الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الانتفاء في المبحث المحرر عادة فمثله مما يعلم صدقه.
الثالثة انفراد الواحد بما يتوفر الدواعى على نقل مثله وشاركه في سبب علمه خلق كثير كقتل الخطب على المنبر يوم الجمعة بمشهد من أهل المدينة دليل كذبه قطعًا خلافًا للشيعة.
لنا الوجدان ولولاه لم يقطع بكذب أن القرآن قد عورض وأن بين مكة والمدينة مدينة أكبر منهما.
ولهم أن لكتمان الأخبار حوامل لا يمكن ضبطها فكيف الجزم بعدمها ولذا لم ينقل النصارى كلام المسيح في المهد ولم يتواتر آحاد معجزات الرسول عليه السلام وغيره مما يعم به البلوى ويمس الحاجة فاختلف فيه كإفراد الإقامة وتثنيتها وغيرها ومن الحوامل التهالك في الملك ولم ينقل النص الجلي على إمامة علي رضي الله عنه مع وجوده وكثرة سامعيه وتوفر الدواعي على نقله في زعمهم وجوابه أن العادة تعرف عدم الحامل على الكتمان كالحامل على أكل طعام واحد ومثل كلام عيسى وآحاد المعجزات لقلة مشاهديها إذ لو كثرت لنقلت عادة فهي غير محل النزاع مع أنا نمنع توفر الدواعي فيها للاستغناء عنها بالمعجزات الأُخر كالقرآن الدائر في رسولنا عليه السلام ومثلها الفروع في عدم توفر الدواعي ولئن سلم فاستمراره مغن عن نقله ولئن سلم فقد نقل المتعارضان لجواز الأمرين والخلاف لعدم الفوز بالترجيح.
الفصل الأول: في تقسيمه باعتبار الاتصال
وليتذكر أن التقسيمات بالاعتبارات لا تنافي تداخل أقسامها لما كان المقصود الأولى هنا خبر السنة اعتبر مشايخنا في تفسيره اتصاله بالرسول عليه السلام فقالوا إن لم يكن في اتصاله شبهة أصلا فهو المتواتر وإن كانت فإما صورة الشبهة في ابتدائه لا معنى للتلقي ولو من القرن الثاني أو الثالث بقبوله وهو المشهور والمستفيض وإما صورة ومعنى لعدم قطعية اتصاله وعدم التلقي وهو خبر الواحد.
القسم الأول المتواتر: وفيه مباحث:
الأول أنه لغة المتتابع واحدًا بعد واحد بفترة من الوتر (1) نحو {أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} [المؤمنون: 44] واصطلاحًا خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه (2) كعن البلدان النائية والأمم الخالية وبنفسه احتراز عن إفادته العلم لا بنفسه بل تارة بالقرائن الزائدة على ما لا
(1) انظر لسان العرب (5/ 275) مادة وتر.
(2)
انظر أحكام الأحكام للآمدي (2/ 21).
ينفك الخبر عنه فإن القرائن التي يختلف العلم باختلافها إما ما يلزم الخبر عادة من حال الخبر أي الحكم ككونه بالجزم لا التردد وظهور آثار صدقه أو المخبركعدالته وحزمه وكونه ممن يطلع عليه هو دون غيره كدخاليل الملوك في أسرارهم أو المخبر إلى السامع كفطنته أو المخبر عنه أي الواقعة ككونها قرينة الوقوع وبعيدته وكالأخبار المبغضة الموحشة عن الأحبة أو عمن يخالف منه لا المسرة المؤنسة وعكسه وإما زائدة عليه كصراخ وجنازة وخروج المخدرات على حالة منكرة عند باب ملك أخبر بموت ولده المريض وأخرى بغير القرائن كموافقة العلم الحسي أو العقلي ضرورة أو نظرًا كدلالة قول الصادق عليه وربما يدرج هذا في القرائن الزائدة والتحقيق إفرازه.
وحكمه أن يفيد اليقين فيكفر جاحده كنقل القرآن والصلوات الخمس وأعداد الركعات والسجدات ومقادير الزكوات والديات وأروش الجنايات وأعداد الطواف والوقوف بعرفات.
وقالت السمنية والبراهمة لا يفيد إلا الظن وأنه بهت أي إنكار لما يقتضيه صريح العقل وقائله سقيم لا يعرف خلفته مما هو وديته ودنياه وأمه وأباه كالسوفسطائية المنكرة للعيان وعند البعض متهم النظام وأبو عبد الله البلخى الطمأنينة والفرق أنها قريبة إلى اليقين لكن يحتمل أن يخالجه شك ويعتريه وهم وليس المراد الطمأنينة التي في {لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] فإنها الحاصلة من انضمام الضرورة إلى الاستدلال.
لنا الوجدان والاستدلال.
أما الأول فإنا نجد العلم الضروري بنحو البلاد النائية والأنبياء والصحابة كعلمنا بالمحسوسات لا فرق بينهما فيما يعود إلى الجزم.
وأما الثاني فلأن اتفاق مثل هذا الجمع المتباين طبائعهم المتفاوت هممهم لا سيما عند عدالتهم وتباعد أماكنهم وغير ذلك إما عن علم أو اختراع والثاني محال عقلا وعادة لا سيما في باب الرواية وإلا لما اشتغلوا ببذل أرواحهم في الجريان على موجبه ولما خفي ذلك بعد يعد الزمان ولما اتفقت كلمتهم بعد ما تفرقوا شرقًا وغربًا واختلفوا ضربا وحربًا وبهذا الطريق صار القرآن معجزة فالقول بالطمأنينة للغفلة من حق التأمل كالداخل على المناحة حيث يحتمل الحيلة ولهم شبه.
1 -
إنه ممتنع عادة كعلي أكل طعام واحد.
2 -
أن كذب كل جائز فيجوز كذب الكل إذ لا منافاة بين كذبي البعضين ولأن الكل نفس الآحاد.
3 -
أنه لو انقطع الاحتمال الاجتماع لانقلب ممتنعًا.
4 -
احتمال التواطئ في الاجتماع.
5 -
لزوم التناقض إذا أخبر جميع بشىء وجمع بنقيضه.
6 -
لزوم تصديق اليهود والنصارى في صلب عيسى وفيما نقلوه من موسى أو عيسى في أن لا نبي بعدي وتصديق المجوس في أخبار زرادشت اللعين من مس النار وإدخال قوائم الفرس في بطه.
7 -
لو حصل به علم ضروري لما فرقنا بينه وبين الواحد نصف الاثنين.
8 -
لما خالفه فيه إذ الضرورة تستلزم الوفاق فالأولى تنفى وقوعه والأخيرتان ضروريته والبواقي إفادته العلم والجواب إجمالا أنه تشكيك في الضروري كشبه السوفسطائية لا تستحق الجواب وتفصيلا عن:
1 -
أن وقوعه مقطوع به والفارق وجود الداعى وعن (2) أن حكم الجزء قد يخالف حكم الكل ذهنًا وخارجًا فالواجب من الخيوط يقطع ومن المقدمتين لا ينتج ومن الشاهدين لا يثبت وعن (3) أن الامتناع في غير محل الإمكان ولئن سلم فالامتناع بالغير لا ينافي الإمكان الذاتي ولئن سلم فالامتناع بالغير لا ينافي الإمكان الذاتي وعن (4) ما مر من استحالته عادةً وعقلا وعن (5) أن تواتر النقيضين محال عادة وعن (6) أن شرائط التواتر مفقودة ففي الصلب لأن الداخلين على عيسى عليه السلام كانوا سبعة من أهل تعنت وعداوة والمصلوب لا يتأمل عادةً وبتغير هيأته وقد أوقع شبهة كما نص الله تعالى وذلك جائز استدراجًا على من علم دوام نعته وإن لم يجز من غيره لطفًا برفع التلبيس مع أن العيسوية وأنصار الحبشة وبعض اليهود على أنه عليه السلام مرفوع إلى السماء وكذا أن لا نبي بعدهما أصله آحاد وأخبار زرادشت تخييل كالشعوذة والتزوير ومواضعة بينه وبين ملكه وما رووا أنه فعلها في خاصة الملك دون مجامع الناس يؤيده وعن جواز الفرق بين الضروريات لسرعة الفهم لا لاحتمال النقيض وعن (8) جواز البهت من الشرذمة القليلة في الضروريات كالسوفسطائية في جميع المحسوسات.
الثاني في أن اليقين الحاصل به ضروري وعند الكعبي وأي الحسين البصري والإمام نظري وعند حجة الإِسلام قسم ثالث وإنما يصح لو فسر الضروري الأول إما بمعنى ما لا تجد النفس إلا الانفكاك عنه سبيلا فضروري وتوقف المرتضى والآمدي.
لنا أولا أنه لا يفتقر إلى توسيط المقدمتين بالوجدان.
وثانيًا: عدم شيوع الخلاف في المتواترات بمعنى أن دعوى خلافها لم يعد بها أي
إنكارًا لما يقتضيه صريح العقل إذ هو شأن النظري وإن كان من العلوم المتسقة.
أولًا أنه محتاج إلى توسيط المقدمتين نحو أنه خبر جماعة كذا عن محسوس وكل ما هو كذلك ليس بكذب بل وإلى ما ليس بكذب صدق.
قلنا لا نعلم الاحتياج بل المعلوم بالوجدان عدمه وإمكان الترتيب لا يستدعي الاحتياج كما في كل قضية قياسها معها وليس هذا دعوى أنه منها كما ظن إذ لا يجب ملاحظة القياس فيه بالوجدان بخلافها.
وثانيًا: أنه لو كان ضروريًا لعلم ضروريته بالضرورة لأن العلم بالعلم وبكيفيته لازم بين بالمعنى الأعم.
قلنا لا أن العلم بكيفية العلم لازم بين إذْ لا يلزم من الشعور بالشيء الشعور بصفته ولئن سلم فلا نعلم أن لازم الضروري ضروري لاحتياجه إلى توسيط الملزوم أما المعارضة بأنه لو كان نظريًا لعلم نظريته بالضرورة ففاسد لأن مثل الشبهة عدم احتياج الملزوم إلى الواسطة.
وللغزالي أنه لو كان نظريًا لم يضطر إليه لأن النظري مقدور ولو كان ضروريًا لم يجتج إلى توسيط المقدمتين.
فقد علم جوابه وأن لا نزاع له في الحقيقة ولا يخفى فساد التوقف لأنه للعجز عن إفساد أحد الدليلين.
الثالث: في شروط التواتر أما صحيحها فثلاثة كلها في المخبرين.
1 -
تعددهم إلى أن يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة.
2 -
إسنادهم إلى الحس بخلاف حدوث العالم.
3 -
استواء الطرفين والواسطة في حد التواتر وأما فاسدها فمنه علم كل واحد وإلا لاستند إلى الظن ومنه أن لا يحصى عدد المتواترين وإلا لاحتمل التواطؤ ومنه عدالتهم إذ الكفر والفسق مظنة الكذب والجزاف ومنه تباين أماكنهم لأنه أدفع للتواطؤ.
ومنه اختلاف النسب والدين ومنه وجود المعصوم فيهم عند الشيعة وإلا لم يمتنع الكذب ومنه وجود أهل الذلة عند اليهود إذ لخوفهم يمتنع تواطؤهم عادة بخلاف أهل العزة والكل فاسد لحصول العلم الضروري وإن كان البعض مقلدًا أو ظانًا أو مجازفًا وعند انحصارهم واجتماعهم كإخبار الحجيج عن واقعة صدتهم وعند كفرهم ولو في باب السنة هو الصحيح كأهل قسطنطينة عن موت ملكهم.
وللضابط في العلم بحصول شرائطه حصول العلم بصدقه عادة ولا يشترط سبق العلم
بها كما يرى من يرى نظريته،
الرابع في أقل عدده قيل خمسة وجزم القاضي بعدم حصوله بالأربعة وإلا حصل بشهود الزنا فلم يحتج إلى التزكية بناء على مذهبه في المسألة الآتية وتردد في الخمسة واعترض على الأول بمنع اللزوم إذ لا يلزم من عدم كفايتها في الشهادة والاجتماع فيها على التحاب والتباغض مظنة التواطؤ عدم كفايتها في الرواية وبالنقض بالخمسة فإن وجوب التزكية مشترك إلا أن يقول أن معنى التردد أن الخمسة قد يفيد العلم بسبب الخامس فلا يجب التزكية وقد لا يفيد لكذبه فيجب وقيل اثنا عشر عدد نقباء موسى ليفيد خبرهم وقيل عشرون لقوله تعالى {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ} [الأنفال: 65] ليفيد خبرهم العلم بالإِسلام وقيل أربعون عدد الجمعة عند البعضَ لذلك ولقوله {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] وكان أربعين وقيل سبعون عدد رفقاء موسى لميقاته للعلم بخبرهم إذا رجعوا والمختار أنه لا ينحصر في عدد بل الضابط ما حصل العلم عنده لحصول اقطع بدون العلم بالعدد ولأن الاعتقاد يتقوى بتدريج ككمال العقل والقوة البشرية عاجزة عن ضبطه ولأنه يختلف بالقرائن اللازمة للخبر كما مر وأنواعها أربعة فباعتبار آحاد أو مركبات مثنى وثلاث ورباع يحصل خمسة عشر وباعتبار أربعة وأفرادها لا ينحصر.
الخامس: قال القاضي وأبو الحسين كل خبر أفاد علمًا بواقعة لشخص فمثله يفيد علمًا خرى لأخر والصحيح أن ذلك عند تساوي الخبرين بحسب القرائن اللازمة من كل وجه.
السادس في المتواتر من جهة المعنى وهو القدر المشترك بين الآحاد الكثيرة المختلفة من حيث التضمن أو الالتزام كشجاعة علي رضي الله عنه من أخبار حروبه وسخاوة حاتم من آحاد عطاياه قيل الأول مثال الالتزام والثاني للتضمن والصحيح أنهما للالتزام وليس المراد بذلك أن يفهم المقصود من كل الآحاد بل أعم من ذلك الإعجاز من كل من أخبار المعجزات ومن أن من المجموع من حيث هو كالمثالين.
القسم الثانى الخبر المشهور:
وهو ما انتشر ولو في القرن الثاني والثالث إلى حد ينقله ثقات لا يتوهم تواطؤهم على الكذب لا في أول الصدر الأول ولا يعتبر الشهرة بعد القرنين لأن المشهود بعدالتهما هما.
وحكمه أن يفيد الطمأنينة المذكورة لأن إليه سكونًا بلا اضطراب لكن الحادثة لا عند
التأمل في ابتدائه بخلاف المتواتر فلذا صح عند المتأخرين ما اختاره ابن أبان أن يضلل جاحده ولا يكفركما يكفر جاحد المتواتر ولا يضلل جاحدًا الآحاد عملا بشبهي تلقي القرن المشهود له وكونه آحاد الأصل حيث لا نجد وسعًا في رد المتواتر ونخرج في رده لا في رد خبر الواحد وهذا أعلى درجات المشهور عنده فإنه عنده ثلاثة أقسام تشترك في جواز الزيادة بها على الكتاب وإن كانت نسخًا وتفترق إلى ما اتفق الصدر الأول أيضًا على قبوله كخبر الرجم على آية الجلد جاحده والمتراخي لا يكون تخصيصًا وما اختلف في الصدر الأول فقط كخبر المسح على الخفين فإن عائشة وابن عباس رض الله عنهما أنكراه ثم يروى رجوعهما فلا يضلل ويخشى المأثم وما اختلف فيه الفقهاء كخبر التتابع في صيام كفارة اليمين فلا يضلل ولا يؤثم إذْ لا إثم للمجتهد لكن يخطأ.
وقال أبو بكر الجصاص أحد قسمي المتواتر لأنه إما المتواتر الأصل والفرع أو الفرع فقط فيوجب علم اليقين لكن استدلالا لا ضرورة وثمرته التكفير ونص شمس الأئمة على عدم التكفير اتفاقًا فلا ثمرة.
له أن القائلين مشهود بعدالتهم فلولا صحته لما قبلوه عادة.
قلنا يحتمل أن يكون قبولهم في إبجاب العمل وقال بعض الشافعية لا يفيد إلا الظن فأما إن عرفوه بما يروى عنهم أنه ما زاد نقلته على الثلاثة فمسلم في بعضه وأما بما ذكرنا فممنوع في كله.
القسم الثالث: خبر الواحد
وهو ما لم ينته إلى حد التواتر والشهرة وليس تعريفًا بما يساويه لسبق العلم بهما وقيل خبر أفاد الظن ولا ينعكس لأنه قد لا يفيد الظن إلا أن يزاد في المحدود لعدم الاعتداد به في الأحكام فلا يرد والفرق بين التعريفين أن الثاني يتناول المشهور دون الأول.
وفيه مباحث الأول أنه لا يوجب العلم مطلقًا وهو مذهب الأكثرين وقيل يوجبه عند انضمام القرائن الزائدة على ما لا ينفك عنه الخبر عادة من الأنواع الأربعة وقيل وبغير قرينة فأحمد علمًا ضروريًا مطردًا كرامة من الله تعالى وداود الطائي وغيره علمًا استدلاليا والبعض علمًا غير مطرد.
لنا أولًا لو أوجب لأوجب عادة إذ لا علية عندنا فاطرد كالمتواتر إذ التخلف في العادة للمعجزة أو الكرامة والكلام في غيرهما ولا اطراد بالوجدان.
وثانيًا: للزم تناقض المعلومين إذا أخبر عدلان بمتناقضين وذلك واقع واللازم بطلان المعلومين واقعان وإلا كان جهلا.
وثالثًا: لوجب القطع بتخطئة المخالف اجتهادًا واللازم بط إجماعًا للموجب عند القرائن الزائدة أنه لو أخبر ملك بموت ولده المشرف عليه مع صراخ وجنازة وخروج مخدرات على حال غير معتادة دون موت مثله نجد العلم بموته من أنفسنا ضرورة.
قلنا التيقن بالقرائن لا بالخبر كالعلم بخجل الخجل ووجل الوجل قيل لولا الخبر لجوزنا موت شخص آخر قلنا فنجوزه مع الخبر أيضًا لأنه من حيث هو لا يقطع ذلك الاحتمال بالأدلة الثلاثة ولذا لم يقع في الشرعيات وبهذا يعلم أن التزام لزوم الاطراد في الخبر المحفوف بالقرائن ودعوى امتناع حصول مثله في نقيضها عادة والتزام لخطئة المخالف قطعًا إن كان للخبر فباطلة أو للقرائن فمسلم فيما هي كافية للعلم به فلا مدخل للخبر وفي غيره مم ولئن سلم أن له مدخلا فإن أريد بإبجابه إيجاب المجموع الذي هو جزؤه فذلك اعتراف بعدم إيجابه وإن أريد إيجابه بشرط الانضمام فلا نعلم أنه الموجب.
وللموجبين مطلقا أولًا أنه يوجب العمل إجماعًا بيننا ولا عمل إلا عن علم لقوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمِ} [الإسراء: 36] وحصول الظن لا يكفي لأن اتباع الظن مذموم لقوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28].
قلنا أولًا المتبع هو الإجماع على وجوب العمل بالظواهر وهو قاطع.
وثانيًا أنه مؤول بما المطلوب فيه العلم من أصول الدين لا العمل من أحكام الشرع وقد قيل المراد منع الشهادة إلا بما يتحقق.
وثانيًا: أن صاحب الشرع كامل القدرة ولا ضرورة له في التجاوز عما يوجب اليقين بخلافنا في المعاملات حيث تقبل خبر الواحد وإن لم يفد العلم بلا خلاف قلنا كما هو كامل القدرة كامل الحكمة فلعل له في ذلك حكمة أقلها الابتلاء بالاجتهاد واليسر في اختلاف العباد كما جاء دا اختلاف أمتي رحمة (1) ولمدعط الضرورة ورود الآحاد في أحكام الآخرة كرؤية الله وعذاب القبر فإنا نجد العلم بها وإلا لم يفد شيئًا إذ لا حظ لها إلا العلم وذلك بطريق الكرامة من الله تعالى لمن تيسر له فلا ينافيه عدم اليقين للبعض قلنا لا نعلم أنها توجب العقد بمعنى اليقين بل توجب الظن كما توجب مشاهيرها الطمأنية وأما إن عقد القلب عمل فيكفي فيه حجة فقد نظر فيه بأن سائر الاعتقاديات كذلك
(1) عزاه في المقاصد للبيهقي في المداخل بسند منقطع عن ابن عباس وعزاه للطراني والديلمى وفيه ضعف وعزاه الزركشي وابن حجر في اللآلئ لنصر المقدسي في الحجة مرفوعا وعزاه العراقى لأدم ابن أبي إيأس في كتاب العلم والحكم وغيره، انظركشف الخفاء للعجلوني (1/ 66).
وليس حجة فيها وجوابه بأن المقصود في الأخروية نفس العقد وفي غيرها العمل ليس بشيء ثم إنه معارض بأنا نجد عدم العلم بالضرورة ولعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل أو سموا الظن علمًا.
الثاني أن التعبد به أي تكليف العمل بمقتضى خبر العدل جائز عقلا خلافًا لأبي علي الجبائي.
لنا القطع بجوازه وإن التكليف به لا يستلزم محالا لذاته.
قالوا أولا يستلزم محالا لغيره هو لخليل الحرام أو عكسه بتقديركذبه الممكن وما يؤدي إلى الباطل على تقدير ممكن بط قلنا لا نعلم بطلان الأمرين فإن المخالف للظن ساقط عن المجتهد ومقلده إجماعًا فعند المصوبة لكون الحق متعددًا وعند المخطئة لكون التكليف بموجب الظن ألا يرى إلى التعبد بقول المفتي والشاهدين وإن خالفا الواقع وهذا يصلح سندًا ونقضًا هذا عند ترجيح أحد الخبرين أو تساويهما عند المجتهدين أما عند مجتهد واحد فالعمل ترك العمل بهما أو التخيير بين مقتضيهما.
وثانيًا: يلزم جواز التعبد بالخبر عن الله تعالى بغير معجزة وهو باطل. قلنا لا نعلم الملازمة لأن العادة تفيد العلم بكذبه عند عدم المعجزة ولأن جواز التعبدية يفضي إلى كثرة الكذب عادة بخلاف الخبر عن الرسول عليه السلام.
الثالث أنه واقع أي يوجب العمل خلافًا للقاساني بالمهملة والرافضة وابن داود واتفقوا على الوجوب في الفتوى والشهادة والأمور الدنيوية وهو المعنى بالجواز في المحصول إذ لا معنى له بعد كونه حجة.
لنا القواطع والظواهر أما القواطع فمنها إجماع الصحابة والتابعين حيث استدلوا وعملوا به في وقائع لا تحصى وشاع ذلك ولم ينكر وذلك يوجب العلم العادي باتفاقهم كالقول الصريح وهذا استدلال بالإجماع المنقول بتواتر القدر المشترك لا بأخبار الآحاد حتى يدور ويفيد وجوب العمل به لأن النزاع في أنه دليل نصبه الشارع للاستدلال به على الأحكام كالكتاب فمقتضاه وجوب العمل ولأن الاستدلال بإيجابهم ولأنه لا قائل بحجيته في الجواز دونه، واعترض عليه بمناقضتين ومعارضة.
1 -
لا نعلم أن عملهم بها فغير لازم من موافقتها العمل سببيتها له قلنا علم ذلك من سياق الترتيب عادة.
2 -
لا يلزم من وجوب العمل فيما تلقوها بالقبول وجوبه في كل خبر إذ العلة
لخصوصيتها قلنا علم من عادتهم أنه لإفادتها الظن كظاهر الكتاب والمتواتر.
3 -
المعارضة بعد عملهم بخبر البعض في وقائع كثيرة أصلًا أو حتى يروى آخر قلنا ذلك لقصورها عن إفادة الظن ورفع الريبة ولا نزاع فيه ويؤيده عمله بعد رواية الآخر مع أنه لم يخرج عن كونه خبر الواحد فهو لنا عليكم لا علينا لكم ومنها بعثه عليه السلام الأفراد إلى الآفاق كعلي ومعاذ إلى اليمن وعتاب إلى مكة أميرًا ودحية إلى هرقل أو قيصر وعبد الله بن حذافة إلى كسرى وعمرو بن أمية إلى الحبشة رسولًا فلو لم يكن خبرهم حجة لما مروا ببيان الأحكام لعدم الفائدة ولا نفتح باب الطعن بالتقصير في التبليغ حيث لم يبلغ بمن يقوم به الحجة.
قيل النزاع في وجوب عمل المجتهد ولا دلالة في هذا عليه قلنا أكثر العرب والصحابة كانوا مجتهدين عالمين بقواعد الاستنباط فيتم والاستدلال بالمجموع ولأنهم بعثوا للإخبار عن الشارع إذ بعثهم تفضيل لقوله تعالى {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67] الآية وإنما يحتاج إليه للاجتهاد لا للفتوى عادة ومنها أن الشهادة مع أنها مظنة التهمة بالتحاب والتباغض وليست إخبارًا عن معصوم ولا عمن يخاف على الإِسلام بالكذب عليه ولا المخبر مشهورًا بالثقة إذا أوجبت العمل حتى لو لم يقض بعد البينة العادلة كان فاسقًا وإن لم يرد ذلك فكافر فالرواية أولى وكثرة الاحتياج إلى الشهادة يعارضها عموم مصلحة الزاوية.
وأما الظواهر وللتمسك بها مقدمتان:
1 -
أن المتبع فيها الإجماع على صحة التمسك بها أما في الفروع فظاهر وأما في الأصول فبشهادة الإجماع على التمسك بها في حجية الإجماع وسيجىء في الإجماع أن هذا الإجماع بالقاطع فلا دور.
2 -
إن كل ما يدل على وجوب العمل بخبر الواحد مطلقًا يدل عليه في حق المجتهد إما لعمومه وإما لأنه في المقلد لغلبة ظنه بصدق مقلده بالإجماع ولاشتماله على دفع الضرر المطون فكذا في المجتهد عند غلبة ظنه بصدق الراوي بدلالته بل أولى لأنها للمقلد أسهل حصولا وسببها أضعف منها للمجتهد فإذا كفى ثمنه فهنا أولى وعموم الرواية يعارضها كثرة الاحتياج إلى الفتوى والشهادة فيعمان بدفعات ولو من واحد بعينه أو ينزل الدلالة بالنسبة إلى كل واحد.
أما حديث الضرورة ففاسد لأن إمكان العمل بالبراعة الأصلية مشترك فمنها الكتاب، كقوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} [آل عمران:
187] الآية أوجب بيان ما في الكتاب من الواجبات فإنها أحق بالبيان ولأنها بعضه فإما على الكل وليس في وسع كل واحد أن يجتمع مع كافتهم شرقًا وغربًا وكل مخاطب يما في وسعه وإما على كل واحد فلو لم يجب قبوله لما كان لبيان الواجب فائدة للسامع قيل يحتمل أن يكون فائدته أن يحصل التواتر فيجب العمل، قلنا أحد قسمى البيان الفتوى، وحيث لم يشترط فيها التواتر لم يشترط في الآخر إذ لا دلالة على التفصيل.
وكقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] الآية وله توجيهان:
1 -
أنه أمر الطائفة المتفقهة بالإنذار، وهو الدعوة إلى العلم والعمل؛ لأن التخصيص يتضمنه فلو لم يكن حجة لم يفد. والطائفة تتناول الواحد في الأصح حيث أريد بطائفة من المؤمنين واحد فصاعدًا. قاله ابن السكيت وبطائفتان من المؤمنين اقتتلوا رجلان من الأنصار. ولأن أقل الفرقة ثلاثة فبعضها واحد أو اثنان ولئن سلم فلا يلزم حد التواتر بالإجماع.
2 -
أن لعل للترجي المتضمن للطلب الجازم ولما استحال على الله تعالى الترجي حمل على لازمه وإيجاب الحذر عند ترك العمل يستلزم وجوب العمل والاعتراض بأن المراد بالإنذار فتوى الفقيه في أحكام الفروع بدلالة ظاهر التفقه لأن الاحتياج إلى التفقه في الفتوى لا في الرواية؛ فالقوم المقلدون مزجوا به في المقدمة الثانية من وجهين على أن الدعوة إلى العلم في المجتهد أظهر وكقوله تعالى {الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا} [البقرة: 159] الآية أوعد بالكتمان لقصد إظهار ما في القرآن من الواجبات ولولا وجوب العمل بها لم يفد إظهارها للسامع. قيل المراد القرآن وهو متواتر والكلام فما الآحاد ولئن سلم فيجوز أن يكون إيجاب الإظهار على كل؛ لأن يبلغ باجتماعهم حد التواتر.
والجواب عن:
1 -
أن كون المراد هو القرآن بالآحاد فلو لم يكن حجة لم يرد مع تخصيص لشموله الوحي الغير المتأول فالمراد إظهار ما في القرآن من الشرائع لأنه المقصود وأخبار الآحاد تفاصيله كلا أو بعضًا منطوقًا أو مفهومًا. وعن:
2 -
على أنه بعيد لندرة حصول التواتر (ما مر أن إيجاب إظهار الأحكام أعم ندبًا لفتوى أم بالرواية، فلو كان فائدته حصول التواتر لوجب فيهما أذلا دلالة على التخصيص والتفصيل وحيث لم يشترط في الأول لم يشترط فما الثاني وكقوله تعالى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] علل عدم قبول خبر الواحد بالفسق لترتبه على الوصف:
المناسب، فلو كان عدم قبوله لذاته لما علله بتعين؛ لأن ما امتنع بالذات لم يمتنع بالغير فإذا صح قبوله وجب لما مر فهذا ليس استدلالا بمفهوم المخالفة (ومنها السنة كقوله عليه السلام خبر بريرة في الهدية وخبر سلمان في الصدقة ثم في الهدية وخبر أم سلمة في الهدايا وقول الرسل في هدايا الملوك على أيديهم وإرساله الرسل (ومنها دلالة الإجماع حيث أجمعت الأمة على قبول أخبار الآحاد من الوكلاء والرسل والمضاربين وغيرهم) وفيهما بحث.
أما في الأول فلاحتمال أن يكون قبوله لعلمه بصدقها غيبًا بخلافنا.
وأما في الثانية: فلأنه ليس في باب الاجتهاد.
والجواب عنه:
- أنه على كثرتها التي لا تحصى خلاف الظاهر لعدم اختصاصها بمقام التحدي.
وعن:
- أن ما يورث غلبة الظن للمجتهد المتفرس المستفسر أقوى فبالقبول أولى.
- ومنها أن عدالة الراوي ترجح جانب الصدق لكون الكذب محظور دينه وعقله فيقيد غلبة الظن فيوجب العمل كما في القياس بل أولى إذ لا شبهة في الأصل هنا بل في طريق الوصول، والمنكرون ينكرون إما لعدم الدليل أو لدليل العدم شرعًا أو عقلا.
أما الأول فلأن لهم في كل من الأدلة طعنًا، وإن أجبنا عنه.
وأما الثاني: فلأنه يفيد الظن والقرآن نهى عن اتباع الظن وذم عليه في الآيتين وكلاهما دليل الحرمة. ولأنه عليه السلام توقف في خبر ذي اليدين وقال كل ذلك لم يكن نفيًا للكل تقريرًا لسؤاله أو لكل ردًا له أول بها النواوي، والأخير أولى للرواية الأخرى حتى أخبره أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
وجوابهما بعد ما مر من المتبع الإجماع، وأن الإنكار للريبة وإن عمله بعد خبر هما لنا لا علينا أن هذه الأدلة ليست قاطعة إذ لا عموم لها في الأشخاص والأزمان ولئن سلم يحتمل التخصيص فإذا صح التمسك بمثلها في نفى التعبد ففى التعبد أولى احتياطًا وأن خبر ذي اليدين ليس في تعبد الأمة بالمنقول عن الرسول وهو المبحث وأنه فيما انفرد واحد بالإخبار بين جمع في أمر الغالب عدم وقوعه وعدم الغفلة وظن كذبه وعدم العمل به واجب اتفاقًا لغير الشيعة كما مر.
وأما الشاك: فأمر مع جوابه من أن صاحب الشرع كامل القدرة فلا ضرورة له في التجاوز عما يوجب اليقين.