الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع في جواز تخصيص السنة بالسنة
خلافا لشرذمة وهذه كالسالفة.
المبحث الخامس في جواز تخصيص السنة بالقرآن
لقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] قالوا هي تبيين القرآن لقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} فالمبين قلنا الرسول هو المبين بكل منهما.
المبحث السادس في جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد
كما بالمتواتر اتفاقا وينسب إلى الأئمة الأربعة لكنه عندنا بالمشهور مطلقا وبغيره بعد التخصيص لا بالعقل لا بعد النسخ، وقيل بعهد التخصيص بقطعي أو منفصل (وقال الكرخي بعد التخصيص بمنفصل قطعي أو ظني فالمنفصل ليس ناسخًا عندهما)، وتوقف القاضي بمعنى لا أدري.
لنا وقوعه كتخصيص الصحابة من قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] نكاح المرأة على عمتها وخالتها بقوله عليه السلام: "لا تنكحوا المرَأة على عمتها ولا على خالتها" فإنه مشهور وكما خص قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] بقوله عليه السلام: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" بعد تخصيص صور الموانع منه قيل إن أجمعوا على ذلك فالمخصص هو الإجماع لا السنة وإلا فلا نعلم التخصيص إذ لا يتصور فيه دليل سوى الإجماع. وأجيب: بأن عدم إنكارهم للتخصيص بخبر الواحد إجماع دل على جوازه أما قبل التخصيص فالعام قطعط الدلالة كما مر والثبوت فلا يعارضه غير المشهور لكونه ظني الثبوت والتخصيص بطريق التعارض لا لرد عمر خبر فاطمة بنت قيس في عدم وجوب النفقة والسكنى المخصص لقوله تعالى وأسكنوهن إذْ ذلك للتردد في صدقها ولذا علل الرد به.
قال ابن أبان ولذا لا يخصصه أول الأمر إلا قطعي وبعد ما خصصه صار ظنيا وقال الكرخي القطعي إذا ضعف بالتجوز لا يبقى قطعيا لأن نسبته إلى مراتب التجوز بالجواز سواء والمخصص بالمنفصل مجاز عنده دون المتصل فيعارضه الظن وفي تخصيصه الأول بالظني نظر إلا أن يريد ظنيا يكون سندا للإجماع للقاضي أن الكتاب قطعي ثبوتا وظني دلالة والخبر بالعكس فتعارضا فتوقف قلنا بل ودلالة كما مر.
السابع: أن الإجماع يخصصهما كإيجاب نصف الثمانين على العبد بالإجماع المخصص لآية حد القذف ولا بد أن يتضمن نصًّا مخصصًا يكون سنده نفسه أو قياسا يظهر حكمه حتى لو أمكن الإجماع في عهد الرسول على خلاف المنصوص متراخيًا كان
يتضمن نصا ناسخا لكن لا إجماع فيه كما لا نسخ بعده والحق عندنا أن لا تخصيص مع التراخي بل ذلك بنص مجهول التاريخ محمول على المقارنة والمعارضة فإن أمكن العمل بهما وإلا يطلب الترجيح فإذا ترجح الخاص يكون مخصصا.
الثامن: من قال بالمفهوم جوز تخصيص العام به سواء فيه الموافقة والمخالفة وذكروا في مثاله المخالفة ليعرف صحة تخصيص الموافقة بالأولى وهو تخصيص قوله عليه السلام "خلق الماء طهورا" الحديث بمفهوم قوله "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا" قلنا التخصيص بطريق المعارضة ولا يصلح المفهوم لضعفه معارضا المنطوق والجمع بين الدليلين من أحكام المعارضة على أن العام ورد في بئر بضاعة وكان ماؤه جاريا يسقى منه خمسة بساتين وإنما لا يخصص عموم اللفظ بخصوص السبب إذا لم يرد مخصص مثله في القوة وقد ورد هنا حديث المستيقظ والنهي عن البول والاغتسال في الماء الدائم من غير فصل ولئن سلم فحديث القلتين ضعفه أبو داود وقال لا يحضرني من ذكره ومثله دون المرسل فلا يكون حجة عندهم بالأولى ولئن سلم فيحتمل أن يراد إذا بلغ انتقاصا ضعف عن احتماله لا لمعنى يدفعه.
التاسع: فعل الرسول عليه السلام بخلاف العموم كالوصال في الصوم بعد نهي الناس عنه يخصص العموم إن قيل بحجيته فإن لم يثبت وجوب اتباع الأمة ففي حقه فقط وإن ثبت فبدليل خاص لذلك الفعل نسخ لتحريمه وبدليل عام في جميع أفعاله مثل خذوا عني مناسككم أي عباداتكم لا إن كنتم تحبون الله فاتبعوني لأن الأمر لا يقتضى العموم قيل يصير مخصصا بالنهي الأول من حيث هو خاص من وجه وإن لم يكن قطعيا لعمومه من وجه وذلك لأنه مرادا وداخل تحت الإرادة فيلزم على الأمة موجبه لا الاقتداء بالفعل وقيل لا بل يجب العمل بدليل وجوب اتباع فعله وهو المختار وقيل بالتوقف.
لنا أن العام المتأخر ناسخ قالوا تخصيص دليل الاتباع بالنهي الخاص المقدم جمع بين الدليلين قلنا الجمع من أحكام المعارضة ولا معارضة عند العلم بالتاريخ ولئن سلم فالدليل الثاني مجموع دليل التباع مع الفعل وهو أخص.
العاشر: علم الرسول عليه السلام بما فعله المكلف مخالفا للعموم وعدم إنكاره مخصص للفاعل وهذا من جزئيات القسم الثالث من أقسام بيان الضرورة كما سيجيء فلو تبين علة لتقريره الحق به من يوافقه فيها إما قياسا أو بقوله حكمي على الواحد حكمي على الجماعة إذ سكوته عن إنكار غير الجائز لا يجوز لقوله عليه السلام: "الساكت عن الحق شيطان أخرس" وإن لم يتبين فلا يتعدى لا قياسًا لتعذره ولا بالحديث لتخصيصه
إجماعًا بما علم فيه عدم الفارق للاختلاف في الأحكام قطعًا وها هنا لم يعلم.
الحادي عشر: مذهب الصحابي على خلاف العام مخصص والصحيح إن كان هو الراوي، وقيل: لا والمسألة فرع التمسك بالأثر لكنه إذا لم يكن الراوي يحتمل أن لا يبلغه أو لا يعتمد عليه.
الثاني عشر: أن العام قد يخصص بالعادة كما يعتمد عليها في كل يجوز ومعناه أن العادة إذا اختصت يتناول نوع من أنواع متناولات اللفظ العام تخصصه به استحسانا نحو أن يحلف أن لا يأكل رأسا يقع على المتعارف الذي يباع في السوق ويكبس في التنانير وهو عند أبي حنيفة رأس البقر والغنم وعندهما الثاني فقط أو بيضا يختص ببيض الإوز والدجاج ونحوها إلا سائر الطيور الغير المتعارفة وفي المبسوط ببيض الطور لا السمك أو طبيخا أو شواء فعلى اللحم المسلوق ومائه لا المقلي إذ لا يسمى مطبوخا ولا نحو البيض والباذنجان والجبن والسلق والجزر وهذا أحد أقسام ما يترك به الحقيقة ذكرناه تتبعا وسنستوفيها إن شاء الله تعالى وقيل لا يخصصه وهو القياس لأنه الحقيقة اللغوية.
لنا: أن الكلام للإفهام فالمطلوب به ما يسبق على الأفهام وذا هو المتعارف قطعا فينصرف الفعل المتعلق به إليه انصراف اللفظ الغالب استعماله في أحد متناولاته عرفا إليه كالدابة إلى ذات القوائم والنقد إلى نقد البلد للتعامل لا سيما في الأيمان المبنية على العرف قالوا العادة في التناول لا تصلح دليلا على نقل اللفظ من العموم إلى الخصوص بخلافها في غلبة الاسم قلنا غلبة العادة تستلزم غلبة الاسم ولئن سلم فالتخصيص ككل صرف عن الظاهر ليس من لوازمه نقل اللفظ فمن الجائز صرفه بالسياق والسابق والمحل والحال كما سنذكر وليعلم أن هذا نظير الحقيقة المهجورة مع المجاز المتعارف وفي مثله يحمل على المجاز اتفاقا بخلاف المستعملة معه غير أن المتعارف ها هنا في الفعل لا في اللفظ كما في تلك المسألة كما في وضع القدم للدخول والتوكل بالخصومة للجواب.
الثالث عشر: أن الخاص الذي يوافق العام في الحكم إن كان له مفهوم معتبر يدل به على نفي الحكم عن غيره يخصصه كما مر وإلا فلا خلافا لأبي ثور فإن قوله عليه السلام في شاة ميمونة "دباغها طهورها"(1) لا يخصص "أيما أهاب دبغ فقد طهر"(2) وهو فرع
(1) أخرجه الدارمى (2/ 117) ح (1986)، والبيهقي ق الكبرى (1/ 17) ح (57)، والدارقطني في سننه (1/ 44)، وأبو داود (4/ 66) ح (4125)، والنسائي في الكبرى (3/ 84) ح (4570)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 279) ح (2522).
(2)
أخرجه مسلم (1/ 277) ح (366)، وابن الجارود في المنتقى (1/ 27) ح (61)، وأبو نعيم في =
مفهوم اللقب وسيجىء أنه مردود.
الرابع عشر: أن رجوع الضمير إلى بعض ما يتناوله العام كضمير {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] إلى الرجعيات من قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] لا يخصصه خلافا لإمام الحرمين وأبي الحسين وقيل بالتوقف.
لنا: أن صرف أحد اللفظين عن الظاهر كمجازيته لا يقتضيه في الآخر، قالوا فيلزم المخالفة بين الضمير والمرجوع إليه قلنا لا يسمى مخالفة كإعادة الظاهر مقيدًا، للواقف لا بد من تخصيص الظاهر أو المضمر دفعا لتلك المخالفة ولا مرجح قلنا في تخصيص الظاهر تخصيص المضمر دون العكس فهو أولى ولو سلم فالظاهر أقوى دلالة ودفع الأضعف أسهل.
الخامس عشر: في جواز تخصيص العام بالقياس إن كان مخصصا قيل وهو مختار كثير من مشايخنا كابن أبان وغيره كتخصيص المدبور من قوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] قياسًا على الفقر لما خص منه كثير من الأموال بالإجماع وغيره كاللآلئ والجواهر والتخصيص في الجملة منقول من الأئمة الأربعة والأشعري وأبي هاشم وأبي الحسين وشرط الكرخي التخصيص بمنفصل وابن سريج جلاء القياس قيل هو قياس المعنى لا الشبه أو ما علته ظاهرة كما لا يقتضي القاضي وهو غضبان من دهش العقل المانع عن تمام الفكر أو الذي لو قضي بخلافه ينقض والحق أنه ما قطع ينفي تأثير الفارق منه والبعض خروج الأصل المقيس عليه بنص وتوقف الإِمام والقاضي وعمل حجة الإِسلام بالأرجح من الظن الحاصل بالعام والحاصل بالقياس إن كان تفاوت وإلا فتوقف واختار ابن الحاجب أن ثبت العلة بنص أو إجماع أو كان الأصل مخرجًا عن العام خص به وإلا فقرائن آحاد الوقائع إن رجحت خاص القياس عمل به وإلا فبعموم الخبر وقال الجبائي يقدم العام جليا أوْ لا ومخصوصًا أوْ لا فهذه ثمانية مذاهب.
لنا ما مر أن التخصيص بطريق المعارضة والقياس لكونه ظنى الدلالة يعارض النص إلا إذا كان كذلك والعام قبل التخصيص قطعى الدلالة كما مر وهو المراد بقول الجبائي لزم تقديم الأضعف عن الأقوى إذ الاجتهاد في خبر الواحد في أمرين السند والدلالة وفي
= مستخرجه على مسلم (1/ 410) ح (805) بتحقيقنا، والبيهفى في الكبرى (1/ 20) ح (68)، والدارقطنى في سننه (1/ 46)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 10)، وأبو داود (4/ 66) ح (4133).
القياس في ستة حكم الأصل وعلته ووجودها فيه وخلوها عن المعارض فيه ووجودها في الفرع وخلوها عنه فيه مع الأمرين إن كان الأصل الخبر. قال ابن الحاجب: ما ثبت عليته بنص أو إجماع أو كان أصله مخرجا بنص يتنزل منزلة نص خاص فيتخصص به جمعا بينهما ثم الإلزام بذلك إنما يراه عند الإبطال وها هنا إعمال لهما على أنه منقوض بتخصيص الكتاب بالسنة والمنطوق بالمفهوم.
قلنا: إن علم المعارض المماثل قوة من النص وغيره فالتخصيص به وإذا كان الأصل مخرجًا كان العام مخصصًا وظنيا فيعارضه القياس ثم لا نعلم أن إعمال الدليلين جائز أينما كان بل عند تساويهما قوة وإلا تعين العمل بالأقوى وإليه ينظر مذهب الغزالي رحمه الله وبه يعرف عدم ورود النقض بالتخصيصين لعدم قولنا بهما غير أن الجبائي اعتبر تفاصيل الظن وإمكان كثرة تطرق الخلل ونحن اعتبرنا نفس الظن فبعد حصوله واجب العمل به على المجتهد إجماعًا قلت مقدماته أو كثرت قال قدم الخبر في حديث معاذ وصوبه الرسول عليه السلام قلنا منقوضٌ بتقديم الكتاب على السنة وأنها تخصصه مشهورًا أو متواترًا أن التخصيص ليس إبطالا بل بيانًا وإعمالا بهما عند صلوح التعارض وقال أيضًا صحة العمل بالقياس للإجماع ولا إجماع ها هنا للخلاف قلنا الإجماع على صحة مطلق العمل به لا على صحة كل قياس يعمل به فلا ينافيه العمل به في موضع مع الخلاف فيه ولأن الإجماع في الحقيقة على العمل بالظن وأنه حاصل وبعد حصوله صار وجوب العمل به قطعيا كما مر في صدر الكتاب، للكرخي ما مر أن المخصص بالمنفصل مجاز فيضعف فيخصص بالظني قلنا المنفصل دافع فهو ناسخ والباقي بعده قطعي ثم مناط أمر القياس حصول الظن وهو وجداني سواء فيه جلاؤه وخفاؤه والباقي إما غير مخالف أو ظاهر الاندفاع وربما يستدل على أن القياس لا يخصصه مطلقا بأن العلة المستنبطة إنما تخصص راجحة لا مرجوحة ولا مساوية فيثبت باحتمال بعينه وينتفي باحتمالين آخرين منهما وهو أقرب من وقوع واحد معين وارجح ظنا وجوابه بأنه يجري في كل تخصيص ليس بشيء لجواز العلم برجحان المخصص أو قصد العمل بكلا الدليلين عند التساوي لا عند المرجوجية لعدم قوة المعارضة بل بأن هذا النوع من الترجيح إنما هو إذا لم يعرف بينهما شيء من الأحوال الثلاثة فيلتزمه لولا الحكم بالمساواة وبأن نمنع عدم التخصيص عند المساواة فإنه عمل بهم لا إبطال للعام.