الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خبر الزكاة، مثلا اعتقاد وجوبه.
3 -
أن الشهادة لخصوصها تؤثر المحبة والعداوة ويجرى المساهلة فيها والخبر عام والذي ترى شهود الزور أكثر من رواة المفترى.
وأما المكلمة: فربما يظن أنها شرط الصحة وليست.
فمتها العدد عند الجبائي، حيث شرط لقبوله أحد أمور أربعة: خبرا آخر، أو موافقة ظاهر له، أو انتشاره بين الصحابة، أو عمل بعضهم بموجبه.
وزاد في خبر الزنا رواية أربعة من العدول ويكفى في بطلانه ما تقدم من عمل الصحابة بلا عدد وإنفاذ الآحاد للتبليغ وغيرهما، ومن الجواب عن توقفهم في قبول المنفرد ونحو قوله تعالى:{وَلَا تَقْفُ} [الإسراء: 36].
ومنها البصر والذكورة وعدم القرابة والعداوة لأن أضدادها فادحة في الضبط والعادلة بخلاف الحرية فإن قدح الرق في الولاية وهي ليست من لوازم الرواية وجوابه ما مر من الحروف الفارقة مع قبول الصحابة رواية الأعمى وعائشة رضي الله عنها وغيرهما.
ومنها الإكثار من الرواية، وقد قبلت الصحابة حديث أعرابي لم يرو غيره نعم أثره في الترجيح عند التعارض.
ومنها كون الراوي معروف النسب وألحق قبوله إذا عرفت عدالته وإن لم يكن له نسب فضلا عن معروفيته.
ومنها الفقه والعربية أو معرفة معنى الحديث فيقبل بدونها لقوله عليه السلام "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، أما اشتراط موافقته للقياس عند أصحابنا فليس مطلقًا بل عند عدم فقه الراوي لما مر من احتمال نقله بالمعنى ولم يطلع على عنه مراده لا ينافيه عدالة الراوي وظهور صدقه.
الفصل الثالث: في الانقطاع
وهو نوعان: ظاهر، وباطن؛ لأنه إما صورة أو معنى.
والظاهر هو الإرسال بأقسامه الأربعة لأنه إما من كل وجه، فمن الصحابة أو القرنين بعدهم أو من دونهم، وإما من وجه فقط.
والباطن إما بالمعارضة بأقسامه الأربعة لمخالفته الكتاب أو السنة المعروفة، أو لشذوذ فيما عم به البلوى لمحالصلاة ومقدماتها لحاجة الكل إليها أو لإعراض الصحابة عنه وإما لقصور في الناقل بأقسامه الأربعة لانتفاء إحدى الشرائط الأربع.
فبيان الأقسام الاثني عشر في ثلاث مباحث:
الأول في الإرسال
الحديث إما مستند؛ وهو الذي يرويه واحد عن واحد رآه وسمع منه بإحدى الطرق الآتية متصلة إلى من سمع من النبي عليه السلام.
وإما مرسل وهو الذي يرويه عمن لم يسمع منه فمرسل الصحابي مقبول إجماعًا لأن قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر في سماعه بنفسه فيحتمل عليه إلا أن يصرح بالرواية عن غيره وإن احتمل غيره (1) كما قال البراء بن عازب ما كل ما تحدثه سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما حدثنا عنه لكنا لا نكذب وكذا مرسل القولين بعدهم عندنا وعند مالك وحماد وإبراهيم النخعي خلافًا للشافعي حيث شرط لقبوله أحد أمور خمسة:
1 -
أن يسنده غيره أو نفسه مرة أخرى كمراسيل سعيد بن المسيب حيث أوردها مسانيد قيل عليه، العمل بالمسند، واعتذر بأن مقصود جواز العمل به وإن لم يثبت عدالة رواة المسند أو أن العمل لا يحتاج إلى تعديلهم وفيه نظر لأن العمل بحديث المستور والمجهول غير جائز عنده وإن تعدد والظن الحاصل بانضمام الإرسال لا يربو عنده على الحاصل بانضمام إسناد آخر.
2 -
أن يرسل آخر وعلم أن شيوخهما مختلفة قبل عليه ضم الباطل إلى مثله لا يوجب القبول واعتذر بأن الظن رلما لا يحصل بأحدهما أو لا يقوى ويراد أن تعدده لا يربو على تعدد الإسناد إلى المستور أو المجهول عنده.
3 -
أن يعززه قول صحابي.
4 -
أن يعززه قول أكثر أهل العلم ولا شك أن انضمام هذين يقوى الظن لكن الكل في أن مثل هذا الظن كاف في الحجية عنده.
5 -
أن يعلم من حال الراوي أنه لا يرسل إلا بروايته عن عدل وهذا صحيح وموافق لمذهبنا لأن كلامنا في مثله وعند البعض لا يقبل مطلقًا وعند بعض المتأخرين إن كان الراوي من أئمة نقل الحديث قبل وإلا فلا فإن ما أرادوا بأئمته من لو أسند لقبل إذ هو عدل لا يروى إلا عن عدل فذلك مذهبنا وإلا فلا بد من تصويره.
لنا أولًا عمل الصحابة به كأبي هريرة في قوله عليه السلام "من أصبح جنبًا فلا صوم له حتى أسند بعد رد عائشة إلى الفضل بن عباس وكابن عباس رضي الله عنهما في أن لا ربا إلا في النسيئة حتى أسند بعد المعارضة بحديث ربا النقد إلى أسامة بن زيد وشاع أمثاله
(1) انظر: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/ 174)، اللمع لأبي إسحاق الشيرازى (41)،
شرح الكوكب المنير (2/ 581)، المختصر في أصول الففه لابن اللحام ص (109)، بتحقيقنا.
ولم ينكر.
وثانيًا: اتفاق الصحابة على قبول روايات ابن عباس رضي الله عنهما مع أنه لم يسمع منه عليه السلام إلا أربع أحاديث كما ذكره الغزالي رحمه الله أو بضعة عشر كما ذكره السرخسي رحمه الله واعترض عليهما بأنه استدلال في غير محل النزاع إذ لاكلام في قبول مراسيل الصحابة لعدالتهم وجوابه أن وجوب عدالتهم مختلف فيه كما سيجيء وقبول مراسيلهم متفق عليه لكن بيننا وبين الشافعي لا بين الكل إذ منهم من يردها أيضًا، ذكره في جامع الأصول فهذا الاستدلال عليهم.
وثالثًا: إرسال الثقة من التابعين كابن المسيب في الميدنة ومكحول من الشام وعطاء بن أبي رباح من مكة وسعيد بن أبي هلال من مصر والشعبي والنخعي من الكوفة، والحسن البصري من البصرة، حتى قال إذا اجتمع أربعة من الصحابة أرسلته وغيرهم ولم ينكر أحد فكان إجماعًا، حتى قال البعض رد المراسيل بدعة حادثة بعد المائتين ولا يلزم عدم جواز تكفير المخالف أو تخطئته قطعًا لأن ذلك في الإجماع الضروري لا في الاستدلالي أو الظني.
ورابعًا: لو لم يكن المروى عنه عدلا لكان جزمه بالإسناد الموهم لسماعه عن عدل تدليسًا، وهو بعيد من الثقة.
وخامسًا: أن الكلام في إرسال من لو أسند إلى غير، لا يظن به الكذب فلان لا يظن به كذبه على الرسول وفيه زيادة الوعيد أولى ولذا قلنا بأنه فوق المسند ولأن المعتاد أن العدل إذا لم يتضح له طريق الاتصال رواه ليحمله ما تحمله وإذا وضح طواه غير أنه ضرب مزية يثبت بالاجتهاد فلم يجز نسخ الكتاب به بخلاف المتواتر والمشهور إذ مزيتهما لمعنى في نفسهما وهو قوة الاتصال.
قيل: فيه بحث لأن العدالة التي هي شرط القبول معلومة في المسند بالتصريح وفي المرسل بالدلالة والصريح أقوى منها ولأن الراوي الثقة ربما يظن الواسطة عدلا فيطويها ولعله لا يظهر عند السامع كذلك فليزم التصريح كيلا يلزم التقليد والجواب عنه:
1 -
أن المصرح به ذكر العدل لا عدالته فضلا عن قوتها والمفهوم من دلالة عادة الطى قوة العدالة فأين أحدهما عن الآخر. وعن:
2 -
أنه وارد فيما إذا عدله الراوي بصريح لفظه وليس مردودًا والاتباع لغلبة الظن بالصدق المخصوص ليس تقليدًا.
وسادسًا: قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] إما إلزاميًّا فإن
عدم الشرط ملزوم عدم المشروط عند الخصم، وإما تحقيقيًّا؛ حيث يفيد صحة القبول عند عدم الفسق بالطريق الكلف وفيها المقصود، لهم.
أولًا أن جهالة الصفة تمنع صحة الرواية فجهالة الذات والصفة أولى، قلنا الثقة لا يتهم بالفعلة عن صفات من سكت عن ذكره ولذا لو قال حدثني الثقة صحت روايته.
وثانيًا: أنه لو قبل لقبل في عصرنا إذ لا تأثير للزمان، قلنا ملتزم في الثقة أولًا ثم الملازمة، لما للشهادة بالعدالة ثمة أو لجريان العادة بالإرسال بلا دراية أصحاب الرواية هنا.
وثالثًا: لو جاز لم يكن في الإسناد فائدة فكان ذكره إجماعًا على العبث وهو ممتنع عادة، قلنا: لا نعلم اللزوم، فمن فوائده معرفة رتب النقلة للترجيح وكون القبول متفقًا عليه وكون الراوي متفقًا على عدالته.
وأما مرسل من دون القرنين فقال مشايخنا منهم الكرخي يقبل من كل عدل لبعض ما ذكر وبعضهم منهم ابن أبان لا يقبل لأنه زمان فشو الفسق ولتغير عادة الإرسال إلا أن يروى الثقات مرسلة كما رووا مسنده كمراسيل محمَّد بن الحسن وأما المرسل من وجهه فبعض أهل الحديث رد الاتصال بالانقطاع ترجيحًا للجرح على التعديل وعامتهم على العكس وهو الصحيح لأن الساكت لا يعارض الناطق وربما يطلق أصحاب الحديث المنقطع على معان أخر:
1 -
أن لا يسمع بعض الرواة ممن روى عنه.
2 -
أن يروى عن رجل ولا يسميه جهلًا به لكونه معروفًا.
3 -
أن يترك بين الراوين راو كما يطلقون المعضل على ما يرويه تبع التابع من الرسول عليه السلام، إذا لم يظهر اتصاله أصلا أو لا يرويه عن أحد كالموقوف، ثم يوجد متصلًا، والموقوف على قول الصحابي أو من دونه.
المبحث الثاني: في الانقطاع بالمعارضة:
أما ما خالف الكتاب فلأن اليقين لا يترك دمًا فيه شبهة سواء فيه الخاص والعام والنص والظاهر فلا يخص العام قبل التخصيص ولا يزاد على الخاص ولا يترك الظاهر بخبر الواحد عندنا خلافًا للشافعي رضي الله عنه لأن المتن أصل ومتن الكتاب لا شبهة فيه كسنده فوجب ترجيحه قبل المصير إلى المعنى، ولقوله عليه السلام: "يكثر لكم
الأحاديث من بعدى" (1). الحديث، فإبطال اليقين بالشبهة فتح باب البدعةكما أن رد الخبر الذي هو حجة والعمل بالقياس أو استصحاب الحال الذي في طريقه أو حجيته شبهة فتح باب الجهل وله أمثلة:
1 -
حديث فاطمة بنت قيس أن الرسول عليه السلام لم يفرض لها نفقة ولا سكنى وقد طلقت ثلاثًا لمخالفته قوله تعالى: {أَسْكنُوهُنَّ} [الطلاق: 6] الآية، ففي السكنى ظاهر وفي النفقة لأن المعنى وأنفقوا من وجدكم لقراءة ابن مسعود كذلك والضمير للنساء المطلقة فبعمومها يتناول المبتوتة الحائل وفيها خلاف الشافعي رضى الله عنه وظاهر الكتاب أولى من نص الآحاد وإفراز أولات الحمل لدفع وهم سقوط النفقة عند طوله ولذا قال عمر رضي الله عنه "لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا"(2)، الأثر.
والسنة ما قال سمعته عليه السلام يقول للمطلقة الثلاث النفقة والمسكنى ما دامت في العدة وقيل مراده بالكتاب والسنة القياس الثابت بهما أي: على الحامل والرجعية.
2 -
حديث زيد بن ثابت في القضاء بشاهد ويمين، ففط المبسوط أنه بدعة وأول من قضى به معاوية ولذا رده زيد بن جابر وثابت أيضًا لمخالفته قوله تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ} [البقرة: 282] الآية.
فأولا لأن التفسير بعد الإيهام يراد به القصر استعمالا كما في "يشيب ابن آدم
…
"
الحديث فلا يرد منع الإجمال والقصر إذ المراد بالقصم الاستعمالي ما هو خارج عن الطرق المدونة والأئمة لا تتهم في النقليات.
وثانيًا: لأن قوله تعالى: {وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] على تقدير أن يكون ذلك إشارة إلى العدد المذكور للشاهد كما قال بعض المفسرين والأئمة لا تتهم يكون بمعنى الأقل ولا مزيد على الأقل وكون العدد أقسط إلى أعدل عند الله وأقوم على أدائها بالنسبة إلى الواحد ظاهر لأن التعدد عنده يتوجح الظن بالصدق ويتقوى الأداء بالتذاكر.
وثالثها: أنه انتقل بعد الرجلين إلى غير المعهود وهو شهادة النساء فإنهن لخلقهن
(1) لم أجده.
(2)
أخرجه ابن حبان في صحيحه (10/ 63) ح (4250)، وأبو عوانة في مسنده (3/ 184) ح (4620)، والدارمي في سننه (2/ 218) ح (2274)، والبيهفى في الكبرى (7/ 475)، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 137)، وعبد الرزاق في مصنفه (4/ 24) ح (12027)، والطحاوي في شرح معانى الآثار (3/ 67)، وإسحاق في مسنده (1/ 224) ح (7)، وابن أبي عاصم في الآحاد (6/ 10) ح (3187).
لتمرار والستر يمنعن عن الحضور عن الحكم إلا للضرورة وذلك استقصاء في بيان أن ليس وراء الأمرين ما يصلح حجة كما انتقل في الآية الأخرى إلى شهادة الكفار حين كانت حجة بقوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] وإلى يمين الشاهد بقوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] مع إنه ليس ليشروع أصلا ويمين الخصم مشروع في الجملة كما في التحالف.
3 -
خبر المصراة لمخالفته قوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194] الآية.
4 -
حديث مس الذكر فإنه كالبول عند الخصم فكَما لا مدحِ به لا يمدح بهذا وقد مدح به في قوله تعالى في أهل قباء المستنجين بالماء: {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: 108] قيل المدح من حيث التطهر لا المس وإن كان لازمه وأيضًا النقض بالمس بعد الطهارة لا مطلقًا فلا ينافيه مجح غير الناقض وجوابه أن ناقضية المس من حيث إنه مظنة ثوران الشهوة الداعية إلى إنزال ما يوجب الغسل أو الوضوء أو الغسل وإن قل عند القائل به والتطهر المشتمل على مظنة ما يوجب إعادته لا يناسب المدح به والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب فلا يدفعه كون سبب نزوله الغسل من الجظ بة وأما ما خالف السنة المشهورة فلأنها فوقه كحديث الشاهد واليمين لمخالفته قوله عليه السلام البينة على المدعى واليمين على من أنكر إما لأن القسمة تنافى الشركة وإما لأن تعريف المتبدأ بلام الجنس يقتضي الحصر وكحديث سعد بن أبي وقاص أنه عليه السلام سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال: "أينقص إذا جف؟ قالوا: نعم قال: فلا إذًا"(1).
وقد تمسك به الصاحبان في فساده حيث اعتبرا المساواة في أعدل الأحوال وهو حال الجفاف. قلنا إن كان الرطب تمرًا كما يدل عليه قوله نهى عن بيع التمر حتى يزهى أي يحمر أو يصفر، وقول الشاعر:
وتمر على رأس النخيل وماء
ولذا لو أوصى بالرطب فيبس قبل الموت لا تبطل كما تبطل بالعنب فصار زبيبًا قبله ولو أسلم في تمر فقبض رطبًا أو بالعكس لم يكن استبدالا والمعتبر في المماثلة حال العقد لا حالة مفقودة يتوقع حدوثها فقد خالف قوله عليه السلام "التمر بالتمر"(2) الحديث.
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (11/ 372) ح (4997)، والحاكم في مستدركه (2/ 44) ح (2264)، والنسائي في الكبرى (2214)، ح (6173)، والإمام ًا حمد في مسنده (1/ 179) ح (544).
(2)
أخرجه البخاري (2/ 760) ح (2062)، ومسلم (3/ 1211) ح (1588).
والاختلاف في الصفة غير معتبر لقوله عليه السلام "جيدها ورديها سواء" وكذا التفاوت إذا لم يرجع إلى القدر بخلاف المنتفخة بالقلي حيث لم يجز.
قالا الرطب ليس بتمر كما في اليمين. قلنا بناؤها على العرف الطارىء وشأن اليمين أن تتقيد بوصف دعا إليها وإن لم يكن تمر فقد خالف قوله عليه السلام إذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم وأما ما شذ فيما بين الصحابة فيما عم به البلوى فلاستحالة أن يخفى عليهم ما يثبت به حكم الحادثة المشتهرة بينهم عادة فإذا لم ينقلوه ولم يتمسكوا به دل على زيادته وانقطاعه لمعارضة القبضة العقلية القائلة لو وجد لاشتهر وأدلة وجوب التبليغ عليهم ولذا لا يقبل شهادة الواحد من المصر إذا لم يعتل المطلع بخلاف ما إذا كان علة أو جاء من موضع آخر كحديث الجهر بالتسمية مع أنه معارض بأحاديث أقوى في الصحة وحديث مس الذكر والوضوء مماسته النار ومن حمل الجنازة ورفع اليدين قبل الركوع وبعده.
وأما ما أعرض عنه الصحابة رضي الله عنهم فلأنهم الأصول في نقل الشريعة فإعراضهم عنه عند اختلافهم إلى الرأي دليل انقطاعه فقد عارض إجماعهم على ترك العمل به فيحمل على السهو أو النسخ أو بأول والمراد اتفاق غير ذلك الراوي كحديث الطلاق بالرجال فقد ذهب عمر وعثمان ورواية زيد وعائشة إلى اعتباره بالرجل وعلى وابن مسعود بالمرأة وابن عمر بمن رق منهما ولم يتمسكوا إلا بالرأي.
وكقوله عليه السلام "ابتغوا في أموال اليتامى خيرًا كيلا يأكلها الصدقة أو الزكاة" فذهب على وابن عباس إلى عدم وجوبها في مال الصبي وابن عمر وعائشة إلى الوجوب وابن مسعود رضي الله عنه إلى أن يعد الوصي السنين عليه فيخبره بعد البلوغ فيؤدى إن شاء ولم يحاجوا إلا بالرأي وهذان الانقطاعان قول عامة المتأخرين وبعض المتقدمين من أصحابنا خلافًا لبعضهم ولعامة الأصولين والمحدثين فالوظيفة في المسائل المذكورة فيهما أن يجاب لمعارضة أحاديث أخر أقوى في الصحة كما روى البخاري بإسناده عن أنس في عدم الجهر بالتسمية وغيره أو يطعن في الرواية كما أن الطلاق بالرجال موقوف على زيد رضى الله عنه مع أنه معارض بحديث عائشة رضي الله عنها طلاق الأمة تطليقتان فتأويله انقطاع الطلاق إليهم وتأويل الصدقة في الحديث الآخر بالنفقة لإضافتها إلى جميع المال ولمعارضة أحاديث أخر فقد تسمى النفقة صدقة كما قال عليه السلام نفقة الرجل على نفسه صدقة وينفقون مفسر بها والزكاة محمولة على زكاة الرأس وهو صدقة الفطر.
للمخالفين فيهما أن الخبر حجة على الكل فإذا صح سنده لا يقدح شذوذه وترك
الصحابة العمل به فإنهم محجوجون به كغيرهم وفي الأول خاصة قبول الأمة له في تفاصيل الصلاة ونحوها وإن القياس مع أنه أضعف يقبل فالخبر أولى وفي الثاني خاصة إن ترك العمل يحتمل أن يكون لمعارض أو فقد شرط والجواب عن:
1 -
إن الاستحالة العادية معارض عقلي راجح. وعن:
2 -
منع الشذوذ فيما تمسكوا به من نحونا قضية القصد والحجامة والقهقهة والتقاء الختانين وقبول القياس لأنه آخر الأدلة وعن:
3 -
إن ترك من يذهب إلى موجبه الاستدلال به لا يحتمل المعارض ولو سلم فالغرض استحقاقه أن لا يعمل به بأي وجه كان مع أنه لو كان لأظهروه وتمسكوا به عادة لا بالقياس على أن الأصل عدم مانع آخر بل هو بعيد والاحتمالات البعيدة لا تنفى الظهور فعدم عمل الشافعي بالانقطاع الباطن المعنوي كمخالفة الكتاب والحديث المشهور والشذوذ فيما عم به البلوى مع العمل بالانقطاع الصوري في المرسل وعكسنا دأبنا في اعتبارنا المعاني واعتباره الصور.
المبحث الثاني: في الانقطاع لقصور في الناقل:
وقد تقدم حكمه في الرواية والشهادة، أما في غيرهما فخبر الصبي والمعتوه أي المختلط العقل بلا زوال، قيل: كالعاقل البالغ لقبول أهل قباء خبر ابن عمر رضي الله عنهما بتحويل القبلة إلى الكعبة وهو صغير لأنه كان قبل بدر بشهرين وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر بيوم واحد وهو ابن أربعة عشر سنة فرده لصغره والمعتوه ملحق به وقيل كالفاسق يجب ضم التحري لقصور في عقلهما.
والصحيح من مشايخنا أنهما كالكافر لا يقبل خبرهما في الديانات بحال وإن عقلا لأنه لا يلزمهما ولو قبل على غيرهما يكون ملزمًا ولا يصلح لأن الولاية المتعدية فرع القائمة ولا إلزام بما على أنفسهما لتوقف تصرفهما على رأى الولي ألا يرى أن الصحابة لم ينقلوا ما تحملوا في صغرهم إلا في كبرهم.
والجواب عن حديث قباء أن اعتمادهم على رواية أنس رضي الله عنه فقد روى أنه الذي أتاهم فيحمل على إتيانهما معًا ولو سلم فكان ابن عمر رضي الله عنهما ذا أربعة عشر سنة ويجوز البلوغ حينئذ ورده عن الحرب كان لضعفه وأما خبر المغفل الذي غلب على طبعه الغفلة فمثلهما لا يقبل لترجح السهو وكذا المساهل أي المجازف الذي لا يبالي بالسهو والتزوير ولا يشتغل بتداركهما فقد يكون العبادة ألزم من الخلقة لكن تهمة الغفلة بدون الغلبة ليست بشىء إذ قلما يخلو عامة البشر عن ضرب غفلة.