الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لموثرين فيه فلا يوجد أحدهما في الفرع ولو سلم فمن الجائز أن يكون علة أحدهما الثالث في الفروع مختصة به لا بعلة الأصل وغير مقتضية للأمر الآخر.
لا يقال الأصل عدم علة أخرى مع أن في الحكم الواحد وحدة العلة أولى من تعددها لانعكاسها ح والمنعكسة أولى للاتفاق على عليتها.
لأنا نقول يعارضه أن الأصل عدم علة الأصل في الفرع.
ولا يقال الترجيح معنا لأن المتعدية أولى لكثرتها والاتفاق عليها.
لأنا نقول المتحقق ها هنا احتمال التعدية لا نفسها ولا ترجيح به لأن تحقق التعدية فرع تعين العلة ولا تعين هنا وإلا لا استدلال.
القسم الثاني: في الأدلة الفاسدة:
وهي الطرق الغير المقبولة في فهم معالق النصوص كمفهومات المخالفة والتعليلات الفاسدة وهي الأقيسة التي عللها غير مقبولة كالمنقوضة والنفي والآن أوان بيان فساد الأدلة الفاسدة التي هى غير الأربعة.
ففيه مباحث الأول في استصحاب الحال وهو جعل الأمر الثابت في الماضي باقيًا إلى الحال لعدم العلم بالمغير ففيه جعله مصاحبًا للمحال أو بالعكس وهو حجة عند أكثر الشافعية كالمزني والصيرفي والغزالي في كل حكم ثبت بدليل ثم شك في زواله.
وعندنا دافع لاستحقاق الغير لا مثبت لحكم شرعي إما للنفى الأولى فلا بحث فيه ولذا قلنا يجوز الصلح عن الإنكار ولم يجعل أصالة براءة ذمة المنكر حجة على المدعى ومبطلا لدعواه كما بعد اليمين.
وقال الشافعي أخذه بالصلح رشوة على الكف عن الدعوى وأوجبنا البينة لوجوب الشفعة للشريك إذا أنكر المشترى ملك ما في يده ولم نجعل ظاهر يده ملزمًا وجعلنا القول لمن قال لعبده إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فمضى ولم يدر أدخل الدار أم لا لإنكاره الشرط لأن عدم الدخول عدم أصلي لا يصلح حجة له لاستحقاق العتق على المولى.
لنا جواز انفكاك الثبوت عن البقاء كالإيجاد لا يوجب الإبقاء حتى صح الإفناء ولذا جاز النسخ في حياته عليه السلام إذ لا مقتضى لتأييدهاكما بعد وفاته فإن كونه خاتم النبيين إجماعًا.
وقوله عليه السلام: "الحلال ما جرى على لساني والحرام ما جرى على لساني إلى
يوم القيامة" (1) موبد.
ولا يستدل بأنه لو ظنه به بالبقاء لكان بينة النفي أولى لتأيده به إذ لا ظن بها أصلًا لقرب غلطها يظن الموجود معدومًا لعدم العلم به بخلاف بينة الإثبات.
ولأن للعلم بالوجود طرقًا قطعية لا ألتقى ولأن إنكار الحق أكثر من دعوى الباطل فتعارض الغلبة أصالته فلا يورث الظن.
وله أن الظاهر عند عدم المعارض القطعي أو الظني بقاء الثابت بالضرورة ولولاه لما شاع به أقل مراسلة من فارقه ولا الشغل المقتضي لمدة كالحراثة والتجارة والقارض وإرسال الوديعة والهدية إلى بعيد والظاهر متبع شرعًا وإن بقاء الشرائع ولو إلى وقت النسخ وبه وكذا عدم زوال استيفاء النكاح مع الشك في الطلاق والعكس والوضوء مع الشك في الحدث وبالعكس.
ولذا حكم عليه السلام باستدامة الوضوء حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ووجبت الشفعة إذا أقر المشتري بأن ما به الشفعة كان للشفيع أو شراه من مالكه وقبل الشهادة بأنه كان ملكا للمدعي.
قلنا البقاء لكونه غير الوجود الأول يحتاج إلى مبق فإن علم أو ظن وجود المبقي فبذاك لا بالاستصحاب كما لني الصور المذكورة فإن ورود الشرع يقتضى شريعة موجبة إلى نزول الناسخ.
ونحو البيع والنكاح والوضوء يوجب حكمًا ممتدا إلى ظهور المناقض والعادة في الأفعال المذكورة المبنية على البقاء العادي مبقية إذ لولا أن العادة دليل معتبر لم يوثر خرق العادة بالمعجزة في وجوب الاعتقاد والاتباع فالتبعية فيها بدليلها وهو مراد من قال أنه دليل لا بقاء ما كان على حاله لا لإثبات ما لم يكن ولا للإلزام والنزاع فيما يبقى بلا مبق كما في الأمثلة السالفة.
ومن فروعنا: أن اللقيط في دار الإِسلام حر ظاهرا فلو زنى وأنكر حريته لا يرجم بظاهر حريته ومن قال له يا زاني لا يحد إذا أنكر القاذف حريته لأن الظاهر لم يصلح ملزما وأن المفقود لا يرث ممن مات قبل الحكم بفقده ولا يورث فجعل حياته
المستصحبة دافعة لا ملزمة لأن الإرث من الإثبات وعدم الإيراث من الدفع بخلاف الغائب قبل الفقد لأن كونه بمسمع من طالبه دليل أنه لو مات لسمع عادة فلبقائه مبق ومع اختلاف الأصلين الخد الحكم بنفاذ شراء مقر حرية عبد عليه.
(1) أورده الدينوري، انظر: تأويل مختلف الحديث (1/ 187).
فعندنا لأن زعم كل حجة في حقه لا في حق غيره فنيفذ البيع ويجب الثمن لئلا يكون زعم المشتري حجة على البائع ويعتق بولاء موقوف إن زعم تحرير البائع لزعمه فهو تخليص في حقه وعنده لأن زعم البائع لاستناده إلى الاستصحاب حجة على المشتري فبذا ينفذ البيع ولا دليل لزعم المشتري فيجب عليه الثمن ثم يعتق لزعمه.
الثاني: الاستدلال بعدم المدارك ويسمى الاحتجاج بلا دليل لا يصح إلا من صاحب الشرع كما قال: {قُلْ لَا أَجِدُ} [الأنعام: 145]، {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117]، وقد قيل في غيره حجة للنفي وطريقتهم في الاحتجاج به قولهم لا دليل على ثبوته فيجب نفيه وبينوا الأولى إما بنقل أدلة المثبتين وإبطالها وإما بحصر وجوه الأدلة ونفيها بعدم وجدانهم لها ويكون الأصل عدمها وبينوا الثانية إما عقلا فبانه لو جاز ثبوت ما لا دليل له لزم القدح في الضروريات لجواز وجود الممكنات الكثيرة المستبعدة بحضرتنا ولا نجسها وفي النظريات لجواز الغلط في كل دليل يقام عليها وإما نقلا فبالآيتين المذكورتين.
وقال بعض الشافعية استصحاب فيصح دافعا وملزما.
قلنا أولًا الإجماع على طلب الدليل في نفي الشريك ونفي الحدوث عن الله تعالى أبطل الإيجاب الكلي وبطل المذهبان لعدم القائل بالفصل.
وثانيا: على الأول إن أريد النفي الأصلي فلا كلام فيه بل حاصله عدم الثبوت لا ثبوت العدم ولذا لا يصير المدعي العاجز عن البينة مقضيا عليه وإن حلف الخصم المنكر وإن أريد النفي الشرعي فلا ثم لأنه يصلح دليلًا عليه لاحتمال عدم اطلاعه عليه مع وجوده كيف وإن فوق كل ذي علم عليما اللهم من الشارع الإحاطة علمًا بجميع الأدلة يويده طلب البرهان بقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا} [البقرة: 111] إلى قوله: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [البقرة: 111]، فإن طلب الدليل على الحصر يقتضي طلب الدليل على النفي الذي هو جزؤه.
ومنه يعلم معنى إبطاله بأن نفي الشيء لا يكون إياه فنفي الدليل ليس دليلًا فلا يرد أنه غير تام لجواز أن يكون المنفي دليل الإثبات ونفيه دليل النفي لأن المراد ها هنا نفي مطلق الدليل أما نفي المعين من دليل الإثبات فهو التعليل بالنفي الذي مر.
فحاصل الجواب أن عدم الدليل في نفس الأمر ممنوع وعند المستدل لا يفيد وإلا كان الأجهل بالدلائل أكثر علمًا.
وعلى الثاني لو صح للنفي والإثبات يلزم من عدم دليل النقيضين الجزم بهما ولا يلزم
قول محمَّد رحمه الله في العنبر لا خمس فيه لأنه لم يرد فيه الأثر لأن معناه أن وجوب الخمس على خلاف القياس فيقتصر على ما فيه الأثر.
وقيل لأنه لم يكتف به بل ذكر حاكيًا عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه كالسمك وهو كالماء ولا خمس فيه ومعناه ما مر أن الخمس إنما يجب بالتسليط على ما في يد العدو وقهر الماء بمنع قهر العدو.
ثم قال علماؤنا التمسك بالاستصحاب أربعة أوجه:
1 -
عند القطع بعدم المغير لحس أو عقل أو نقل ويصح إجماعًا كما نطقت به الآية.
2 -
عند العلم بعدم المغير بالاجتهاد ويصح لإيلاء العذر ولا حجة على الغير إلا عند الشافعي وبعض مشايخنا منهم علم الهدى رحمه الله لأنه غاية وسع المجتهد.
3 -
قبل التأمل في طلب المغير وهو بط بالإجماع لأنه جهل محض كعدم علم من أسلم في دارنا بالشرائع وصلاة من اشتبهت عليه القبلة بلا سؤال وتحر.
4 -
لإثبات حكم مبتدأ وهو خطأ محض لأن معناه اللغوى إبقاء ما كان ففيه تغيير حقيقته واعتبره بعض الشافعية حتى قالوا بإيراث المفقود من مورثه لذلك وأخطأوا في التخريج لأنه بواسطة الحياة الباقية حكمًا وليس بإثبات ابتدائي.
قال فخر الإِسلام رحمه الله ومن شرع في العمل بلا دليل اضطر إلى التقليد الذي هو باطل إذ عند انتفاء الضرورة والنظر بتعين التقليد أو التشهى ولما لم يحتمل التشهى الصحة أصلًا عين التقليد أو معناه اضطر إلى جواز التقليد الباطل لأنه من أقسام العمل بالدليل.
الثالث: التقليد: وهو اتباع الغير على اعتقاد أنه محق من غير دليل على وجوب اتباعه لأنه لما تبرع بالتزام قوله كأنه جعله قلادة عنقه وذلك كاتباع الكفرة آباءهم المذموم في الآيات والمبتدعة مقتداهم المذموم في الأحاديث إذ لو صح لكان جميع الأديان الباطلة حقا ولزم اجتماع النقيضين لتناقض الأديان وفيما قلد اثنان لاثنين في النقيضين ولأنه معارض بالمثل ولأن مقلد الكافر كافر ومقلد المؤمن عاص بترك الاستدلال ولا شيء من سالك طريق الحق يعصي بسلوكه وهذا بخلاف اتباع الأمة قول النبي لأنه بالكتاب والإجماع أو الإجماع لأنه عن دليل مر فيه حجيته واتباع الأمة قول المفتي أو القاضي قول الشهود لأنهما عن نص نحو {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] أو إجماع فهذه الأقسام.
قيل ليست تقليدا إلا أن يصطلح عليه.
وقيل ليست تقليدا باطلا.
وما قال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي وعامة الفقهاء وأهل الحديث من أن إيمان المقلد صحيح فليس لصحة التقليد بل لوجود حقيقة الإيمان وهو التصديق بجميع ما علم مجيء النبي عليه السلام به بالضرورة ولذا قلنا بصحة ارتداد الصبي العاقل واستحقاقه العقاب السرمدي بذلك ألا يرى أنه عاص بترك الاستدلال فهو مثاب ومعاقب من جهتين إما في فروع الشريعة فقال صاحب الميزان يحل التقليد للعوام من لم يبلغ درجة الاجتهاد للضرورة ولكن عليهم أن يقلدوا من اشتهر عندهم بأنه أعلم وأورع ولا يقلد المجتهد إلا للصحابي في المختار وإن روى عن أبي حنيفة رضي الله عنه جواز تقليده لمن هو أعلم منه وسيجيء بيان هذه المسائل.
الرابع: الإلهام وهو الإلقاء في الشروع بطريق الفيض أي خلق الله تعالى في قلب الغافل علمًا ضروريا نظريا كان أو عمليا وقد يطلق على ذلك العلم كضرب الأمير وهو للنبي عليه السلام حجة عليه وعلى غيره لا لغيره إلا للولي على نفسه لأنه في حقه ملحق بوحي نبيه كرامة له ببركة متابعته.
وقالت الصوفية الإلهام حجة مثل النظر العقلي.
لنا أولًا أنه معارض بالمثل.
وثانيا: أنه ملتبس بالهواجس والوساوس فلا يتيع إلا إذا كان على وفق الحجج الشرعية كيف وإذا وجب رد الحديث المخالف لكتاب الله فرد غيره أولى.
وثالثا: قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] ونحوه.
ورابعا: دلالة الإجماع على عدم جوازَ قول الرسول عليه السلام إلا بعد إظهار المعجزة وإلا لاشتبه النبي بالمتنبي وقبول قول المتنبي كفر.
لهم أولًا قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22] حيث أول بالإلهام وكذا قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا} [الأنعام: 122].
قلنا مسلم أنه ثبت كونه من الله أو من الملك بإذنه كما بالمعجزة للنبي في حق الكل وبالكرامة في حق نفسه.
وثانيا: قوله عليه السلام لوابصة استفت قلبك ولو أفتوك وقوله عليه السلام "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله"(1).
(1) أخرجه الترمذي (5/ 298) ح (3127)، وقال غريب، والطبراني في الأوسط (3/ 312) ح (3254)، والطبراني في الكبير (8/ 102) ح (7497)، والقضاعي في مسند الشهاب =
والفراسة ما يظهر لبعض الصالحين من كشوف حقانية.
قلنا معناه الأمر بأن يعمل مثله بفتوى قلبه لا بدعوة الناس إليه ولا نزاع فيه.
وثالثًا: أمر الله تعالى موسى عليه السلام وهو من أفاضل أولى العزم أن يتبع الخضر في إلهاماته وكان الحق للخضر عليه السلام في المسائل الثلاث.
قلنا: للعمل بحقه ذلك بأمر الله تعالى ولا كلام في مثله ولا في حسن الاعتقاد لمن يدعى الإلهام بدليل يدل على صدقه من الكرامات النقاضات للعادات والاتقاء عن فراسات الأولياء في إضمار الخاطر السوء في حقهم واجب بل كلا منافى وجوب الاتباع في الأمور الدينية بلا دليل شرعي.
ورابعًا أن الترجيح بين القياسين المتعارضين بشهادة القلب وكذلك أنواع التحرى في القبلة واختلاط الحرام بالحلال والنجس بالطاهر.
قلنا التحرى ليس من الإلهام المخصوص بالعدل التقى بل هو دليل ضروري لا يعمل به إلا بعد العجز عن أسباب العلم مشروع في حق الصالح والطالح.
وأما ما قالوا من أنه يجب على المريد اتباع قول شيخه في وارداته ومناماته ولا يطلب عليه الدليل وإلا كان محجوزًا ومردودًا فمسلم لا فيما يخالفه الشرع لقوله عليه السلام "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"(1) بل فيما يوافقه كترجيح أحد الجائزين وذلك إذا عرف صلاح شيخه بسداد سيرته ورؤية كراماته لا لمجرد الدعوى والطامات.
الخامس: بالمجمل المجهول كقول الجدليين جائز قياسًا على صورة متفق على جوازها لمصلحته أو غير ثابت دفعًا لمفسدته وقد قال عليه السلام: "لا ضرر ولا ضرر في الإسلام (2) قلنا يمكن لأحد أن يقلبه فلا يصلح حجة شرعية لاستحالة التناقض على حجج الشارع ولأن مثله لعب بالتشريع وترويج لهوى النفس ففيه خطر زوال الإيمان
= (1/ 387) ح (663) والبيهقي في الزهد الكبير (2/ 159 - 160) ح (358).
(1)
أخرجه الترمذي (4/ 209) ح (1707)، وابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 545) ح (17) عن الحسن مرسلًا، وعبد الرزاق في مصنفه (2/ 383)، ح (3788)، والطبراني في الأوسط (4/ 181 - 182) ح (3917)، والإمام أحمد في مسنده (1/ 131) ح (95)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 55) ح (73) والخلال في السنة (1/ 113 - 114) ح (58)، والحارث في مسنده (2/ 632) ح (602)، والطراني في الكبير (18/ 165) ح (67) وابن الجوزي في العلل (2/ 768) ح (1280) وانظر كشف الخفاء للعجلوني (2/ 491) وعلل الدارقطني (5/ 155).
(2)
تقدم تخريجه.