الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوارث وحال هلاك السلعة عند الأولين ولا يمكن إن حمل الحديث على ما قبل القبض ليوافق القياس.
إما لقوله ترادا وإما لتقييده بقيام السلعة فإن الهلاك قبل القبض يوجب فسخ البيع فلا يتصور فيه اختلافهم إليحترز عنه وأجرى محمَّد رحمه الله الكل على قياس التخالف لأن كلا يدعى عقدًا ينكره الآخر إلا الإجارة لعدم إمكان رد العقود عليه أو قيمته.
قلنا لا يختلف العقد باختلاف الثمن ولذا يملك الوكيل بالبيع بألف البيع بألفين.
تنبيه: تعدية المستحسن تعدية لا لحكم القياس بل لحكم أصله في الحقيقة وهو وجوب اليمين على المنكر مطلقًا ولظهوره بالاستحسان أضيفت إليه.
تنبيه آخر: إنكار الاستحسان زعمًا أنه خارج عن الأدلة الأربعة وأنه التشس لها كاشتداد الرائحة في النبيذ على الخمر فقياس دلالة ومآله إلى الاستدلال بأحد المعلولين على العلة وبهًا على الآخر.
الرابع: إن لم يبين جامعيه الجامع بنفى الفارق فذاك ما مر وإن بينت به يسمى قياسًا في معنى الأصل وتنقيح المناط مثل ما مر في حديث الأعرابي كما يسمى بيانها بالمناسبة في الأول تخريج المناط.
الخامس: إن كان الفرع نظير الأصل حكمًا وعلة فقياس الاستقامة وإن كان نقيضه فيهما فقياس العكس وقد سلفا.
الفصل الخامس: في دفعه
وطرق المجادلات الحسنة ولا بد من تمهيدات:
الأول: أن المجادلة لغة من الجدل وهو الأحكام سميت بها المناظرة وهي نظر المبتلون بالحاجة إلى معرفة حكم عقلي أو نقلي تكليفي أو وضعي في النسبة للإيجاب أو السلب استدلالا وإيرادًا وزادا إظهارًا للصواب أي للحق ليعتقد أو للخير ليعمل به فعلم منه فاعلها وهو المبتلى وباعثها وهو الابتلاء ومحلها هو النسبة المشار إلى أقسامها وأركانها وهي الإيحاب بالأدلة المناسبة والسلب بالأدلة أو الرد وغايتها وهي إظهار الصواب بقسميه العلمي والعملي ويندرج تحته شروطها وآدابها.
أما الشروط فكترك التعنت والمراء بالأحاديث ولأنهما بفوتان مقصودها وكحفظ الأدلة وضبط معانيها الفقهية وتأويلاتها الصحيحة وإتقان طرقها المستقيمة وترك السائل غصب منصب التعليل.
وأما آدابها فكالتأني في كل مقام والتأمل في كل كلام وهجر الغضب واستعمال الجوارح وتخبيط الكلام على الخصام وأن يجتهد في تفهيم ما يقوله وتفهم ما يصغيه وهجر خلط الكلام الأجنبى وغير ذلك مما ذكرته في رسالة النكات.
الثافي: أنها محمودة لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125].
فقيل الحكمة الدلائل العقلية والنقلية.
وقيل العلوم الدينية.
وقيل السنة والموعظة الحسنة نصيحتهم بذكر أحوال الأمم الماضية من النعم والنقم وأهوال منازل الآخرة على وجه اللين وحسن الخلق والتكلم بقدر عقولهم لقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 159] الآية.
وقيل مذمومة لذم الجدال وللتحريض على دين العجائز في الآيات والأحاديث.
قلنا محمولة على غير الطرق المرضية توفيقًا كيف وقد اشتغل النبي عليه السلام وصحابته والتابعون بها وفيها سعى في إحياء الملة وتعاون على البر والتقوى وجهاد أنبل للغزاة بحل المشكلات الدينية ورد الملحدين والمبتدعة ويوزن مدادهم مع دماء الشهداء بالحديث.
الثالث: لما كان تمام الاستدلال بالقياس ببيان أن المدعي محل القياس وأن حكم الأصل كذا وعلته هذا وهو ثابت في الفرع ويستلزم ثبوت حكم الفرع وهو الحكم المطلوب فهذه ست مقدمات لا يسع القائس إلا أن يذكرها تحقيقًا أو تقديرًا ولا بد له من تفهيم ما يقوله ولو في أصل الدعوى فهذا أقدم وظائفه دونوا لذلك سبعة أنواع من الاعتراضات يشتمل على ثلاثة وعشرين صنفًا بعضها عام الورود على كل مقدمة كالاستفسار والتقسيم أو على كل قياس كأقسام الممانعة والمعارضة في الفرع وبعضها خاص بالطردي وبعضها بالمناسب والمؤثر كما سيجىء للأول واحد هو الاستفسار وللثاني اثنان فساد الاعتبار وفساد الوضع وللثالث اثنان منع الحكم في الأصل التقسيم وللرابع عشرة منع وجود العلة في الأصل منع عليتها في الكل عدم تأثيرها في المؤثرة.
ثم في المناسب خاصة عدم الإفضاء وجود المعارض عدم الظهور عدم الانضباط ثم في الكل النقض الكسر عدم العكس ومآله المعارضة في الأصل. وللخامس خمسة منع وجود العلة في الفرع معارضته فيه الفرق بضميمة في الأصل أو مانع في الفرع اختلاف الضابط اختلاف المصلحة وللسادس اثنان مخالفة حكم الفرع لحكم الأصل القلب، وللسابع واحد القول بالموجب الرابع أن الاعتراض إما استفسار أو منع وهو إما في الدليل
أو المدلول ففى الدليل تفصيلا ممانعة مع السند أولًا لا مع الاستدلال على انتفاء المدعى فإنه غصب غير مسموع إلا عند العميدى.
وقيل الغصب منع المقدمة مع الاستدلال على انتفائها واستدلال العميدى على قبوله يشعر بالاول وإجمالا مناقضة بناء على التخالف أو لزوم المح ولق المدلول لا مطلقًا لأن مآله طلب الدليل وقد كفى أمره بل مع إقامة الدليل على خلافه معارضة وغير ذلك معاندة فهذه الأربع ممكن الورود في كل استدلال بشرائطها ومآل هذه الثلاثة أو الخمسة والعشرين إليها فواحد منها استفسار وحفسة معارضات واثنان مناقضتان والبواقي ممانعات.
ولذا قيل يرد على الإجماع كقولنا أجمعوا على أنه لا يجوز رد الثيب الموطوءة مجانًا لأن عمر وزيدًا أوجبا نصف عشر القيمة وفي البكر عشرها وعلى رضي الله عنه منع الرد من غير نكير منع وجوده لصريح المخالفة أو منع دلالة السكوت على الموافقة أو منع صحة سنده أو المعارضة لكن لا بالقياس أو خبر الواحد بل إجماع آخر أو بمتواتر لأن الإجماع الأول ظنى فيمكن معارضته وعلى ظاهر الكتاب كما بعموم البيع في أحل الله البيع على جواز بيع الغائب الاستفسار ومنع ظهوره بمنع العموم لورود الخصوص أو التأويل بأن ذلك البيع يندرج تحت قوله عليه السلام عن بيع الغرر إذ لا تخصيص هنا ولئن سلم فتخصيصه أقل أو هذا عارض ظهوره فبقى مجملا أو المعارضة بآية أخرى أو حديث متواتر كما مر أو القول بالموجب فإن حل البيع مسلم لكن لا يقتضي صحته وعلى ظاهر السنة كما إذا استدل بقوله عليه السلام أمسك أربعًا وفارق سائرهن على أن النكاح لا ينفسخ الستة المذكورة من الاستفسار ومنع العموم فيه والتأويل بأن المراد تحديد نكاح الأربع لأن الطارئ كالمبتدأ في إفساد النكاح كالرضاع ومن الإجمال والمعارضة والقول بالموجب ويزيد عليها منع صحة السند بأنه موقوف أو في روايته قدح لأن راويه ضعيف تخلل في عدالته لو ضبطه أو بتكذيب شيخه كما يقول راوى المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا مالك رحمه الله وقد خالفه وراوى أيما امرأة نكحت نفسها الحديث سليمان بن موسى الدمشقي عن الزهرى عن عروة عن عائشة رضي الله عنها فسئل الزهرى فقال لا أعرفه.
الخامس أن الأصناف لا تنحصر فيها فكما يمنع صحة المناسبة بمنع الوجوه الأربعة وصحة القياس بمنع التأثير ومنع كون حكم الفرع غير مخالف للنص المسمى فساد الاعتبار يصح منعه بمنع كل من الشرائط العشرة أو الثلاثة عشر المارة وبأنه من التعليلات
الفاسدة السالفة التي فقد في كل منها شرط للعلة وكالأصناف التسعة المعارضة التي دونها أصحابنا ثلاثة منها معارضة فيها مناقضة هى القلب بنوعيه وثانى العكس وستة معارضة خالصة ثلاثة فرعية صحيحة وثلاثة أصلية فاسدة كما سنبينها.
السادس أن كلا منه إليس متفقًا على صحته بل منها ما اختلف فيه كالمعارضة في حكم الأصل فإنها بأقسامها الثلاثة وهي بما لا يتعدى أو بما يتعدى إلى مجمع عليه أو مختلف فيه باطلة عندنا أما بغير المتعدى فلعدم التعدية وأما مطلقًا فلأنها كالفرق باطلة لوجوه ثلاثة:
1 -
أن شأن السائل في حكم الأصل إنكاره فبيان علته غصب لمنصب التعليل بخلاف المعارضة في حكم الفرع فإنها في حكم المقصود بعد تمام الدليل.
2 -
التعليل بما لا يشمل الفرع لا يمنعه بما يشمله لا سيما وقد أثبت عليه المشترك.
3 -
أنه تمسك في حكم الفرع الذي هو المقصود بعدم العلة وأنه لا يصح دليلًا ابتداء فلان لا يصلح معارضًا الحجة أولى ثم ما كان صحيحًا منه ما صح مطلقًا كالممانعة بأقسامها بحسب شرائط كل طريق لأنها طلب الدليل وكالمعارضة في حكم الفرع لما [سبق] آنفًا.
ومنه ما صح في الطردية لا المؤثرة إلا بحسب الناظر كالمناقضة عند من لم يجوز تخصيص العلة فإن التخلف ولو لمانع لا يجامع عندهم ظهور تأثير العلة بالنص أو الإجماع بخلاف المعارضة فيقع بين النصوص لجهلنا بالناسخ والمنسوخ وبين العلل لعدم القطع كما هو علة فلو أظهر وجب تخريجه على أن عدم الحكم لعدم العلة أما عند من جوزه فيرد ويجاب بإبداء المانع إن أمكن وإلا بطل العلية والحق ورودها عند الكل كما قال صدر الإِسلام لجواز أن يكون دليل التأثير ظنيًا وأن يجلب بجعل عدم المانع جزاء أو شرطًا لأن ظاهر المذكور متخلف وكفساد الوضع للمنافاة المذكورة فهو كهى قبولا وردًا وكالقول بالموجب لأنه التزام ما يلزمه المعلل مع بقاء الخلاف وبقاؤه وبعد إثباته التأثير محال فلو تصور في المؤثرة لكان منع التأثير في الحقيقة وكعدم الانعكاس لاحتمال قيام الحكم بعلة أخرى لكنه قادح في الدوران وجودًا وعدمًا.
ولذا صلح الانعكاس مرجحًا وإذا جاز التوارد في العلل العقلية على واحد بالنوع ففى الشرعية أولى إذ ليست موجدات حتى جوز تواردها على شخص أيضًا ومآله المعارضة في الأصل لأنه عدم العكس قبل إبداء علة أخرى أما بعده فهو هى بعينه وكالفرق للوجوه المذكورة.
قيل وكالقلب لأن الشىء الواحد لا يؤثر في النقيضين حقيقة فيختص بالطردي ولذا لم يبين التأثير في أمثلته وينسب إلى صدر الإِسلام وهو الحق.
أولًا لما فيه من المناقضة.
وثانيًا: لما قالوا أن المخلص منه بيان المعلل تأثير الوصف في حكمه لا في حكم خصمه.
وثالثًا لما قال في المحصول إن شرطه كون مناسبة الوصف اقناعيًا لا حقيقيًا.
ورابعًا: لما مر السابع أن أصحابنا أفرزوا ما يرد على المؤثرة مما يرد على الطردية مع دفعاتهما تنبيهًا على ما يختص بكل منهما وما يعمهما ولم يذكر والاستفسار والتقسيم لعدم اختصاصهما بمقدمة ودليل.
فقالوا ما يورد على المؤثرة ولا يرد في الحقيقة وجوه أربعة:
1 -
المناقضة ويشمل النقض والكسر أعنى منع طرد العلة وطرد الحكمة.
2 -
فساد الوضع.
3 -
عدم العكس.
4 -
الفرق والحق بها القلب بأنواعه والقول بموجب العلة بنوعيه.
وما يرد عليها صحيحًا أمران الأول الممانعة بأقسامها الأربعة:
1 -
في نفس الحجة أي في صحة العلة ويندرج تحته أول القلب من وجه ومنع العلية مجردًا ومنع الإفضاء والظهور والانضباط ويشمل أيضًا أنه احتجاج بالنفى والاستصحاب وبالطرد وبالشبه وبأقسام المرسل وبتعارض الأشباه وبالعدم وبما لا يشك في فساده وبعلة تتأخر عن حكم الأصل وغير ذلك من المفسدات.
2 -
في وجود الوصف ويندرج تحته منع وجوده في الأصل ومنع وجوده في الفرع.
3 -
في شروط العلة أي شروط القياس عليها إذ المختلف فيه ربما يمنعه المعلل فيلزم انتصاب السائل مدعيًا ويندرج تحته فساو الاعتبار وسؤال التركيب ومنع اتحاد الحكم لأن الحاكم المعدى لم يعد بعينه واختلاف الضابط واختلاف المصلحة لأن الفرع ليس نظيره ويشمل منع أن النص معلول للحال لاختصاصه بالحكم أو للعدول به عن القياس ومنع أن الحكم شرعي أو ثابت أو لا بالقياس ومنع أنه لم يتغير به في الأصل وغير ذلك.
4 -
في المعنى الذي به صار دليلا وهو منع التأثير بقسميه الأول والثالث.
ويشمل منع المناسبة والملائمة وكان مندرجًا تحت صحة العلة أفرز تنبيهًا على أنه أجل القيود بل كأنه كلها.
الثاني: المعارضة بنوعيها:
1 -
التي فيها مناقضة لتضمنها إبطال دليل المعلل كالقلب وثاني العكس كذا ذكروا والحق عدم ورودهما على المؤثر كما مر.
2 -
معارضة خالصة لعدمه ويندرج تحتها المعارضة في الفرع بأقسامها الثلاثة المقبولة المعارضة بالضد وينفى ما ادعى بتغيير مخل وبحكم آخر فيه نفى الأول ويندرج فيها ثانى الفرق وهذا المعارضة في الأصل بأقسامها الثلاثة الغير المقبولة بما لا يتعدى وبما يتعدى إلى مجمع عليه أو مختلف فيه.
ويندرح تحتها القسم الثاني والثالث من منع التأثير والأول من الفرق وعدم العكس ووجود المفسدة المعارضة وقد مر وجه عدم قبولها وسيجىء الخلاف في القسمين الأخيرين وأنها مفارقة تقبل لو جعلت مفاقهة فدفعاتها إما للممانعات فبالإثبات لأنها طلب الدليل وإما للمعارضات الفرعية فبالترجيح الصحيح كما سنبين وإما للمناقضة فعلى تقدير ورودها أو إيهامها ذلك فبالجميع والتوفيق بأربعة أوجه.
1 -
منع وجود الوصف في صورة النقض.
2 -
منع معناه الثابت لا لغة بل لا دلالة كالتخفيف في المسح.
3 -
منع عدم الحكم فيها.
4 -
أن الغرض في الفرع ليس كالأصل وأما الأسئلة الواردة على الطردية الصحيحة في نفسها بكونها ملائمة وموثرة إذ لا يهتم بالفاسدة في نفسها كما ما علم الغاؤه شرعًا فأربعة يلجئهم كل منها إلى القول بالمعانى الفقهية أعنى العلل المؤثرة لئلا يرد هذه أو إلى بيان تأثير أوصافهم المذكورة ليندفع.
1 -
القول بموجب العلة.
2 -
الممانعة بأقسامها الأربعة في نفس الوصف أي وجوده في المبحث وفي نفس الحكم أي منع اقتضائه إياه وفي صلاح الوصف وذا ممن شرط التأثير وفي نسبة الحكم إليه.
3 -
فساد الوضع وهو يفسد بمعنى كلامه ويلجئه إلى الانتقال ويفوق المناقضة التي هى مجمل المجلس.
4 -
المناقضة ويندرج تحتها منع طرد العلة المسمى نقضًا وكذا منع طرد الحكمة المسمى كسرًا ولا ريب في ورود المعارضة ومما يختص منها بهذا ثانى القلب ودفعاتها ممانعة ومعارضته كما مر وكذا مناقضة ببعض وجوهها وهذا مجمل تفصيله من بعد ويبلغ
قريبًا من ستين سؤالا فلنعقد ثلاثة وعشرين مبحثًا لها دارجين الزائد عليها في كل موضع، اعتذار: إنما ذكروا أسئلته الطردية وإن لم يقولوا بصحتها لتمسك بعض الجدليين بها وكل ما صح مؤثره صح طرديه عندما نعى التخصيص أما عند مجوز به أن عند شرطي الانعكاس في الطردية فبينهما عموم من وجه (الأول في الاستفسار) هو طلب بيان معنى اللفظ وإنما يسمع فيما فيه إجمال أو غرابته وإلا فتعنت يفضى إلى التسلسل وبيان الإجمال على السائل إذ يكفى المستدل أن الأصل عدمه وذا ببيان صحة إطلاقه على معنيين فصاعدًا لا بيان التساوى وإلا لم يحصل مقصود المناظرة لعسره فعذر في ذلك ولأنه يخبر عن نفسه فيصدق بعدالته السالمة عن المعارض ولو التزمه تبرعًا قائلا التفاوت يستدعى ترجيحًا والأصل عدمه لكان أولى لإثباته ما التزمه مثاله قولهم المكره مختار فيقتص منه كالمكره فيقول ما المختار الفاعل القادر أو الراغب هذا هو الاستفسار فلو قال بعده الأول مسلم وغير مقيد والثانى مم صار التقسيم.
ومثال الغرابة قولهم في الكلب المعلم الذي يأكل من صيده أيل لم يرض لا يحل فريسته كالسيد فيسأل عن كل منها.
وجوابه بيان ظهوره نقلا عن اللغة أو أحد العرفين أو بالقرائن كالنكاح في حتى تنكح زوخا غيره ظاهر في الوطئ لانتفاء الحقيقة الشرعية أو في العقد لهجر اللغوية أو للإسناد وعند العجز عنه التفسير كما في مسألة الكلب لكن لا بكل شيء بل بما يصلح له لغة أو عرفًا وإلا صار لعبًا.
وللجدليين طريق إجمالي أنه ظ لأن الإجمال خلاف الأصل أو ظ فيما قصدت إذ ليس ظاهرا في غيره اتفاقًا فلو لم يظهر فيه لزم الإجمال.
ورده البعض بأن بعد الدلالة على الإجمال لا يفيد كون الأصل عدمه وإذ لم يندفع دعوى عدم فهمه وإذ لم يبق للسؤال فائدة.
الثاني: فساد الاعتبار: هو أو الاثنين للنوع الثاني الوارد على كونه قابلا للقياس فإن منع محيلة تلك المسألة لمطلق القياس فهو هذا وإن منعها لذلك القياس فهو فساد الوضع ففساد الاعتبار أن لا يصح القياس فيما يدعيه لدلالة النص على خلافه.
وجوابه من وجوه:
1 -
الطعن في سند النص بالوجوه السالفة.
2 -
منع ظهوره في ذلك كمنع عموم أو مفهوم أو دعوى إجمال.
3 -
أن المراد غير ظاهره بدليل يرجحه.
4 -
القول بالموجب أي ظاهره لا ينافى حكم القياس.
5 -
المعارضة لنصه بنص لسلم القياس ولا يفيد معارضة السائل بنص آخر لأن نصًا واحدًا يعارض النصين كشهادة الاثنين للأربع لا النص والقياس لأن الصحابة كانوا إذا تعارضت نصوصهم يرجعون إلى القياس والمناظر تلو الناظر أي المباحث تبع المجتهد وقول المعلل عارض نصك قياسى وسلم نصى انتقال وأى شيء أقبح منه ولم يوجبوا عليه بيان مساواة نصه لنص السائل لتعذره.
6 -
أن يرجح قياسه على النص إما يكون راويه غير ففيه وقد خالفه من كل وجه وإما بخصوصه وعموم النص أو بثبوت حكم أصله بنص أقوى مع القطع بوجود العلة في الفرع عند من يذهب إليهما فإن تأتى الكل فيها وإلا فبما تأتى وإن لم يتأت شيء يكون الدبرة على المعلل.
مثاله-: قولهم ذبح من أهله في محله فيوجب الحل كذبح ناسى التسمية فيقول مخالف لقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فيقول المعلل مؤول بذبح عبدة الأوثان بدليل خبر اسم الله على قَلب المؤمن سمى أو لم يسم أو قياسى راجح على النص لأنه قياسى على الناسى المخصص بالإجماع للعلة المذكورة الموجودة في الفرع قطعًا ولا يسمع فرق السائل بل العامد مقصر والناسى معذور لأن المفارقة من المعارضة لا من فساد إلاعتبار فيلزمه فساد أن الانتقال والاعتراف بصحة اعتباره لأن المعارضة بعد ذلك.
قلنا كما مر أنه غير نحصص لأن الفوت من صاحب الحق كعدمه فكأنه ذكر وهو محمل الحديث لأن العامد لا يستحق التخفيف فإذا لم يخصص لا يعارضه القياس والخبر.
الثالث: فساد الوضع:
وهو أن يترتب على العلة نقيض ما ثبث تأثيرها فيه بالنص أو الإجماع فيكون القياس المخصوص باطل الوضع إذ الواحد لا يؤثر في النقيضين ولا يكونان دائرين عليه وحدودًا وقد علمت ما هو الحق في اختصاصه بالطردية وأنه أقوى من النقض لامكان الاحتراز عنه بتفسير أو تغيير في الكلام أو تبديل الطردية بالمؤثرة كما سياتى في نقض قول الشافعى رحمه الله الوضوء والتيمم طهارتان فكيف يفترقان وهذا مبطل للعلية أصلًا بمنزلة فساد أداء الشهادة.
أمثلة:
1 -
قوله مسح فيسن التكرار.
قلنا ثبت اعتباره في كراهة التكرار كمسح الخف.
2 -
في تعليله إيجاب الفرقة حالا قبل الدخول وبعد ثلاثة أقراء بعده بإسلام أحد الزوجين الذميين وعندنا يعرض على الآخر فإن أبى يفرق حالا في الحالين.
قلنا الإِسلام عهد عاصمًا للحقوق لا مبطلا لها وإلا باء عنه بالعكس.
3 -
قوله المطعوم شيء ذو خطر فيشترط لتملكه أمر زائد هو التقابض كالنكاح.
قلنا ما كانه الحاجة إليه كثيرة جعله الله أوسع كالماء والهواء والحرية تنبئ عن الخلوص فتصلح لتحريم التحكم إلا بعارض النكاح للحاجة إلى بقاء النوع.
4 -
قوله طول الحرة بمنع نكاح الأمة لأن فيه إرقاق جزئه حال. الاستغناء فلا يجوز كما لو كان تحته حرة.
قلنا تأثير الحرية في جلب زيادة الكرامة لا في سلب ما لا يسلب عن الرقيق فإن العبد بعد دفع مولاه مهرًا يصلح للحرة لو تزوج أمة جاز.
5 -
قوله في الجنون لما نافى تكليف الأداء نافى القضاء لأنه خلفه كالصغر.
قلنا المعهود في الشرع أو وجوب القضاء يعتمد نفس الوجوب وانعقاد السبب للوجوب على احتمال الأداء وذا متحقق لأن نفس الوجوب جبرى كما في النائم والمغمى عليه بتحقق سببه وبالجنون لا يزول الأهلية إذ يستحق الثواب ولا يبطل إيمانه ولا صومه المشروع فيه قبل عروضه واحتمال الأداء قائم باحتمال زواله ساعة فساعة كما فيهما وإن سقط الأداء لعجزه عن فهم الخطاب.
6 -
ما يمنع القضاء إذا استغرق يمنع بقدر ما يوجد كالكفر والصبا.
قلنا المعهود في الشرع المطرد الفرق بين اليسر والحرج كالحيض يسقط الصلاة لا الصوم ويوجب الاستقبال على من نذرت صوم عشرة أيام متتابعة فحاضت في خلالها لا استقبال الكفارة بصوم شهرين كالسفر يؤثر في قصر ذوات الأربع لا ما دونها ولذا استوى الجنون والإغماء في الصلاة لاستوائهما في الامتداد بقدرها وإن اختلفا في أصل الامتداد وإذهاب العقل وقياسه إسقاط القضاء بالجنون وإن قل لا بالاغماء.
7 -
قوله بتعيين النقود وفسخ البيع يإفلاس المشترى اعتبارًا بالسلع في الأول والعجز عن تسليم المبيع في الثاني قلنا المعهود التفرقة بين المبيع والثمن بالوجه المحقق في شروط القياس.
8 -
قوله إذا ارتد أحد الزوجين بعد الدخول بانت بعد ثلاثة أقراء وإن بانت حالًا
قبله قاس بقاء النكاح إلى تمام العدة بعده على بقائه بعد الطلاق بأى جامع فرض فإن الكلام في الطردى.
قلنا الارتداد عهد منافيًا لحقوق العصمة التي منها النكاح ابتداء وبقاء فلا يكون مقارنًا لها فعلم أنه أعم من أن ينشأ المنافاة من نفس العلة أو حالتها.
قال مشايخنا ومنه قوله إذا حج الضرورة بنية النفل يقع عن الفرض كما بإطلاقها بجامع النية في الجملة.
قلنا المعهود اعتبار المطلق بالمقيد لا عكسه وهذا يشعر بأن فساد الوضع عندهم اشتمال القياس على خلاف ما ثبت اعتباره نصا أو إجماعًا سواء كان في نفس الاعتبار أو في ترتب الحكم على العلة.
وجوابه بيان وجود المانع في أصل السائل ككون التكرار في مسح الخف تعريضًا له للتلف.
قلنا هو اعتراف بأن مقتضى المسح التكرار لا التخفيف وذا يخالف وضعه فإنه للإصابة واستعماله حيث اكنفى فيه بقليل من المحل.
تنبيه:
يشبه كلا من النقض والقلب والقدح في المناسبة بوجه ويخالفه بوجه ويتضح ذلك بأن مجرد ثبوت نقيض الحكم مع الوصفى نقض فإن زيد ثبوت ذلك النقيض للوصفى ففساد الوضع وإن زيد كونه أصل المستدل أيضًا فقلت وبدون ثبوته معه قدح في المناسبة إذا كان مناسبته للنقيض والحكم من جهة واحدة أما إذا كانت من جهتين فلا يعتبر قدحها لجواز مناسبة وصف لحكمين من جهتين ككون المحل مشتهى إباحة النكاح لإزاحة الخاطر وحرمته لإزاحة الطمع والأخ لأبوين معه لأب تأريث الأول لتقدمه بالقوة وتشريكهما مع تفضيله للشركة والزيادة وتسويتهما لشركة الأب ولا عبرة للأم في العصوبة.
الرابع: منع الحكم في الأصل هو أول الاثنين للنوع الثالث الوارد على دعوى حكم الأصل ولا مجال للمعارضة لما مر بل للمبالغة ابتداء هو هذا أو بعد تقسيم ويسمى تقسيما مثاله في جلد الخنزير لا يقبل الدباغ كالكلب لا نعلم أو لم قلت إن جلد الكلب لا يقبل الدباغ فإن حاصل المنع والمطالبة واحد خلافًا لأبي إسحاق الشيرازى في قبوله واستبعده ابن الحاجب إذ لا يتم غرض المستدل مع ممنوعيته لأنه جزء دليله وليس ببعيد إما لأنه ممن يرى وجوب الإجماع على حكم الأصل وإما لأن مدعاه لو ثبت حكم الأصل لثبت حكم الفرع وغرضه ضم نشر الجدال.
وهاهنا خلافان آخران:
1 -
إن هذا المنع قطع للمستدل فلا يمكن من إثباته لأنه انتقال إلى حكم آخر شرعي قدر كلامه كقدر الأول فقد شغل عن مرومه وظفر السائل بأقصى مرامه والصحيح أنه لا ينقطع إلا إذا عجز عن دليله لأن الانتقال إنما يقبح إلى غير ما به يتم مدلوله وكونه حكمًا شرعيًا كالأول مجرد وصف طردي غير مؤثر في عدم التمكين لأن الواجب على ملتزم أمر إثبات ما يتوقف عليه غرضه كثرت مقدماته أو قلت على أن مقدماته ربما تكون أقل بأن يثبت بالإجماع أو النص الظاهر المتواتر كنجاسة الكلب.
2 -
إذا أقام المعلل الدليل عليه قيل قطع للسائل فلا يمكن من الاعتراض على مقدماته والمختار خلافه إذ لا يلزم من صورة دليل صحته.
لهم أنه اشتغال بالخارج عن المقصود وربما يفوته قلنا لا تم إذ المقصود لا يحصل إلا به طال الزمان أو قصر.
الخامس التقسيم: وهو عام الورود في جميع المقدمات وهو منع أحد محتملى اللفظ المتردد إما مع السكوت عن الآخر إذ لا يضره وإما مع تسليمه أو بيان أنه لا يضره خلافًا لقوم إذ لعل الممنوع غير مراده والمختار قبوله إذ به يتعين مراده.
وله مدخل في التضييق على المعلل لكن بشرط أن يكون منعا لمحتمل يلزم المعلل بيانه مثلاه في الصحيح الحاضر الفاقد للماء تعذر الماء سبب صحة التيمم فيتيمم فيقول المراد تعذره مطلقًا أو بسبب السفر أو المرض الأول مم ويأتى ما محكدم في المنع الابتدائى من الأبحاث وجوابه مثله ومثال غير المقبول في الملتجىء إلى الحرم القتل العمد العدوان سبب للقصاص فيقول مع مانع الالتجاء إلى الحرم أو دونه الأول مم لا يقبل إذ طالب المعلل ببيان عدم كونه مانعًا وذا لا يلزمه لأن دليله أفاد الظن.
ويكفيه أن الأصل عدم المانع وإنما بيان مانعيته على السائل.
توفية الكلام: لما صحت الممانعة التي هى أساس النظر في المؤثرة والطردية سلك أصحابنا طريق تقسيمها في كل منها إلى الأربعة بنوع مع توضيح الأقسام بأمثلتها فقالوا هى في المؤثرة أما في نفس الحجة أي صلاحها أو في الوصف أي وجوده في الأصل أو الفرع أو في شرط القياس "المجمع عليه لئلا يمنع فيحتاج السائل إلى إثبات شرطيته فينتصب معللا أو في الأثر ويندرج في هذه الأربع جميع الممانعات كما مر وفي الطردية إما في الوصف أي وجوده في أحدهما قدم هنا لأن محاله أشيع كما قدم منع صلاح الحجة ثمة لأن مجاله أوسع وإما في الحكم أي منع حكم الأصل أو الفرع لم يذكر ثمة إذ بيان تأثير
الوصف فيه مسبوق بتحققه كما أن منع شرط القياس لم يذكر هنا لأن العائد إلى العلة هنا الطرد أو العكس معه ومنع الأول مناقضة لا ممانعة.
والثالى فاسد ومنع الشروط الأُخر مندرجة تحت فساد الوضع أو الاعتبار أو القول بالواجب أو منع الحكم وغيره وأما في صلاحه أي تأثيره وإنما يصح ممن شرط التأثير فإن قال أنا لا أشرطه وبارك الله فيما عندك يقال فلا احتجاج به عليه كشهادة الكافر لمثله على المسلم وأما في نسبة الحكم إليه وفسروه بصلاح الحجة الذي قدم ثمة.
أمثلة ممانعات المؤثرة:
ففى نفس الحجة كقوله النكاح ليس بمال لأنه تعليل بالنفى وكذا نظائره وفي وجود الوصف لكونه مختلفًا فيه كقولنا في إيداع الصبى أنه تسليط على الاستهلاك فعند أبى يوسف رحمه الله تسليط على الحفظ.
قلنا اعتبار الحفظ في الصبى لغو وفي صوم يوم النحر أنه منهى عنه وهو تحقيق لمشروعية أصله فعند الشافعي رحمه الله نسخ لها وفي قوله في كفارة الغموس أنها معقودة أي مقصودة فعندنا لا عقد فيه أي لا ارتباط بين اللفظين لإيجاب حكم البر وفي شرط القياس كقوله في السلم الحال أحد عوضى البيع فيصبح حلوله كالثمن.
قلنا شرط القياس تقرر حكم النص بعد التعليل وأن لا يكون معدولا به وفي أثره إذ هو به حجة عندنا لأن الإلزام على السائل لا يتم إلا به إذ له أن يقول الحاصل قبل بيانه جواز العمل وليس كلما جاز وجب كالنوافل والقناء بشهادة مستور الحال فلا بد من إثبات إيجابه ببيانه.
أمثلة ممانعات الطردية:
ففى نفس الوصف كقوله في كفارة الفطر عقوبة متعلقة بالجماع فلا يجب بالأكل كحد الزنا. قلنا لا نعلم أنها عقوبة متعلقة به بل بالفطر يخالفه بدليل بقاء صوم المجامع الناسي لعدمه مع وجوب حده وفساده للذاكر ولو بالوطئ الحلال لوجوده وبناؤه أن الجماع آلة الفطر فلا يقصد لعينه فاضطر الخصم إلى ذكر الفقه أن الفطر بالجط ع فوقه لغيره فلا يلحق به فيجاب بما مر قبل هذا من أمثلة الممانعة في نسبة الحكم إليه.
قلنا: نعم لولا أن التعلق من نفس الوصف وكقوله في بيع التفاحة لمثلها بيع مطعوم به مجازفة فيبطل كالصبرة بها.
قلنا المراد إما مجازفة ذات البدلين أو وصفهما من الجودة والرداعة والثانية عفو والأولى
إما باعتبار صورته وأجزائه أو معياره والأول لا يبطل وكذا مطلق المجازفة لجواز البيع كيلا بكيل وإن تفاوتا ذاتًا وعددًا.
والثاثى: أعني المجازفة كيلا فيما لا يتصور الكيل فيه محال وهنا ألجأ إلى الفقه وهو أن الأصل في بيع الطعام هو الحرمة عنده لعلية الطعم والجنسية شرط والمساواة كيلا مخلص عن الحرمة فحين عدمت تحقق الحرمة وعندنا الأصل جواز العقد كما في سائر البياعات والفساد للفضل على المعيار ولا تحقق له فيما لا معيار فيه وكقوله في الشيب الصغيرة ثيب يرجى مشورتها فتنكح برأيها كالبالغة.
قلنا إما برأى حاضر وليس في الفرع أو مستحدث وليس في الأصل فإنها تغنى عن التفضل. قلنا بموجب العلة تنكح برأيها لأن رأى الولى رأيها كما في عامة التصرفات فإن قال ادعى إطلاق رأى نفسها قائمًا أو مستحدثًا ينقض بالمجنونة وإن رجى رأيها بالإفاقة فظهر فقه المسألة أن مانع الولاية رأى قائم وإلا لما ولى صبى أو صبية أصلًا هذا ممانعة الوصف في الفرع أما في الأصل فكقوله طهارة مسح فيسن تثليثه كالاستنجاء
قلنا بل الاستنجاء طهارة عن نجاسة حقيقية ولذاكان الغسل أفضل فيلجىء إلى الفقه هو بيان حقيقة الغسل التي يلائمها التكرار والمسح التي يلازمها التخفيف وفي نفس الحكم كقوله ركن في الوضوء فيسن تثليثه كالمغسول.
قلنا بل المسنون إكمال المغسول بعد تمام فرضه كما مر وكقوله صوم فرض فلا يصح إلا بتعيينها كصوم القضاء.
قلنا التعيين بعد التعين ليس في صوم القضاء وقبله ليس في صوم رمضان وإن تغنى عن التفضل يدفع بالقول بالموجب كما سيجىء وكقوله في بيع التفاحة بها بيع مطعوم بجنسه مجازفة فيحرم كالصبرة بها.
قلنا إن الحرمة المغياة بالتساوى كيلا فليست في الفرع أو غير المغياة بها فليست في الأصل لأنهما إذا كيلا ولم يفضل جاد إلى الجواز وإن تغنى عن التفضيل قلنا استواء الحكمين شرط القياس وقد فقد إذ الحكم للأصل الحرمة المنتفية وللفرع غيرها فظهر الفقه الفارق وكقوله في الثيب الصغيرة يرجى مشورتها فلا تنكح كرهًا كالبالغة.
قلنا لا يراد إكراه تخويف فإما أن يراد بلا رأى مطلقًا ولا نسلمه في الأصل لجواز إنكاح البالغة المجنونة أو بلا رأى قائم وليس في الفرع وكقوله يجوز السلم في الحيوان كالنكاح به.
قلنا معلومًا بوصفه ممنوع فيهما إلا أن المهر يتحمل فيه مثل هذه الجهالة لبناء النكاح على المسامحة والبيع على المماكسة فيفترقان في الإفضاء إلى المنازعة أو معلومًا بقيمته فممنوع في الفرع لأن المعتبر في المسلم فيه علمه بأوصافه لا بالقيمة أما في الأصل فوجوب الوسط يقتضي علم قيمته وإن تغنى عن التفضيل.
قلنا يحتاج إليه لبيان استواء الأصل والفرع في طريق الثبوت وقد فقد ههنا لاختلافهما في أن المهر يحتمل جهالة الوصف لا السلم فظهر الفقه الفارق وكقوله بيع الطعام به جمع بين بدلين لو قوبل كل بجنسه يحرم الربا فيشترط التقابض كبيع الأثمان.
قلنا الشرط في الأثمان التعيين احترازًا عن الكالى بالكالى ولأنها لا يتعين إلا بالقبض لزم بخلاف الطعام فظهر وكقوله فيمن اشترى أباه بنية الكفارة العتيق أب فلا يجزئ عنها كالميراث.
قلنا المراد لا يجزئ عن الكفارة كونه أبا وعتيقًا أو كونه أبًا وعتيقًا فملسم لأن الكفارة إنما يتادى بفعل اختيارى والعتق جبرى أو لا يجزئ إعتاقه فليس في الميراث إذ لا صنع للوارث على أن المعلل نفى الاعتاق عن الفرع أيضًا وقال هو تخليص الأب عن الرق لا إعتاقه فظهر فقه المسألة أن الشرى عنده ليس بإعتاق لتنافى إثبات الملك وإزالته بل المؤثر في العتق القرابة الموجبة للصلة والملك شرطه فالشارى صاحب الشرط سمى معتقًا مجازا فهذا كما شرى بنية الكفارة من علق حريته بشراء وعندنا إعتاق.
وفي صلاحه وهو منع التأثير يرد في كل طردي وفي نسبة الحكم يرد في كل تعليل بالنفى كما مر أثلة النوعين.
تتمة: سبيل السائل في جميع وجوهها الإنكار لا الدعوى لكن بالمعنى كالمودع إذا قال رددت الوديعة وأنكره صاحبها فلو قال السائل العلة في الأصل هذا كان معارضة فاسدة ولو قال ما ذكرت ليس بعلة كانت ممانعة صحيحة.
السادس: منع وجود ما يدعى علة في الأصل.
وهو أول العشرة للنوع الرابع الوارد على قولنا وعلته كذا لأن القدح في كون الوصف علة لحكم الأصل إما في وجوده أو في عليته وهذا ما ينفى العلية صريحًا بالمنع المجرد أو ببيان عدم التأثير وإما بنفى لازمها واللازم المختص بالمناسبة أربعة الإفضاء إلى المصلحة وعدم المفسدة المعارضة والظهور والانضباط فنفى كل سؤال وغير المختص أما الاطراد فنفيه بعد إلغاء قيد كسر وبدونه نقض وأما الانعكاس ولا تغفل عن أن الثلاثة الأخيرة تختص بالطردية ومنع التأثير يختص بالمؤثرة ومنع اللوازم المختصة بالمناسب للمناسبة
والمؤثرة وعموم الباقين مثاله بعدما مر قولهما القتل بالثقل قتل عمد عدوان فيوجب القصاص كبالمحدد فيقال لا نعلم أنه في الأصل قتل أو عمد أو عدوان.
وجوابه إثبات وجوده بما هو طريقه من الحس والعقل والشرع كما تقول قتل حسًا وعمد عقلا بأماراته وعدوان شرعًا لتحريمه.
السابع: منع عليته مجردًا
قيل لا يقبل لتمام حد القياس بأركانه والمختار قبوله وإلا لصح بكل طردى وكون الجامع مما يظن صحته مأخوذ في حقيقة القياس قيل تجريد المنع دليل صحة الممنوع فإن طرق بطلانه مما لا يخفى على المجتهد والمناظر فلو وجده لأظهره عادة قلنا عدم التعرض لا بدل على العجز فلعله لعدم التزامه شيئًا من التصحيح والإبطال بل لمجرد الطلب ولئن سلم لا نعلم العجز فإن لبطلانه صورًا عديدة كمجموع الاحتجاجات الفاسدة السالفة وكونه طرديًا أو مخيلا مجردًا أو مقلوبًا أو معارضًا بأمور كثيرة لها ترجيحات غزيرة تكون ذكرها قبل ثبوت العلية مستدركًا ولئن سلم فلعله لم يتعرض لغاية ظهوره أما قياسه على العقليات من حيث أن العجز عن إبطالها حتى عن دليلى النقيضين ليس بتصحيحًا ففاسد إذ ليس وجه بطلانها ولا طريق إثباتها ظاهرًا وههنا السير أسهل طريق لإثباته فيناسب للمعترض أن يجعله كالمذكور ويشتغل بإبداء علية وصف آخر وجوابه إثباتها لمسلك مما مر ويرد عليه ما يليق به من الأسئلة فإن قلت لا قياس إلا بعد بيان التأثير وبه يثبت العلية فينبغى أن لا تصح الممانعة فيها أو في تأثيرها كفساد الوضع قلت لما جاز أن يثبت تأثير الوصف أعنى الاعتبارين بين النوعين بالنص أو الإجماع ويكون العلة مؤثرًا آخر صح دفع العلل المؤثرة بالممانعة كالمعارضة بخلاف فساد الوضع إذ لا يحتمل ما ثبت تأثيره في حكم أن يؤثر في نقيضه.
نعم قد يورد قبل التحقيق فيحتاج إلى الجواب بأنه ليس كذلك.
قال فخر الاسلام رحمه الله وكذا النقض لا يرد على المؤثرة لأنها لا تنتقض ولو تخيل دفع بالتحقيق.
والحق ورودهما على ما ثبت تأثيره بالأدلة الطنية إذ لا منافاة بين التأثير وبينهما إلا إذا ثبت في نفس الأمر وكذا القول بموجب العلة بل لا ورود لاعتراض ما من الممانعة والمعارضة أيضًا إلا لظنية الطريق أو لعدم التحقيق.
الثامن: عدم التأثير:
هو إبداء أن الوصف أو جزء منه لا أثر له مطلقًا أو فى ذلك الأصل وإن علم بعدم
اطراده فله أقسام أربعة لها أسماء مخصوصة.
1 -
عدم التأثير في الوصف وهو ما كان الوصف فيه غير مؤثر مطلقا نحو الصبح لا يقصر فلا يقدم إذ أنه كالمغرب لأن عدم القصر لا نسبة له إلى عدم تقديم الأذان ومرجعه مطالبة كون العلة علة.
2 -
عدم التأثير في الأصل وهو ما كان الوصف غير مؤثر في ذلك الأصل نحو الغائب مبيع غير مرئى فلا يصح بيعه كالطير في الهواء فإن كونه غير مرئى وإن ناسب نفى الصحة فلا تأثير له في مسألة الطير إذ العجز عن التسليم كاف في نفيها ضرورة استواء المرئى وغيره فيها ومرجعه المعارضة بإبداء علة أخرى هى العجز عن التسليم.
3 -
عدم التأثير في الحكم وهو أن يذكر في الوصف المعلل به قيد لا تأثير له في الحكم كقول البعض منا في المرتد المتلف لمالنا مشرك أتلف مالًا في دار الحرب فلا ضمان عليه كسائر المشركين لأن كونه في دار الحرب غير مؤثر ضرورة استواء الإتلاف فيها وفي دار الإِسلام في عدم وجوب الضمان عندنا ومرجعه إلى مطالبة تأثير الجزء في الجملة فهو كالأول أو إلى إبداء علة هى إتلاف الحربي مطلقًا.
4 -
عدم التأثير في الفرع أن يكون الوصف المذكور لا يطرد في جميع صور النزاع وإن كان مناسبًا كقولهم زوجت المرأة نفسها من غير كفؤ بغير إذن وليها فلا يصح كما زوجها وليها من غير كفؤ إذ كونه غير كفو لا أثر له في عدم صحة تزويج المرأة نفسها وإن ناسبه إذ حكمها سواء عندهم ومرجعه إلى المعارضة بوصف آخر هو التزويج من المرأة فقط فهو كالثاني. قيل فالحاصل في الأول والثالث منع العلة وفي الآخرين المعارضة فالأول مر والثاني
سيأتى فلا حاجة إلى هذا أو يقال الأول غير مناسب وفي الباقية إبداء وصف آخر.
وأجيب بأن بين منع العلية ليدل عليها وبين الدليل على عدمها بونًا بينا وكذا بين موجب احتمال علية الغير وموجب الجزم بها.
تتمة: القيد الطردي في العلة إن كان المستدل معترفا بأنه طردي فالمختار رده لأنه في الجزئية كاذب باعترافه.
وقيل لا لأن الغرض الاستلزام وذا حاصل وأما إذا لم يعترف به فالمختار عدم رده لجواز قصد الغرض الصحيح فيه كدفغ النقض الصريح إلى المكسور الأصعب بخلاف الأول لاعترافه بأن العلة هو الباقي فينقض.
وقيل مردود لأنه لغو كالأول ومر الفرق.
والتاسع القدح في الإفضاء أي في إفضائه إلى مصلحة شرع الحكم ويحتمل منع الإفضاء وبيان عدم الإفضاء فهو سوء لأنه كذا القدح في المناسبة والظهور والانضباط مثاله علة تأبيد حرمة مصاهرة المحارم الحاجة إلى ارتفاع الحجاب بينها والمقصود الحاصل من ترتبه عليها رفع الفجور لأن تلافي الرجال والنساء يفضي إلى الفجور ويندفع حين يرتفع بالتحريم المؤيد الطمع المفضي إلى الفكر والنظر فيقال لا يفضي بل سد النكاح أفضى لحرص النفس على ما منع وجوابه ببيان الإفضاء بان التأبيد يمنع عادة ما ذكر وبالدوام يصير كالطبيعى فلا يبقى المحل مشتهى كالأم.
العاشر: القدح في المناسبة بإبداء المفسدة الراجحة أو المساوية إذ المناسبة تنخرم بالمعارضة وعبر عنه بوجود المعارض وجوابه بترجيح المصلحة إجمالا بلزوم التعبد المحض لولا اعتبار المصلحة وهي قصيرة وجوبًا وتفضلا وتفصيلا بأن هذا ضرورى أو قطعي أو اكترى أو معتبر نوعه في نوع الحكم وذاك حاجي أو ظني أو أقلي أو معتبر جنسه أو في جنسه ونحوه مثاله فسخ البيع في المجلس ما لم يتفرقا لدفع ضرر المحتاج إليه فيعارض بمفسدة ضرر الآخر فيرجح بأن الآخر يجلب نفعا ودفع الضر أهم للعاقل منه ولذا يدفع كل ضر ولا يجلب كل نفع.
آخر في أن التخلي للعبادة أفضل لما فيه من تزكية النفس فيقال يفوت المصالح كاتخاذ الولد وكف النظر وكسر الشهوة فيرجح الأول بأن مصلحة العبادة لحفظ الدين وهذا لحفظ النفس أو النوع.
قلنا بل فيه المصلحتان لافضائه إلى ترك المنهي ولترك ذرة مما نهى الله تعالى خير من عبادة الثقلين.
الحادى عشر كون الوصف غير ظاهر الرضا في العقود والقصد في الأفعال التي يترتب عليها حكم شرعي كالقصاص.
وجوابه ضبطه بصفة ظاهرة كصبغ العقود واستعمال الجارح في القتل وفي المثقل خلاف وفي غير المقتل كغرز إبرة في العقب لا قصاص.
الثاني عشر: كونه غير منضبط كالحكم والمصالح من الحرج والمشقة والزجر إذ مراتبها بحسب الأزمان والأشخاص غير محصورة لا يمكن تعيين قدر منها غير أن الغاية اندفاع الأوفي وحصول الآخر والثلاثة مشتركة في البعث وجوابه ببيان أنه منضبط عرفًا كالمضرة أو ضبطه بوصف المشقة بالسفر والزجر بالحد.
الثالث عشر: النقض وهو وجود العلة مع عدم الحكم.
قال بعض مشايخنا رحمهم الله منهم فخر الإِسلام رحمه الله ومن تبعه لا يرد على العلل المؤثرة لأن التأثير إنما يثبت بنص أو إجماع ولا يتصور المناقضة فيه وقد مر أن الحق وروده لأن دليل التأثير قد يكون ظنيًا.
وجوابه بمنع كل منهما غير أن مشايخنا جعلوا كل منع قسمين فمنع الوصف إما بمنع وجوده أو منع معناه المؤثر ومنع عدم الحكم إما ببيان وجود عينه أو وجود غرضه وهو التسوية بين الأصل والفرع فالأول ويسمى الدفع بالوصف كما أن خروج النجاسة من بدن الإنسان الحس علة للانتقاض فإذا نوقض بالقليل دمنع أنه خارج ببلاد من تحت الجلدة الزائلة ولذا يجب الغسل ولو كان كثيرًا بخلاف السبيلين إذ الظهور ثمة دليل الانتقال وكما أن ملك بدل المغصوب يوجب ملكه لئلا يجتمعا في ملك واحد فإذا نوقض بالمدبر لمنع ملك بدله فإنه بدل اليد الفائتة لا المغصوب وكما أن كون مسح الرأس مسحًا علة لعدم سنية تثليثه كمسح الخف فإذا نوقض بالاستنجاء يمنع أنه مستحيل إزالة النجاسة ولذا لم يكن حين لم يتلطخ منه كما بالريح وكان غسله أفضل لا مكروهًا والمراد بعدم سنيته كراهته فيكون حكمًا شرعيًا والثاني يسمى الدفع بمعنى الوصف أقوى لأن المعنى أولى بالاعتبار من الصورة لكن الأول أظهر منه.
ويعنى به معنى آخر لازم للوصف به التأثير ولأجله صار علة كما في مسألة المسح بدفع للنقض بالاستنجاء بأن معنى المسح وهو كونه تطهيرًا حكميًا غير معقول وهو المؤثر في عدم سنية التثليث لأنه لتوكيد التطهير المعقول غير متحقق في الاستنجاء لكونه تظهيرًا معقولا أما تمثيله بمثله خروج النجاسة باعتبار أن تأثير السائل في الانتقاض لإيجابه غسل الموضع بخلاف غير السائل قائمًا يصح عندنا بتنزيله في السائل المتجاوز قدر الدرهم والتمثيل بمجرد الفرض كاف.
فببعض التقادير أولى أو تقول إيجاب غسل القليل أيضًا ثابت وإن لم يفسده الصلاة حتى قيل يقطع صلاته لغسله ويفوت الجماعة لذلك إن لم يفت الوقت فيهما.
والثالث ويسمى الدفع بالحكم وذلك عند من لم يجوز تخصيص العلة أن يقال الحكم متحقق لكن خلفه شيء آخر كما لو نقض علل وجوب الوضوء كالقيام إلى الصلاة بعد التبول مثلا بصور تعين التيمم والخلافة ليست رافعة بل مقررة.
وعند من جوزه أن يقال الحكم متحقق لكن لم يظهر لمانع كمتخلف خروج النجاسة عن الانتقاض في المستحاضة لدفع الحرج وملك بدل المغصوب عن ملك المبدل في المدبر لعدم قبوله ومنه أن حل الإتلاف لإحياء المهجة لا ينافى العصمة فيوجب الضمان
كما في المخمصة كهو لا له فيوجبه في الجمل الصائل فإذا نوقض بإتلاف العادل مال الباغي حال القتال حيث لا يضمن وكذا إتلاف العبد الصائل بالسلاح دفع بأن العصمة والضمان متحقق لكنه تخلف لمانع البغي أو الصيال الرافع للعصمة وفوت حق المولى ضمني لأن العبد في حق الحياة بمنزلة الحر كما في إقراره بالحد والقصاص.
وقولنا كهو لا له بيان للتأثير الذي أشكل على كثير من الفحول فإن الإتلاف لا لإحياء المهجة يوجب الضمان لحرمته والحل الضرورى كهى في ما وراء الضرورة ولاندفاع الضرورة بمجرد إحياء المهجة كان الحل المخصوص في حق الضمان كالحرمة المؤثرة في وجوبه ومنه ظاهرًا ما لو نقض تعليل التأمين بأنه ذكر فسبيله الإخفاء كسائر الأدعية بالأذان وتكبيرات الإِمام دفع بأن فيهما معنى كونهما إعلامًا أوجب حكمًا عارضًا ولذا لو جهر المقتدي أو المنفرد أو الإِمام فوق حاجة الناس أساء قبل إعلام القوم مقصود في التأمين أيضًا لقوله عليه السلام إذا أمن الإِمام فأمنوا ولولا مسموعيته لبطل تعليق تأمين القوم به ولحكاية أبي وائل رضي الله عنه عليه السلام وعطاء رضي الله عنه عن مائتين من أصحابه عليه السلام.
قلنا وقوله عليه السلام إذا قال الإِمام ولا الضالين قولوا آمين فإن الإِمام يقولها بين موضعه بلا سماعه كيف ولو علق بالسماع لكان آخر هذا الحديث مستدركًا ولما تعارضت الأخبار والآثار بدليل اختلاف الصحابة رضي الله عنهم صرنا إلى الترجيح بأصل الأذكار وحمل الجهر على التعليم والابتداء.
تنبيه:
من لم يجوز تخصيص العلة جعل عدم المانع في هذه الأمثلة شطرا للعلة أو شرطا لها لا لظهور الأثر عنها لما مر أن شرط القياس أن لا يعارضه دليل أقوى إذ العلة القوية تفسد الضعيفة بخلاف النصين المتعارضين وكون إبداء المانع جوابا بعد لضام النقض لا ينافي كونه دافعا للنقض بذلك الاعتبار لاختلاف الجهتين وجملة الكلام أن المانع معارض في محل النقض اقتضى خلاف الحكم أي نقيضه كنفى الضمان للضمان أو ضده كالحرمة للوجوب وذلك إما لتحصيل مصلحة كما في العرايا المفسرة ببيع الرطب بتمر مثله خرصا فيما دون خمسة أوسق إذا أوردت نقضًا على الربويات لعموم الحاجة إلى التلذذ بالرطب والتمر.
وقد لا يوجد عندهم ثمن آخر وكما في ضرب الدية على العاقلة إذا أورد على أن شرع الدية للزجر الذي ينافيه عدم الوجوب عليه بمصلحة أولياء المقتول مع عدم قصد
القاتل ومع كون أوليائه يغتمون بمقتوليته فيغرمون بقاتليته بالحديث وإما لدفع المفسدة كما في تناول المضطر الميتة إذا أورد على حرمتها بقذارتها لدفع مفسدة هلاك النفس وهو أعظم من أكل المستقذر.
هذا كله إذا لم يكن العلة منصوصة بظاهر عام وإلا فلا يحكم بالتخلف بل بتخصيص العام بغير محل النقض لأن تخصيص العموم أهون من تخصيص العلة.
الرابع ويسمى الدفع بالغرض كما في نقض التعليل بالخارج النجس بالرعاف الدائم بأن يقال الغرض التسوية بين السبيلين وغيره في النقض قبل الاستمرار والعفو بعده كما في سلس البول فهو راجع إلى منع انتفاء الحكم ولقب أهل النظر هذا المنع بأن الفرع لا يفارق أصله وذكر الإِمام فخر الإِسلام رحمه الله مسألة التأمين من هذا القبيل تنبيهًا على قاعدة في إمكان أن يجاب بالدفع بالغرض عن جميع صور التخلف لمانع بأن يقال الغرض التسوية بينها وبين الأصل إذ لو فرض المانع في الأصل لكان حكمه كحكمها مثلا الأصل في جميع الأدعية الإخفاء لكن لو وضع شيء منها للإعلام جهر به فكذا الأذان.
تتمات:
1 -
إذا منع وجود الوصف في صورة النقض قيل للسائل أن يستدل عليه ح أو ابتداء إذ به الإبطال وقيل لا لأنه انتقال إلى الاستدلال وقيل إن كان حكمًا شرعيًا فلا إذ هو الانتقال في الحقيقة وفيه منع سلف إلا أن يقول على الاصطلاح وإلا فنعم ليحصل الإبطال بدليله وقيل لا ما دام له في القدح طريق أولى من النقض لأن غصب المنصب والانتقال إنما ينفيان استحسانًا فإذ وجد الأحسن لم ترتكبهما وإلا فالضرورة يجوزهما.
ومثله استدلال السائل عن عدم الحكم إذا منعه المعلل خلافًا وتقريرًا.
2 -
إذا كان دليل المعلل على وجود العلة في الأصل موجودًا في محل النقض ثم منع وجودها بعد النقض فقدل السائل فينقض دليلك لوجوده في محل النقض بدون مداولة.
قيل لا يسمع لأنه انتقال من نقض العلة إلى نقض دليلها.
وانظر فيه ابن الحاجب لأن النقض في دليلها نقض فيها ومآله ما مر من جواز الانتقال لتمام الإبطال وهذا إذا ادعى انتقاض دليل الغلبة معنيًا أما لو ادعى أحد الأمرين فقال يلزم إما انتقاض العلة أو دليلها وكيف كان لا يثبت العلية كان مسموعًا اتفاقًا.
3 -
قيل الاحتراز عن النقض في أصل الاستدلال بقيد يدفعه واجب لئلا ينتقض.
وقيل إلا في المستثنيات أي فيما يرد على كل علة كالعرايا على كل علة للربا من القوت والطعم والكليل إذ لا يتعلق ذلك بتصحيح المذهب حينئذ والمختار عدم وجوبه
لأن النقض دليل عدم العلية فهو بالحقيقة معارضة ونفى المعارض لا يلزم المستدل ولأن ذلك القيد لا يدفع النقض إذ يقول هذا وصف طردي والباقي منتقض وفي الثاني بحث.
4 -
قال علماؤنا رحمهم الله النقض يلجئ أصحاب الطرد إلى القول بالأثر أي بشرط أن يسامحهم بتجويز الانتقال وأن يسلكوا تخصيص الدعوى بغير صورة النقض كقول الشافعي رحمه الله في أن النية شرط في الوضوء التيمم والوضوء طهارتان فيكف يفترقان.
فإذا نقضنا بتطهير الخبث فإن خصص إرادته بطهارة الحديث سلكنا الممانعة في نفس الحجة بالوجوه السالفة وإن دفع النقض بأنهما تطهيران تعبديان إذ لا مزال لطهارة العضو حسًا وشرعًا فلا إزالة فلا تطهير إلا بالقصد الشرعي بخلافه.
قلنا الوضوء من حيث إنه تطهير بالماء المطهر بخلقته معقول بخلاف التيمم بالتراب الذي هو تلويث بخلقته فلا بد من النية ليكون تطهيرًا تعبديًا أو ليقوم التراب مقام الماء قيامًا تعبديًا ثم لا نية وإن كان من حيث أنه إزالة لنجاسة حكمية تعبديًا لبهن النية تطلب لتصحيح الفعل أو الألة لا لتصحيح المحل.
حاصله أن ها هنا حكمين حصول الطهارة باستعمال الماء وتغير صفة المحل من الطهارة إلى النجاسة بخروج النجس والنقص الدال على الأول معقول المعنى وعدم المعقولية كما قال فخر الإِسلام في النص الدال على الثاني أي على سراية النجاسة حكمًا من المخرج إلى جميع البدن ويعنى بذلك أن العقل لا يدركها لولا تنبيه الشارع عليها فإن الشرع لما جعل طهور النجس الكامن في البدن مانعًا من المناجاة مع الرب تعالى التي لا تقوم ببعض البدن دون البعض وهي الصلاة كالعلم أوجب شرابه حكمه إلى الجميع في حق المناجاة كسراية كرامة العلم بخلاف الخبث الواصل من الخارج وفي غير المناجاة.
وسره أن النجس الكامن لازم شامل للبدن فكان من قضيته أن يستحيل المناجاة لكن جوزت معه للضرورة ما دام كامنًا فإذا ظهر اندفعت الضرورة وعاد حكم شموله ولا كذلك العارض وهذا معنى ما في الهداية أن خروج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة أي عن جميع البدن لا عن المخرج فقط كما ظن وهذا القدر في الأصل يعني السبيلين معقول أي بعد تنبيه الشرع فعدى إلى غيرهما إذ المعقولية بهذا المعنى كافية في التعدية وإن لزم في ضمنه تعدية أمور غير معقولة عنها الاحتراز بقيد القدر جائزة كما مر من تعدية استواء الجيد والردى في ضمن تعدية حرمة الربا.
منها الحدث الساري بالاقتصار على وظائف الأعضاء الأربعة لضرورة دفع الحرج في الحدث الأصغر الذي يكثر وجوده بخلاف الأكبر الذي يندر بإقامة حدود البدن التي هى
منشأ الأفعال ومجمع الحواس ومحال مجال الطهارة ومظان إصابة النجاسة مقام كله ولولا ذلك لربما أدى إلى إفساد البدن وهذا لا يجعل الاقتصار معقولا كما ظن لأن المستحسن بالضرورة لا يعلى إلا إلى ما في معناه من كل وجه وليس كذلك وإلا لما احتيج إلى إثبات المعقولية.
ومنها المسح الذي هو تطهير غيره لأن جل الوضوء لما كان معقولا جعل كأن كله كذلك أو لأنه قام مقام غسل الرأس دفعًا لحرج آخر فأخذ حكمه وهذا كتعدية التيمم حال فقدان الماء لكونه خلفة لم يشترط النية له أيضًا.
ومنها إن لم يتنجس الماء بأول الملاقاة كما عدى ضمنًا في طهارة الخبث أيضًا من الماء إلى سائر المايعات وإنما لم يتعد تطهير الحديث إليها مع معقولية هذه لا بالقياس لأن تعدية في الخبث كان لمعنى القلع لا لكونه تطهيرًا والحكمي لا يوصفى بالفعل ولا بالدلالة لأنها ليست كالماء في الكثرة والإباحة ففيها حرج.
والتحقيق أن تطهير الحدث بولغ فيه ليقوم مقام التطهير الشامل حتى للباطن أيضًا حكمًا فاختص بالماء المخلوق لذلك بخلاف الخبث هذا ولو سلم أن سراية الحديث إلى جميع البدن غير معقولة فإنما عديت إلى غير السبيلين في ضمن تعدية زوال الطهارة بخروج النجاسة ولو عن المخرج فقط كتعدية الاقتصار على الوظائف الأربع في ضمن تعدية حصول الطهارة باستعمال الماء فظهر من هذا التدقيق الفروق الثلاثة أعنى بين الوضوء والتيمم ومسحيهما بالمعقولية وافترقا في شرط النية وبين الحدث والخبث وافترقا في استعمال المايعات وظهر التوفيق بين الشيخين واندفاع ما يرد عليهما من الشبهتين.
فإن قلت للشافعى رضي الله عنه طرق أخرى في اشتراط النية:
1 -
أن الوضوء قربة وكل قربة يشترط فيها النية ليتحقق الإخلاص ولتتميز العبادة عن العادة.
قلنا لا نعلم أن كل وضوء قربة.
قيل لأن كل وضوء شرط وكل شرط مأمور به لأن اشتراطه بالأمر وكل مأمور به قربة.
قلنا: لا نعلم لأن كل شرط مأمور به فقد ينوب عن المأمور به كالسعى إلى المسجد لا للجمعة قد ينوب عنها سعيها ولئن سلم فلا ثم أن كل مأمور به قربة وإنما يكون قربة لو كان الإتيان به من حيث هو مأمور به كما مر في بحث الحسن ومبناه أن الشرط يعبتر وجوده كيف ما كان لا وجوده قصدًا كسائر الشروط.
2 -
أن قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] كقوله: إذا أردت الدخول على الأمير فتأهب أي لذلك.
قلنا التاهب للدخول إنما يقتضي وجوده المصحح له لا نيته عند التأهب حتى لو كان التاهب حاصلا قبل الأمر كان كافيًا ولئن سلم فذا فيما يقصد لذاته لا فيما يقصد لغيره.
3 -
أن الوضوء فعل اختيارى مسبوق بالقصد.
قلنا يقصد نفس الفعل لا بقصد التوسل به إلى غيره.
الرابع عشر: الكسر هو نقض المعنى والحكمة وقد سمعت أنه لا يسمع إلا إذا ساوى قد الحكمة في صورة التخلف لقد الحكمة المقتضية للحكم ولم يثبت حكم آخر أليق بتحصيلها ومن يضمن له فإن تحقق صار كالنقض جوابًا وسؤالا وردًا واختلافًا واختيارًا.
ولنفى الحكم هنا دفع زائد بتجويز أن يثبت حكم هو أولى بالحكمة كالقصاص للزجر عن القتل المعلل به وجوب القطع.
الخامس عشر: المعارضة في الأصل وهي إبداء السائل معنى آخر يصلح للعلية مستقلا أو قيدًا هو جزء في الأول ككون القتل العمد العدوان بالجارح والمستقل إما علة مستقلة كالطعم مثلا أو جزء هو مع الأول علة كمجموع الطعم والكيل.
وللكلام فيه طرفان:
الأول قال مشايخنا المعارضة في الأصل إن كانت بمعنى إقامة الدليل على نفى علية ما أثبته المعلل فمقبولة وإن كانت بمعنى نحن فيه فأقسام ثلاثة إذ هى إما بمعنى لا يتعدى كالثمنية أو يتعدى إلى مجمع عليه كالطعم من البر إلى الأرز أو إلى مختلف فيه كما إلى الملح والكل معدوم في الجنة وكل من الثلاثة مردود للوجوه الثلاثة السالفة.
ومن أهل النظر من أصحابنا من استحسن الأخيرين لأنه مشتمل على الممانعة معنى لقول كل منهما بعلية وصفة فقط فحصل بينهما تدافع فصار إثبات إحديهما إبطالا للأخرى بالضرورة بخلاف الأول إذ لا قائل بصحة العلة القاصرة فينا وظاهر سياق كلام أبي زيد وشمس الأئمة أن الخلاف في الأخير فقط لا مكان أن يدعى المعترض عليه مجموع المعنيين في الأولين لاتفاقهما في الأصل الشاهد فلا تمانع إلا أن يلتزم كل استقلال ما يدعيه أو يثبت المعلل استقلال وصفه قطعًا.
وأقول كان مذهبهما أن غرض السائل هدم علته ولا يجب بيان انتفاء ما أبداه في الفرع إذ لو كان غرضه دفع حكمه في الفرع كان مآله عدم العكس وكان استدلال فخر الإِسلام رحمه الله على بطلان أقسامها تارة بالقصور وأخرى بلزوم انقلاب الوظيفة قبل
تمامها وأخرى بأولها إلى عدم العكس ليشمل المذاهب الثلاثة والتقادير الثلاثة، فإن الدليل الثاني عام.
قلنا الإجماع على أن فساد كل المعنى فيه لا لصحة الآخر لجواز التعليل بعلل شتى كما مر وعدم القول بصحة علة الآخر ليس قولًا بعدم صحتها فلا يرد أن عدم تأثير إثبات إحديهما في إبطال الأخرى لا ينافى بطلان الأخرى عند ثبوتها لأن مدعي أهل النظر لزوم البطلان لا عدم المنافاة غير أن لهم قاعدة شريفة هى أن هذه المعارضات مفارقات وهي
لا تقبل كما مر.
فإذا صح أصلها أي صح منعًا للعلة المؤثرة أذكرها على سبيل الممانعة لتكون مفاقهة مقبولة وعرفت بجعل مفارقة طارد ممانعة كما في قول الشافعي رضي الله عنه إعتاق الراهن تصرف يبطل حق المرتهن فيرد كبيع الرهن.
فإن فرقنا بأن البيع يحتمل الفسخ دون الإعتاق لم يقبل فنقول حكم الأصل إن كان البطلان منع لأن شأنه التوقف عندنا وإن كان التوقف لا يمكن تعديته إلى العتق لأنه لا يقبله إذ لا يقبل الفسخ بعد الانعقاد فقد غير حكمه بتعدية البطلان وكذا إن اعتبره بإعتاق المريض لأن حكمه لزوم الإعتاق وتوقف العتق إلى أداء السعاية والمعدى البطلان.
وفي قوله في العمد قتل آدمى مضمون فيوجب المال كالخطأ فإن فرق بأن في العمد قدرة على المثل الكامل دون الخطأ لقصوره لم يقبل فنقول حكم الأصل شرع المال معينًا خلفًا عن القود وما عديته إلى الفرع مزاحمته إياه لا الخليفة إذ اتخلف لا يزاحم الأصل فلم يتحقق شرط القياس فيهما.
لهم أولًا أنها لو لم تقبل لزم التحكم لأن المبدى يصلح علة مستقلة وجزء كالمدعي علة وقيوده فقبول أحدهما دون الآخر تحكم.
قلنا لما جاز ثبوت الحكم بعلل شتى علم عدم التزاحم في العلل فعلة المعلل بعد ثبوتها بشرائطها لا تبطل بإثبات علة أخرى لذلك الحكم فكيف بمجرد دعواها فلا تحكم.
ولئن سلم فالمتعدية راجحة بالاتفاق لأن الأصل إعمال العلل وتوسعة الأحكام.
قيل معارض بأن الأصل عدم ثبوت الأحكام وبراعة الذمم وبأن أعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما.
قلنا على أن الأصل في النصوص التعليل لا سيما عند قيام الدليل على أن للحال معلول والأصل في التعليل التعدية اتفاقًا إذ العمل بها ذلك الأصل قبل وجود العلة والمتعارضان معترفان بوجودهما لا سيما إذا ثبت بدليله ومع القول بجواز إعمال كل
منهما لا إهمال.
كيف والتعليل بما لا يتعدى وإن صح لا يمنعه دمًا يتعدى بالإجماع.
وثانيًا: أن مباحث الصحابة رضي الله عنهم كانت تارة جمعًا بين الأصل والفرع في الحكم وأخرى فرقًا بينهما وذلك إجماع على إبداء وصف فارق في معارضة وصف جامع أبداه المعلل وقبوله.
قلنا بل كانت مفاقهة بالوجه السالف.
تتمتان على تقدير قبولهما:
1 -
قيل يجب على السائل بيان أن وصفه المبدى منتف في الفرع لينفعه إذ لولا انتفاؤه فيه ثبت الحكم وهو مطلوب المعلل.
وقيل لا لأن غرضه هدم الاستقلال الوصف المدعى علة.
وقيل إن تعرض لعدمه فيه لزمه بيانه وإلا فلا وهو المختار لوجهى الهدم والالتزام.
2 -
قيل يحتاج السائل إلى أصل يبين تأثير وصفه الذي أبداه فيه حتى يقبل كان بقول العلة الطعم دون القوت كما في الملح.
والمختار لا لأن غرضه إما هدم استقلال علة المعلل ويتم بجزئية ما أبداه فلا يلزم بيان عليته بالتأثير في أصل وإما هدم المعلل عن تعليله والاحتمال كاف في ذلك.
وقيل ولأن أصل المعلل أصله فلا يحتاج إلى أصل آخر.
وفيه شيء إذ الكلام في تأثيره فيه فلا بد لبيانه من أصل آخر.
الطرف الثاني في جوابها: وله وجوه:
1 -
منع وجود الوصف مثل أن يعارض الكيل بالادخار فنقول العبرة لزمن الرسول عليه السلام ولم يكن مدخرًا حينئذ ولم يكن مكيلا حينئذ.
2 -
طلب تأثير وصفه وإنما يسمع منه إذاكان معللا بالتأثير لا بالسير.
3 -
بيان خفائه أو عدم انضباطه أو منعهما.
4 -
بيان أن وصفه عدم المعارض في الفرع وعدمه طرد لا يصلح للتعليل مثاله في قياسهم المكره على المختار في القصاص بجامع القتل.
فنقول معارض بالطواعية إذ العلة هو القتل معها فيجب بأنها عدم الإكراه والإكراه مناسب لعدم القصاص فهو عدم معارض القصاص.
قلنا بل بالعكس لأن الطواعية دليل الرضاء الصحيح والإكراه يعدمه.
5 -
إلغاء وصفه ببيان استقلال الباقي بالعلية في صورة ما بظاهر نص أو إجماع.
مثاله قولهم في يهودى صار نصرانيًا أو بالعكس بدل دينه فيقتل كالمرتد فتعارضه بأن العلة فيه الكفر بعد الإدمان فيجيبون بأن التبديل معتبر في صورة ما لقوله عليه السلام من بدل دينه فاقتلوه.
قلنا الدين الذي تبين حكمه ويحرص على ملازمته ويهدد على تركه هو الدين المعتبر عنده وهو الإِسلام لقوله تعالى: {إِنَّ الدَّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ} [آل عمران: 19] ولأنه منصرف الإطلاق هذا إذا لم يتعرض للتعميم فلَو قال فثبت اعتبار كل تبديل للحديث لم يسمع لأنه إثبات بالنص لا تتميم للقياس بالإلغاء.
تتمات:
1 -
بيان المعلل ثبوت حكمه في صورة دون وصف المعارض لا يكفى إلغاء لجواز علة أخرى فيها فلو أبدى المعارض في صورة عدم وصفه وصفًا آخر يخلفه لئلا يكون وصف المعلل مستقلا فسد الإلغاء ويسمى هذا تعدد الوضع لأن التعليل بالباقي في كل صورة منهما على وضع أي مع قيد آخر مثاله قولهم في أمان العبد للحربي أمان من مسلم عاقل فيقبل كالحر لأن الإِسلام والعقل مظنتان لإظهار مصلحة بذل الأمان فتعارض بأن العلة الحرية لأنها مظنة فراغ القلب للنظر فإظهارها معها أكمل فيقولن بأن الحرية لأنها مظنة فراغ القلب للنظر فإظهارها معها أكمل فيقولون بأن الحرية ملغاة لاستقلالهما في العبد المأذون له من سيده أن يقاتل.
فنقول إذن السيد له خلف عن الحرية لأنه مظنة بذل الوسع في مصالح القتال أو لعلم سيده بصلاحيته لإظهار مصالح الإيمان.
وجوابه إلغاء المعلل ذلك الخلف بصورة أخرى فإن أبدى خلفًا فكذا وهلم جرّا إلى أن يقف أحدهما فيكون الدبرة عليه فإن وجد صورة لا خلف فيها تم الإلغاء وإلا عجز المعلل.
2 -
لا إلغاء بضعف الحكمة بعد تسليم وجود المظنة نحو الردة علة القتل فيعارض بأنها مع الرجولية لأنها مظنة الإقدام على قتال المسلمين فيجاب بأنها لا تعتبر وإلا لم يقتل مقطوع اليدين إذ احتماله فيه أضعف منه في النساء فلا يقبل حيث سلم أن الرجولية مظنة معتبرة شرعًا كترفه الملك في السفر لا يمنع رخصته لأن مقدار الحكمة غير مضبوط.
3 -
لا يكفى ترجيح ما عينه المعلل وصفًا بوجه جوابًا عن المعارضة إذ لا يدفع أولوية استقلال وصفه احتمال الجزئية فلا يعد في ترجيح بعض الأجزاء على بعض ولا كون ما عينه متعديًا والآخر قاصرًا عندهم إذ مرجعه الترجيح بالاتفاق عليها والاتساع
السالف.
4 -
قيل يجب على المعلل الاكتفاء بأصل واحد لحصول الظن به والزيادة لغو والصحيح جوازه لأن الظن يقوى به.
وبعد تعدده فقيل يقتصر في المعارضة على أصل واحد لأن إبطال جزء كلامه إبطال له.
وقيل لا وهو المختار إذ لو سلم أصل لكفاه وبعد معارضة الجميع قيل يكفى للمعلل دفعها عن أصل وهو المختار إذ يحصل به مطلوبه.
وقيل لا لأنه التزم الجميع فصار الجميع مدعي بالعرض فلزمه الذنب عنه.
تحصيل: وربما يذكر ها هنا سؤال التركيب وسؤال التعدية.
والأول راجع إلى منع حكم الأصل أو منع العلية إن كان مركب الأصل وإلى منع الحكم أو منع وجود العلة في الفرع إن كان مركب الوصف.
والثاني: إلى معارضة علة متعدية إلى موضع كالبكارة في البكر الصغيرة والنزاع في البكر البالغة بمتعدية أخرى إلى موضع آخر كالصغر إلى الشيب الصغيرة وتعرض التساوي في التعدية لدفع الترجيح بها ولاشتهارهما باسميهما إفرادًا بالعدد وعد الأسئلة باعتبارهما خمسة وعشرين.
السادس عشر: منع وجوه العلة في الفرع:
هو أول الخمسة للنوع الخامس الوارد على دعوى وجودها فيه فدفعه إما بالممانعة أو بالمعارضة أو بدفع المساواة فباعتبار ضمية في الأصل أو مانع في الفرع فرق وباعتبار نفس العلة اختلاف في الضابط أو في المصلحة.
مثاله قولهم إيمان العبد إيمان صدر عن أهله كالعبد المأذون له في القتال فيقال لا نعلم أهليته له وجوابه ببيان ما يعني بالأهلية ثم بمِان وجوده بحس أو عقل أو شرع.
فنقول أريد بها كونه مظنة لرعاية مصلحة الإيمان وهو بإسلامه وبلوغه كذلك عقلا ثم الصحيح أن لا يمكن السائل من تفسيرها بوجه آخر بيانًا لعدمها لأن التفسير وظيفة اللافظ وإثباتها وظيفة المدعي.
السابع عشر: المعارضة في الفرع بما يقتضي نقيض الحكم فيه أو مما يستلزم نقيضه وهو المسمى بمطلقها وهو في ذلك كالمعلل في وظائفه فيقلب الوظيفتان والمختار قبوله إذ لا يتحقق ثبوت الحكم ما لم يعلم عدم المعارض.
قالوا فيه قلب التناظر قلنا مقصودها هدم دليل المعلل كأنه قال عليك بإبطال دليلي
ليسلم دليلك وكيف يقصد به إثبات شيء وقد سبقه معارض.
وجواجها جميع الأسئلة السالفة مع أجوبتها.
وقد يجاب عنه بالترجيح والمختار قبوله لإجماع على وجوب العمل بالراجح. وقيل لا لأن المعتبر حصول أصل الظن لا تساوي الحاصل فيه بهما وإلا فلا معارضة لامتناع العلم به وعلى المختار قيل يجب الإيمان إلى الترجيح في متن الدليل إذ العمل به فلا يثبت الحكم دونه والمختار عدم وجوبه لأن الترجيح خارج عن الدليل وشرط لا مطلقًا بل إذا ظهر المعارض لدفعه لا أنه جزء الدليل.
تتمة: قال مشايخنا رحمهم الله: المعارضة والمراد بها ها هنا إما اللغوية وهي المقابلة بالتعليل على سبيل الممانعة كما أريد بالمناقضة إبطال التعليل ليشمل الأقسام وإما الصناعية فيهما لكن بالمعنى الأعم من حقيقتهما أو الملحق بهما إما في الحكم المطلوب وإما في مقدمته أي في العلة وأثا كان فإن تضمن إبطال دليل المعلل فمعارضة فيها مناقضة لكونها إقامة الدليل على خلاف مدعاه وإبطالا لدليله والتسليم في المعارضة فرضي لا حقيقي أو ظاهري لا معنوي وإلا فمعارضة خالصة وليس فيها الإبطال بل التساقط
للتعامل فربما كان الباطل دليله فهذه أربعة أقسام:
1 -
معارضة فيها مناقضة في الحكم وهي معارضة فيه بدليل المعلل وإن كان بزيادة شيء فيه تقرير وتفسير لا تبديل وتغيير فإما على عين نقيض حكمه وهو القلب أي النوع الثاني منه وإما على حكم آخر يلزم منه نقيضه وهو العكس أي النوع الثاني منه مثال القلب قولهم صوم رمضان فرض فلا يتأدى إلا بتعيين النية كالقضاء فنقول صوم فرض فيسمى عن التعين بعد تعيينه كالقضاء لكن ها هنا قبل الشروع وفي القضاء به.
وكقولهم مسح الرأس ركن فيسن تثليثه كغسل الوجه فنقول ركن فلا يسن تئليثه بعد إكماله بزيادة على الفرض في محله وهو الاستيعاب كغسل الوجه فلما جعلت الوصف شاهدًا لك بعد ما كان شاهدًا عليك كأنه كان ظهره إليك فصار وجهه إليك فقد قلبته من قلب الجراب ظهر البطن ومثال العكس كقولهم في النفل عبادة لا يمضى في فاسدهما فلا يلزم بالشروع كالوضوء فنقول لما كان كذلك وجب أن يستوى فيه النذر والشروع كالوضوء فإن النذر والشروع كالتوأمين لا ينفصل أحدهما عن الآخر لأن أحدهما عهد يجب الوفاء به بالنص والآخر عزم يجب إتمامه به وذاك مم بشمول العدم وذا باطل لوجوجها بالنذر إجماعًا فبشمول الوجود وكقولنا الكافر يملك بيع العبد المسلم فيملك شراؤه كالمسلم قالوا فوجب أن يستوى فيه الابتداء والبقاء كالمسلم فحين انتفى البقاء
والقرار انتفى ابتداء.
قلنا: مبنى على إثبات التسويقين الابتداء والبقاء وليس إلى السائل ذلك والقلب أقوى منه لوجوه ولذا قيل بأنها معارضة فاسد من وجه صحيحة من آخر.
1 -
أنه جاء بحكم آخر فذهبت المناقضة إما صورة فظ وإما معنى فلما سيجىء أن الاستواء في كل منهما بمعنى آخر.
2 -
أنه جاء بحكم مجمل لتناوله الشمولين فيناسب الابتداء لا البناء مع أن المفسر أولى.
3 -
أن الاستواء الذي في الفرع غيره في الأصل فلم يكن المعدى حكم الأصل إلا من حيث الصورة ومقصود الكلام معناه وهذا هو النوع الثاني منه لأن فيه رد الشىء على سنن هو خلاف سننه ويسمى قلب التسوية فقيل لا يقبل للوجوه الأربعة وقيل يقبل وعليه الإِمام الرازى لأن فيه معنى القلب أي جعل الوصف لك بعد ما كان عليك ولذا عده صدر الإِسلام من أقسامه لكنه أضعف وجوه القلب لما مر مرتين والنوع الأول من العكس هو الحقيقي منه إذ فيه رد الشىء على سننه الأول كعكس المرآة إذا رد نور البصر بنوره حتى أبصر الرائي وجهه هذا عند بعض المتكلمين وعند المعتزلة والحق فيه عند أكثر الأشعرية وأهل السنة أن رؤيتها بخلق الله تعالى الصور فيها عند الاستعداد والمقابلة ولذا ينطبع صور الجمادات والأعمى ولا تزول صورة الرائي بنظره إلى غير المرآة يؤيد الأول توقف رؤيتها على محافظة نسبة زاوية الانعكاس لا بكل مقابلة مثاله ما يلتزم بالنذر يلتزم بالشروع كالحج وعكسه الوضوء وهذا ليس من المعارضة في شيء بل يصلح لترجيح العلة المنعكسة على غيرها لإفادته قوة الظن وثانيها معارضة خالصة فيه وهي المعارضة بدليل آخر فيها ما يثبت نقيض الحكم المعلل تعيينه نحو مسح الرأس ركن في الوضوء فيسن تثليثه كالغسل فنقول مسح فيه لا يسن تثليثه كمسح الخف.
ومنها ما يثبته بتغيير لكن فيه نفى لما أثبته الأول أو إثبات لما نفاه كقولنا في اليتيمة صغيرة فتنكح كالتي لها أب أو جد فيقال صغيرة فلا يولى عليها بولاية الأخوة كالمال فقد غير الأول حيث لم ينف مطلق الولاية بل ولاية بعينها لكن إذا انتفت هى انتفى سائرها بالإجماع أي لعدم القائل بالفصل.
ومنها ما يثبت حكمًا آخر يلزم منه ذلك النقيض كما في التي نعى إليها زوجها فنكحت وولدت ثم جاء الأول فهو أحق بالولد عند الإِمام رضي الله عنه لأنه صاحب فراش صحيح فيقولان الثاني صاحب فراش فاسد فيستحق النسب كمن تزوج بغير شهود
فولدت فالمعارض وإن أثبت حكمًا آخر لكن يلزم من ثبوته من الثاني نفيه من الأول لأن النسب لا يثبت من شخصين لا سيما في دفعتين أما في دعوى الشريكين ولد جارية مشتركة معًا والاثنين نسب اللقيط فإنما يثبت منهما حتى يرثهما ويرثانه لا بالشركة في النسب إذ الأب الحقيقي أحدهما بل لعدم الأولوية أضيف إليهما في حق الأحكام ولذا لو ظهر رجحان أحدهما بوجه تعين منه.
فإذا صح المعارضة احتيج إلى ترجيح الأول بأن صحة الفراش والملك أولى بالاعتبار من الحضور لأنها توجب الحقيقة وهو لفساده الشبهة ولا يقال بل في الحضور حقيقة النسب لأن الولد من مائة لأن الحديث يكذبه فإنه عاهر حقيقة وإن كان ذا فراش صورة فالقول للإمام لا لصاحبيه وإنما لم يذكر أقسام المحضة خمسة لأن ثاني القلب والعكس ببطلان الدليل أيضًا فليسا محضة وثالثها معارضة فيها مناقضة في المقدمة وهي النوع الأول من القلب وهو جعل هذا أو لأنه لا تغيير فيه بعد القلب والحق أن المتحقق فيه بعفض مفهومي المعارضة والمناقضة أعني إقامة الدليل وإن لم يكن على خلاف مدعي المعلل وإبطال الدليل وإن لم يكن بالتخلف وإنما يراد إذا كان العلة حكمًا شرعيًا وإلا لم يصبح جعله معلولا نحو قولهم الكفار جنس يجلد بكرهم مائة فيرجم ثيبهم كالمسلمين لأن كلا منهما غاية حديهما وبحسب كمال النعمة تفحش الجناية عليها فتغلظ النقمة وقولهم القرائة تكررت فرضًا في الأوليين وكان فرضًا في الأُخريين كالركوع والسجود فنقول المسلمون إنما بجلد يكرهم لأنه يرجم ثيبهم وإنما يكرر الركوع والسجود فرضًا في الأوليين لتكررهما فرضًا في الآخرين ولا يرد وهو المراد بالمخلص إذا ذكر بطريق الاستدلال لا التعليل إذا ثبت المساواة بينهما كالتوأمين لجريانه من الطرفين بخلاف التعليل كما بين اللزوم بالنذر والشروع إذا صح كما في الحج وبين الولاية في المال والنفس كما في البكر الصغيرة.
فالوجوب بالعزم فعلا كالوجوب بالعهد قولًا بل أولى من حيث أنه متصل بالركن وعامل في البناء ولأنهما معلولا علة واحدة هى الوفاء بالعهد قوليًا أو فعليًا وكذا الداعي إلى شرع الولايتين العجز والحاجة والنفس والمال سيان فيه والمساواة في المبني هى المعتبرة لا هى من كل وجه وقوة الحاجة إلى التصرف في المال كيلا يأكل الصدقة يعارضها قوتها في النفس من حيث قوة الكفو الخاطب وأصالة النفس بخلاف المثالين الأولين.
لهم فإن الجلد والرجم مختلفان في نفسهما فأحدهما ضرب والآخر قتل وفي شروطهما
كالإحصان وهو المراد بالنيابة أي بشرط الكمال.
وكذا القراءة قد تسقط بالاقتداء عندنا وبخوف فوت الركعة عنده دون الركوع والسجود وكذا الشفعان ولذا سقط أحد شطري القراءة والجهر من الثاني وإنما قلنا مرادهم بالمخلص عنه عدم وروده من الأول لا دفع الوارد لأن ترك التعليل إلى الاستدلال بعد القلب انتقال فاسد قيل لا يلزم انقطاعه بهذا القلب أذ لو صرح بعلية علته له أن يقول أردت بالعلة المعرف والتعريف من الطرفين جائز كالنار مع الدخان ذكره الرازى في المحصول وإن لم يصرح بقول غرضي الاستدلال.
وأقول أما الأول فبطلان المناسبة أو التأثير شرط صحة العلة فلا يكفي التعريف مع أنه من الطرفين في مناظرة واحدة دور لوجوب سبق المعرف.
وأما الثاني فعين ما ذكروه.
ورابعها المعارضة الخالصة في المقدمة وقد مر أقسامها الثلاثة مع الخلاف في قبولها.
الثامن عشر: الفرق قيل هو إبداء خصوصية في الأصل لها مدخل في التأثير وهو معارضة في الأصل قطعًا فقبلها بعضهم لأنه نافع في إظهار الصواب والحق ردها لما مر من الوجوه.
وقيل: إبداء خصوصية في الأصل هى شرط أو في الفرع هو مانع وله أن لا يتعرض لعدم الأول في الفرع فيكون معارضة في الأصل إن اعتبر الشرط جزءًا أو يراد به ما يتوقف عليه الوجود لا التأثير ولا العدم الثاني في الأصل فيكون معارضه في الفرع وعلى قول لا بد من التعرض لهما فيكون مجموع المعارضين وفيه نظر لأن التعرض لعدم الشرط في الفرع عدم العكس وهو فاسد والتعرض لعدم المانع في الأصل تقرير لحكمه فكيف يكون معارضة فيه وكذا دعوى المانع في الفرع إنما يكون معارضة فيه لوكان مانع الحكم أما لوكان مانع السبب كان عدم العكس أيضًا فالحق ما قاله أصحابنا أن مقصوده بيان عدم تلك العلة في الفرع ومآله المعارضة في الأصل بأن قيحًا آخر معتبر في علته شرطًا كان أو عدم مانع أو غيرهما حيث يعتبر كل منهما شرطًا للعلة أو شرطًا لوجودها لا لظهور أثرها فهو كهي قبولا وردًا.
التاسع عشر: اختلاف الضابط أي مناط الحكم مظنة كان أو حكمة في الأصل والفرع مثاله قولهم شهود الزور تسببوا للقتل فيقتص منهم كالمكره فيقال الضابط في الأصل الاكراه وفي الفرع الشهادة ولم يعتبر تساويهما في المصلحة وجوابه من وجهين:
1 -
جعل الضابط هو القدر المشترك كالمتسبب.
2 -
بيان إفضائه في الفرع مثل إفضائه في الأصل أو راجح فيه كما إذا كان الأصل المغري للحيوان على القتل فلا شك أن إفضاء التسبب بالشهادة أقوى منه بالإغراء فثمة داع كالانتقام وهنا مانع كنفرته عن الأدمى وعدم علمه بالإغراء فبعد ذلك لا يضر اختلاف أصل التسبب والقياس بين التسببين ومنه قياس إرث المرأة المبتوتة في مرض الموت على عدم إرث القاتل في نقض المقصود من ارتكاب المحرم والحكم إيجاب نقض الغرض لا الإرث وعدم الإرث.
ولا يجاب بإلغاء التفاوت فإن المفضي كقطع الأنملة والأشد إفضاء كضرب الرقبة سيان في القصاص إذ لا يلزم من الغاء فارق معين إلغاء كل فارق فقد ألغى علم القاتل وذكورته وصحته وعقله لا إسلامه أو ذمته في مقابلة الاستيمان.
قلنا: القصاص جزء المباشرة وإذا لم يؤثر التسبب في مثله وإن لم يكن من شأنه الاحتيال لدرئه كالكفارة فلان لا يؤثر في ذلك أولى كيف وقد تخلل بين شهادة الشهود وبين القتل قضاء القاضي واختيار الولى بخلاف الإكراه الملجئ حيث فسد اختيار المباشر وجعله كالألة المجبورة أما المغري فلا عليه إن لم يسق لتخلل فعل المختار وإن ساق فالدية وقد مر كله.
العشرون اختلاف جنس المصلحة في الأصل والفرع مثاله قولهما يحد باللواطة كما بالزنا لأنه إيلاج محرم في فرج محرم شرعًا مشتهى طلبًا فيقال المصلحة في الزنا منع اختلاط النسب المفضي إلى عدم تعهد الأولاد وفي اللواطة رذيلة ويعود إلى معارضة في الأصل بإبداء خصوصية فيه كأنه قال العلة ذلك مع إيجاب اختلاط النسب وجوابه جوابها بإلغاء الخصوصية كذا قيل والصحيح أنه كما قبله منع شرط للقياس هو أن يكون الفرع نظير الأصل في المقصود من عين العلة أو بعضها فجوابه بإثبات المساواة فيه سواء بإلغاء الخصوصية أو بإثباتها فيهما.
الحادى والعشرون مخالفة الحكمين حقيقة هو أول الاثنين للنوع الوارد على قوله فيوجد الحكم في الفرع إذ لا سبيل إلى منع نفسه لثبوته بدليله بل الاعتراض إما بمجرد دعوى المخالفة بين الحكمين أو بضم أن دليلك يقنض ذلك ويسمى القلب مثالها في قياس النكاح على البيع أو عكسه في عدم الصحة بجامع ما فنقول الحكم مختلف فعدم الصحة في البيع حرمة الانتفاع بالمبيع وفي النكاح حرمة المباشرة وجوابها أن البطلان عدم ترتب المقصود من العقد واختلافه لاختلاف المقصود عائد إلى خصوصية المحلين.
الثاني والعشرون: القلب حاصله دعوى استلزام وجود الجامع الطردي في الفرع مخالفة
حكمه لحكم الأصل إما بتصحيح السائل بذلك مذهبه كقول الشافعي رضي الله عنه مسح الرأس مسح في الوضوء فيكتفى بقليل من محله كمسح الخف أو بإبطال مذهب المعلل به ابتداء صريحًا كقوله فيه منح فلا يقدر بالربع كمسح الخف.
قلنا فلا يكفي بأقل قليل فيه كمسح الخف أو التزامًا كقوله ركن في الوضوء فيسن التكرار كغسل الوجه قلنا فلا يجوز الإخراج عن حقيقته كغسل الوجه فإن الإخراج عن حقيقة المسح لازم للشكر فنفيه نفى الملزوم وربما يمثل بقول الحنفية بيع غير المرئى بيع معاوضة فيصح مع الجهل بأحد العوضين كالنكاح فيقول الشافعي رضي الله عنه فلا يثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح وفيه بحث لأن خيار الرؤية وإن قال به الحنفية لكنه حكم آخر اجتمع معه اتفاقًا فلا يكون لازمًا فلا يستلزم نفيه نفيه لأن شرط الاستثنائى لزومية شرطيته وإن سلم لزومه فالنفى من جانب الملزوم لا يستلزم نفيه قيل هو قائل بهما فعنده بين بطلان أحدهما وثبوت الآخر منع الجمع فاستنثاء عين بطلانه يستلزم نقيض ثبوت الآخر.
قلنا ومن شرط ذلك أن يكون مانعة الجمع عنادية كيف ولو صح لصح الاستدلال من بطلان حكم قال به مجتهد على بطلان جميع أحكامه وبطلانه والحق أنه نوع من المعارضة كما مر يشترك فيه الأصل والجامع بين القياسين وإفراده بالذكر لأن فيه اختلافًا والمختار قبوله بل أولى به من المعارضة المحضة لأنه أبعد من الانتقال ولأن فيه هدم دليل المعلل لأدائه إلى التناقض ولأنه مانع له من الترجيح.
تنبيه:
مشايخنا لم يستعملوا القلب في كتبهم إلا بزيادة من السائل فيها تفسير لا تغيير.
وسره أن المعتبر عندهم العلة المؤثرة وهي لا تقلب إلا بها لامتناع تأثير الواحدة في النقيضين من جهة واحدة بخلاف العلل الطردية التي فيها الوجود مع الوجود فقد يتناول عدة.
الثالث والعشرون: القول بالموجب هو التزام السائل ما يلزمه المعلل بتعليله مع بقاء نزاعه في المقصود وهو المتعارف في النوع الوارد على قوله وذلك هو المطلوب.
فنقول لا نعلم بل النزاع باق لأن الدليل منصوب على غير المتنازع ويسمى عدم تمام التقريب ويعم جميع الأدلة أما في العلل فقد مر أنه يختص بالطردية إلا ظاهرًا أو يقع على ثلاثة وجوه:
أن يستنتج من الدليل ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملازمه ولا يكون كذلك إما
بتصريح عبارته كقول الشافعي رضي الله عنه في القتل بالمثقل قتل بما يقتل غالبًا فلا ينافي القصاص كالقتل بالخزق.
قلنا عدم المنافاة ليس محلا للنزاع ولا مستتر ماله فإنه وجوب القتل وأما يحمل السائل عبارته على غير مراده كقوله صوم رمضان صوم فرض فيجب تعيينه كصوم القضاء.
قلنا وجوبه في الجملة مسلم لكن محل النزاع إما أن الإطلاق تعيين في المتعين أو تعينه بعد التعين وإما التغيير الصريح قيل مدعاه التعين الصريح ولم يسلم وإلا فلا منع.
قلنا التسليم لظاهر إطلاقه ولو قيد فالممانعة.
وكذا في أكثر الأمثلة والأوجه في مثله أن يقال المراد إما التعين الصريح فلا يلزم من دليلكم وإما التعيين في الجملة فمسلم وحاصل بالإطلاق لأنه في المتعين تعيين لكنه خلاف مطلوبكم فعلى الأول ممانعة وعلى الثاني مما نحن فيه ونحوه قولهم المسح ركن في الضوء فيسن تثليثه.
قلنا المراد إما جعله ثلاثة أمثاله فمسلم وحاصل في الاستيعاب بزيادة لأن الحق أن ما زاد على الربع غير مقتضى النص كما مر وأما تكراره فلا نعلم لزومه من الركنية بل المسنون في الركن التكميل كما في أركان الصلاة بالإطالة لكن الغسل لما استوعب المحل صار تكميله بالتكرار والمحل هنا متسع فعلى الثاني ممانعة وقول زفر رحمه الله المرفق غاية فلا يدخل كالليل.
قلنا المراد أن لا يدخل إما تحت الغسل فغير لازم إذ ليس غاية له بل للإسقاط وإما تحت الإسقاط فمسلم لكن لا يلزم مطلوبكم فعلى الأول ممانعة.
2 -
أن يستنتج منه إبطال أمر يتوهم أنه مأخذ الخصم وهو يمنعه قيل وأكره من هذا الخفاء المأخذ بخلاف اشتباه المذهب لشهرته وتقدم تحريره كقول الشافعي رضي الله عنه في مسألة المثقل التفاوت في الوسيلة لا يمنع القصاص كالمتوسل إليه وهو أنواع الجراحات القاتلة.
قلنا مسلم ومن أين يلزم من عدم مانع ارتفاع جميع الموانع ووجود الشرائط والمقتضى وإنما يثبت الحكم بالجميع وكقوله السرِقة أخذ مال الغير بلا اعتقاد إباحة وتأويل فيوجب الضمان كالغصب بخلاف أخذ الباغي مال العادل وبالعكس.
قلنا نعم لكن اعترض ما يسقطه وهو استيفاء الحد فإنه بمنزلة الإبراء في إسقاط الضمان وكقوله في النفل باشر قربة لا يقضي في فاسدها فلا يقضى بالإفساد كالوضوء.
قلنا نعم حتى وجب القضاء فيما فسد بلا اختياره كمن شرع في النفل متيممًا ناسيًا الماء في رحله ثم تذكر في خلاله أو صب الماء في حلق الصائم لكن وجب القضاء بالشروع بالنص ولئن استبيح من علته فلا يقضى بالإفساد والشروع كالوضوء قلنا مسلم أن القضاء لا يجب بهما في قربة لا يقضي في فاسدها بل بالشروع في قربة تلزم بالنذر وعدم اللزوم لأمر لا ينافي اللزوم لأخر وكقوله في العبد المقتول خطأ في إيجابه قيمته بالغة ما بلغت مال لم يتقدر بدله بالتفويت كالفرس.
قلنا مسلم باعتبار المالية لكن يتقدر باعتبار الآدمية المعتبرة في الدية كما في الحر وسيأتي وجه نقضها من ديته وكقوله في إسلام المروي بالمروي أسلم مذروعا في مثله فيجوز كالهروي بالمروي.
قلنا مسلم باعتبار المذروعية لا باعتبار الجنسية وكقوله في المختلعة إنها منقطعة النكاح فلا يلحقها الطلاق كنقضية العدة.
قلنا نعم لكن يلحقها باعتبار اعتدادها عن نكاح صحيح لأن أثر ملك صريح بخلاف المعتدة عن فاسد وكقوله في تحرير الرقبة الكافرة عن كفارة اليمين أو الظهار تحرير في تكفير فلا يتأدى بها ككفارة القتل.
قلنا نعم لولا إطلاق صاحب الحق فإنه كإبرائه إذا لم يحمل المطلق على المقيد وهو الحق كما مر ومبنى الكل أن الصحة باعتبار لا تنافي عدمها بآخر وبالعكس فيقال من أين يلزم من صحته باعتبار صحته مطلقا.
والمختار بعد ما قال السائل ليس هذا مأخذي أن يصدق لأنه أعرف بمذهبه أو لعله بزعم أن المقلدة مأخذ آخر.
وقيل لا إلا ببيان مأخذ آخر إذ ربما يمنعه عنادًا وعلى ذلك قيل هذا القسم معارضة والحق أنه ممانعة في المقدمة القائلة واللازم هو المطلوب لأن قوله ليس هذا مأخذي كاف.
ومنه يعلم أن هذا القسم ليس بتخصيص العلة في الحقيقة لأن التخصيص يستدعى
سابق الاعتراف بالمأخذ الذي يروم تصحيحه ببيان المخصص المانع والغرض هنا إبطاله.
3 -
أن يسكت عن مقدمة مشهورة ويستعمل قياس الضمير فالسائل يسلم المذكورة ويمنع المطلوب للنزاع في المطوية ثم إن المطوية إما أن يحتمل أن ينتج مع المذكورة نقيض حكم المعلل كقوله المرافق لا تغسل لأن الغاية لا تدخل تحت المغيا كالليل يعني أنها غاية كالليل فلا تدخل مثله فهو قياس.
قلنا مسلم لكنه غاية للإسقاط ولو ذكر أنها غاية للغسل لم يرد إلا منعها وإما أن لا يحتمله كقوله يشترط في الوضوء النية لأن ما ثبت قربة فشرطه النية كالصلاة.
قلنا ومن أين يلزم اشتراطها في الوضوء فهذا يرد لسكوته عن الصغرى إذ لو ذكرها لم يرد إلا منعها نحو لا نعلم أن الوضوء ثبت قربة.
قال الجدليون فيه انقطاع أحد المتناظرين إذ لو بين أن المثبت مدعاه أو ملزومه والمبطل مأخذ الخصم أو لازمه أو الصغرى حق انقطع السائل وإلا فالمعلل وهذا في الأولين دون الثالث لاختلاف مراديهما فلو بين المعلل مراده لاستمر البحث بمنع الصغرى.
والجواب عن الأول ببيان أن اللازم محل النزاع أو مستلزم له إذ مرجعه إلى منع أحدهما.
وعن الثاني أنه المأخذ شهرة أو نقلا.
وعن الثالث أن المحذوف المقدر كالمنطوق به.
خالقة الفصل: الأسئلة: إما من نوع واحد كالاستفسار أو المنع أو المعارضة أو النقض فيجوز تعدده اتفاقًا أو من أنواع فمنعه أهل سمرقند ليكون أقرب إلى الضبط وإذا جوزناه فالمترتبة طبعًا كمنع حكم الأصل ومنع العلية إذ تعليل الشىء بعد ثبوته منعها الأكثرون لأن في ذكر الأخير تسليم الأول فيكفى جوابه ويلغو ذكر الأول والمختار جوازه لأن تقدير التمسليم لا يستلزمه في نفس الأمر وبعد جواز المترتبة فالواجب ترتيبها وإلا كان منعًا بعد تسليم وبعد وجوبه فالمناسب للطبع تقديم ما يتعلق بالأصل تم بالعلة لأنها مستنبطة منه ثم بالفرع لا بثنائه عليها وتقديم النقض على المعارضة لأن النقض لإبطال العلة والمعارضة لإبطال تأثيرها بالاستقلال وبالجملة الترتيب بالطبع كما وقع الترتيب بالوضع.
تذييل في وجوه الانتقال:
إذا دفعت العلل تعين الانتقال وهو أربعة أقسام لأنه إما في العلة أو في الحكم أو فيهما والأول اما لإثباتها أو لإثباته وغير الرابع صحيح.
فالأول هو الانتقال فيها فقط لاثباتها كمن قاس فمنع حجيته فأثبته بالأثر كقول عمر رضي الله عنه لأبي موسى أعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور فمنع حجيته فأثبته بخبر الواحد كقوله عليه السلام "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" فمنع حجيته فأثبته بالكتاب كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} [آل
عمران: 187] الآية أوعد كل واحد بترك البيان لأن الاستغراق بمعنى كل فرد فيكون بيانه حجة.
ومنه إثبات وصف القياس بعد ما منع كإثبات أن إيداع الصبي تسليط على الاستهلاك.
والثاني وهو الانتقال في الحكم فقط حين قال السائل بموجبه ونازع في أمر آخر فإن إثبات حكم آخر بتلك العلة آية كمال الفقه وصحة وصفه كقولنا الكتابة عقد يقال بالتراضي ويفسخ بالتعجيز فلا يمنع الصرف إلى الكفارة كإجارة العبد وبيعه بالخيار.
فإذا قيل بالموجب مسلم أنه لا يمنع بل تمكن النقصان في رقه هو المانع كعتق أم الولد والتدبير.
قلنا لما قبل الفسخ لم يوجب نقصانًا مانعًا من الصرف إليها لأن كل ما أوجب نقصانًا لا يقبل الفسخ اعتبارًا لبعض الحرية بكلها فكذا عكس نقيضه.
فإذا قيل بالموجب نعم لكن يتضمن معنى يمنع الصرف وهو صيرورته إما كالزائل عن ملك المولى ولذا يلزمه الإرش لو جنى عليه ويضمن قيمته لو أتلفه وعقر مكاتبته لو وطئها وإما كغائب المنفعة لأن منافعه ومكاسبه صارت لنفسه.
قلنا لما احتمل الفسخ وجب أن لا يتضمنه كالبيع بالخيار وقد زال به عن ملكه من وجه وهو بالنظر إلى السبب وكالإجارة المفوتة للمنافع عن ملكه.
والثالث الانتقال فيهما ولا بد من كون الثاني مما يحتاج إليه الأول وإلا كان حشوا كما إذا انتقل إلى حكم بعدما قال السائل بموجب ونازع في حكم آخر لم يتمكن المعلل من إثباته بالعلة الأولى فأثبته بعلة أخرى نحو قوله المسح ركن في الوضوء فيسن تثليثه وحين قيل بالموجب لكن بلا تكرار قال فرض فيه فيسن تكراره وفيه ضرب غفلة حيث لم يعلم المعلل موضع النزاع في أول تعليله.
والرابع: وهو الانتقال فيها فقط لإثباته يعد انقطاعا لأنه لم يقدر على الوفاء بما التزمه من التعليل بخلاف الأقسام السابقة فإن أثر التعليل قد تم فيها أو سلم للقول بموجبه ولأنه يفضي إلى طول المناظرة لأنه كلما رد تعلق بآخر ولم يحصل مقصود المجلس والشىء يفوت بفوت مقصوده.
وإنما قلنا يعد لأنه عرف مخصوص للنظار صيانة لمجلس الأبرار عن الإكثار وإلا فطلب ظهور الثواب يجوزه طال أو قصر جواز الانتقال في البينات لإثبات الحقوق والفرق بينهما أن تعدد المجلس متعارف في إثباث الحقوق لا المناظرة وأن البينة لا تصحب المدعى غالبًا بخلاف العلة.