الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولئن سلم فقد تخلف لمانع وهو ترتب الحسنة وليس ترتبها لمجرد المشقة كما ظن لما مر وعلى الثاني أن العذاب إن كان على ترك العزدمة لم يناف إصابة المخطئ في الاجتهاد ابتداء لأنه علم أن هذا الخطأ في الاجتهاد وقع في مقابلة إيجاب الله تعالى العزيمة فلم يشتمل على شرائطه والمبحث هو المشتمل عليها.
تذييل:
المخطئ في الاجتهاد لا يعاتب ولا ينسب إلى الضلال بل يكون معذورًا أو مأجورًا لبذل الوسع إلا أن يكون دليل الصواب بينا فأخطأ لتقصير منه.
وما نقل من طعن بعض السلف بعضًا في الاجتهاديات محمول على كون طريق الصواب بينا ولو في زعم الطاعن بخلاف المخطئ في العقائد فإنه يضلل أو يكفر والمخطئ ابتداء وانتهاء لأن المطلوب فيها اليقين.
وما نقل عن بعض السلف من تصويب كل مجتهد في المسائل الكلامية كخلق القرآن ونفى الرؤية وخلق الأفعال فمعناه نفى الإثم والمعذورية لأحقية القولين والمأجورية.
فائدة:
قال نجم الأئمة البخاري رأى المفتي جواب فتوى ودى زعمه أنه خطأ لأن المنصوص من الرواية عنده بخلافه يعذر في ترك رد ذلك الجواب إن كان مجتهدًا فيه وإن كان منصوصًا لا يعذر إذا علم أنه يعمل به.
وقال كمال الساعى لا يعذران علم بأنه خطأ وإنه يعمل به.
الفصل الثالث في مسائل متعلقة الاجتهاد
الأول قيل يجوز الاجئهاد لمن حصل له مناطه في مسألة فقط وتعرف بتحرى الاجتهاد.
وقيل لا بد أن يكون عنده ما يحتاج إليه في جميع المسائل.
للمثبت أولًا لو لزم العلم بجميع المآخذ لزم العلم بالأحكام لأنه لازمه لكن قد ثبت من المجتهد كمالك رحمه الله.
قلنا لا نعلم أنه لازمه لجواز أن يعترض ما دمنع من الترتيب كنعارض الأدلة وعدم المجال للقدر الواجب من الفكر لتشوشه واستدعائه زمانا.
وثانيًا: أن أمارات غيرها كالعدم في حقها.
قلنا لا نعلم لجواز تعلقها بما لم يعلمه تعلقًا لا يظن بالحكم إلا بعلمه ففي المحيط بالبعض يقوى احتمال الموانع فلا يحصل له الظن بالحكم وفي المحيط بالكل يضعف أو ينعدم فيحصل.
لا يقال احتمال بعيد فلا يقدح في ظن الحكم لأنا لا نعلم بعده.
قلنا في كل مما لا يعلمه يحتمل كونه مانعًا فلا يحصل ظن عدم المانع.
قلنا المفروض حصول جميع ما يتعلق به في ظنه نفيًا وإثباتًا بأخذه من المجتهد أو جمع أماراتها التي قررها الأئمة فيحصل.
لا يقال إن كفى حصول الجميع في ظنه فقد ثبت التجزى وبطل جواب دليله الثاني وإن لم يكف بطل هذا الجواب وبعبارة أخرى احتمال المانعية في المسائل الآخر إن كان بعيئا غير قادح ثبت التجزى وبطل ذلك الجواب وإن كان قريبًا قادحًا في ظن الحكم بطل هذا.
لأنا نقول الكلام في الكفاية وعدمها أو في البعد وعدمه فللتردد بينهما توقف ابن الحاجب رحمه الله كذا قيل.
والحق عدم التجزى وهو المنقول عن أبي حنيفة رضي الله عنه لما مر في حد الفقه أن الفقيه هو المتهيىء للكل أعني الذي له ملكة الاستنباط في الكل وإن المقلد يجوز علمه ببعض الأحكام عن الأدلة ولأن ابن الحاجب قائل بكفاية حصول الجميع في ظنه وبعد احتمال المانع وذلك لأنه غير ناشئ عن الدليل.
الثانية: أن النبي عليه السلام متعبد به فيما لا نص فيه كذا عن أبي يوسف والشافعى رحمهما الله ومنعه الجبائيان وجوز بعضهم في الآراء والحروب دون أحكام الدين.
لنا بعد تناول أدلة شرعية القياس إياه وكون وراثة العلماء من الأنبياء الاجتهاد:
أولًا قوله تعالى: {لِمَ أَذِنْتَ لَهمْ} [التوبة: 43] ولا عقاب فيما علم بالوحى.
وثانئا: قوله عليه السلام "لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدي"(1) أي لو علمت أولًا ما علمت آخرًا ومثله لا يستقيم إلا فيما عمل بالرأى. وثالثا: ما استدل به أبو يوسف من قوله تعالى: {لِتَحْكمَ بَيْنَ النَّاسِ بمَا أَرَاكَ اللهُ} [النساء: 105] فقرره الفارسي بقوله ليست الرؤية للإبصار لاستحالته في الحكم ولا للعلم لعدم المفعول الثالث مع وجود المفعول الثاني ليعود إلى الموصول فهي للرأى أي بما جعله الله رأيًا لك.
لا يقال يحتمل ما المصدر به وحذف المفعولين.
لأنا نقول الموصول أكثر والظاهر من الفعل معناه لا معنى المصدر.
(1) أخرجه البخاري (2/ 594) ح (1568) ومسلم (2/ 879) ح (1211).
ورابعًا: أن فضل الاجتهاد وكثرة ثوابه أولى لأن منصبه أعلى.
قيل قد يسقط فضله لدرجة أعلى سقوط ثواب الشهادة عن الحاكم وثواب القضاء عن الإِمام وثواب التقليد عن المجتهد.
قلنا ذلك عندما ينافيه الدرجة العالية ولا كذلك ما نحن فيه.
لهم أولًا قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4].
قلنا: يختص بما بلغه لأنه لرد قولهم في القرآن إنه افترى.
ولئن سلم فالحكم بالاجتهاد المتعبد بالوحى قول بالوحى.
وثانيًا: أنه لا يجوز مخالفته بل يكفر بها لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء: 65] الآية وجوازها من لوازم الاجتهاد.
قلنا من لوازمه ما لا يقارنه القاطع كاجتهاد عند إجماع فمنه كونه اجتهاد المقرر.
وثالثًا: أنه عليه السلام كان يتأخر في جواب السؤال كما في حكم الظهار واللعان ولا يجتهد.
قلنا لانتظار الوحي الذي عدمه شرط في الاجتهاد أو لانتظار فراغ يصلح له.
ورابعًا: كان قادرًا على اليقين هو الوحي ولا اجتهاد للقادر عليه.
قلنا إنزال الوحي غير مقدور ولذا كان يحكم بالشهادة مع أنها لا تفيد إلا الظن.
تنبيه: الأصل هو الوحي فالاجتهاد لضرورة العجز عنه إما بمضى مدة الانتظار وهي ما يرجى فيها نزول الوحي أو خوف فوت حكم الحادثة.
الثالثة: إذا جاز له الاجتهاد يجوز عليه الخطأ لكن لا يقرر عليه بل ينبه أما عدم القرار فبالإجماع وأما جواز الخطأ قلنا فيه عقلا أن لا مانع منه من حيث بشريته وليس علو رتبته وكمال عقله وقوة حدسه مانعًا لأن السهو والخطأ للغفلة من لوازم الطبيعة البشرية فإذا جاز سهوه حالة المناجاة كما ثبت أنه سهى فسجد فالخطأ في غيرها بالأولى ونقلا قوله تعالى: {لِمَ أَذِنْتَ لَهمْ} [التوبة: 43] دل على أن إذنهم كان خطأ وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67] الآية حتى قال عليه السلام "لو نزل بنا عذاب ما نجا إلا عمر"(1) لأنه أشار إلى القتل وغيره إلى الفداء فهو خطأ وقوله عليه السلام "إنكم تختصمون إلي ولعل أحدكم ألحن بحجته" الحديث وقوله عليه السلام: "أنا أحكم بالظاهر" فدل أنه قد يخفى عليه الحق الباطن.
(1) أورده الدينورى، انظر تأويل يختلف الحديث (1/ 158).
لا يقال ذلك في فصل الخصومات والكلام في الأحكام لأن فصلها يستلزم الأحكام الشرعية بالحل لشخص والحرمة لأخر فيقتضى جواز خطاه فيها.
فإن قلت ربما يكون الخطأ في اندراجه تحت عموم مثل هذا حرام للحل لاعتقاده خمرًا وليس مثله خطأ في الاجتهاد لأن الحكم بالاندراج عقلي.
قلنا لا نعلم بطلانه كما أمر العوام باتباع المجتهد ولو كان خطأ فالحل أن للحكم الخطأ جهتين عدم مطابقته للواقع وكونه مجتهدًا فيه والأمرانه للثانية فكما وجب العمل به على بعد ولو خطأ يجب على متبعيه أيضًا لذلك على أن اتباعه يجب فيما قرر عليه ولا خطأ فإن قلت لا متابعة في المقلد لأخها إيقاع الفعل على وجه أوقعه ولا يتبع المقلد المجتهد في اجتهاده.
وأيضًا من أمر باتباع الرسول قادر على الإصابة كالمجتهد بخلاف منع المجتهد كالمقلد.
وأيضًا العامى مأمور بالتقليد لا بالخطأ إنما يقع الخطأ في طريقه.
قلنا الوجه المأخوذ في المتابعة كيفية للفعل والاجتهاد كيفية للمجتهد لا له وأيضًا المأمور بمتابعة الرسول جميع الأمة لا المجتهد فقد علم أنا لا نعلم أن المجتهد قادر على الإصابة إنما مقدوره الظن بالحكم.
وأيضًا لا فرق في أن المأمور به في البابين الاتباع والخطأ واقع في الطريق ولو منع جهة عدم مطابقة الواقع ثمة منع ها هنا إذ لا فارق.
وثانيًا: لما عصم الإجماع عن الخطأ لكون أهله أمة الرسول عليه السلام فنفسه أولى بهذا الشرف.
قلنا رتبة النبوة التي هى أعلى مراتب الخلق فضيلة جابرة للنقائص الآخر ومحصلة
للأولوية المطلقة على أن العصمة في الإجماع بعد القرار وههنا أيضًا مسلم بعده.
وثالثًا: تجويز الخطأ يورث الشك فيقدح في مقصود البعثة.
قلنا لا يورثه بعد ثبوت الرسالة بتصديق المعجزة لوجوب اتباعه ولو خطأ ولا سيما إذا علم أنه لا يقرر عليه بالاجماع.
الرابعة: يجوز اجتهاد غيره في عصره عليه السلام غيبة لحديث معاذ وحضورًا في الأصح وواقع عند الأكثرين ومنع الجبائيان وقوعه شرعًا وجوزه بعضهم بشرط الإذن والأكثرون توقفوا فيه.
لنا أولًا ما روى البخاري عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه حين قتل رجلًا من
المشركين في حنين وطالب سلبه شخصا فقال صدق يا رسول الله وسلبه عندي فارضه عني فقال أبو بكر رضي الله عنه لاها الله إذ لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أبو بكر"(1) رضي الله عنه في الحكم فصوبه والظاهر أنه عن الرأى دون الوحي والصحيح رواية إذًا فإنه جزاء لإقراره لصحته سببًا لأن لا يعمد إلى إعطاء ما هو حقه غيره.
وقيل ذا فللخليل لا للأمر ذا وللأخفش ذا قسمين ولأبى زيد ذا زائدة وفي ها الله ثلاث لغات.
وثانيًا: ما صح أنه عليه السلام حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم بقتلهم وسبق ذراريهم فقال عليه السلام لقد حكمت بحكم من فوق سبع أرقعة أي بحكم الله تعالى والرقع السماء.
لهم أولًا أن القدرة على العلم بالرجوع إليه كمنع الاجتهاد الذي غايته الظن.
قلنا لا نعلم لجواز التخيير وهو الظاهر من الدليل السالف.
ولو سلم فالحاضر بظن أن لوكان وحي لبلغه والغائب لا يقدر.
وثانيًا: أن رجوعهم إليه في الوقائع دليل منع الاجتهاد.
قلنا لا نعلم لجواز أن يكون الرجوع فيما عجزوا فيه عن الاجتهاد أو ليقع الاجتهاد فيما لا يفيد الرجوع أو لجواز الأمرين.
الخامسة لا يجوز أن يكون يجتهد قولان متناقضان في مسألة في وقت واحد وبالنسبة إلى شخص واحد لأن دليليهما أن تعادلا توقفا وإن رجح أحدهما تعين وفي وقتين يجوز لجواز تغير الاجتهاد وبالنسبة إلى الشخصين يجوز على القول بأن تعادل الأمارتين يوجب التخيير لا على أن يوجب الوقف فالظاهر في قولين مرتبين يجتهد في مسألة أن الأخير رجوع لتغير الاجتهاد وهذا في مسألتين متناظرتين إن لم يظهر بينهما فرق وإن ظهر لا كما إذا قال في طعامين أحدهما نجس بتحرى وفي ثوبين لا بتحرى يحمل على الرجوع إذ لا فارق أما في ماء وبول لا بتحرى للفارق وهو كون البول نجس الأصل فلا يحمل عليه ويقال التحري فيما أصله الطهارة.
تنبيه: فإذا نقل عن مجتهد قولان متناقضان كما عن الشافعي في سبع عشرة مثله يحمل على وجوه:
(1) أخرجه البيهقي في الكبرى (6/ 306) ح (12541)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 223)، وأبو داود (3/ 70) ح (2717).
1 -
أنه يحكى قول العلماء.
2 -
يحتمل أن يكون فيها للعلماء قولان لتعادل الأمارتين.
3 -
في فيها قولان بالنسبة إلى شخصين على القول بالتخيير بلا رجوع.
4 -
تقدم في قولان بالنسبة إلى واحد والأخير رجوع.
السادسة لا يجوز للمجتهد نقض ما حكم به نفسه لتغير اجتهاده أو غيره لمخالفة اجتهاده اتفاقا لأن يتسلسل بنقض نقضه من الآخرين ويفوت مصلحة نصب الحاكم من فصل الخصومة اللهم إلا إذا خالف قطعي الثبوت والدلالة من الكتاب والسنة والإجماع لا خبر الواحد إلا عند البعض.
قال القاضي عبد الجبار مفت بأن له الخطأ في جوابه يجب عليه الإعلام إن ظهر خطاه بيقين وإن تحول رأيه إلى آخر في المجتهد فيه فلا.
السابعة لو حكم مجتهد بخلاف اجتهاده بطل وإن قلد مجتهدًا آخر إجماعًا.
أما قبل أن يجتهد فقيل فممنوع عن التقليد مطلقًا أي سواء كان الغير صحابيًا أو لا وأعلم منه أو لا وتقليده فيما لا يخصه مما يفتى به أو يخصه مما يعمل به وكان مما يخصه مما يفوت وقته باشتغاله بالاجتهاد أو لم يكن كذلك وهو المشهور الجديد عن مذهب الشافعي.
وقيل ممنوع إلا فيما يخصه.
وقيل إلا فيما يخصه ويفوت وقته لو اشتغل بالاجتهاد وهو قول ابن سريج.
وقيل ممنوع مطلقا إلا أن يكون الغير أعلم وينسب إلى محمَّد رحمه الله.
وقيل مطلقًا إلا أن يكون الغير صحابيًا وهو مذهب الجبائى والقديم من الشافعى رضي الله عنه، وقيل غير ممنوع مطلقًا وهو مذهب أحمد وإسحاق بن راهويه وسفيان وعن أبي حنيفة رضي الله عنه روايتان.
والمختار أن لا يقلد المجتهد إلا الصحابي وإن روى عنه رضي الله عنه جواز تقليده لمن هو أعلم منه وتحقيقه التفصيل السابق في تقليد الصحابي والتابعى.
لنا في المنع أولًا أنه متمكن من الأصل فلا يصير إلى البدل كغيره ومتضمن وجهين:
1 -
كقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 12] يعمه ترك العمل به في العامي لعجزه.
2 -
القياس على التقليد في الأصول بجامع القدرة على الاحتراز عن الضرر المحتمل ولا يفرق بأن المطلوب هنا الظن وأنه يحصل بالتقليد لأن المطلوب الظن الأقوى وهو
متمكن منه ولا ينقض بقضاء القاضي حيث لا يجوز خلافه لأن ذلك عمل بالدليل الدال على أنه لا ينقض إلا بالتقليد وثانيًا قوله تعالى: {فَاسْاَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] أي إن كنتم غير أهل العلم أو لا تعلمون شيئًا أي عاميًا إما لأنه نكرة في سياق النفي وإما لأنه مطلق فالمقيد بالشرط عدم عند عدمه وربما يستدل بأن جواز التقليد حكم شرعي ولا دليل عليه ولا تعارض لأن الانتفاء يكفي فيه عدم دليل الثبوت.
وفيه بحث لأن الانتفاء هنا التحريم الشرعي فلا يصلح نفى الدليل دليلًا له.
وثالثًا: أن التقليد قبل الاجتهاد كهو بعده ولما منع كونه مجتهدًا هذا منع ذاك.
لا يقال المانع هنا ظن الحكم باجتهاده لا كونه مجتهحًا لأن الظن الحاصل بالاجتهاد أقوى منه بالتقليد.
لأنا نقول ظن المقلد لا عبرة به كما مر ولا يعارض ظن المجتهد ليعتبر ترجيحه.
ولو سلم فالقدرة على الظن الأقوى كهو ولذا يبطل القياس في مقابلة خبر الواحد.
للمجوز أولًا أنه قبل الاجتهاد لا يعلم والآخر من أهل الذكر فيسأله للعمل به بالأية.
قلنا معناه إن كنتم غير أهل العلم أو لا تعلمون شيئًا ولذا لا يجوز بعد الاجتهاد وإن كان غير عالم بل ظانًا فلا يوجد إلا في العامي.
وثانيًا: قوله عليه السلام بأيهم اقتديتم اهتديتم.
قلنا الخطاب للعلة كما مر ولئن سلم فيختص بالأصحاب لبركة الصحبة واحتمال السماع كما قلنا.
وثالثًا: أن المطلوب الظن وهو حاصل بفتوى الغير.
قلنا: مع القدرة على الأقوى وهو الحاصل باجتهاده لا يعمل بالأدنى على أن ما ذكر من دليل السمع منع العمل به.
ورابعًا قوله تعالى: {أَطِيعُوا الله} [آل عمران: 32] الآية والعلماء أولو الأمر لنفاذ أمرهم على الولاة.
قلنا لا يعم كل طاعة ولذا لا يجب الطاعة في الحكم فيحمل على الطاعة في الأقضية.
وخامسا قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ} [التوبة: 122] الآية قلنا: لا يعم كل إنذار فيحمل على الرواية.
وسادسًا: قول عبد الرحمن بن عوف لعثمان رضي الله عنهم بمشهد الصحابة أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين ولم ينكر أحد قلنا المراد طريقهما في العدل
وإلانصاف.
الثامنة مسألة التفويض إذا فوض الله بقوله احكم بما شئت بروية فلا خلاف في جوازه وبقوله احكم دمًا تشتهيه كيف اتفق فإنك لا تحكم إلا بالحق فقطع موسى بن عمران بجوازه ووقوعه في حق نبينا عليه السلام والمعتزلة بمتناعه والمختار الجواز وعدم الوقوع.
لنا في جوازه عدم امتناعه لذاته ولا غيره يمنعه وفي عدم وقوعه أولًا أنه عليه السلام لو أمر بذلك لما نهى عن اتباع هواه إذ لا معنى له إلا حكمه كيفما يريد.
لا يقال لما كان بالأمر لم يكن اتباع للهوى لأنا نقول فماذا ينهى بنهي اتباع الهوى.
وثانيا: لما قيل له مثلا لما أذنت للمانع أن التفويض مع جهل العبد بالمصالح يقضي إلى تفويتها قلنا لا تفويت فإن اللازم من الجهل جواز التفويت لا نفسه والمحذور وهو نفسه لازم الوقوع وهو ممنوع كيف ومن الجائز أن لا يفوض إلا لمن يعلم أنه يختار ما فيه المصلحة.
للقائل بالوقوع أولا قوله تعالى: {إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] ولا يتصور إلا بتفويض التحريم إليه وإلا كان المحرم هو الله تعالى قلنا بل قد يحرم على نفسه بدليل ظني، وثانيًا: قوله عليه السلام في مكة لا يحتلى خلاها ولا يعضد شجرها فقال العباس إلا الإذخر فقال النبي عليه السلام إلا الإذخر دل على التفويض إلى رأيه حيث أطلق المنع ثم استثنى بالتماسه.
قلنا إما أن الإذخر ليس من الخلاء والاستثناء منقطع بمعنى لكن أو لم يرد العموم ابتداء ففهمه السائل فقرر ما فهمه والاستئناء منقطع يمعنى لكن أو لم يرد العموم ابتداء ففهمه السائل فقرر ما فهمه والاستثناء منقطع يمعنى لكن أو لم يرد العموم ابتداء ففهمه السائل فقرر ما فهمه والاستثناء من المقدر والمكرر أو نسخ التعميم الأول بوحى سريع كلمح البصر والاستثناء من المقدر المكرر.
وثالئًا: أحاديث "لولا أن أشق""وكنت نهيتكم" ونحو قوله عليه السلام في الحج "لو قلت نعم لوجب" وقوله عليه السلام "عسيت أن أنهى أمتي أن يسموا نافعًا وأفلح وبركة" وقوله عليه السلام لما قيل له إن ماعزًا رجم "لو تركتموه حتى انظر في أمره" وقوله عليه السلام حين أنشدت ابنة نضر بن الحارث في أبيها حين قتل:
أمحمد ولانت نجدٍ نجيبه
…
في قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت وربما
…
من الفتى وهو المغيظ المحنق
"لو سمعته ما قتلته".
قلنا بجواز أن يكون في هذه الأمور مخيرًا أو يكون قد تقدم وحي شرطي إن كان كذا فاحكم كذا أو كان ذلك بالاجتهاد.
التاسعة: لا يجب تكرار الاجتهاد عند تكرر الواقعة وتذكر طريق الاجتهاد.
لنا حصول ماكان يطلبه والأصل عدم ما يغيره.
لهم احتمال تغير اجتهاده فلا بد من تجديد النظر ليعلم استمرار ظنه قلنا فيجب أبدًا ولم يتوقف بوقت تكرر الواقعة لدوام الاحتمال وفيه بحث والأولى أن الطريق ما دام مظنونًا فاحتمال خلافه مرجوح وإلا لم يعمل به أول مرة فلا معتبر به وإن لم يذكر طريق اجتهاده أو شك في قوته استأنف.
العاشرة: يجوز خلو الزمان عن مجتهد يرجع إليه خلافًا للحنابلة.
لنا أولًا ليس ممتنعًا لذاته.
وثانيًا: حديث اتخاذ الناس رؤساء جهالا فإنه ظاهر في الجواز والوقوع لأن الأصل في إذا تحقق وقوع مدخوله.
لهم أولًا قوله عليه السلام: "لا يزال طائفة من أمتي"(1) الحديثين فلا يخص إلى القيامة وأشراطها.
قلنا غايته عدم الخلو ولا يلزم منه عدم جواز الخلو لأن المطلقة أعم من الضرورية ولو سلم فدليلنا أظهر لأن نفي العالم يستلزم نفي المجتهد أما إثبات ظهور الحق فيحتمل أن يكون بلزوم سيرة النبي عليه السلام والاجتناب عن البغي لا بالعلم والاجتهاد ولا سلم فيتعارض السنتان ويبقى عدم المانع.
وثانيًا: أن الاجتهاد فرض كفاية مطلقًا فجواز الخلو يقتضي اتفاق المسلمين على الباطل وبطلانه علم في الإجماع.
قلنا لا نعلم أنه فرض كفاية مطلقًا بل إذاكان ممكنًا مقدورًا وعند خلو الزمان عن المجتهد لا يكون كذلك ولئن سلم فالاتفاق على تركه إنما يلزم لو لم يجز تقليد المجتهد الميت السابق لكنه جائز كما سيجىء.
(1) أخرجه البخاري (6/ 267) ح (6881)، ومسلم (3/ 1523) ح (1920).