الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على طرده المشترك المقرون بالبيان إذْ ليس بمجمل وكذا المجازيين أولا فالمعرفة فيهما ليست منهما بل من البيان لو كان ويمكن أن يقال المشترك مجمل من حيث هو وذلك كاف في الصحة؛ لأن قيد الحيثية مراد في مثله ولا نعلم أن المتردد بين المعاني المجازية مع الصارف على الحقيقة ليس محملا فالأوضح ما مر لهم أما المجمل ما تساوى دلالته بين المعنين أو أكثر والأصح ما مر.
لنا: أنه ما لا يدرك مراده مع رجائه إلا بالاستفسار إما لغرابة أو تغيير في مفهومه اللغوي أو تساو فالمبين ما يقابله ولا يختص بمقابلته.
الثاني: فيما اختلف في إجماله:
1 -
التحريم المضاف إلى العين نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] حقيقة وعند العراقيين مجاز من حذف المضاف أو التعبير بالمحل لأن تعلقه بالمقدور وهو الفعل ثم منهم من ذهب إلى إجماله كالكرخي منا وأبي عبد الله البصري والبهشمية إذْ لا يضمر الجميع لأن الضرورة تندفع بالبعض ولا أولوية بين الأبعاد.
قلنا: لا نعلم التجوز إذْ المراد أحد نوعي الحرمة وهو حرمة المحل أعني خروجه من محلية الفعل أعني خروجه من الاعتبار شرعًا كالمنهي الفساد والمنع عن شرب الماء الموجود والحماية ويعبر عنهما بالحرمة العينية والغيرية فالمنع في الأول أوكد فإلحاقه بالثاني غلط ولئن كان مجازا فالعرف يعين المراد كالأكل من الميتة والشرب في الخمر والتمتع في النساء فلا إجمال.
2 -
نحو: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"(1)، "وإنما الأعمال بالنيات"(2) مما يراد به لازم من لوازمه وإلا لزم الكذب وهو الحكم لأنه مبعوث لبيانه مجمل بعد التجوز لكونه مقولا شرعا على الدنيوي كالصحة والفساد والأخروي كالثواب والعقاب وهما مختلفان حقيقة ومحلا ومقصودًا ومناطًا فقط ببط الأول بتحقيق ما يتوقف عليه، والثاني بصحة العزيمة؛ ولذا يفترقان إجماعا في ظن تحققه وإلا فلا يرادان معا وإلا لتلازما فيتحققا معا في الأول وينتفيا معا في الثاني وحينئذ إن أريد بالأعمال مثلا ما صدق عليه الحكم على التعين مجازا من الثواب أو الصحة صار مشتركا وهو مراد فخر الإِسلام فلا بحث فيه.
وإن أريد مطلق الأثر الثابت بها صار في حكم المشترك أو صار حكم العمل مشتركا بين حكم عزيمته وحكم تحقق ما يتوقف عليه فصار مجملا وحين أريد الأخروي اتفاقا
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
إذ المؤاخذة بالخطأ ليست ممتنعة في الحكمة بدليل: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286] لم يرد الدنيوي لما مر عندنا ولعدم عموم المجاز عنه فلم يصح تمسك بالأول على عدم فساد الصلاة بالكلام ناسيا والصوم بالإفطار مخطئا وبطلان طلاق المخطئ وبالثاني على اشتراط نية الوضوء وقال البصري بأن لا إجمال في حديث الرفع لأن العرف عين إرادة رفع العقاب كقول السيد لعبده رفعت عنك الخطأ والضمان بإتلاف مال الغير جبر المتلف لا العقاب إذ لا يقصد به الزجر كما في الصبي.
قلنا العرف مشترك إذْ لا نعلم إرادة رفع العقاب في كل موضع فإنه بعد ترتيب الوعد كللى أمر له شروط أو منافيات قد يراد برفع الخطأ الاعتداد في الشروط بما عدمت فيه وفي المنفيات بما وجدت فيه خطأ في ترتب الوعد من غير تعرض لترتب الوعيد أصلا.
تنبيه: من لم يفرق بين المقتضي والمحذوف من أصحابنا كأبي زيد جعل الحكم مقتضى فبنى على أن لا عموم له عندنا لا عند الشافعي رضي الله عنه وفيه التقصي عن تكلف إثبات الاشتراك أو حكمه.
3 -
المسح في حق المقدار مجمل خلافا لغيرنا كمالك والقاضي وابن جني لأن مسح الرأس لغة مسح الكل، والشافعي وعبد الجبار وأبو الحسين البصري للعرف الطارئ على أطرقة للبعض فالمشهور من أن مسح بعض الرأس واجب وكله سنة وبعضهم على أن الواجب مطلقه.
قلنا: ما دخل عليه الباء لا يراد استيعابه عرفا كما مر أما الآلة فلأن المقصود منها مقدار ما يتوسل به وأما غيرها فلأن دخول الباء لتشبيهه بها نحو مسحت يدي بالمنديل والحائط ورأس اليتيم فلا فرق بينهما في ذلك كما ظن وحمله على الصلة خلاف الأصل وبعد انتفاء الكل فليس المراد مطلق البعض بما سلف من الوجوه.
4 -
نحو قوله عليه السلام: "لا صلاة إلا بطهور"، "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، "لا نكاح إلا بولي"، "لا صيام لمن لم يبيت"، مما ينفي الفعل والمراد صفته لا إجمال فيه بين نفي الصحة ونفي الكمال خلافا للقاضي.
لنا أنه إن ثبت عرف شرعي في نفي الصحة أو عرف لغوي في نفي الفائدة نحو لا علم إلا ما نفع ولا كلام إلا ما أفاد ولا طاعة إلا لله فلا إجمال وإن انتفيا فالأولى حمله على نفي الصحة إلا لدليل كالإجماع في "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" ولزوم النسخ في لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب عندنا لأنه كالعدم في عدم الجدوى قكان أقرب المجازين إلى الحقيقة المتعذرة وظاهرا فيه فلا إجمال وهذا ترجيح له أن العرف الشرعي
مشترك قلنا لا نعلم بل ذلك للاختلاف في الظهور يعني أنه ظاهر عند كل في واحد ولا قائل بالتردد ولئن سلم التردد فنفي الصحة راجح بأنه أقرب إلى نفي الذات.
5 -
قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] مجمل في حق مقدار ما يجب قمه خلافا للأكثر، لنا أن إرادة كل اليد وبعضها المطلق منتفيان بالإجماع لا بالخبر إذ لا يزاد به على خاص الكتاب فلا بد من مقدار بينة خبر الواحد.
قالوا أولا اليد حقيقة في جملة العضو إذْ الأصل خلاف الاشتراك والقطع في الإبانة فلا إجمال. قلنا: بل المعاني الثلاثة مشتركة في الاستعمال وغلبته وذلك آية الاشتراك ولئن سلم فالمراد إجماله بعد العلم بعدم إرادة الكل والبعض المطلق كما مر، وثانيا إنما يكون مجملا لوكان مشتربما بين الكل لا متواطئا فيها ولا حقيقة في أحدها ومجازا في الباقي ووقوعه واحد لا بعينه من اثنين أقرب من وقوع ثالث بعينه فيغلب ظن عدم الإجمال.
قلنا: إثبات اللغة بالترجيح ونفي لمطلق الإجمال في محل النزاع أما ما يثبت إجماله بدليل آخر فلا.
6 -
اللفظ المستعمل تارة في معنى وأخرى في معنيين إذا لم يثبت ظهوره في أحد الاستعمالين مجمل خلافا لشرذمة.
قلنا: إثبات اللغة بالترجيح بكثرة الفائدة على أنه معارض بأن الموضوع لواحد أكثر ففيه أظهر فيتعارضان. وثانيًا: إجماله عند الاشتراك لا التواطؤ والتجوز ووقوع المبهم أقرب. قلنا: مر جوابه.
7 -
قيل: اللفظ الذي له معنى لغوي ومحمل شرعي إذا صدر من الشارع ليس مجملا بل يتعين الشرعي محملا لأنه بعث لتعريف الأحكام الشرعية لا الموضوعات اللغوية فقوله عليه السلام "الطواف صلاة"(1) يراد به كهي في اشتراط الطهارة لا أنه يسمى صلاة لغة.
قلنا: الكلام فيما لم يتضح دلالته على الشرع ولئن سلم فلا يراد ظاهره إذ ليس صلاة حقيقة وفي المجازات كثير لاحتمال إرادة أنه كهي في الفضلية واحراز الثواب وكونه إمارة الإيمان وشيء منها غير متعين على أن حمله على اشتراط الطهارة يؤدي إلى نسخ خاص الكتاب.
(1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 120) ح (461)، والحاكم لما مستدركه (1/ 630) ح (1686) والدارمي (2/ 66) ح (1847)، والبيهقي في الكبرى (5/ 85) ح (9074)، وأبو يعلى في مسنده (4/ 467) ح (2599).