود كذا في المبسوط ولو روى بصورة الأثر لا الخبر وهذا في شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن بقول عائشة رضي الله عنها في قصة زيد بن أرقم واختلف في غيره وخالف الصاحبان ابن عمر في عدم اشتراط إعلام رأس المال إذا كان مشارا والإمام شرطه أخذا بقوله.
وأيضًا وافقا عليا رضي الله عنه في ضمان الأجير المشترك إذا هلك لا بصنعه وبسبب يمكن الاحتراز عنه كالسرقة لا كالحرق الغالب والغارة العامة والإمام رضي الله عنه عمل بالرأي وقال إنه أمين فلا يضمن كأجير الواحد والمودع.
وأيضًا خالف الشيخان جابر وابن مسعود رض الله عنهما في تطليق الحامل ثلثا للسنة قياسا على الصغيرة والآيسة لعدم رجاء الحيض إلى أوان الوضع ووافقهما محمَّد رحمه الله في قوله لا تطلق للسنة إلا واحدة.
لا يقال هذا الخلاف فيما يقاس ولم ينقل من غير قائله رد ولا تسليم صريحا أو دلالة بأن كانت الحادثة مما لا يعم بها البلوى فلم يشتهر عادة وإلا كان خلافًا بينهم فالحق لا يعدوه أو إجماعًا سكوتيًا وهذه الأمثلة مما فيه الخلاف بينهم.
لأنا نقول إن لم يثبت الخلاف بينهم فيها فذاك وإلا فالتمثيل باعتبار ترجيح أحد أقوالهم أو العمل به بشهادة القلب فإن الطريق في مثله ذلك وعند تعذره يعمل بأبي أقوالهم شاء بشهادة القلب كتعارض وجوه القياس.