المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقام الثاني في حكم قسمه المسمى بالأمر: - فصول البدائع في أصول الشرائع - جـ ٢

[الفناري]

فهرس الكتاب

- ‌ المقصد الأول ففي الأدلة الأربعة

- ‌الركن الأول من الكتاب

- ‌فالمقدمة فيها مباحث:

- ‌الأول: فيما يتعلق بتعريفه

- ‌الثاني: أن المنقول آحادًا ليس بقرآن

- ‌الثالث: يجوز العمل بالقراءات الشاذة إذا اشتهرت

- ‌الفصل الأول في الخاص

- ‌الأول: في حكم مطلقه وضعًا

- ‌المقام الثاني في حكم قسمه المسمى بالأمر:

- ‌المقام الثالث في حكم النهى الذي يقابله

- ‌الفصل الثاني في العام

- ‌الأول: في حكمه

- ‌أحدهما فيما قبل التخصيص:

- ‌البحث الثاني: فيما بعده

- ‌الأولى: في تعريف التخصيص

- ‌الثانية: في جوازه في جميع العمومات

- ‌الثالثة: في أنه في الباقي يعد التخصيص حقيقة أم مجاز

- ‌نظائر الثلاثة من الفروع

- ‌المقام الثاني في ألفاظ العموم

- ‌المقام الثالث: في شتائت مباحث العموم

- ‌الفصل الثالث في حكم المشترك

- ‌الفصل الرابع في حكم المؤوَّل

- ‌الفصل الخامس في حكم الظاهر

- ‌الفصل السادس في حكم النص

- ‌الفصل السابع في حكم المفسر

- ‌الفصل الثامن في حكم المحكم

- ‌الفصل التاسع في حكم الخفي

- ‌الفصل العاشر في حكم المشكل

- ‌الفصل الحادي عشر في حكم المجمل

- ‌الفصل الثاني عشر في حكم المتشابه

- ‌الباب الأول في المجمل

- ‌الأول: قد مرت الإشارة

- ‌الثاني: فيما اختلف في إجماله:

- ‌الباب الثاني في المبين

- ‌المبحث الأول

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث

- ‌المبحث الرابع

- ‌المقصد الأول في بيانيّ التقرير والتفسير

- ‌المقصد الثاني في بيان التغيير

- ‌للواقفية المشتركة

- ‌أولا: حسن الاستفهام

- ‌وثانيًا: صحة الإطلاق

- ‌الأول في حده

- ‌الثاني في تقسيمه

- ‌الثالث في أنه إما واحد أو متعدد على الجمع

- ‌ تخصيص العام:

- ‌المبحث الأول

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث في جواز تخصيص الكتاب بالكتاب

- ‌المبحث الرابع في جواز تخصيص السنة بالسنة

- ‌المبحث الخامس في جواز تخصيص السنة بالقرآن

- ‌المبحث السادس في جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد

- ‌المقصد الثالث في بيان الضرورة

- ‌المقصد الرابع في بيان التبديل

- ‌الفصل الثالث عشر في حكم الحقيقة

- ‌فصل

- ‌الفصل الرابع عشر في حكم المجاز

- ‌الفصل الخامس عشر: في حكم الصريح

- ‌الفصل السادس عشر: في حكم الكناية

- ‌الفصلين السابع عشر والثامن عشر في حكم الدال بعبارته وإشارته

- ‌الفصل التاسع عشر: في حكم الدال بدلالته

- ‌الفصل العشرون: في حكم الدال بالاقتضاء

- ‌الركن الثاني: من السنة وفيها مقدمة وعدة فصول

- ‌الفصل الأول: في تقسيمه باعتبار الاتصال

- ‌الفصل الثاني: في الراوي

- ‌الفصل الثالث: في الانقطاع

- ‌الفصل الرابع: في محل الخبر

- ‌الفصل الخامس: في وظائف السمع

- ‌الفصل السادس: في الطعن

- ‌الركن الثالث في الإجماع: وفيه مقدمة وعشرة فصول

- ‌أما المقدمة ففي تفسيره

- ‌الفصل الأول في إمكانه

- ‌الفصل الثاني في إمكان العلم به

- ‌الفصل الثالث في إمكان نقل العالم إلى المحتج به

- ‌الفصل الرابع: في حجيته

- ‌الفصل الخامس: في ركنه

- ‌الفصل السادس: في أهلية من ينعقد به

- ‌الفصل السابع: في شروطه

- ‌الفصل الثامن: في حكمه

- ‌الفصل التاسع: في سببه

- ‌الفصل العاشر: في مراتبه

- ‌الركن الرابع: القياس

- ‌الفصل الأول: في معناه

- ‌الفصل الثاني: في شروطه

- ‌الفصل الثالث: في أركانه

- ‌الفصل الرابع: في حكمه

- ‌خاتمة الفصول في عدة تقسيمات للقياس:

- ‌الفصل الخامس: في دفعه

- ‌الفصل السادس: في بيان أسباب الشرائع

- ‌الأول في الأسباب

- ‌المبحث الأول: في الاعتقادات وهي الإيمان بتفاصيله

- ‌المبحث الثاني في العبادات

- ‌المبحث الثالث في المعاملات

- ‌المبحث الرابع في المزاجر

- ‌القسم الثاني في حكم الأحكام أي مصالحها المشروعة هى لها

- ‌المبحث الأول: في الاعتقادات حكمتها

- ‌المبحث الثاني: في العبادات

- ‌المبحث الثالث: في المعاملات الخمسة

- ‌المبحث الرابع: في المزاجر

- ‌الفصل السابع: في غير الأدلة الأربعة

- ‌الأول في الصحيحة

- ‌الأول: في شرع من قبلنا

- ‌المبحث الثاني: في تقليد صحبه عليه السلام

- ‌المبحث الثالث: في الاستدلال

- ‌القسم الثاني: في الأدلة الفاسدة:

- ‌المقصد الثاني: فيه ركنان للتعارض والترجيح

- ‌أما الأول ففيه مباحث

- ‌الأول في تفسيره

- ‌الثاني: في حكمه

- ‌الثالث: في المخلص عنه

- ‌الركن الثاني في الترجيح: وفيه فصول

- ‌الأول في تفسيره

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في تقسيمه

- ‌الفصل الرابع: في وجوه ترجيح القياس بحسب التأثير

- ‌الفصل الخامس: في وجوهه بين المنقولين

- ‌الأول ما بحسب السند

- ‌الأول الراوي ورجحانه

- ‌المورد الثاني: الرواية وفيه وجوه

- ‌المورد الثالث المروى: وفيه وجوه

- ‌المورد الرابع المروى عنه

- ‌الصنف الثاني: ما بحسب المتن

- ‌الصنف الثالث: ما بحسب المدلول

- ‌الفصل السادس في وجوهه بين المعقولين

- ‌الفصل السابع في بيان المخلص

- ‌الفصل الثامن

- ‌الخاتمة ففى الاجتهاد وما يتبعه من مسائل الفتوى

- ‌الفصل الأول في تفسير الاجتهاد وشرطه

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في مسائل متعلقة الاجتهاد

- ‌الفصل الرابع في مسائل الفتاوى

- ‌الأول في المفتي

- ‌القسم الثاني: في المستفتي

- ‌القسم الثالث فيما فيه الاستفتاء

الفصل: ‌المقام الثاني في حكم قسمه المسمى بالأمر:

1 -

أن عصمة المال واحدة كانت للعبد إذْ لا يجب القطع إلا بسرقة مال يختص به خلاف صيد الحرم وحشيشه فإذا نقلها الله إلى نفسه تحقيقا لصيانته على العبد لم يبق للعبد حرمة يجب الضمان بهتكها خلاف قتل الصيد المملوك في الحرم والإحرام، وشرب حفر الذمي والقتل الخطأ، واختير هذا النوع من الصيانة وإن اشتمل على إبطال حقه في الضمان لأن نفع القطع يعمه، وغيره كالقود.

2 -

أن ملك العبد لا يستلزم عصمته كعصير المسلم إذا تخمر ينتقل عصمتها إلى الله تعالى فلا يلزم من انتقالها بدونه، حيث يثبت له ولاية الاسترداد إن كان قائمًا بقاء اللزوم، بلا لازم فلا ينتقل المالك وإن توقف انعقاد السرقة موجبه للقطع عليه توقفه على العصمة وإذ لا يقطع النباش وذا لوجوه:

أ- كون انتقال العصمة للضرورة فيتقدر بقدرها، ولذا لو وهبه المالك للسارق أو باعه منه أو من غيره صح أو أتلفه غيره يضمن.

ب- كن نقل الملك مبطلا للعصمة أصلًا لأن خالص ملكه تعالى يوصف بالإباحة لأنها كالاحتطاب ونحوه.

ج- كون الملك صفة المالك مقصودا لا لمحل الجناية كالعصمة.

3 -

نقل العصمة إليه تعالى لا يوجب الإباحة وإلا لتسبب الجناية للتخفيف وصار القطع مناقضًا لنفسه فاشترط العصمة السابقة التي يحدث انتقالها مع الأخذ تحقيقًا للحفظ في تلك الحالة ويتم بالاستيفاء كما في كل ما يحب الله فعنده يتبين أنها كانت لله فلا يجب الضمان وإن تعذر الاستيفاء تبين أنها للعبد فيجب وبهذا يندفع كثير من الأسئلة.

4 -

إن سقوط الضمان لتعذر الحكم به على القاضي حيث اعتبر عصمته في القطع فلا ينافيه الإفتاء بالضمان كما رواه هشام عن محمد رحمه الله لدفع الخسران اللاحق بجهة هو متعد فيها.

‌المقام الثاني في حكم قسمه المسمى بالأمر:

إذْ الخاص كمطلق اللفظ فيما مر إما خبرًا أو إنشاءً ولكون السند عين الإخبار أخرنا مباحثه إلى أوانه فالإنشاء المعتبر هنا الأمر والنهى المنوط بهما طرفا التكليف، ولذا عد مباحثهما معظم المفاسد ونعني بهما أياهما معنى وإن استعير عنهما بالخبر في {لَا تَعْبُدُونَ} [البقرة: 83] وتحسنون المقدر كعكسه فيما يجيء من اصنع ما شئت، واستعارة النهى والمستعار في نحو {يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] {يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233]، مجرد خبر المبتدأ فقد يقع إنشاء في مثل كيف زيد، لا أين زيد ونحوه لأنه في الحقيقة مقدرة وتنافي الإنشاء لا معه، وعندي أن الخبر جزء

ص: 14

مدلولاتها، والجزء الإنشائي معتبر في الجملة، وهذا أصح، لأن الدليل على إمتناعه صحيح ومنه {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]، من وجه والمستعار أوْكد لكونه خبرا عن وقوع المطلوب صورة.

ففي الأمر مباحث: الأول: في تعريفه ولكونه من المبادي، قد مر فيها وتكراره هنا لاستيفاء حقه مطابقة وبيان حال تعاريف الطوائف صحة وفسادًا ومثله الخبر وغيره فمن قال بالكلام النفسي كالأشاعرة عرفه تارة بحقيقته الكلامية كاقتضاء فعل غير كف صيغي استعلاء فدخل كف دون لا تكف من غير عناية، وخرج النهي، وما فيه التسفل ولو من الأعلى وهو الدعاء أو التساوي كذا وهو الالتماس إذْ هما لا يسميان أمرًا اتفاقًا، بخلاف ما مع الاستعلاء، ولو من الأدنى وإلا لم يذم بأمر الأعلى ولذا لم يشترط العلو كالمعتزلة ولم يهمل الشرط كالأشعري، وحمل قول فرعون {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110]، وقد كان معبودًا لهم على معنى تشيرون أو تومرون أي تشاورون أو إظهار التواضع لملائه لغاية دهشته من أمر موسى عليه السلام وارتكاب خلاف الظاهر للدليل ليس أول قارورة كسرت في الإِسلام.

وأخرى باللفظ الدالة عليه وهو المناسب لغرضنا فصار حقيقة الأصولية ومنه قول القاضي هو القول المقتضي طاعة المأمور، بفعل المأمور به ورد الدور الوارد من جهة أخذ المشتق، والطاعة التي هي موافقة الأمر بأن الأمر يمكن أن يعرف سابقًا من حيث هو كلام فذلك كاف في معرفة الأشياء الثلاثة، أو يتميز عما عداه ويطلب تصور حقيقته.

وقيل: خبر عن الثواب على الفعل أو عن استحقاقه لئلا يلزم الخلف في خبره عند عفو العمل أي محوه بالردة ولا يقدح استلزام الخبر إما الصدق أو الكذب دونه إذ عدمهما لازم المأمور به فعلا أو تاركًا ووجود لازم للثواب عليه واستحقاقه لغةً ولا تنافي بينهما.

ومن أنكر الكلام النفسي كالمعتزلة لم يمكنهم تعريفه بالطلب فتارة عرفوه بذلك اللفظ، أو بالطلب به ومنه قول القائل لمن دونه فيزعمه أفعل مرادًا به الطلب المطلق وهو المراد بما يتبادر عند الإطلاق لا الاستعلائي، فلا يتكرر قيد الاستعلاء كما ظن فخرج الفعل والإرادة الإشارة، وما من الحاكى والنائم ونحوهما إذْ لا يسمي قوله ومن غير المستعلي ونحو التهديد ولا وجه لمنع كون الصادر من الأدنى المستعلي أمرًا لغةً، أو كونه موجب الامتثال؛ لأن ذمه شامل ودليل عليهما بل كل افعل أمر لغةً وافعل قيل كناية عن كل ما يدل على الطلب من صيغ أي لغة كانت.

والحق ما في إيضاح المفصل أنه علم جنس لذلك من لغة العرب، كفعل ويفعل لكل

ص: 15

مبني للمفعول من الفعلين فيخرج به الإخبار القول عن الطلب، ومنه صيغة افعل مجردة عن القرائن الصارفة عن الأمر أي عما وضعت الصيغة له وهو الطلب الاستعلائي فالمعروف غير المعرف غير أنه تعريف بالمبهم، وأخري باعتبار الإرادة المقترنة بالصيغة كصيغة افعل بإرادات ثلاث إرادة وجود اللفظ ودلالته على الطلب والامتثال ليخرج نحو النائم ومثل التهديد وشبه المبلغ واشتراط مجموع الثلاث لتحقيق ماهية الأمر وإلا فالقيد الأخير كاف في الاحتراز كالفصل القريب والبعيد وأخرى بنفس الإرادة كإرادة الفعل واعتراض عليهما بأن قول السيد لعبده افعل كذا بحضرة سلطان توعد له بالإهلاك على ضربه ليعصيه فيتخلص أمر والألم يظهر عذره وهو مخالفة الأمر ولا يريد ما يفضي إلى هلاكه لكن قد يطلب إذا علم أن طلبه لا يفضي إلى وقوعه فهذا يبطل كون الإرداة عينه وشرطه وقد مر تمامه وإبطالهما بلزوم وقوع المأمورات لا يلزمهم لأن الإرادة عندهم ميل يتبع اعتقاد النفع أو دفع الضرر فيجوز تخلف مراد الله تعالى عندهم بسوء اختيار العبد، لا الصفة المخصصة بالوقوع ومنه يعلم فساد الاستدلال، بنحو إيمان أبي لهب بأنه مأمور به إجماعًا وليس بمراد الله تعالى؛ لأن قوله {لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] يدل على علمه بأنه مستحيل فكيف يريده لأن الإرادة بما فسروه لا تنافي العلم، باللاوقوع والفرق بين الإدارة من العبد وبينها من غيره في التفسير أفسد لأنه مع عدم ثبوته لا يجدي، فإن تقيد الوقوع بالاختيار لا يجوز عدم وقوع المراد نعم، ينفي الجبر ونحوها التقدير والعلم متبوعًا أما تابعًا فأبعد.

الثاني: في أن مراده يختص بصيغة لازمة ولكل من الاختصاص واللزوم معنى لغوي هو اتخاذها خاصة، كما اختص به أبو حنيفة من المسائل، والتبعية أي أن لا يوجد إلا حيث يوجد الملزوم كلزوم أم المتصلة لهمزة الاستفهام.

ومعنى عرفي وهو صيرورته خاصة لها وعدم انفكاكها منه فإن اتفق مرادهما لغةً وعرفًا كان أحدهما مؤكدًا للآخر، وإلا فهم الاختصاص من الطرفين وحمل على كل منهما، والمقصود ها هنا أن الوجوب مثلا لا يستفاد من الفعل أي أن الفعل ليس أمرًا حقيقة ليفيده إذْ لا خلاف في أن كل أمر موجب ولا يخفي توقف هذه الكلية على القول بعموم المشترك، وقد ذهب إليه مالك في رواية والإصطخري وابن أبي هريرة وغيرهما من الشافعية، ولا ريب في أن أصله مجاز فالأمر في المأمور به وهو الفعل مصدرًا كان أو حاصلا به كالشأن في المشؤون من شأنت أي قصدت فالخلاف المذكور ها هنا في كونه أمرًا لا في إيجابه ابتداء وسنستوفيهما في السنة إن شاء الله تعالى.

ص: 16

الثالث: في موجب الأمر وهو مدلول مسماه والتعبير عنه بأن الأمر هل له صيغة تخصه لا يختص بالقول بالكلام النفسي وليس بخطأ، أما الأول فلأن المعنى مراد الأمر، وأما الثاني فلأن المعنى إنها خاصة به حقيقة فيه من حيث هي صيغة لا في غيره عن الندب كأبي هاشم (1) والإباحة (2) كالبعض ولا مشتركة بين الأولين معنويا للطلب، أو لفظيا ولا بين الثلاثة معنويا للإذن، أو لفظيا ولا بينها وبين التهديد لفظيا، ولا للوقف كالاشعري والقاضي ابن سريج بالجيم، فهذه تسعة مذاهب لنا في الوجوب الكتاب والإجماع ودلالته والمعقول فالكتاب من وجوه:

1 -

أن قوله تعالى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40]، أي إذا أردنا وجوده نقول أحدث فيحدث على كل من التوجيهات الثلاث المبنية على أن يكون الشيء بالإيجاد، أو بكلمة كن نفسيا في الأزل يفيد كون الوجود مع المنع عن النقيض مقصودا بأمر كن فكذا بجميع الأوامر لأنها كن كذا وهو الوجوب والفرق بالتامية والناقصية، غير موثر في حقيقة المقصود غير أن ترتب الوجود في أمر الله تعالى اعتبارا لجانب الأمر يقتضي الجبر ورفع التكليف وقد تفضل الله تعالى له بنوع اختيار وإن كان ضروريا أي تابعا لمشيئته، أو مخلوقا بلا شعوره كالعقل فالعمل يشبه جانب المأمور أيضًا أن بتأكد وجوه الطلب وهو الوجوب المفضى إلى الوجود للعقل والديانة ولا يحتاج هذا في الأوامر الجارية بين العباد لجواز التخلف في طلبهم عن أفراده وفي مرادهم ومطلوب الله مراد لولا نفى الجبر بنقل الإرادة من الوجود المطلق إلى الوجود بالاختيار ولا تخلف في مراده وبهذا يتضح أن أوامر الشرع حقائق والتأويل ليس في دلالة اللفظ بل في ثبوت مؤداه والعمل فيندفع الأوهام المضربة إما بيان الإفادة فلأن التكون إذاكان بالإيجاد وعليه أكثر المفسرين واختاره علم الهدي وأبو زيد كان مجازا عن سرعة الإيجاد وتمثيلا لغائب كمال قدرته يشاهد مفروض قدرته على الإيجاد بأوجز الكلمات بلا صنع آخر ولا يوجد جامع هذا التمثيل إذا لم يكن الوجود قطعًا مقصودًا بالأمر وإذا كان بهذه الكلمة إجراء لسنته على التكوين بها وإن لم يمتنع بدونها كمذهب الأشعري كان حقيقة، لكن المراد الأزلي القائم بذاته أعني بلا تعطل في الأزل لكن بحسب أوقاته المخصوصة ولذا ترتب في الآية على الإرادة فلا يلزم قدم الحادث كما ظن لا المركب من الحروف والأصوات أعنى وبلا تشييد لاستحالة والتسلسل لاحتياج حدوثه إلى أمر آخر وعندهم

(1) انظر المعتمد لأبي الحسين البصري (1/ 50 - 51).

(2)

انظر المعتمد لأبي الحسين البصري (1/ 50 - 51).

ص: 17

يتدرج التكوين في الكلام ونفسه عين المكون والأمر التكويني لا يقتضي الفهم لإفادته بدونه بل عدمه فعلى هذا كون الوجود مقصودا به أظهروا كذا إذا كان بهما وكانت كلمة مقرونة بالإيجاد تعظيما واظهارا لقدرته كنفخ الصور، وإن أمكنه بدونها والبحث في هذا بأن الوجود حينئذ أما إن تعلق بكليهما فافتقار الإيجاد دلالة النقصان أو بكل منهما فيتوارد العلتان أو بالإيجاد فقط فلا يستقيم التمسك ساقط إذْ لا نسلم أن افتقار صفة للذات إلى أخرى له دلالة النقصان كافتقار الإيجاد إلى الإرادة وافتقارها إلى القدرة خلاف المستحيل وافتقار الكل إلى الحياة، ولا فرق في اقتضاء الافتقار النقصان بينه إلى الشرط وبينه إلى جزء المؤثر مع تعلقه بالايجاد فقط قسم لا يحتمله المورد.

2 -

نسبة قيام السماء والأرض بمعنى وجودهما بأمره قال الفراء: قال لهما كونا قائمتين أي ثابتتين تماما لمنافع الخلق وأن سلم أنه كنى بالأمر عن إيجادهما ففي شرح التقويم أن طريقها السببية وذا يجعل الأمر للأيجاب المفضى إلى الإيجاد.

3 -

انتفاء الخبرة عن المأمور في قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} [الأحزاب: 36]، الآية لأن القضاء هنا إتمام الشيء قولًا كما في {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا} [الإسراء: 23]، أي حكمًا لا فعلا كما في {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12]، بدلالة عطف الرسول وكذا الأمر هو القول مصدرا، أو مميزًا أو حالًا لا الفعل إذْ لو أريد فعله لم يبق لتقى المومنين معنى ولو أريد فعل العبد أو الشيء كما في {إِذَا قَضَى أَمْرًا} [آل عمران: 47]، لزم تقدير الباء وهو خلاف الأصل ولأنه لا يقتضي نفي الخيرة مطلقا لجواز أن يحكم بفعل بالإباحة.

4 -

استحقاق الوعيد لتاركه في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]، الآية إذ لا وعيد إلا بترك الواجب وهنا بمخالفة الأمر قضية لتركيب الحكم عليها وظاهرها ترك الإمتثال به لأنه المتبادر لا عدم اعتقاد حقيقته ولا حمله على ما يخالفة من الندب وغيره وهذا لا يتوقف على وجوب الحذر حتى يلزم المصادرة بل على نفسه والدليل عام لأن أضافة المصدر للعموم.

5 -

الذم والتوبيخ والإنكار على ترك السجود في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12]، على زيادة لا أو بمعنى ما دعاك إلى أن لا تسجد إذ المانع من الشيء داع إلى تركه والمراد بإذ أمرتك قوله تعالى:{اسْجُدُوا} [الأعراف: 11]، فلولا أنه وقد ذكر مطلقا للوجوب لأمكنه أن يقول ما ألزمتني فعلام الإنكار.

6 -

الذم على المخالفة في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ}

ص: 18

[المرسلات: 48].

7 -

عصيان التارك بقوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93]، أي تركت مقتضاه إجماعا وتوعد العاصي بقوله تعالى:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [النساء: 14]، الآية.

8 -

ذمه عليه السلام أبا سعيد بن المعلى على ترك استجابته وهو يصلي حين دعاء فلم يجب مستدلا بقوله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24]، فأوجب ترك المأمور الذم ولا سيما مع عذر ولا يستفاد الوجوب منقوله تعالى:{إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]، لولا إفادة الأمر وهذا على أن الظن يكفي فيما مقصوده العمل.

وأما الإجماع فتدلال الأئمة بصيغة الأمر مجردة عن القرآن على الوجوب حتى شاع ولم ينكر وسيجىء تمامه في العمل بالخبر وهذا ليس ظنا في الأصول بل قطعًا ويقينًا بالمعنى الأعم أو على كفاية الظهوركما سيجيء، وأما دلالته أي تثبت من الإجماع في صورة أخرى فإذًا كل من أراد طلب فعل جزما لا يطلبه إلا بلفظ الأمر ونحو أوجبت فعل كذا يدل على الأخبار عنه لا عليه واستعماله إنشاء عارض فالأصل عدم الالتفات إليه ولأنه بواسطة اقتضائه أمرًا.

وأما المعقول ونعني به الاستفادة من موارد اللغة لا إثباتها بالقياس أو الترجيح فمن وجوه:

1 -

أن المولى يعد العبد الغير الممتثل عاصيًا ولا ذلك إلا بالوجوب.

2 -

أن الإشتراك خلاف الأصل كما في سائر الأفعال والمضارع أيضًا حقيقةً في أكل كما في كل ما أملكه حر وليس حقيقة في الإباحة والتهديد لأنه يقتضي ترجيح الفعل ولا في الندب لاقتضائه الذم على الترك عرفًا.

3 -

إن الائتمار لازم الأمر أي مطاوعة فإنه وإن تعدى إلى واحد لازم بالنسبة إلى ما يتعدى إلى اثنين وكل مطاوع لازم لما يطاوعه كالانكسار للكسر فالامتثال لازم للأمر غير أن قاعدة رفع الجبر جوزت التراخي إلى أوان الاختيار وإن كان المأمور به مطلوبا ومردا لمن لا يتخلف إرادته ولولا نقل إرادته من مطلق الوجود إلى الوجود باختيار العبد تمهيدًا لقاعدة التكليف لما كان فرق بينه وبين الجماد والفرق ضروري وإذا جوز الاختيار تخلف المراد عن المطلوب بأوامر الله تعالى فلأن يجوز بين العبد أولى فلذا جاز أمرته فلم يمتثل بخلاف كسرته فلم ينكسر إذْ ذلك أمر لا يتخلل في حصوله الاختيار فبهذا يسقط أن المطاوع هو الائتمار بمعنى المأمورية لا بمعنى الامتثال بل هو مسببه لأن الأثر المطلوب بالأمر ليس المأمورية بل وجود الفعل وحين منع الاختيار اللزوم عادة وشرعا

ص: 19

استعمل الأمر للوجوب المفضي إليه لغة وشريعة فهو حقيقة فيه من الحيثتين وبذا صار المطاوع قسمين وهذا حل لما رمزه المشايخ وشدوه ولما يحم أحد حول فهمه ردوه {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 73].

للمبيح أنها طريق أدنى وجود الفعل وللنادب أنه أدنى الفعل الراجح الذي يقتضيه الطلب وإن لا فارق اجماعًا بين الأمر والسؤال إلا الرتبة فيكون للندب مثله ويردهما أن الأصل فيما ثبت ان اللفظ وضع له وهو الطلب ها هنا الكمال لأن الناقص ثابت من وجه لا سيما إذا لم يمنع مانع كالقصور في الصيغة باقترانها بالصارف عن الإيجاب نحو {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]، أو في ولاية المتكلم كما في الدعاء والالتماس فإنه معترض الطاعة وهما صرفهما قصور ولاية المتكلم عنه. قالوا: قال عليه السلام: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"(1) رده إلى مشيئتنا قلنا بل إلى استطاعة وهو معنى الوجوب للقائلين لمطلق الطلب أن الثابت في مقتضاه رجحان الفعل فيكون للقدر المشترك دفعا للاشتراك والمجاز. قلنا: بل مع خصوصية الوجوب لأدلتنا وإما أنه إثبات اللغة بلوازم لماهيات فلا بل عدم القول بالخصوصية بلا دليلها وكذا القول لمطلق الإذن تقريرا وجوابا وللمشرك إطلاقه عليهما والأصل الحقيقة. قلنا: المجاز أولى من الإشتراك وللواقفية أولا لو تعين ما وضع له فبدليل.

وليس إذْ لا مدخل للعقل والنقل آحادًا لا يفيد العلم وتواترًا يوجب استواء طبقات الباحثين، والاختلاف ينافيه قلنا لأتم الحصر بل بالأدلة الاستقرائية المتقدمة ومرجعها تتبع مظان استعماله والأمارات الدالة على مقصوده عند الإطلاق وهنا فائدتان:

1 -

أن الاستنباط من النقل قد لا يسمى نقلا وإن كان عائد إليه، كقولنا الجمع المحلي باللام عام إذ يدخله الاستثناء فيراد بالنقل ما مقدماته القريبة نقلية.

2 -

إن الظن كاف في مداولات الالفاظ.

وثانيا: أنه مستعمل في معان فلا يتعين شيء منها للإرادة إلا بدليل:

1 -

الوجوب أقيموا.

2 -

الندب فكاتبوهم.

3 -

لإباحة فاصطادوا لأكلوا وأشربوا فأنهما واجبان بخلاف {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51].

(1) أخرجه البخاري (265816) ح (6858).

ص: 20

4 -

التهديد ويسمى التوبيخ {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]، ويشترط قدرة المخاطب عليه.

5 -

التأديب كقوله عليه السلام: "كل مما يليك"(1) وهو لمحاسن الأخلاق.

6 -

الإرشاد {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]، وهو للمنافع الدنيوية والندب للأخروية.

7 -

الإنذار {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} [الزمر: 8]، وهو إبلاغ مع تخويف والتهديد تخويف.

8 -

التقريع وهو التعجيز {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ} [البقرة: 23]، ولكون المخاطب قادرا فقدله تعالى:{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ} [الإسراء: 64]، من التهديد.

9 -

الإفحام هو الإسكات {فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: 258] ويختص بموضع المناظرة بخلاف التعجيز.

10 -

التكوين {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117].

11 -

الدعاء والسوال {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127].

12 -

الإهانة {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49].

13 -

التسوية {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} [الطور: 16].

14 -

الإجلال وهو الإكرام {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46].

15 -

التعجب {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم: 38].

16 -

الاحتقار {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [يونس: 80]، فالإهانه للمخاطب والاحتقار لفعله.

17 -

الإخبار {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التوبة: 82]، ومنه فاصنع ما شئت، أي صنعت عكس {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [البقرة: 233].

18 -

الامتنان {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأنعام: 142]، ففيه إظهار منه بخلاف الإباحة.

19 -

التسخير {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]، ويقصد فيه الانتقال إلى حالة مهينة وسرعة الوجود في التكوين.

20 -

التمني ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي، وليس ترجيا لأنه في زعم المحب الساهر

(1) أخرجه البخاري (5/ 2056) ح (5062)، ومسلم (3/ 1599) ح (2022).

ص: 21

المتكلم مع النجوم من برجاء الشوق الباهر مستحيل الانجلاء وبلا آخر.

21 -

الالتماس وهو ظاهر (1) قلنا الأصل ترجيح التجوز وعد الاشتراك واستعمال مطلقه في غير الوجوب ممنوع ومع أن غيره مشترك في استدعاء القرينة الصارفة وذا المارة المجاز لو اعتبر في التوقف مثله من الاحتمال يبطل حقائق الألفاظ إذْ ما من لفظ إلا وفيه احتمال تجوز، أو خصوص أو غيرهما أو حقائق الأشياء لاحتمال تبدلها لحظة فلحظة في جنب قدرة الله تعالى بل يعتبر في أن لا يكون محكما ومن ادعاه والفرق بأن لهذا الاحتمال بخلافهما دليل كالوضع ممنوع وإلا فلا كلام وكالشيوع وكثرة الاستعمال غير مفيد لأنهما في المعاني المعلومة مجازيتها أكثر من أن يحصى وأوفر منهما في أكثر هذه المعاني ولأن الأشياء كما يحتمل كثرة تبدلها أيضًا فمن أين علم الشيوع والكثرة ها هنا دونها ثم نقول لو وجب لتوقف في الأمر لذلك لوجب في النهي لاستعماله في معان:

1 -

التحريم {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: 130].

2 -

الكراهة النهي عن الصلاة في أرض مغصوبة وعنها في ثوب واحد.

3 -

التنزيه {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6].

4 -

التحقير {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [الحجر: 88].

5 -

بيان العاقبة {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا} [إبراهيم: 42].

6 -

اليأس {لَا تَعْتَذِرُوا} [التوبة: 66].

7 -

الإرشاد {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101].

8 -

الشفقة "لا تأخذوا دوابكم كراسي ولا تمشوا في نعل واحد".

9 -

الدعاء كقوله عليه السلام: "لا تكلني إلى نفسي"(2).

10 -

التسلية {لَا تَحْزَنْ} [التوبة: 40].

ولأن النهي أمر بالانتهاء وكان موجبهما واحد وذا باطل لا لضديتهما مطلقا كما ظن، بل للقطع ببديهية اللغة والشرع بالفرق بينهما حتى من الصبيان والمجانين، ومن

(1) انظر إرشاد الفحول للشوكاني (1/ 346 - 345)، المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص 112).

(2)

أخرجه ابن حبان في صحيحه (3/ 250) ح (970)، والحاكم في مستدركه (1/ 730) ح (2000)، والضياء في المختارة (6/ 300) ح (2319)، وأبو داود (4/ 324) ح (5090)، والنسائي في الكبرى (6/ 147) ح (10405)، وابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 20) ح (29154)، والإمام أحمد في مسنده (5/ 42)، والطبراني في الصغير (1/ 270) ح (444).

ص: 22

أجاب بإن بين التوقف بين معاني الأمر وبينه بين معاني النهي بونًا بينا لم يفهم معنى التوقف ها هنا فإنه بمعنى لا ادري ولا يتصور التفاوت فيه، لا بمعنى التردد بين المعاني وإلا لم يبق بينه وبين القول بالاشتراك اللفظي فرق ولم يكن لذكر المعاني التي لم يقل أحد بكونه حقيقة فيها وجه وهو غير المعاني الأربعة لا الخمسة فإنه خطأ وتفسيرها بالأحكام الخمسة أفسد وزمام الفهم بيد الله تعالى ثمت ثلاثة:

1 -

كذا بعد الحظر لعدم فصل الأدلة ولأن الثابت لا يتغير بلا مغير والورود بعده ليس به، وقيل بالإباحة وهو اختيار الشافعي وعلم الهدى رحمه الله أو بانتدب حتى قيل يستحب العقد، وتوقف أمام الحرمين وقيل أن علق بزوال علة عروض النهي كان كما قبل النهى ذكران هذا ليس ببعيد ونقص بقوله تعالى:{وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} [الأحزاب: 53]، فإن الدعوة تزيل علة حرمة الدخول وهي عدم الإذن وقد وجب عندها، وجوابه أنها مستلزمة لإزالتها لنفس الإزالة والكلام فيها، قالوا: غلبت في الإباحة بعده في كلام الشارع فتقدم على مقتضي اللغة نحو فاصطادوا فانتشروا فادخروها فزروها فانتبذوها قلنا لا ثم الغلبة كما في {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا} [التوبة: 5] وكالأمر بالصلاة بعد السكر وبها وبالصومَ بعد زوال الحيض والنفاس، وبالقتل لمسلم أو ذمي لقطع أوردة أو حرب وبالحدود للجنايات وأمر المولى بالسقى مثلا بعد النهي وفهم الإباحة فيما ذكروا بالنصوص المبيحة، أو بالقرائن كشرعية الإصطياد والبيع والإدخار وغيرها لنا فلوكان علينا وذا بالوجوب لعاد على موضوع بالنقض ولذا فهمت في الكتابة به عند المدانية والإشهاد عن المبايعة مع عدم قدم الخطر.

2 -

إذا أريد به الإباحة والندب قيل حقيقة وعليه فخر الإِسلام لأن معناهما بعض معنى الوجوب والشيء في بعضه حقيقة قاصرة كالإنسان، والرقبة في الأعمى والاشل وكالجمع في بعض الأفراد وفيها منع إذ جواز الترك مأخوذ فيهما وبه تباينهما وإذ إطلاق الكل على الجزء من مشاهير طرق التجوز وقيل مجاز إذ لو كان حقيقة لكان المندوب والمباح مأمورا بهما حقيقة فلا تنفيه عنهما وقد صح أني غير مأمور بصلاة الضحي وصوم أيام البيض بخلافه بالصلوات الخمس، وصوم رمضان ولتعدي أصله وهو مختار الكرخي والجصاص ورد بأن الجزء ليس غير الامتناع انفكاكه. وجوابه: أن الغير في حد المجاز لغوي لا ما اصطلح في الكلام وإلا لم يوجد مجاز إذ لا بد فيه من إطلاق الملزوم على اللازم الغير المنفك فليس غيرا أو تخصيصه بما ليس جزأ غير متعارف أصلًا على أنه ليس إطلاق الكل على الجزء لما مر من المباينة بل استعارة بجامع جواز الفعل قيل الأمر غير

ص: 23

مستعمل في تمام الندب والإباحة بل في جواز الفعل الذي هو حزؤهما وجواز الترك إنما يثبت بعدم دلالة هذا الأمر على حرمة الترك لا بالأمر وجوابه أن معنى الأمر لا يكون ندبا وإباحة بل أمرًا ثالثا ليس معدودا في معانيه ولو سلم ثبوته فليس الكلام فيه فليس كل مامه الخاطر صحيحًا ثم الشيء في بعضه بمعنى الفائت بعض أجزائه الغير المحمولة مع تمام مسماه حقيقة قاصرة كما في الأمثلة المذكورة إذ لا ينتقص مسمى الإنسان بنحو العمى وكذا ما وراء الاثنين تمام حقيقة الجمع العام عند شارطي الانتقال، وإن كانت قاصرة عند شارطي الاستغراق. وقيل: هذا الخلاف في "أم ر" لا في الصيغة فهو عين ما مر في المبادي أن المندوب مأمور به وليس بصحيح إذ لا يساعد الأدلة من الطرفين وللتسوية بين الندب والإباحة هنا لأنه وإن قيل بأنه في الإباحة مجاز بالاجماع وإذ هذا تتمه موجب الصيغة.

3 -

إذا استعمل في الوجوب ثم نسخ فبقي الندب أو الإباحة على مذهب الشافعي كما مر فالصيغة حقيقة فيهما لا مجاز ليجتمع الحقيقة والمجاز في الإرادة لأن مرادها الوجوب وإن بقى بالآخر بعض مدلولاته كماذا قلت لشبح تراى هذا إنسان وبعد ما دنا منك ليس بناطق أو ذهب إلى كذا وبعدما نصف الطريق لا نذهب.

الرابع: في أن مطلقه عن قيد العموم وعدمه لا يقتضي العموم أي شمول الأفراد والتكرار أي تعدده في الأوقات وعند الاقتصار على الثاني كالشافعية لم يتدرج فيه الأثنين أو الثلاث معا في طلقي تحته ومعناه اقتضاء الواحدة كمذهب أبي الحسين ومالك وكثير منهم لعدم اقتضائهما كمختار أمام الحرمين، وقال الأستاذ للتكرار مدة العمر دائمًا في المطلق وبحسب الوقت إن أمكن في المؤقت إلا لدليل فلا يلزم تكليف ما لا يطاق وقيل بالوقف يمعنى التردد الاشتراكي وكما لا يوجبه لا يحتمله أيضًا ليثبت بالنية لا مطلقًا خلافًا للشافعي في رواية والصحيح منه كمذهبنا ولا معلقًا بشرط نحو {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6]، الآية أو مخصوصا بوصف نحو {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2]، الآية لأن دليلنا مشترك ولذا لم يتكرر الطلاق في إن دخلت الدار فأنت طالق، أما إلحاق الشرط بالعلة ففاسد لأنها موجبة دونه خلافا لبعض منا ومن الشافعية وقولهم لا يحتمله غلا حينئذ كقول النحاة لا يجوز صرف غير المنصرف إلا لضرورة.

لموجبه أولا أنه مختصر من طلب الفعل بمصدرة المعرف كاضرب من اطلب منك الضرب فيكون في معنى المطول العام لجنسيته والأصل في الجنس عند عدم العهد العموم قلنا لا دليل على التعريف.

وثانيًا: فهم الأقرع بن حابس حين قال النبي عليه السلام: "فحجوا" التكرار الذي فيه

ص: 24

العموم حيث قال: أكل عام يا رسول الله، فسكت الرسول حتى قالها ثلاثًا، فقال:"لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم"، أو سراقة حيث قال في حجة الوداع: ألعامنا هذا أم للأبد، والأمر غير مصرح به، قيل: لو فهما لما سألا وأجيب بأنه لعله لمكان الحرج المنفي عنه، قلنا بل مورث الشبهة قياسه على سائر العبادات المتكررة زعمًا منه تكرر سببه مثلها مع معارضة احتمال سببية البيت.

وثالثا: قياسه على النهي قلنا قياس في اللغة ومع الفارق، إما لأن انتفاء الحقيقة مستغرق دون إثباتها، أو لأن دوام فعل بعطل سائر المأمورات والمصالح لا دوام ترك إذ التروك تجتمع وتجامع الأفعال، قيل: الأمر بالشيء نهى عن ضده وإذا وجب التكرر في انتفاء الضد وجب في ثبوته، قلنا لا ولو سلم فإنما يراد النهي عن الضد دائما إن لو أريد الأمر الشيء دائما وإلا ففى ذلك الوقت فاقتضاء النهي الضمني عينا كان أو لازمًا للأمر التكرر موقوف عليه فلو استفيد منه لدار.

ورابعًا: تكرر العبادات قلنا لا بالأمر بل بغيره من السنة والإجماع وربط الحكم بالسبب.

وخامسا: تمسك الصديق رضي الله عنه في التكرار بقوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، من غير نكير حين امتنع بنو حنيفة عن أدائها بعد وفاته عليه السلام، قلنا لعل قوله أو فعله عليه السلام كإرساله الجباة كل حول إلى الملاك أفاد تكراره.

وسادسا: أنه لو لم يتكرر لم يزد النسخ ولا سيما إذا اقتضى الإمرة ولا الاستثناء وإلا كان الواحد حسنا وقبيحا ومستثنى عن نفيه، قلنا لا اللزوم فإن النسخ قبل الفعل جائز ولئن سافلا نسخ إلا بعد دليل التكرار وكذا الاستثناء عين دليله لا النسخ كما ظن وإلا لم يفهم التكليف قبله، ولمجوزه مع إيجاب الوحدة كالشافعي أنه لما اختصر من طلب الفعل كمصدره المنكر الواقع على الأعلى والمحتمل للكل كان كذلك، قلنا: لكنه مفرد ومن الواجب في ألفاظ الوحدان رعاية الوحدة حقيقة إن أمكنت وإلا فاعتبارية ومحض العدد بمعزل منهما ويجيء الحديثان تقريرا وجوابا، ولمجوزهما كالإمام إن شأن الحقيقة احتمالهما إذ كل منهما قيد خارج والامتثال بالمرة لوجود الحقيقة لا لدلالة الأمر، قلنا: لا إن اسم الجنس للحقيقة لا شرط بل مع قيد الوحدة بخلاف علم الجنس ذكره أئمة العربية، ولئن سلم فغايته أن لا يفهم الوحدة من المادة لا من الصيغة، قيل: حسن الاستفسار دليل الاشتراك ولا أقل من المعنوي، قلنا: قد يستفسر عن خلاف الظاهر لشبهة، ولموجبه عند التعليق والوصف تكرر الأحكام عندهما قلنا لفهم السببية لا للأمر، فالتكرر ثمة عقلي لا

ص: 25

صيغي ولذا إذا لم يعتبر التعليل لم نتكرر كمسألة الطلاق، إذ ليس للعبد نصب العلة؛ لأنه شركة في الشرع ولا إذن له فيه، بل في مجرد التعليق.

ولذا لا يقع بقوله جعلت الدخول علة للطلاق ولا يعتق جميع غلمانه السود بقوله أعتقت فإنما لسواده والتكرر في كلما للصيغة لا للعلية. قيل: هذا الخلاف فيما لم يثبت عليه الشرط أو الوصف نحو إذا دخل الشهر فأعتق عبدًا من عبيدي مستدلًا من يثبته بنحو: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6]، مما ليس بعلة، وقد تكرر فأجيب بأنه بدليل آخر ولذا لم يتكرر الحج وقد علق بالاستطاعة. وأيضًا يعد العبد بالاشتراء مرة بعد أن دخلت السوق فاشترى كذا ممتثلا وليس بشيء؛ لأن التكرر ثمة بالعلية الثابتة بدليلها لا للصيغة والكلام فيه وللواقفية ما مر أنه لو ثبت فبدليل ولا مدخل للعقل والنقل آحاد إلا يفيد وتواترا يمنعه الخلاف قلنا كما مر أن دليله الاستقراء وأن الظن كاف في معرفة اللغة فالحق مذهب أصحابنا أنه للوحدة إلا لدليل؛ لأن الوحدة مراعي في ألفاظ الوحدان بإجماع أئمة العربية، ولا يلزم من جواز تقيده بالمرة والكثرة التكرار والتناقض لجواز كون التقييد لتأكيد الحقيقة أو لتعيين المجاز، فالمفرد المقترن بأدوات العموم عام بدليله فلا يرد نقضا كما زعم وكذا اقتران دليل العدد والعموم في نحو طلقي ثنتين أو ضم عشرة أو كل يوم فإنه مغير كالشرط والاستثناء والغاية وكالطليقة في اختاري تطليقة فقالت: اخترت فهي رجعية لا مفسر كما في اختاري نفسك فقالت اخترت أو بائنة، ولذا كان الوقوع به فلم يقع حين ماتت قبله وتلك الوحدة إما حقيقية موجبة تثبت ولو بلا نية أو اعتبارية كالجنس الواحد الذي هو جميع الأفراد محتملة لا يثبت إلا بنية والوحدان كما في جميع أسماء الأجناس إما وحدان صيغة نحو: لا أشرب ماء أو الماء وإما دلالة نحو لا أتزوج النساء، ولا أكلم العبيد وبني آدم حيث لا عهد تحقيقًا كما في خالعني على ما في يدي من الدراهم أو تقديرا نحو لا أكلمه الأيام والشهور أو معنى نحو لا أكلم عبيد زيد هذه لأنه جمع صار مجازًا عن الجنس لئلا يلغو آلة العهد ويعمل بالجمعية من وجه، وذلك مؤيد بالنص والعرف فإن كل ذلك يقع على الأقل ويحتمل الكل والثمرة في طلقي نفسك أو امرأتي تطلق واحدة بلا نية ومعها ثلاثًا لاثنتين إلا في الأمة خلافا للشافعى، ولا بالعكس خلافا للواجب ولا مع النية مطلقا خلافا للواقفين وإنما لا يحتاج الواحدة إلى النية عند الإمام لأنه أدنى ما يتحقق به الحقيقة لا لدلالة اللفظ وكذا ينبغى في إن دخلت الدار فطلقي نفسك أن لا يقع ثلاث بلا نية خلافا للطائفة الأخيرة وإنما لم يعمل نية الثلاث في طلقتك وأنت طالق؛ لأنه حين

ص: 26

أنشأ نية لا يحدث إلا ما يقتضيه إخبار به وهو الواحدة إذْ الخبر لا يقتض وجود المخبر به إلا ضرورة الصدق فيتقدر بقدرها بخلاف الإنشاء الأصلي.

وبخلاف أنت بائن الثلاث أحد نوعي البينونة المدلولة ولغلظتها لا تثبت إلا بدليل "تعميم" كذا كل مصدر دل عليه اسم فاعل فرد كالسارق فيراد به السرقة في حق كل سارق يد واحدة إذ لامتناع إرادة كل السرقات وإلا فلا قطع براد سرقة واحدة وبها لا يقطع يدان إجماعًا وإن اقتضاه ظاهرها ولا ليسري أو لا إجماعا وسنة قولًا وفعلا وبقراءة ابن مسعود إذ يحمل المطلق على المقيد عند اتحاد الحكم والحادثة كمتتابعات وكقوله عنيت سالما بعد ما قال أعتق عبدا في فلا تقطع أصلا.

وقال الشافعى: تقطع في الثالثة اليد اليسرى ثم الرجل اليمنى وإلا لتعدد القطع، ولا يحتمله النص ولا يقال ليس لكل سارق إيمان لأن أيديهما كقلوبكما وإذا تحقق إرادة اليد الواحدة بل واليمين فليس أيديكما مثل عبيدكما عاما لكل يد ولا يرد تكرر الجلد بتكرر الزنا والأيتان متماثلتان؛ لأن محل الجلد باق دون محل القطع كما بعد الرابعة.

الخامس: في أن مطلقه عن الوقت كالزكاة وصدقة الفطر والعشر والنذر بالصدقة المطلقة وهو قسيم المؤقت الذي له وقت محدد إن أخر عنه يكون قضاء أو غير مشروع كالصوم في الليل إن قيل بإيجابه العموم فللفور وإلا فللتراخي بمعنى عدم وجوب التعجيل وهو مذهب الشافعى أيضًا لا وجوب التأخير فإنه مذهب الجبائيين وأبي الحسين البصري وبعض الأشاعرة، وقيل للفور فلو أخر عصي وينسب إلى بعض الحنفية.

وقال القاضي: يقتضي الفور إما الفعل في الحال وإما العزم عليه في ثانيها، وقال الإِمام بالوقف في مدلوله لغه أهو الفور أو القدر المشترك وبالامتثال بالفور؛ لأن وجوب التراخي غير محتمل بخلاف العكس والصحيح من مذهبه ما في البرهان من تجويز الامتثال بهما والتوقف في الإثم بالتأخير لكن لا كالقضاء فإن الصيغة مسترسلة، وقيل بالوقف فيه وفي امتثال المبادر لاحتمال وجوب التراخي فهذه خمسة، لنا: أن المطلوب مطلق الفعل وكل من الفور ووجوب التأخير صفة خارجية لا دلالة عليهما وأنه لو حمل على أحدهما عاد على موضوع إطلاقه بالنقض وأنه جاء لهما فلا يثبت الفور إلا بقرينة ولا يقلب لأن ما قلنا به من التراخي أعم وقريب من قولهم ورد لهما، والأصل عدم الاشتراك والتجوز لا كون أحد التقييدين تكرارا والآخر تناقضا كما مر.

للقائل بالفور أولًا أن العبد المأمور بالسقي يعد عرفا بالتأخير من غير عذر عاصيا، قلنا بقرينة إن طلب السقي عند الحاجة لا لمطلق الصيغة.

ص: 27

وثانيًا: أن كل خبر وإنشاء للمحال فيلحق بالأغلب، قلنا قياس في اللغة وأنه للاستقبال بخلافهما. وثالثًا: أن النهي للفور فهكذا هو لأنه مثله أو لأنه نهي عن الضد، قلنا قد مر جوابهما ولأن النس يفيد التكرار دونه.

ورابعا: ذم إبليس في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} [ص: 75]، الآية على ترك المبادرة والألم بتوجه، قلنا: أمر مقيد بقوله فإذا سويته والكلام في المطلق وبمثله يراد الفور عرفا، أما أن فاء التعقيب قرينة الفور فلا؛ لأنها جزائية ليس من موجبها التعقيب ولذا قال أبو حنيفة: يكبر القوم مع الإِمام مع قوله عليه السلام: "إذا كبر الإِمام فكبروا"(1).

وخامسا: أنه لو جاز التأخير شرعا لوجب أن يعرف وقته وإلا كان تكليفا بألح سواء كان آخر أزمنة الإمكان أولا، ولا دلالة عليه ولا يجاب بالنقض بالتصريح كافعل متى شئت لأن فيه دلالة على التعميم فليس مثله بل بأن المعرفة إنما يجب لو وجب التأخير ولم يكن وقته مسترسلا بل معينا وليس فإن عدم التعيين إطلاق عرفا.

وسادسا: أن النصوص نحو: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} [آل عمران: 133]، والمراد سببها اتفاقا وهو فعل المأمور به واستبقوا الخيرات وفعله منها أوجبت الفور، قلنا دلالتها على أفضلية الفور لا الوجوب وإلا فلا مسارعة ولا استباق إذْ لا يتصوران في المضيق ولئن سلم فليس في جميع أسباب المغفرة إذ لا عموم للمقتضي وإن سلم فبدليل منفصل وهو هذه الأوامر ولا نزاف فيه.

وسابعًا: أنه لو جاز التأخير فإلى أمد إذْ لوكان إلى أبد جاز تركه فلا يكون واجبا فلابد من تعيينه وإلا لكان التكليف بامتناع تأخيره عن ذلك الأمد لا بالأداء إليه كما ظن تكليفا بالمح ولا ذم إلا بذلك وغايته النوعي كحد يغلب على الظن فيه إن عدم يفوته وذلك بأمارة كالمرض فلا يجب على من ليست فيه كمن كموت فجأة فلا يكون الواجب شاملا والكلام فيه.

قلنا: منقوض بقوله افعل متى شئت وبالموسعات العمرية وليس التمسك ها هنا بعدم

(1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (3/ 34) ح (1576)، وابن حبان في صحيحه (2/ 128) ح (402)، وابن عوانة في مسنده (1/ 454) ح (1681)، والبيهقي في الكبرى (2/ 141) ح (2652)، والدارقطني في سننه (1/ 330)، والنسائي في الكبرى (1/ 222) ح (651)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 238)، والإمام أحمد في مسنده (2/ 438) ح (9650).

ص: 28

الدلالة حتى يندفع بالفرق كما ظن وحله أنه إلى الأبد بشرط عدم التفويت، وتقييد المباح بشرط فيه خطر مستقيم شرعا كالمشي في الطريق العام بشرط السلامة والرمي إلى الصيد بشرط ألا يصيب معصوما.

وثامنًا: أنه لو جاز الترك في أول الوقت فأما مع البدل فيجب أن يسقط عند الإتيان به، وليس إنفاقا ولا يختص البدلية بأول الأوقات وإلا فلا وجوب في غيره، إذ ليس الأمر للتكرار وأما لا معه فلا واجب إذ ما يجوز تركه بلا بدل ليس بواجب.

قلنا بعد النقض ما مر لا يلزم من عدم البدل في أول الوقت عدمه مطلقا فلعله الإثم بالتفويت، وإن أريد البدل من الأعمال فغير ما ملتزم في الواجب كالموسعات العمرية.

للقاضي ما تقدم من أن الفعل والعزم حكم خصال الكفارة وكذا جوابه بإن الإمتثال ليس إلا بالفعل والعزم من أحكام الأيمن.

للإمام أن وجوب الفوز محتمل دون التراخي فيجب البدار، ليخرج عن العهدة بيقين وهذا على ظاهر المنقول عنه لا على الصحيح "قلنا لأنما لجواز التأخير بالأدلة السالفة".

السادس: في أن للأمر بالشىء حكما في ضده أولا ويذكر النهى معه استطرادا "ولتحرير المبحث مقدمات ينكشف بها سره".

1 -

أن لكل منهما لفظا مركبا من مادة هي "ام رن هـ ي" وصورة ومفهوما، هو نحو أفعل كذا ولا تفعل ضده، ومعنى مفهوم هو إيجاب الفعل أو ندبه وتحريمه، أو كراهته فليس الخلاف في اللفظين لتباينهما ولا في المفهومين له ولا اختلافهما بالإضافة بل في معنيهما أي الإيجاب والتحريم وغيرهما ذكره أبو الحسين في المعتمد.

2 -

أنه بين الأمر والنهى المعينين وإنما يتعينان بتعين متعلقيهما فالتعين معتبر في أربعة مواضع في نفس الأمر، وأن اعتبره بعضهم في الأمر مثلا، وبعضهم في المأمور به.

3 -

ليس المراد بالضد الذي تعلق به النهى أو الأمر الضمنيان ترك المأمور به كما ظن أو ترك لمنهي عنه كما ينسب إلى علم الهدي رحمه الله وإلا صار النزاع لفظيا، ويلزم كون النهى نوعا من الأمر وقيل لأن النهى عن تركه طلب الكف عن الكف وانتهي طلب الكف عن الفعل وكذا الأمر وهو منقوض بلا تكفف عن الصلاة وكف عن الزنا ولا مطلق الضد لأنه غير معين والضد من حيث هو ضد مضأيف ومن حواص الإضافة تكافؤ المتضائفين تحصيلا وإطلاقا وإن عين بالكف أو الترك المذكورين فقد بان فساده ولأنه لا معنى لاختلافهم في مطلق الضد أن الثابت حرمته أو كراهته ولا للتفصيل بإنه هل يفوت المأمور به أو لا بل أضداده الجزئية المعينة كان يكون الأمر بالصلاة نهيا عن الأكل

ص: 29

والشرب وكلام البشر وغيرها مما هو أضداد الشرائط والأركان المعتبرة شرعا أو وعقلا وعرفا، ولذا سيقول الجصاص بأن النهي عن فعل له أضاد ليس أمرا بشيء منها.

4 -

قيل: مبني القول بالعينية أعتبار مجموع الاضداد المعينة وبالاستلزام اعتبار كل منها فالأمر بالشي عين النهي عن مجموع الأضداد ومستلزم للنهي عن كل منها وهذا لا يتأتي من جانب النهي وظني أن مبني القول بالعينية النظر إلى نفس التكليف، لتفاصيل لوازمه وسيجيء توضيحه.

5 -

ذكر كثير من المشايخ كأبي اليسر وشمس الأئمة وغيرهما أن تصوير العينية يختص بأمر الفور كالواجب المضيق ليدوم فيكون كل ضد منه مفوتا والحق خلافه لجواز كون الموسع نهيا عن مجموع الأضداد الجزئية الشاملة للوقت إذ لولا شمولها لم يتحقق التضاد بحسب الوقت المعتبر أو الكائنة وقت الاشتغال كما مر من المثال فليس هذا النزاع مبنيا على أن الأمر إيجابا بنفس النهي عن ضده متحدًّا وجميع أضداده متعددًا تحريمًا، وهو قول الجصاص وقيل عن غير عين متعددا ليناسب النهي وإنه يستلزم النهي عن الكل لوقوع النكره في سياق النفي وآخرا يتضمنه أي يستلزمه والنهي كذلك في الوجهين، عند القاضي أي أمر بضد بعينه واحدًا ولا بعينه متعددا ولا يستلزمه آخرا وعند الجصاص أمر بضد واحد لا بشيء من الأضداد المتعددة وقيل لا انتهي في الوجهين فقال بعضهم وندبا نهى ندب للترك أي تنزيه عن الفعل وبعضهم لا، وقال علم الهدي الأمر نهي بضد واحد وهو تركه والنهي أمر بضد المنهي عنه، وهو تركه وإن تعدد طرق الترك وفيه ما مر "وممن قال يستلزم حرمة ضده من قال يوجبها أي بالإشارة، ومن قال يدل عليها أي بالدلالة ومن قال يقتضيها أي بالاقتضاء، ويعني بالمقتضي الثابت بالضرورة غير مقصود لا ما يتوقف عليه غير متطوق تصحيح المنطوق واختار الإمام والغزالي أن لا عينية ولا استلزام وهو مذهب المعتزلة ومبناه وجوب ملاحظة الحكم للحاكم، وليس تحريم الضد للإمر وايجاب الضد للناهي ملاحظا فففي كل منهما ثلاثة عشر قولا ومبنى الخلاف أن إيجاب الشيء إيجاب لمقدماته العقلية والعرفية كالشرعية أولًا، فإن قال إيجاب ومن قضيته أن لا يشترط الملاحظة جعل عينه أن اعتبر نفس التكليف والحكم فإنه واحد ولازمه أن اعتبر تفاصيل لوازمه على الكيفيات الثلاث للزوم في الأوال الثلاثة ثم من جعل الكف عن فعل مستلزما لفعل ضد له وأقله السكون طرد الحكم في النهي بأحد الاعتبارين ومن فر من الإلزام الفظيع وهو إلزام وجوب كل من الزنا واللواطة لكونه ضد الآخر أوكن مذهب الكعبي في ابطال المباح وجعله واجبا لكونه ضد منهي عنه اقتصر

ص: 30

عليه، وأما الآخران فلا يصلحان سببا للاقتصار كما ظنوا إذ لا ينافيان الاستلزام كما خصص بأمر الوجوب دون الندب للزوم إبطال المباح إذ ما من وقت إلا ويندب فيه فعل فإن استغراق الأوقات بالمندوبات مندوب فلو كان ضده مكروهًا لم يكن مباح بخلاف استغراقها بالواجبات.

وأما فقدان الذم على الترك فليس داعيا؛ لأن التنزيه على الترك ها هنا كاف، ومن لم يقل بأنه إيجاب إلا للشرعية؛ لأن الملاحظة أعني للشارع تختص بها فقد نفي، إما في غير الشرعي فلأن السكوت لا يصلح دليلا إلا يرى أن الأمر لا يصلح للإيجاب في غير مدلوله وقد وضع له فلان لا يصلح للتحريم ولم يوضع له أولى وأما في الأمر الشرعي فلأن البحث لغوي ويكفي في الشرعي الاتفاق على الإيجاب في بحه المقدمة فاعلم أن الحق الذي ذهب إليه أصحابنا ثبوت الاستلزام من الطرفين في الجملة ولا يرو الالزام الفظيع وإبطال المباح لعدمة فيهما ولما مر في تلك المسأله أن الفعل الواحد يجوز اتصافه بالحرمة والوجوب أو به وبالإباحة وعارضا والاعتبار في نوط الثواب والعقاب لجهة في ذاته لكونه أقوى وأن الملاحظة غير واجبة للأحكام اللزومية سيما الاقتضائية. ولذا لم يثبت المقتضي لكونه غير مقصود إلا بقدر ما يندفع به الضرورة ولذا اختاروا وجوب جميع مقدمات الواجب كما مر ويقرر الأصل ها هنا عند المتأخرين المحققين على أن تحريم ضد المأمور به أن قصد كما في قوله تعالى:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ} [البقرة: 222]، فلا كلام فيه وإلا فلم يعتبر تحريمه إلا حال تفويته الَمأمور به كالإفطار للكف المستدام المستفاد من قوله تعالى:{أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، فإذا لم يفوته اقتضى كراهته؛ لأن الضرورة تندفع به كالأمر بالقيام في قوله عليه السلام:"ثم ارفع رأسك حتى تستوي قائما"(1) ليس ينهى عن القعود قصدًا فيكره الصلاة لو قعد فقام ولم يفسد به.

وكذا النهى قيل يقتضي كون الضد في معنى سنة واجبة أي موكدة فإنها قريبة منها والمختار أنه يحتمل اقتضائه فقال الجصاص هذا منقوض بقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ} [البقرة: 228]، الآية حيث أوجب ضده وهو الإظهار لكونه ضدًا واحدًا بخلاف نهي المحرم عن لبس المخيط فلم يوجب لبس شيء متعين غيره، ولذا وجب قبول قولها فيما تخبر به من حيض أو حبل أو غيرهما، قلنا: إذا لم يفوت عدم الضد ترك المنهي

(1) أخرجه البخاري (5/ 2307) ح (5897).

ص: 31

عنه وهنا له ضد واحد فيفوت فدمه تركه أو لبس بنهي بل نسخ لجواز الكتمان كقوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52]، نسخ لقوله تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ} [الأحزاب: 50]، الآية أو للإباحة المطلقة في حقه عليه السلام فلم يبق مشروعا كخبر "لا نكاح إلا بشهود".

فروعنا:

1 -

النهي عن الخروج والتزوج في قوله تعالى {وَلَا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: 1]، {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: 235]، لما أفاد وجوب التربص والكف عنهما بالاقتضاء لا قصدا لم يعتبر فعلا بل إثما وحرمة، ومن الجائز اجتماع الحرمات كصيد الحرم للمحرم بوجهين وخمر الذمى على الصائم الذي حلف لا يشرب خمرًا بوجوه جرى التداخل في العدة للزوج، والواطيء يشبه مقصودهما ولذا سميت أجلا فيجتمع اجتماع الآجال كما في الديون وكمن حلف مرات لا يكلم يوما ينقضي إيمانه بيوم وكمرأة تحرم على أزواج بثلاث تطليقات تنقضي بإصابة زوج واحد بخلاف الصوم الذي قاس عليه الشافعي فإن الكف وجب ثمة مقصودًا فاعتبر فعلا ولا تداخل فيه، وحين لم يثبت حرمة الوقاع فيه قصدا لم تتعد إلى دواعيه عكس الاعتكاف تأثيما لا افسادا وعكس الإحرام إلا في وجوب الدم للتمتع بالمرأة، ولذا تساوى الإنزال وعدمه فيه إذ منهية الرفث ولا يتعلق عقوبة حقيقته كما دونه كالحد والكفارة في الصوم إما معنى بهيهما فقضاء الشهوة فيفسدهما بعد الإنزال لا قبله.

2 و 3 - جواز أبو يوسف رحمه الله صلاة من سجد على نجس فأعاد على طاهر لأنه لا يفوت المأمور به، فتكره ولا تفسد، وبقي تحريمة من ترك القراءة في ركعات النفل في جميع المسائل الثمانية لأن حرمة ترك القراءة اقتضائية من أمر اقرؤا فلا يحرم إلا قدر ما يفوت القراءة ويفسد الأداء لا التحريمة، وليس من ضرورة فساده، فسادها كما إذا فسد بتذكر الفائته ولأنها شرطه كالطهارة. وقال الساجد على النجس مستعمل له بحكم الفرضية كحامل النجاسة في وجهه، وهو أقوى من حملها في الثوب وبذا يفوت التطهير الواجب المستدام كالكف في الصوم ومحمد رحمه الله لم يبق التحريمة بتركها مطلقا لأنها فرض دائم حكمًا، ولذا تفسد باستخلاف الأمي بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة فتركها في ركعة تفسد الأفعال فكذا التحريمة كسائر منافيات الصلاة.

وقال الإمام كما قال محمَّد غير أن تأثيره في فساد التحريمة أيضًا موقوف على أن يقوي لأنها على التيسير ومما يسقط ويتحمل وقوته بالترك في شفع لأنه في ركعة مجتهد في

ص: 32

جوازه وفيه إجماع، ولذا قال أيضا ترك مسافر قراعة فرض الظهر لا يقطعها فلو نوى الإقامة يتم أربعا ويقرأ في الأخريين لإن هذا الاحتمال يمنع تعدي الفساد إلى الإحرام خلاف فجر المقيم وهو قول أبي يوسف رحمه الله وعند محمد لما فسد بترك القراءة مطلقا لم يكن إصلاحه كفجر المقيم وهذا أصل أجدى من تفاريق العصا كبطلان الاعتكاف بالخروج من غير ضرورة والصلاة بالانحراف عن القبلة بالبن وكشف العورة ولو ساعة؛ لأن اللبس والاستقبال والستر فروض مستدامة فعمدتنا ما أشرنا إليه من أن فعل المأمورية لا يحصل إلا بالانتهاء عن أضداده وترك المنهي عنه الا بفعل ضده وأقله السكون فإنه كون عندنا وتصور الحاكم لوازم الحكم غير لازم فكان كل منهما مقدمة الواجب وإن كان عقليا لو عاديا فهذا فرع ذلك والاختلاف في النية والتضمن اعتباري ولا يلتفت إلى أنه لو لم يكن عينه لكان إما مثله أو ضده فلا يجتمعان أو خلافه فيجوزا اجتماع كل منهما مع ضد الآخر ولا يجوز اجتماع الأمر بالشيء مع ضد النهي عن ضده وهو الأمر بضده لأنهما يعدان أمرا متناقضا ولأنه تكليف بالمح وذلك لأنا لا نعلم جواز اجتماع كل من الخلافين مع ضد الآخر كليا فأنهما قد يكونان متلازمين إن سميا غيرين وإلا فالملازمة ممنوعة كما ها هنا فيمتنع ذلك وقد يكون كل منهما ضد الضد الآخر كالعلم للشك ولضده وهو الظن ولا إلى إن فعل السكون عين ترك الحركة فطلبه طلبه؛ لأن العينية ممنوعة تعقلا ومثال جزئي، أما رجوع النزاع منه لفظيا كما ظن فلا ولا إلى إن أمر الإيجاب يقتض الذم على تركه وهو فعل لأنه المقدور ولا ذم بما لم ينه عنه وذلك لأنه ريما يذم على إن لم يفعل ما أمر به والذم لا ينحصر في فعل المنهي عنه لتحققه في ترك الواجب ولو سمي الكف عن الترك فعلا وطلبه نهيا صار النزاع لفظيا كما مر.

وللإمام ومن تبعه ما مر أنه لو استلزم النهي عن الضد لم يحصل بدون تعقله وتعقل الكف عنه؛ لأن الطلب يستدعي تصور المطلوب ومتعلقه والسكوت لا يصلح دليلا لكنا نقطع بصحة الأمر مع الذهول عنهما، أما عن الأضداد الجزئية فظ، وأما عن الضد العام فلما مر ولأن مشاهدة الكف عن الشيء أي عدم الكف لكن لا نزاع فيه، قلنا ذلك حكم الطلب القصدي لا الضمني والاقتضائي ومن له.

السابع: في أن الامتثال أعني الإتيان بالمأمور به على وجهه وكما أمر به يوجب الإجزاء خلاف لأبي هاشم وأتباعه كالقاضي عبد الجبار.

لنا أولا أنه إن بقي متعلقا بعين المأتي عنه كان طلب تحصيل الحاصل أو بغيره فلم يكن المأتي به كل المأثور به هف.

ص: 33

وثانيا: أنه يقتضي الحسن وما ذلك غلا بالصحة الشرعية.

وثالثا: أنه لو لم ينفض عن عهدته بذلك لوجب عليه ثانيا وثالثا فلم يعلم امتثال مع أنه لا يفيد التكرار.

ورابعا: أن قول المولى لعبده افعل ولا يجزئ عنك يعد تناقضا.

وخامسا: أن القضاء استدراك ما قد فات من مصلحة الأداء والفرض أنه لم يفت شىء فاستدراكه تحصيل الحاصل لا يقال القضاء ليس عين الأول بل مثله فإما أن يوجب بالأمر الأول فلم يمتثل أولا بالكلية أو بأمر آخر فلا نزاع فيه، لهم أولا أن النهي لا يقتضي فساد المنهي عنه حتى يجوز الصلاة في الدار المغصوبة والبيع وقت النداء فكذا الأمر.

قلنا لا نعلم أنه لا يقتضيه فيما فيه القبح وفي المثالين في مجاوره لا في ذاته فلذا جاز ولا نسلم الجامع وتعلق الطلب الجامع يشير مؤثرا في الحكم ولأن بينهما فرقا وهو أن الانتهاء عن الشيء يكون بترك شيء منه فيمكن أن يكون المطلوب ترك وصفه أو مجاوره، أما الامتثال به فليس إلا بالإتيان بجميعه، أما أن القياس بين المتقابلين فاسد لقياس العكس، نعم في إثبات الأصل بالقياس نزاع.

وثانيا أن كثيرا من العبادات الفاسدة يجب المضى فيهاكالحج والصوم الفاسدين، قلنا الإجزاء فيهما للأمر الوارد بإتمامهما لا بأصلهما إذ هو لفساده وجب قضاؤه والحج وإن كان فرض العمر يتضيق بالشروع ولا فرق فيه بين حج الفرض والنفل.

وثالثا. أن مقتضى الأمر فعل المأمور به وسقوط التكليف زائد، قلنا مقتضى المقتضى لما مر.

ورابعا: من صلى آخر الوقت متوضئا بنجس ظنه طهورا مأمور بها ولذا لا يأثم مع وجوب القضاء إذا ظهر نجاسته، قلنا ليس بمأمور بها إذا ظهرت ولا بالإعادة إذا لم تظهر لأن المأمور به صلاة بظن الطهارة لكن إذا تبين خلافه وجب مثله بأمر آخر والأول لا يقض وتسميته قضاء مجاز؛ لأنه مثل الأول بخلاف إعادة الحج الفاسد إذ لا استدراك للفائت هنا بل فعله في وقته على الوجه المأمور به كصلاة فاقد الطهورين، وكان المأتي به ثانيا واجبا مستأنفا بخلاف الفاسد ومما سلف يعلم أن المبحث هو الصحة بمعنى سقوط القضاء لا بمعنى حصول الامتثال به إذْ لا معنى لإنكاره عن مثل أبي هاشم؛ لأن حقيقة الامتثال ذلك.

الثامن: في أن إرادة وجود المأمور به ليست بشرط لصحته فكل ما علم الله وجوده

ص: 34

مراد أمر به أم لا وعند المعتزلة شرط فكل مأمور به مراد، وكل منهى عنه مكروه لله تعالى وجد أم لا لنا نحو:{وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ} [الأنعام: 125]، {ِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34]، فالإضلال والإغواء وكذا الضلالة والغواية مرادة والمأمور به نقيضها ثم هي منهى عنها وليست مكروهة.

وكذا ما روي عنه عليه السلام وعن جميع الأمة ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

والإجماع المتواتر حجة قطعية لهم أولًا قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر: 31]، نفي إرادة الظلم للعباد وعندكم كل ظلم واقع مراده، قلنا اللام كمعنى علَى كقوله تعالى:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]، أي لا يظلم عليهم.

وثانيا: قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فلم يخلق الكافر للكفر ولا العاصي للمعصية كما تقولونَ به، قلناَ عام خص عنه الصبيان والمجانين ليوافق قوله تعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179]، فمعناه إلا ليكونوا عبيد في أو المراد من الثقلين من علم الله أن يعبدوه منهما لا العموم. والأصح عندي والله أعلم: أن معناه ليطيعوني فيما هو المراد لا فيما هو المأمور به والمرضى أو لأن أمرتهم بالعبادة وغير لازم منه الفعل وهذا مروي محيي السنة عن علي رضي الله عنه وقيل في الدنيا أو في الآخرة ولكن لا على وجه التكليفك.

وثالثا: أن إرادة غير المرضى والأمر بما لا يريد سفه في الشاهد فكذا في الغائب قلنا لا لجواز اشتمله على عاقبة حميدة كالأمر بذبح إسماعيل عليه السلام حين قال: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102]، أقلها إلزام الحجة بالطاعة أو المعصية.

التاسع: في أن جواز المأمور به يزول بزوال وجوبه بالنسخ خلافا للشافعي؛ لأن الوجوب يتضمنه أن يستلزمه وبطلان المتضمن بطلان للمتضمن أي من حيث هو متضمن، يونسه أن حصة الخاص من العام تستلزمه ولئن سلم فنسخ الوجوب بجميع أجزائه محتمل ولا ثبوت مع احتمال الانتفاء ولذا لما نسخ وجوب قطف الثوب عند إصابة النجاسة لم يبق جوازه، له أن الجواز هو رفع الحرج عن الفعل جزء عام للوجوب الذي هو رفع عنه مع إثباته في الترك وليس من ضرورة انتفائه انتفاء الجواز فلعله بانتفاء المنع من الترك فالناسخ لا يعارض اقتضاء الجواز كما في صوم عاشوراء.

قلنا: رفع الحرج عن الفعل والترك ليس جزؤه بل مناف لجزئه على أن الكلام فيما ليس فيه دليلان ليبقى أحدهما بلا معارض ومجوز صوم عاشوراء فعل النبي عليه السلام أو الشرع العام للصوم لا لأمر الأول والثمرة أن وجوب الكفارة سابقا على الحنث كما في

ص: 35

رواية: "فليكفر ثم ليأت"(1) منسوخ إجماعا فبقي الجواز عنده.

العاشر: أن القضاء بمثل معقول يجب بموجب الأداء لا بسبب جديد كما في غير المعقول خلافا للعراقين من أصحابه وصدر الإسلام وصاحب الميزان والشافعية، لنا أن النص الوارد في قضاء الصوم والصلاة معقول المعنى لأن واجبا ما إذا ثبت لا يسقط إلا بالأداء أو الإسقاط أو العجز ولم يوجد الأولان؛ لأن فوت الوقت مقرر للعهدة لا مسقط لها ولا الثالث في حق أصله الذي هو المعصود لقدرته على صرف ما له من النفل المشروع من جنسه إلى ما عليه ليفيد رفع الإثم وإن لم يفد إحراز الفضيلة كأداء ذي العذر وسقوط فضل الوقت للعجز لا إلى مثل من جنسه لعدمه ولا ضمان من غير جنسه غلا بالإثم عامدا غير مؤثر في سقوط أصله كضمان المتلف المثلي بالتتمة للعجز وأذل سني قضاء وكالديون المؤجلة بعد آجالها.

وسره: أن الوقت وأن قيد الواجب به نصبا لأمارة وجوبه ليس مقصودا فعني العبادة تعظيم الله ومخالفة الهوى كالمأمور بالتصدق باليمنى فشلت بخالف الواجب القدرة الميسرة فإن وصف اليسر مقصود ثمة فلذا يفوت بفوته وإذا عقل الحق بهما المنذورات المتعينة من الصوم والصلاة والاعتكاف فوجب قضاؤها قياسا لا عندهم أصلًا في روياة وبالتفويت لا الفوات بمثل المرض والجنون والإغماء في أخرى وبالفوات أيضًا في ثالثة فلا ثمرة في الأحكام والنص والقياس ليس موجبا جديدا بل النص لإعلام أن ما وجب بالسبب السابق غير ساقط فجزاؤه الإتيان في وقت آخركالنص الناطق برد المغصوب وإن شرف الوقت ساقط والمأتي به بعده كهو فيه والقياس مظهر لسببية السبب، وهذا أشبه بمسائلنا كقضاء الصلوات نهارا مع الإِمام جهرا والسرية بالليل سرا، وكقضاء السفرية في الحضر ركعين وفي العكس أربعًا.

أما اعتبار حال المصلي صحة ومرضًا في القضاء فلانعقاد أصل السبب في الفصلين موجبا للأعلى بتوهم القدرة ومجوزا الانتقال إلى الأدنى للعجز الحالي ولا تفاوت بين الأداء والقضاء في ذلك كالتيمم ابتداء أو بناء ولم يعتبر كمًّا النفل في قضاء المغرب ولا كيفية في قضاء الجهرية بالنهار جهرًا فإن الجهر والثلاث في النوافل بغير مشروع؛ لأن الشرع جوز مثل هذا الفعل في ضمن القضاء فعلا لا مطلقا كتعين أحد الواجب المخير وتملك الأب جارية الابن، وكذا قضاء الظهر بأربع ركعتاها بقراءة وركعتاها بدونها ولم يجز التسليم على رأس الأوليين ولا نفل كذلك.

(1) أخرجه مسلم (3/ 1273) ح (1650).

ص: 36

وأما قضاء الفائتة عن أيام التكبير بدونه فلتبعية جهره في غيرها كفوت رمي الجمار

والجمعة والأضحية عن وقتها، وإنما بطل التكبير ببطلان وصفه لكونه مقصودا كأصله لأنه من شعائر الشرائع، ولنا أيضًا ما أشرنا إليه من أن الزمان غير مقصود بالأمر فلا يؤثر اختلاله في سقوطه وأن الوقت كالأجل فلا يسقط الواجب يمضيه وأنه لو وجب بأمر جديد لكان مأتيا به في وقته وأداء.

لا يقال: لو لم يقصد التقييد بالوقت لجاز التقديم عليه ولم يجز بخلاف أداء الدين وإنما لم يسم أداء لاشتماله على استدراك مصلحة فاتت، لأنا نقول عدم صحته قبل الوقت لوقوعه قبل السبب كأداء الشيء قبل الوجوب فإنه تبرع لا يقع عما سيجب أصلًا لا لأن للوقت مدخلا في مقصود العبادة والواقع في وقته لاستدراك المصلحة تكون إعادة لا قضاء فإن التميز بينهما بفوت الوقت مع أن المصلحة الفائتة إن أريد بها فضيلة الوقت فلا استدراك لها وإن أريد بها غيرها فتصديقه مسبوق بتصويرها.

قالوا: أولًا لو وجب بالأمر لكان مقتضيا للقضاء لأن الاقتضاء وهو مطلق الطلب الشامل للندب أعم من الوجوب فيلزمه واللازم منتف للقطع بأن وجوب صوم الخميس لا يقتض وجوب صوم وقت آخر، قلنا: إن أريد عدم الاقتضاء أولًا أو مع وصف الكمال فيسلم وغير مضر أو مطلقًا فممنوعٌ، وإنما يصح لو كان وصف الإيقاع في الخميس مقصودا في أصل الإيجاب وهو ممنوع ولو سلم فلا على تقدير الفوات.

وثانيا: لو اقتضاه لكان أداء ولكان بمثابة التخيير بين الوقتين قلنا إنما يلزم لو لم يكن اقتضاؤه على طريق جبر الفائت بتسليم ما بقي القدرة عليه.

وثالثا: لو اقتضاه كانا سواء فلا يعصي بالتأخير قلنا بعد الجوابين إنما يستويان لو لم يشتمل أحد المقتضين على التقصير.

ورابعا: إن مثل كل قربة عرفت قربة بوقتها لا يعرف إلا بنص وكيف يقاس وقد ذهب فضل الوقت قلنا مسلم ولكن الكلام في أن المشروع قربة في غيره حقا للعبد يجب إقامته مقام الفائت قياسًا على ما نص عليه الشارع معقول المعنى بخلاف ما لم يشرع مثله أصلًا كالجمعة والجهر بالتكبيركما مر.

قيل: هذا النزاع مبني على أن المطلق وقيده شيئان في الخارج كما في العقل واللفظ أو واحد يعبر عنه بالمركب وهو ينظر إلى أن التركيب بين الجنس والفصل وتمايزهما في العقل فقط أو وفي الخارج وتمم بأن الحق أن لا تركيب في الخارج وإلا لم يصح الحمل لاستنادها إلى وحدة الهوية الخارجية فالموجب بالأمر المقيد بالوقت شيء واحد في الخارج لا شيئان

ص: 37

إن فات أحدهما يبقى الآخر فالمأتي بعد فواته شيء آخر فلا يقتضيه الأمر الأول.

قلنا لا إن كل مطلق مع قيده كالجنس والفصل جعلهما واحد لاحتمال أن يكونا عارضا ومعروضا عروضا عرضيا كالحجر الأبيض فينفك أحدهما عن الآخر، ومنه المقيد كمعنى كالابن والواجب في صحة الحمل مطلق وحدة الهوية ولو اعتبارية لا الحقيقية فقط، ولذا صح على الإنسان حمل صفات النفس والبدن عند القائل بتباينهما ولو سلم فذا في الوجود المحقق والمعتبر في المشروعات الوجود الاعتباري، ولذا صح اتصاف أحدهما بالجواز والآخر بالفساد وحكم بالانفكاك بينهما ولهما إيجاب واحد كأنواع الصلاة وأصنافها وأشخاصها الواجبة بنص واحد على أنه إنما يعتبر القيد جزأ في المشروع إذا كان له مدخل في مقصوده كما مر.

فرع: نذر اعتكاف رمضان فصامه ولم يعتكف وجب القضاء باعتكاف شهر بصوم مقصود لا في رمضان آخر في الأصح، فعند العراقين بسبب حديد وهو التفويت لأنه كالنذر ابتداء ورد بوجوبه بالفوات أيضًا كما بمرض يمنعه من الاعتكاف لا الصوم المبطون ولا يمكن جعله كالنذر لعدم الاختيار وعندنا بالنذر السابق لأن الاعتكاف الواجب لا النفل في الأصح يتبعه صوم مقصود شرطا فالتزامه إلتزام لصوم للاعتكاف أثر في إيجابه غير أنه سقط عند الأداء بعارض راجح معارض فضيلة الوقت، أو فضيلة اتصاله بالصوم الفرض؛ لأن الفضيلتين مع منعهما إيقاع صوم آخر من عند العبد تجبران بنقصانه فإذا مانع العجز عن مثله إذْ القدرة بعد الوقت تستوي في الحب؛ والممات كعدمها كما في تضيق الحج وضمان المغصوب المثلي بالقيمة لانقطاعه بقي مضمونا بإطلاق نذره وصار كالنذر في المطلق حالتئذ، بخلاف ما إذا فات الصوم أيضًا حيث جاز الاعتكاف في قضائه لأن فضيلة الاتصال بالفرض باقية وخلف الشيء كهو.

وروى الحسن عن أبي يوسف رحمه الله سقوط الاعتكاف إذ لا يمكن قضاؤه إلا بصوم قصدي لم يلتزمه فيبطل كتكبير التشريق، وقال زفر: يصح قضاؤه في رمضان آخر؛ لأن الشرط يعتبر وجوده كيف ما كان لا قصدا كالطهارة وما اخترناه أحوط الوجوه الأربعة أي إيجاب القضاء بسبب الأداء بصوم قصدي أحوط من إيجابه بالتفويت لوجوبه بالفوات أيضًا ومن إيجابه في رمضان آخر وإبطاله أصلا؛ لأن الزيادة الحاصلة بشرف الاتصال بالوقت أو الفرض إذا احتملت السقوط الزوال فلأن تحتمل رخصتها نقصان الصوم والقصدي الثابتة به العود إلى الكمال أولى ووجوه الأولوية ثلاثة كون الانتقال من نقصان في الرخصة لازيادة واجتهادا في الإيجاب والإكمال لا الإجزاء بما ثبت وجوبه ولا

ص: 38

الإبطال، وإن السبب في سقوط الزيادة خوف الفوت بالموت فقط وفي زوال النقصان هو وموضوع النذر.

الحادي عشر: الأمر للمكلف أن يأمر غيره بشيء سواء كان بلفظ "أم ر" وبالصيغة ليس أمرا لذلك الغير به (1) كقوله عليه السلام: "مروهم بالصلاة لسبع" إلا لدليل على أنه مبلغ وإلا لكان قولك مر عبدك أن يتجر في مالك تعديا ومناقضا لقولك للعبد لا يتجر وليس إذ ليس المراد أمرا على طريق التعدي والواسطة لا ترفع التناقض قالوا فهم ذلك من أمر الله رسوله أن يأمرنا وكذا من أمر الملك وزيره به قلنا ثمة دلالة على أنهما مبلغان.

الثاني عشر: المطلوب بالأمر بالفعل المطلق الماهية بلا شرط لا يقيد الكلية اتفاقا لاستحالة وجوده، ولا بقيد الجزئية خلافا لبعض، لعدم التعرض لتشخصها وهذا معنى أن أصل المطلق أجراؤه على إطلاقه قالوا القاطع لا يعارضه الظاهر فإن الماهية يستحيل وجودها في الأعيان فلا تطلب، إذ لو وجدت وكل موجود فيها جزئي كانت كلية وجزئية قلنا إنما يقوم على استحالة وجود الماهية المطلقة أي الماهية بشرط الإطلاق والكلية لا مطلق الماهية وعدم التقييد بالجزئية ليس تقييد إعدامها، ومطلقا لا ينافي الجزئية سواء وجدت بذاتها لا بكليتها في ضمن الجزئيات، كمذهب الجمهور أو وجد ما يصدق عليه كما اختار بعض المتأخرين وقد مر.

واعلم أن المختار ها هنا صحيح لا مطلقا بل باعتبار مدلول، مادة المصدر الذي يتضمنه الأمر فلا ينافيه ما مر من وجوب رعاية الوحدة الحقيقية والاعتبارية عند انضمام الصورة إلى المادة في الاعتبار فلا تخطيء فيخطأ ابن أخت خالتك.

الثالث عشر: قيل: الأمر إن المتماثلان تأسيس إلا لمانع حالي مثل لام العهد في صل ركعتين صل الركعتين أو حالي في اسقني ماءً، اسقني ماء لدفع الحاجة بمرة غالبا وقيد الآمدي بقوله إن كان قابلا للتكرار احترازا عن مثل صم هذا اليوم مكررًا فإنه غير قابل للتعدى ويغني عنه العهد إما إذا كان الثاني معطوفا فاتفاقا لأن التأكيد بواو العطف لم يعهد أو يقل حتى لو اشتمل على قرينة التأكيد، كلام العهد وغيره يصار إلى الترجيح فإن أمتنع وجب التوقف وإما إذا لم يكن فلان وضع الكلام للإفادة لا للإعادة ولسان التأسيس أكثر والأكثر أظهر ولأن الظاهر في كل أمر الإيجاب والحق أنه تأكيد إلا لمانع كالعطف لأنه عند التكرير أغلب وأكثرية التأسيس حاصلة ممنوعة وفي غيره لا يفيد وكذا وضعه للإفادة

(1) انظر إحكام الأحكام للامدي (2/ 267 - 268).

ص: 39

على إن الحقيقة العرفية متقدمة على اللغوية ولأن الأصل براءة الذمة عن الثانية إذ تقليل خلاف الأصل هو الأصل وظاهر الأمر مطلق الإيجاب لا الإيجاب المستأنف والاحتياط في الإيجاب معارض به في التأكيد عند التحريم كقوله للجلاد اجلد الزاني مائة مكررًا.

الرابع عشر: في أن الأمر المطلق عن دليل عينية الحسن وغيريته يتناول الضرب الأول من القسم الأول وهو حسن لعينه لا يقبل السقوط لوجهين:

1 -

أن الأمر لما اقتضى الحسن ضرورة حكمة الأمر فكماله الحاصل الإطلاق يقتضي كماله.

2 -

أن لما أوجب كون المأمور به عبادة حسنة لذاتها لكونها تعظيم الله فكذا كماله فالحسن الأول سابق، والثاني لأحق فغير الضرب الأول محتمله لا يصرف إليه إلا لدليل على جواز سقوطه كالصلاة أو شبهه بها كالزكاة أو غيره كالوضوء والجهاد وغيرهما وذهب شرذمة إلا أنه يثبت الحسن لغيره لأنه مقتضى ضروري ولا يثبت به إلا الأدنى.

قلنا: على الطريق الأخير موجب لا مقتضى ولئن سلم فالاقتضاء ينافي العموم لا الكمال وفيه الكلام.

فرع: قال زفر والشافعى: فأمر الجمعة يوجب حسنها وإن لا يشرع لمن تناوله كغير المعذور إلا هي، لأن فرض الوقت واحد منهما إجماعا ولما تعينت لدفع الظهر فلا يجوز هو ما لم يفت الجمعة ولمن لم يتناوله كالمعذور إلا الظهر فإذا أداه لم ينتقض بالجمعة ويردان لا يجوز لو أداها قبله وذا خلاف الإجماع فالصحيح عنهما إن المعذور مخير بينهما فأيهما أدى لا ينتقض بالآخر كمكفر اليمين بإحدى خصالها وقلنا الأصل مسلم والنزاع في كيفية تناول الأمر فلا نعلم لنها بنسخ الظهر وألا يقضى هو بل هي بأدائه بها وإقامتها مقامه فأمر غير المعذور بنقصه بها بعد أدائه وقبلها كما أمر بإمقاطه قبله وكيف لا يبقى الظهر مشروعا في حقه وللجمعة شرائط لا يتمكن من تحصيلها بنفسه فيجوز الظهر الذي أداه قبلها لأن عدم الوجوب لا يمنع الصحة غير أنه آثم للنهى عنه وهو لمعنى في الجمعة فلا يقتضي فساده وهذا متحقق في حق المعذور أيضًا لعموم النص لكن رخص له في تركها ترفيها ورخصة الترفيه تقرر العزيمة لا تسقطها كيف ولو لم ينتفض ظهره بعد ما صلى الجمعة بل فسدت هي عاد الترخيص على موضوعه بالنقض إذ هو حرج ليس في غير المعذور فكيف فيه أما إبطال الظهر فلا كمال ولذا لو شرع المعذور فيها وخرج الوقت قبل التمام يلزمه قضاؤه عتدنا استحسانا لا عندهما.

ص: 40