المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: في المعاملات الخمسة - فصول البدائع في أصول الشرائع - جـ ٢

[الفناري]

فهرس الكتاب

- ‌ المقصد الأول ففي الأدلة الأربعة

- ‌الركن الأول من الكتاب

- ‌فالمقدمة فيها مباحث:

- ‌الأول: فيما يتعلق بتعريفه

- ‌الثاني: أن المنقول آحادًا ليس بقرآن

- ‌الثالث: يجوز العمل بالقراءات الشاذة إذا اشتهرت

- ‌الفصل الأول في الخاص

- ‌الأول: في حكم مطلقه وضعًا

- ‌المقام الثاني في حكم قسمه المسمى بالأمر:

- ‌المقام الثالث في حكم النهى الذي يقابله

- ‌الفصل الثاني في العام

- ‌الأول: في حكمه

- ‌أحدهما فيما قبل التخصيص:

- ‌البحث الثاني: فيما بعده

- ‌الأولى: في تعريف التخصيص

- ‌الثانية: في جوازه في جميع العمومات

- ‌الثالثة: في أنه في الباقي يعد التخصيص حقيقة أم مجاز

- ‌نظائر الثلاثة من الفروع

- ‌المقام الثاني في ألفاظ العموم

- ‌المقام الثالث: في شتائت مباحث العموم

- ‌الفصل الثالث في حكم المشترك

- ‌الفصل الرابع في حكم المؤوَّل

- ‌الفصل الخامس في حكم الظاهر

- ‌الفصل السادس في حكم النص

- ‌الفصل السابع في حكم المفسر

- ‌الفصل الثامن في حكم المحكم

- ‌الفصل التاسع في حكم الخفي

- ‌الفصل العاشر في حكم المشكل

- ‌الفصل الحادي عشر في حكم المجمل

- ‌الفصل الثاني عشر في حكم المتشابه

- ‌الباب الأول في المجمل

- ‌الأول: قد مرت الإشارة

- ‌الثاني: فيما اختلف في إجماله:

- ‌الباب الثاني في المبين

- ‌المبحث الأول

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث

- ‌المبحث الرابع

- ‌المقصد الأول في بيانيّ التقرير والتفسير

- ‌المقصد الثاني في بيان التغيير

- ‌للواقفية المشتركة

- ‌أولا: حسن الاستفهام

- ‌وثانيًا: صحة الإطلاق

- ‌الأول في حده

- ‌الثاني في تقسيمه

- ‌الثالث في أنه إما واحد أو متعدد على الجمع

- ‌ تخصيص العام:

- ‌المبحث الأول

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث في جواز تخصيص الكتاب بالكتاب

- ‌المبحث الرابع في جواز تخصيص السنة بالسنة

- ‌المبحث الخامس في جواز تخصيص السنة بالقرآن

- ‌المبحث السادس في جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد

- ‌المقصد الثالث في بيان الضرورة

- ‌المقصد الرابع في بيان التبديل

- ‌الفصل الثالث عشر في حكم الحقيقة

- ‌فصل

- ‌الفصل الرابع عشر في حكم المجاز

- ‌الفصل الخامس عشر: في حكم الصريح

- ‌الفصل السادس عشر: في حكم الكناية

- ‌الفصلين السابع عشر والثامن عشر في حكم الدال بعبارته وإشارته

- ‌الفصل التاسع عشر: في حكم الدال بدلالته

- ‌الفصل العشرون: في حكم الدال بالاقتضاء

- ‌الركن الثاني: من السنة وفيها مقدمة وعدة فصول

- ‌الفصل الأول: في تقسيمه باعتبار الاتصال

- ‌الفصل الثاني: في الراوي

- ‌الفصل الثالث: في الانقطاع

- ‌الفصل الرابع: في محل الخبر

- ‌الفصل الخامس: في وظائف السمع

- ‌الفصل السادس: في الطعن

- ‌الركن الثالث في الإجماع: وفيه مقدمة وعشرة فصول

- ‌أما المقدمة ففي تفسيره

- ‌الفصل الأول في إمكانه

- ‌الفصل الثاني في إمكان العلم به

- ‌الفصل الثالث في إمكان نقل العالم إلى المحتج به

- ‌الفصل الرابع: في حجيته

- ‌الفصل الخامس: في ركنه

- ‌الفصل السادس: في أهلية من ينعقد به

- ‌الفصل السابع: في شروطه

- ‌الفصل الثامن: في حكمه

- ‌الفصل التاسع: في سببه

- ‌الفصل العاشر: في مراتبه

- ‌الركن الرابع: القياس

- ‌الفصل الأول: في معناه

- ‌الفصل الثاني: في شروطه

- ‌الفصل الثالث: في أركانه

- ‌الفصل الرابع: في حكمه

- ‌خاتمة الفصول في عدة تقسيمات للقياس:

- ‌الفصل الخامس: في دفعه

- ‌الفصل السادس: في بيان أسباب الشرائع

- ‌الأول في الأسباب

- ‌المبحث الأول: في الاعتقادات وهي الإيمان بتفاصيله

- ‌المبحث الثاني في العبادات

- ‌المبحث الثالث في المعاملات

- ‌المبحث الرابع في المزاجر

- ‌القسم الثاني في حكم الأحكام أي مصالحها المشروعة هى لها

- ‌المبحث الأول: في الاعتقادات حكمتها

- ‌المبحث الثاني: في العبادات

- ‌المبحث الثالث: في المعاملات الخمسة

- ‌المبحث الرابع: في المزاجر

- ‌الفصل السابع: في غير الأدلة الأربعة

- ‌الأول في الصحيحة

- ‌الأول: في شرع من قبلنا

- ‌المبحث الثاني: في تقليد صحبه عليه السلام

- ‌المبحث الثالث: في الاستدلال

- ‌القسم الثاني: في الأدلة الفاسدة:

- ‌المقصد الثاني: فيه ركنان للتعارض والترجيح

- ‌أما الأول ففيه مباحث

- ‌الأول في تفسيره

- ‌الثاني: في حكمه

- ‌الثالث: في المخلص عنه

- ‌الركن الثاني في الترجيح: وفيه فصول

- ‌الأول في تفسيره

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في تقسيمه

- ‌الفصل الرابع: في وجوه ترجيح القياس بحسب التأثير

- ‌الفصل الخامس: في وجوهه بين المنقولين

- ‌الأول ما بحسب السند

- ‌الأول الراوي ورجحانه

- ‌المورد الثاني: الرواية وفيه وجوه

- ‌المورد الثالث المروى: وفيه وجوه

- ‌المورد الرابع المروى عنه

- ‌الصنف الثاني: ما بحسب المتن

- ‌الصنف الثالث: ما بحسب المدلول

- ‌الفصل السادس في وجوهه بين المعقولين

- ‌الفصل السابع في بيان المخلص

- ‌الفصل الثامن

- ‌الخاتمة ففى الاجتهاد وما يتبعه من مسائل الفتوى

- ‌الفصل الأول في تفسير الاجتهاد وشرطه

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في مسائل متعلقة الاجتهاد

- ‌الفصل الرابع في مسائل الفتاوى

- ‌الأول في المفتي

- ‌القسم الثاني: في المستفتي

- ‌القسم الثالث فيما فيه الاستفتاء

الفصل: ‌المبحث الثالث: في المعاملات الخمسة

النفس اختيارًا بمفارقة الأهل والمأنس ودخول البادية مع خوف القطاع كدخول البرزخ وأهواله وثواب الإحرام كالكفن ففيه لخرم عن جميع لذات الشهوات المكدرة للروح واستلام الحجر تجديد عهد يوم الميثاق لأنه يمين الله تعالى والعرفات كالعرصات فيه يتمثل قوله "موتوا قبل أن تموتوا" وبهذه الموتة الاختيارية حصول الحياة الطيبة ولذا كان ماشيًا أفضل إلا إذا ساء خلقه مع المشى لأن مقصود المجاهدات لخسين الخلق.

ولتفاصيل وظائفه أسرار يقصد عن استقصائها أمام المقام. وأنوار يحصر عن إحصائها لسان ما يقتضيه الحال من الاهتمام. فليطلب في موضعه اللائق من علوم الحقائق.

وللجهاد حفظ بيضة الإِسلام وتحقيق ما بعث له الأنبياء عليهم السلام وهو دعوة العباد والسعى في إخلاء العالم عن الفساد وتخليصهم عن الكفر الموجب للشقاوة الأبدية ورد كيد جند إبليس في السعى للغواية السرمدية وفيه تعذيب أعداء الله وتهذيب صدور أوليائه قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14] الآية إن قلت فيه مفسدة تعذيب العباد وتخريب البلاد وملعون من هدم بنيان الرب حتى قيل يحاكم عصفور قتل عبثًا إذا الوحوش حشرت.

قلنا لكن تضمن مصلحة راجحة بالوجوه السالفة كخرق الخضر سفينة المساكين إذ الأمور بعواقبها كما في القصد وشرب الدواء المر كيف وهو تسليم المبيع الفاني بإبطال الحياة الزائلة المحاطة بالنقم لتحصيل الثمن الباقي والحياة السرمدية المحفوفة بالنعم.

فالغازى محظوظ يإحدى الحسنين إما الغنيمة والثواب وإما الشهادة التي تغبط بها أولو الألباب قال علي رضي الله عنه (لا بد من الموت ففى سبيله أحق وأولى).

جون جان سيردنيست بهر حالتي كه هست

دركوى عشق خوشتر وبرأستان دوست

‌المبحث الثالث: في المعاملات الخمسة

حكمها إجمالا حصول البقاء النوعي أو الشخصي لأن التصرفات المشروعة شب للاختصاصات الشرعية كملك الرقبة والمنعة والمنفعة وإباحتها المصححة للانتفاع الذي به البقاء ولا منافاة بين سببية تعلق البقاء بها وغرضية نفس البقاء منها بل شأن كل ماله علة غائبة أن يكون تعلقها به سبب وجوده وإقدام الفاعل عليه ومقصوده نفسها وتفصيلا.

فالمناكحات وهي أفضلها بقاء العالم ببقاء النوع الإنساني وكثير من المصالح الدينية والدنياوية كغض البصر وتخصين الفرج وتحقيق مباهاته عليه السلام وانتظام مقاصد

ص: 428

الزوجين الداخلية والخارجية ولذا اشتمل النكاح على معنى العبادة أيضًا وفضلناه على التخلى للنوافل حتى هى سنة مؤكدة.

وقيل فرض كفاية يدل عليه من الله تعالى علينا بالنسب والصهر الحاصلين به في الآية والنصوص النادبة والمرغبة بألفاظ الأوامر لا سيما المقرونة بالوعيد وأنه لولاه لزم التهالك حسب التغالب في اقتضاء الشهوات المركوزة في الطباع وفيه للعالم خلل والفراش فساد والنسل ضياع كيف وأنه ستة أصلية ورثناه من آدم عليه السلام حتى روى أن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر فزوجها منه وأشهد الملائكة في خطبته المأثورة.

ثم الطلاق وهو الإطلاق عن رق النكاح إنما يرخص إذا لم يترتب مقاصد النكاح من التناسل والسكن والتحصين وإلا فمنهى لقوله عليه السلام "أبغض المباحات عند الله الطلاق" ولأنه ترك سنة المؤكدة أو فرض الكفاية وفيه إيحاش المستأنس فيكره إلا عند الضرورة ولذا أبقى مكثه التدارك فشرع متعددًا ثلاثًا لأنه الحدد الموضوع لإبلاء الأعذار وفوض إليه لأنه المالك بالمهر أو المتعة ولأنها ناقصة العقل مسرعة إلى التفريق بأدنى ضجر وأعقب بالعدة بثلاثة في الحرة لتروى النظر في أمر الرجعة وتعرف براءة الرحم كيلا يختل الإنساب وتنتين في الأمة لأنها النصف المكمل واكتفى بحيضة في الاستبراء لعدم تعلق النسب بها بل بالدعوى.

ثم العتاق مثله في المعالق الكثيرة فيه تقوية الضعيف بإثبات القوى الشرعية من الولايات والاستبداد في التصرفات بعد ما كان ملحقًا بالجمادات وعرضة للابتذال مسخرًا لمثله من البشر كالحيوانات جزاء لكفره ابتداء وإن جعل أمرًا حكميًا في البقاء ابتلاء كما فيمن ولد مسلمًا فإن بقاء الحكم يستغنى عن بقاء السبب كالحيض في النساء كأن تبعه لحواء لأجل أكل الشجرة فبقى في بنائها ولأن الرق أثر الكفر المسبب للموت كان الإعتاق إحياء كالإيلاد وجزاء له في الحديث وإعتاق رقبة مؤمنة كفارة قتل المؤمن خطأ ليعوض الناس من منافعه العائدة إليهم في الولايات والقتال وغيرها.

وللمبايعات اتساق أمور المعاش والمعاد والتجار عمال الله يوصلون أرزاقه إلى العباد فبالكسب عمارة البلاد وفيه ابتغاء فضل الله الممدوح في الآيات إذ به يتهيأ المروات ويحسن المعاشرات وهو سنة الأنبياء عليهم السلام كان آدم عليه السلام زراعًا وشيث عليه السلام نساجًا وإدريس عليه السلام خياطا وإبراهيم عليه السلام بزازًا وإسماعيل عليه السلام مصطادًا وروى عن جبريل عليه السلام قوله لو احتجت إلى الكسب لكنت سقاء وفي شرعها أيضًا إطفاء نائرة المنازعة ورفع النهب والحيل المكروهة والسرقة والطمع

ص: 429

والخيانة وفيها الغناء ففي رافعها البقاء وحين يفوت الشىء يفوت مقصوده لم يشرع ما يفض إلى النزاع كما لو جهل المبيع أو الثمن في البياع وكأنواع الربا ومع هذا ففيها ترك العدل والإحسان فيحرم وإن رضي به العاقدان كالزنا بخلاف أخذ مال الغير بغير إذنه لاحتماله الإباحة برضاه فحرمته لحقه لا لوضعه عقلا أو شرعًا فالربا أقبح من الغصب والسرقة وفيه المعارضة لله تعالى في عدله بعدوله فلذا قال تعالى: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] والحق الريبة بالربا.

ثم مما يتضمن معناها الصلح وفيه أنه خبر بالنص وبأنه ضد المنازعة أما على الإقرار ففيه المروة من المدعى بالبذل والإمهال وإما على الإنكار ففيه ترك كلفة المرافعات وليس كل شاهد يعدل ولا كل قاض يعدل وفي فداء اليمين تعظيم لها وصيانة العرض حتى لا يقال لبلية مقدرة أصابته بشوم خلقه ودفع زيادة ضغينة المدعى عليه قال عليه السلام "ردوا الخصوم كى يصطلحوا"(1) قال علم الهدى من لم يجوز الصلح على الإنكار فهو شر من إبليس لأنه يزيد بقاء الفتنة وتولد الأحقاد.

ثم في الإجارات دفع الحاجة مع الفاقة بقليل من الطاقة وتحصيل السرورين فالموجز بنيل المال بلا زوال ملك العين والمستأجر بحصول المقصود ولولاها لاحتاج الغني إلى شاق الأعمال والفقير إلى التنكدى والتذلل والحيل والحكمة يقتضى وضع كل شيء موضعه.

ومما يناسبها المزارعات والمساقاة لأن الله تعالى يخلق حياتنا بالأقوات وليس كل أحد يملك الأرض والبستان أو يهتدى إلى إصلاحهما ومنه يحلم الحاجة إلى الشركات بين من يهتدى لطرق التجارة ولا مال له أو يقل ماله وبين عكسه وللتعاون فقد يفعل المركب والمجموع ما لا يفعله المفردات.

ومن فنون الكسب الاصطياد فيه خلو الحاصل عن خبث الاختلاط بأموال الناس صافيًا عن كدر المنة والظلم ففيه نقاء البقاء وإنما حرم كل ذى ناب ومخلب لأن الظلم والإيذاء اللذن في طبعهما نجاسة معنوية تسرى إلى طبع الأكل قال عليه السلام "لا ترضعوا أولادكم بلبن الحمقاء فإن اللبن يؤثر"(2) ولذا يحكم بأن الأعمال تفسد بفساد

(1) بل موقوف: من قول الخليفة عمر رضي الله عنه أخرجه البيهقى في الكبرى (6/ 66) ح (11142) وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 534) ح (22896)، وعبد الرزاق في مصنفه (8/ 303) ح (15304).

(2)

مرسل: أخرجه البيهقي في الكبرى (7/ 464) والطراني في الأوسط (1/ 27) ح (65) والديلمى =

ص: 430

اللقمة الحرام والخبيث فقد قيل اللقمة نطفة العمل إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر فلا يحصل

من الحرام إلا المعصية ومن الشبهة إلا الغفلة ومن الحلال إلا الخير كذا جرت سنة الله

تعالى كما من البازى الكبر والإيذاء ومن الخنزير نهاية الحرص والخساسة وقلة الخير ومن الحمار الأهلي البلادة وسوء الأدب وفي الذبح مع ذكر الله فيه إزالة الحياة بأقل سعى وطهارة الأجزاء عن الدماء النجسة وفي ذكر الله تعالى مخالفة الكفار الذاكرين آلهتهم وظهور البركة تبارك اسمه وتعالى جده وفي التضحية ضيافة الله تعالى فلأنه لا بد من الإراقة ليطيب فيصلح لها نقل القربة إليها تسهيلا وكرامة لهذه الأمة فندب بالثلث التصدق وبالثلث الهبة وبالثلث الإمساك لنفسه وفي الأمم السالفة كانت لخرج عن ملكه ولأن الضحايا مطايا على الصراط بالحديث إذا الوحوش حشرف فعليه أن يخلص النية ويتحرى فيها التقوى وفي قسمة الشرب نظام العالم بظهور العدل كما في قصة صالح عليه السلام لأن الماء مباح فلو لم يقسم بالأنهار أو الأيام والكوى أفضى إلى النزاع.

وللمخاصمات تخليص الظالم من سخط الله ودفع طول التشاجر والتحاقد مع أن الترك والتحليل أولى رعاية لحق الأخوة وصيانة العرض والمروة ومندوب بالآية والحديث إلا إذا علم المدعى له يخلصه من إثم المطل وحرام الأكل من غير زيادة خصومة كان الدعوى مستحبة.

وفي القضاء إقامة حقوق الشرع فليزع السلطان أكثر مما يزع القرآن لغلبة الهوى على العقل والشرع فلا بد من زاجر حسي لبيقى النظام فالدين أس والسلطان حارس فما لا أس له مهدوم وما لا حارس له ضائع والدعوى عند الحكام أنموذج منبهة على أمر القيام بين يدي العلام يوم ينادى لا ظلم اليوم والشهادة أمانة عند الشاهد من الله تعالى للمدعى فلا يجوز أن يخون فيها مأمور بأدائها في الآية وجعل نصابها اثنين ليظهر الصدق فإن الواحد يعارضه برائة الذمة أو اليد وأربعًا في الزنا احتياطًا في ستر الفواحش فلإملاء الناس ولما مر من مفاسده وإذا قامت الشهادة وزكى الشهود وجب على القاضي الحكم إظهار الحق تقلد أمانة القضاء وللأمانات فللوكالة والكفالله رفع الحاجة الماسة إذ ليس كل أحد يرضى أن يباشر الأعمال أو يهتدى إليها ولا كل مديون يعتمد عليه ففى شرعهما ترفيه لأصحاب

= في مسند الفردوس (5/ 41) ح (7398) وأبو داود في المراسيل (1/ 181 - 182) ح (207).

ص: 431

المروات وتعليم لسنة التواضع بقبولهما وإظهار الشفقة ومراعاة حق الأخوة لا سيما في الكفالة ببذل الذمة في قبول الدين والمطالبة وتسكين قلب الطالب كما يتحقق الكل الشركة التي يتضمنها. وفي الحوالة تفريغ ذمة أخيك وتخليصه عن تحمل مذلة التقاضي قال عليه السلام "من فرج عن أخيه المسلم كربة"(1) الحديث وقال عليه السلام "إن من موجبات المغفرة إدخال السرور في قبل المرء"(2) وفي الرواية "أول ما يلقاه العبد إذا بعث من قبره السرور الذي أدخله في قلب أخيه المسلم متمثلا بصورة ذى وجه حسن يبشره الخير"(3) ثم في الهبة والإعادة إظهار المروة وإحسان بغير ضمان وخير الناس من ينفع الناس والتخلق بأخلاق الجواد الكريم وفي جود الأبرار استرقاق الأحرار فإن الإنسان عبد الإحسان.

قال عليه السلام "تهادوا فإن الهدية تذهب بالضغائن" ومن جمع المال ولم ينفق أثر ذلك في توطين القلب عليه فيهلك بحبه إذ حب الدنيا رأس كل خطيئة ولو أنفق أخلف ففيه صلاح دينه ودنياه عند التوسط بين الإفراط والتفريط لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أنفَقُوا} [لفرقان: 167] الآية وعليه سنة الله في قسمة أرزاق الخلق بقدر حالاتهم كما يقتضيه حكمته البالغة وكذا قبول الودائع وحفظ الأمانة من المروة والأمين محبوب عند الله تعالى وعند عباده. قال عليه السلام "الأمانة تجر الغناء والخيانة تجر الفقر"(4) ويقال كان ابتلاء الحلاج بالصلب لعدم حفظ أمانة سر الله.

ثم في الوصية بالمال والإيصاء إلى آخر تلافي التفريطات فإن الإنسان مغرور بأمره مقصر في عمله بحيث إذا خاف من عرض له المرض طي حياته وارد تلافى ما فرط فوصى فلو مات تحقق مقصده الأخروي ولو صح فله الرجوع وصرفه إلى أهم مقاصده وفيها ازدياد حياته والتمرين بمكارم الأخلاق وقت وفاته، لقوله عليه السلام: "إذا مات

(1) أخرجه مسلم (4/ 1996) ح (2580) وابن حبان في صحيحه (2/ 291) ح (533) والحاكم في مستدركه (4/ 425) ح (8159) والترمذي (4/ 34) ح (1425) والبيهقي في الكبرى (6/ 94) ح (11292) وأبو داود (4/ 273) ح (4893) والنسائي في الكبرى (4/ 308) ح (7284) وابن ماجه (1/ 82) ح (225) والإمام أحمد في مسنده (2/ 91) ح (5646).

(2)

أخرجه القضاعى في مسند الشهاب (2/ 179) ح (1139).

(3)

لم أجده.

(4)

أخرجه القضاعى في مسند الشهاب (1/ 72) ح (64).

ص: 432