الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالناسخ منهما وهذا هو المذكور حكمه في هذا الركن.
قال الإِمام الرازى ومن تبعه كالأرموى الحق أن التعارض في الحكمين في فعل واحد غير واقع لما مر من لزوم أحد المحذورات الثلاث وفي الفعلين والحكم واحد واقع فإن من ملك مئتين من الإبل غير بين إخراج حضر بنات لبون لقوله عليه السلام في كل أربعين بنت لبون وبين إخراج أربع حقاق لقوله عليه السلام في كل خمسين حقة والحكم الوجوب.
ومثله تحير المصلي داخل الكعبة والولي إذا وجد لبنًا يسد به رمق أحد الطفلين بحيث لو أقسم ماتا وهذا هو التعارض الذي يقول الشافعي فيه بالتخيير.
قلنا الثابت بمثله هو الوجوب المخير ولا تعارض في حقه ألا يرى أنه لا منع من الترك في كل من الأمرين وإلا كان التخير إسقاطًا للأمارتين لا عملا بهما وإن لم يتساويا فإن زاد أحدهما بما هو لينزلة التابع تعارض فيه ترجيح وهو الذي نذكر حكمه في ركن الترجيح ولا بد من ظنيتهما ثبوئا أو دلالة سواء كانا منقولين كالنص والإجماع أو معقولين كالقياسين أو مختلفين كما مر أن القياس يخصص العام المخصوص والتخصيص بطريق التعارض وإن زاد أحدهما لا بما هو تابع فلا تعارض إذ لا تساوي لا حقيقة كما في الأول ولا حكمًا كما في الثاني كما بين القطعي والظني بين منقولين أو مختلفين.
2 -
أن اتحاد النسبة يحقق التناقض المستلزم للتعارض ولذا يدفع التعارض كثيرًا بمنع وحدة المحل أو الزمان أو غيرهما.
3 -
إن الدليلين الغير المتقابلين والغير المتساويين أصلًا كالقسم الثالث وما ليس بينهما اتحاد النسبة كما في اختلاف المحل من مقتضى حل المنكوحة وحرمة أمها أو حلها لزوجها وحرمتها لغيره أو مع اختلاف الزمان كحرمة الوطئ حالة الحيض وحله في غيرها لا تعارض بينهما.
الثاني: في حكمه
فإما بين نصين آيتين أو قراءتين أو سنتين قولين أو فعلين أو مختلفين أو آية وسنة في قوتها كالمشهور والمتواتر أو غيرهما فحين لا علم بالمتأخر الناسخ ولا جمع بوجه آخر مما سيأتى كالمسمى بالعمل بالشبهتين فالتخيير عند القاض والجبائيين كما مر ومر فساده وعند غيرهم أن يترك العمل بهما ويصار إن أمكن من الكتاب إلى السنة ومنها إلى قول الصحابة رضي الله عنهم إن قدم مطلقًا كما قال فخر الإسلام أو فيما لم يدرك بالقياس كما قال الكرخي ومنه إلى القياس وإن لم يقدم كما ذكر السرخسي رحمه الله فهو في رتبة القياس فيعمل يما يؤيده شهادة القلب منهما وإن لم يمكن فيعمل
بالحال ويقرر الحكم على ما كان عليه قبل ورود الدليل إذ العمل به في الإبقاء أولى من العمل بما يحتمل أنه ليس بحجة أصلا وهو المنسوخ فلم يعمل فيه بأحدهما العمل بالمنسوخ ولأن العمل بالنص لكونه نصًا منقولا لا أمرًا معقولا لا اعتبار لشهادة القلب معه.
وإما بين قياسين حين لا ترجيح ولا جمع فإنه يعمل المجتهد بأيهما شاء لأنه لما أجر على العمل به ولم يجز النسخ بينهما وجب التخيير لاعتقاد حقية كل في حق العمل لكن لا بهما كما قال الشافعي رضي الله عنه قياسًا على خصال التكفير لأن الحق واحد فالعمل بهما جمع بين الحق والباطل بل بأحدهما بشهادة قبله طلبًا للحق حقيقة إذ ليس بعده دليل شرعي يرجع إليه وهي دليل عند الضرورةكما في القبلة ولاختصاص قلب المؤمن بنور الفراسة بالحديث.
فلأن يعمل بها أولى من العمل بلا دليل وهو الحال ولأن العمل بالحال في تعارض النصين بناء على عدم الدليل للجهل بالناسخ إذ لا يفيد بالجهل حكمًا شرعيًا وهو الاختيار ولا جهل بالدليل في تعارض القياسين لأن كلا دليل وضعه الشرع في حق العمل فيفيد الاختيار إما مطلقًا كما قال وإما بضم شهادة القلب رعاية لوحدة الحق كما قلنا وكذا تعارض قولي الصحابة لأنهما عن قياسين بخلاف خصال التكفير حيث لم يحتج فيها إلى شهادة القلب لأن التخيير فيها ثابت بدليل واحد حق وهنا بقياسين أحدهما هو الصواب.
الأمثلة: فللمصير أن السنة العمل بقوله عليه السلام من كان له إمام فقراءة الإِمام له قراءة وهو قوله عليه السلام وإذا قرأ فأنصتوا بعد تعارض قوله فاقرءوا ما تيسر من القرآن الوارد أن الصلاة باتفاق المفسرين وبالسياق والسياق وإذ لا وجوب للقراءة إلا فيها وقد دل على وجوبها على المقتدي وقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204].
الوارد فيها عند عامة المفسرين وقد جل على نفيه إذ لا إنصات معها وقوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب لكونه محتملا لنفى الفضيلة لا يعارض الحديثين.
وللمصير إلى القياس هو اعتبار وصلاة الكسوف بسائر الصلاة بعد ما تعارض ما روى نعمان بن بشير أنه عليه السلام صلى صلاة الكسوف كما تصلون بركعة وسجدتين وما روت عائشة رضي الله عنها أنه صلاها ركعتين بأربع ركوعات وأربع سجدات.
وللمصير إلى تقرير الأصول أعني العمل باستصحاب الحال في الإبقاء فكما يقال في
سؤر الحمار تعارض الأخبار والآثار وامتناع الأقيسة.
أما الأخبار في روى أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية وما روى أنه عليه السلام قال "كل من سمين مالك" لمن قال لم يبق من مالي إلا هذه الحميرات والاشتباه في اللحم يورثه في السؤر لمخالطة اللعاب المتولد منه.
لا يقال أدلة الإباحة لا تساوي أدله الحرمة حتى أن حرمته مما يكاد يجمع عليه لأنا نقول هذا لتغليب المحرم على المبيح كما في الضبع فسيجىء الجواب في حق السؤر بوجهين وقد روى فيه أيضًا عن جابر رضي الله عنه أنه عليه السلام سئل أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع، وأما الآثار فقول ابن عمر رضي الله عنه أن سؤر الحمار نجس (1) وابن عباس رضي الله عنه أنه طاهر.
وأما امتناع الأقيسة فإذ لا يمكن إلحاقه بالهرة لأنه ليس مثلها في الطوف ولا بالكلب للضرورة في سؤره ولا إلحاق لعابه بلحمه أو لبنه في أصح الروايتين وإن روى عن محمَّد رحمه الله أنه طاهر ولا يؤكل لأن فيه ضرورة لاختلاطه ولا يعرفه الطاهر في ظاهر الرواية لأن الضرورة فيه أكثر فقيل الشك في طهارته إذ لو كان طاهرًا لكان طهورًا ما لم يغلب على الماء.
وقيل في طهوريته إذ لا يجب بعد استعماله غسل الرأس إذا وجد الماء فالعمل بالأصل على التقديرين واحد وهو أن يحكم بأن لا ينجس الماء الطاهر ولا يزول الحدث الحاضر بالشك ولم يحكم شقاء الطهورية الحاصلة لاستلزامه الحكم بزوال الحدث وإهدار دليل النجاسة بالكلية بخلافه إفا جعل طاهرًا غير طهور وضم التيمم إليه.
لا يقال في الشك بوجهين:
1 -
أنه مثل ما أخبر واحد بطهارة الماء وآخر بنجاسته يجعل طاهرًا وطهورًا.
2 -
أنه يجب تغليب المحرم على المبيح إذا تعارضا لأنا نقول فتعارض الجهتين أورث الإشكال على أن الأول يقتضي التيقن بطهارته فقط وهو ملتزم في الأصح والثاني معارض بضرورة الاختلاط والطوف في حق السؤر وإن لم يبلغ حد ضرورة الهرة إليه أشير في المبسوط وإنما سمي مشكلا لتعارض الأدلة أو لضم التيمم حيث صار داخلا في أشكاله لأنه مشمول كل دليل ويشبه الماء المقيد والمطلق حيث تيمم ولم يكتف بالتيمم وليس
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 35) ح (304 - 311) وعبد الرزاق في مصنفه (1/ 105) ح (373).