المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقام الثالث: في شتائت مباحث العموم - فصول البدائع في أصول الشرائع - جـ ٢

[الفناري]

فهرس الكتاب

- ‌ المقصد الأول ففي الأدلة الأربعة

- ‌الركن الأول من الكتاب

- ‌فالمقدمة فيها مباحث:

- ‌الأول: فيما يتعلق بتعريفه

- ‌الثاني: أن المنقول آحادًا ليس بقرآن

- ‌الثالث: يجوز العمل بالقراءات الشاذة إذا اشتهرت

- ‌الفصل الأول في الخاص

- ‌الأول: في حكم مطلقه وضعًا

- ‌المقام الثاني في حكم قسمه المسمى بالأمر:

- ‌المقام الثالث في حكم النهى الذي يقابله

- ‌الفصل الثاني في العام

- ‌الأول: في حكمه

- ‌أحدهما فيما قبل التخصيص:

- ‌البحث الثاني: فيما بعده

- ‌الأولى: في تعريف التخصيص

- ‌الثانية: في جوازه في جميع العمومات

- ‌الثالثة: في أنه في الباقي يعد التخصيص حقيقة أم مجاز

- ‌نظائر الثلاثة من الفروع

- ‌المقام الثاني في ألفاظ العموم

- ‌المقام الثالث: في شتائت مباحث العموم

- ‌الفصل الثالث في حكم المشترك

- ‌الفصل الرابع في حكم المؤوَّل

- ‌الفصل الخامس في حكم الظاهر

- ‌الفصل السادس في حكم النص

- ‌الفصل السابع في حكم المفسر

- ‌الفصل الثامن في حكم المحكم

- ‌الفصل التاسع في حكم الخفي

- ‌الفصل العاشر في حكم المشكل

- ‌الفصل الحادي عشر في حكم المجمل

- ‌الفصل الثاني عشر في حكم المتشابه

- ‌الباب الأول في المجمل

- ‌الأول: قد مرت الإشارة

- ‌الثاني: فيما اختلف في إجماله:

- ‌الباب الثاني في المبين

- ‌المبحث الأول

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث

- ‌المبحث الرابع

- ‌المقصد الأول في بيانيّ التقرير والتفسير

- ‌المقصد الثاني في بيان التغيير

- ‌للواقفية المشتركة

- ‌أولا: حسن الاستفهام

- ‌وثانيًا: صحة الإطلاق

- ‌الأول في حده

- ‌الثاني في تقسيمه

- ‌الثالث في أنه إما واحد أو متعدد على الجمع

- ‌ تخصيص العام:

- ‌المبحث الأول

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث في جواز تخصيص الكتاب بالكتاب

- ‌المبحث الرابع في جواز تخصيص السنة بالسنة

- ‌المبحث الخامس في جواز تخصيص السنة بالقرآن

- ‌المبحث السادس في جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد

- ‌المقصد الثالث في بيان الضرورة

- ‌المقصد الرابع في بيان التبديل

- ‌الفصل الثالث عشر في حكم الحقيقة

- ‌فصل

- ‌الفصل الرابع عشر في حكم المجاز

- ‌الفصل الخامس عشر: في حكم الصريح

- ‌الفصل السادس عشر: في حكم الكناية

- ‌الفصلين السابع عشر والثامن عشر في حكم الدال بعبارته وإشارته

- ‌الفصل التاسع عشر: في حكم الدال بدلالته

- ‌الفصل العشرون: في حكم الدال بالاقتضاء

- ‌الركن الثاني: من السنة وفيها مقدمة وعدة فصول

- ‌الفصل الأول: في تقسيمه باعتبار الاتصال

- ‌الفصل الثاني: في الراوي

- ‌الفصل الثالث: في الانقطاع

- ‌الفصل الرابع: في محل الخبر

- ‌الفصل الخامس: في وظائف السمع

- ‌الفصل السادس: في الطعن

- ‌الركن الثالث في الإجماع: وفيه مقدمة وعشرة فصول

- ‌أما المقدمة ففي تفسيره

- ‌الفصل الأول في إمكانه

- ‌الفصل الثاني في إمكان العلم به

- ‌الفصل الثالث في إمكان نقل العالم إلى المحتج به

- ‌الفصل الرابع: في حجيته

- ‌الفصل الخامس: في ركنه

- ‌الفصل السادس: في أهلية من ينعقد به

- ‌الفصل السابع: في شروطه

- ‌الفصل الثامن: في حكمه

- ‌الفصل التاسع: في سببه

- ‌الفصل العاشر: في مراتبه

- ‌الركن الرابع: القياس

- ‌الفصل الأول: في معناه

- ‌الفصل الثاني: في شروطه

- ‌الفصل الثالث: في أركانه

- ‌الفصل الرابع: في حكمه

- ‌خاتمة الفصول في عدة تقسيمات للقياس:

- ‌الفصل الخامس: في دفعه

- ‌الفصل السادس: في بيان أسباب الشرائع

- ‌الأول في الأسباب

- ‌المبحث الأول: في الاعتقادات وهي الإيمان بتفاصيله

- ‌المبحث الثاني في العبادات

- ‌المبحث الثالث في المعاملات

- ‌المبحث الرابع في المزاجر

- ‌القسم الثاني في حكم الأحكام أي مصالحها المشروعة هى لها

- ‌المبحث الأول: في الاعتقادات حكمتها

- ‌المبحث الثاني: في العبادات

- ‌المبحث الثالث: في المعاملات الخمسة

- ‌المبحث الرابع: في المزاجر

- ‌الفصل السابع: في غير الأدلة الأربعة

- ‌الأول في الصحيحة

- ‌الأول: في شرع من قبلنا

- ‌المبحث الثاني: في تقليد صحبه عليه السلام

- ‌المبحث الثالث: في الاستدلال

- ‌القسم الثاني: في الأدلة الفاسدة:

- ‌المقصد الثاني: فيه ركنان للتعارض والترجيح

- ‌أما الأول ففيه مباحث

- ‌الأول في تفسيره

- ‌الثاني: في حكمه

- ‌الثالث: في المخلص عنه

- ‌الركن الثاني في الترجيح: وفيه فصول

- ‌الأول في تفسيره

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في تقسيمه

- ‌الفصل الرابع: في وجوه ترجيح القياس بحسب التأثير

- ‌الفصل الخامس: في وجوهه بين المنقولين

- ‌الأول ما بحسب السند

- ‌الأول الراوي ورجحانه

- ‌المورد الثاني: الرواية وفيه وجوه

- ‌المورد الثالث المروى: وفيه وجوه

- ‌المورد الرابع المروى عنه

- ‌الصنف الثاني: ما بحسب المتن

- ‌الصنف الثالث: ما بحسب المدلول

- ‌الفصل السادس في وجوهه بين المعقولين

- ‌الفصل السابع في بيان المخلص

- ‌الفصل الثامن

- ‌الخاتمة ففى الاجتهاد وما يتبعه من مسائل الفتوى

- ‌الفصل الأول في تفسير الاجتهاد وشرطه

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في مسائل متعلقة الاجتهاد

- ‌الفصل الرابع في مسائل الفتاوى

- ‌الأول في المفتي

- ‌القسم الثاني: في المستفتي

- ‌القسم الثالث فيما فيه الاستفتاء

الفصل: ‌المقام الثالث: في شتائت مباحث العموم

قالوا: لو قال قتلت كل من في المدينة أو أكلت كل رمانة في البستان أو كل من دخل داري فهو حر وفسرها بثلاثة عد القائل مخطئا ولاغية وقوله خطأ ولاغية.

قلنا: لا نعلم كما لو قال كل من في المدينة من الأعداء وهم ثلاثة أو كل رمانة متشققة وهي ثلاثة أو كل من دخل قبل الطلوع وقد دخل ثلاثة ولئن سلم فذلك لإشعار إظهار جلادته أو سماحته بتتميم التعميم ومحل النزاع ما فيه قرينة عدم التعميم فأين هذا من ذا ومما يؤيده أن المفصل جوز تخصيص البدل والاستثناء لو عد المخصصين إلى واحد فأي فرق بين الأمثلة المذكورة وبين أكرم كلا من الناس اهدها أو إلا الجهال والعالم واحد حتى لا يعد لاغية دونهما.

‌المقام الثالث: في شتائت مباحث العموم

الأول: أن العموم للفظ حقيقة وللمعنى إذا شمل أشياء من غير أن يدل على شموله لفظ قيل لا يصح وقيل يصح حقيقة والجمهور على صحته مجازا وهو المختار، لنا أن حقيقته أن يصدق موجود واحد على متعدد دفعه ولا يتصور في المعاني؛ لأن الموجود في كل محل معنى غير الموجود في غيره وردما يطلق عموم المعنى على أن يكون للفظ معان متعددة فيقال تعددها باختلافها فالنظام لا يكون إلا للمشترك فلا يتحقق إلا عند من يقول بعمومه نعم يقال المطر أوحصب البلاد تنزيلا للموجودات المتعددة منزلة واحد لاشتراكها في الماهية من حيث هي.

ومن نفى التجوز يقول بعمومه نعم يقال عم المطر أو حصب البلاد تنزيلا للموجودات المتعددة منزلة واحد لاشتراكها في الماهية من حيث هي ومن نفى التجوز أيضًا جعل التجوز في الفاعل قولًا بأن المراد بالمطر الأمطار والحق للتجوز توسعا.

قالوا الماهية الكلية واحدة صادقة على جزيئاتها والمرئي الواحد يتعلق به إبصارات متعددة والصوت أو المشموم الواحد يسمعه أو يشمه طائفة والأمر والنهي النفسيان يعمان خلقا كثيرا قلنا الماهية الكلية ماهية واحدة لا موجود واحد إذ الموجود في كل فرد غير الآخر.

ولا وجود في الذهن عندنا ولئن سلم فصدقها على جزيئاتها تناول احتمال لا دلالة والمرئي لا يصدق على الإبصارات ولا الأمر والنهي على الخلق الكثير ومدرك سامعة كل أحد وشامتة هو الهواء التكيف المجاور لها.

الثاني: أن العبرة لعموم اللفظ في جواب السؤال وحكم الحادثة إذا كان مستقلا زائدا على القدر الكافي لا لخصوص سبب الورود، وقال مالك والشافعي ومن تبعهما يختص

ص: 76

بسببه وقال أبو الفرج يختص جواب السؤال لا حكم الحادثة وأقسامها أربعة؛ لأن كلا إما مستقل أو غيره أما غير المستقل بقسميه فيتبع ما قبله في العموم والخصوص ولا يعرف فيهما خلاف.

فالقسم الأول: ما يكون جزاء لما قبله ففي العموم كأن يقال ما بال من واقع في نهار رمضان عامدًا فقال فليكفر وفي الخصوص كقوله واقعت أهلي في نهار رمضان عامدا فقال فكفر إذن ومنه زنا ماعز فرجم وسهى فسجد وتعميمه بعد فهم علية الوصف بالدلالة لا بعموم القضاء مع أن المثال للتوضيح وإن ظن أن للشافعي خلافا في هذا فهما مما ذكر في البرهان من قوله ترك الاستقصاء في حكايته الأحوال مع الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال والحق أنه محمول على صورة الاستقلال.

القسم الثاني: ما لا يكون جزاء فعمومه كقوله عليه السلام نعم لمن قال أتتوضأ بماء البحر وخصوصه نحو قوله أليس في عليك ألف درهم فيقول بلى يكون إقرار لا نعم أو كان في عليك كذا فنعم إقرار لا بلى فعند أئمة اللغة نعم مقررة لما سبق مطلقا وبلى موجبة فيلزمها سبق النفي استفهاما أو خبرًا أو (أجل) مخصوصة بالخبر وقيل أولى فيه.

وعند الأصولين يعتبر المتعارف فلا يفرقون بين هذه الكلمات في الجواب إلا بأن نعم وبلى لمحض الاستفهام مع سبق النفي أو بدونه أن يدرج أداة الاستفهام أو يستعار له الخالي عنه وأجل يجمعهما فقوله نعم أو بلى بعد أطلقت امرأتك تطليق وبعد أليس في عليك أو أكان إقرار وكذا أجل والمدرج أو المستعار نحو نعم بعد قوله في عليك كذا أي إلى نحو قوله تعالى {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ} [الشعراء: 22] على قول ويحتمل التقدير والاستعارة.

وذكر محمد رحمه الله نعم فيما لا يحتمل الاستفهام كما في اقض الألف التي عليك أو أخبر فلانا أن له عليك كذا أو أبشر أو قل فقال نعم يكون إقرارا والأمر لا يحتمله وأما قسما المستقل فغير الزائد على القدر الكافي كقوله بعد ما قيل له تعالى تغدى معي أن تغديت فكذا أو قيل تغتسل الليلة عن جنابة فقال إن اغتسلت اختص به فلا يحنث بالتغدي الآخر والاغتسال لا فيها أو فيها لا عنها إلا عند زفر رحمه الله فإنه عممه عملا بعموم اللفظ.

قلنا: خصصه دلالة الحال عرفا كما ينصرف الشراء بالدراهم إلى نقد البلد وأما الزائد سواء كان جواب سؤال كقوله عليه السلام لما سئل عن بئر بضاعة خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه أو حكم حادثة كما روى أنه عليه السلام مر

ص: 77

بشاة ميمونة فقال: "أيما أهاب دبغ فقد طهر"(1)، قلنا في عمومه.

أولًا: تعميم الصحابة العمومات مع ابتنائها على أسباب خاصة كآية الظهار في خولة امرأة أوس بن الصامت أو سلمة بن صخر وآية اللعان في هلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن سحماء أو في عويمر العجلاني وآية السرقة في سرقة المجن أو رداء صفوان وآية القذف في قذفة عائشة وغير ذلك وشاع ولم ينكر.

ثانيا: أن خصوص السبب لا يصلح معارضة لعموم النفى إذ لا منافاة.

ثالثا: أن العام ساكت عن الاقتصار والسكوت ليس حجة، قالوا أولًا لو عم لجاز تخصيص السبب بالاجتهاد كغيره ولم يجز اتفاقا، قلنا: لا نعلم الملازمة للقطع بدخوله في الإرادة إذ لا يجوز الجواب عن غير المسئول عنه أو لا نسلمها إن أرى السبب الشخص لذلك والاتفاق في بطلان اللازم إن أريد السبب النوعي أقصي الأمر أن نحتاج إلى الفرق بين السبب الشخصي الذي ورد فيه وبين الأسباب الشخصية الآخر إن كان المخصص اجتهاد إلا إن كان نصًا فإن أبا حنيفة أخرج السبب النوعي في فرد آخر في موضعين حيث لم ينف الحمل باللعان بعد نفيه بقوله زنيت وهذا الحمل منه مع انتفائه في هلال ولم يرد غير قصته في باب اللعان.

واعتبر عموم الفراش في قوله عليه السلام: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" والحق الولد الآتي في النكاح وأن يتقنا استحالة المعلوق من الزوج وأخرج ولد الأمة ولم يلحقه يمولاها وإن أقر بالوطئ والافتراش وروده في ولد أمة زمعة حين نساوق سعد بن أبي وقاص بعهد أخيه عتبة مع عبد بن زمعة إلى النبي عليه السلام فقال ذلك قيل يعرف عند تتقيح المناط أن سبب الانتفاء اللعان وإلحاق ولد الأمة بمولاها الاستفراش وليس الخصوصية وقال هلال وربيعة أثر فيه مع أنه لا يجوز أن ينسب إلى عاقل تجويز إخراج السبب فقول أبي حنيفة رضي الله عنه محمول على أن الحديثين لم يلغياه بكمالهما قلنا فيه وجوه:

1 -

ما في الروايات أن عبد بن زمعة قال ولد على فراش أبي أقر به أبي ومن مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أن الأمة تفسير فراشًا بالوطئ إذ أقر به المولى ثم أتت بولد يمكن أن يكون منه (2).

2 -

أن وليدة زمعة كانت أم ولد له ذكره أبو يوسف رضي الله عنه في الأمالي ويدل

(1) تقدم تخريجه.

(2)

انظر بدائع الصنائع (6/ 243).

ص: 78

عليه الوليدة لأنها اسم لأم الولد ونسب ولد أم الولد يثبت من غير دعوة.

3 -

أن في رواية البخاري هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر قال شمس الأئمة رحمه الله فهذا قضاء بالملك لعبد لكونه ولد أمة أبيه ثم اعتقه عليه بإقراره بنسبه والدليل عليه قوله عليه السلام لبنت زمعة "أما أنت يا سودة فاحتجبي منه لأنه ليس بأخ لك"(1) وقوله عليه السلام "الولد للفراش" لتحقيق نفى النسب عن عتبة لا لإلحاقه بزمعة.

4 -

أن من مذهب أبي حنيفة وقيل هو مذهب أبي يوسف أن إقرار الورثة ببنوة ولد الأمة لمنزلة الدعوة من ألب فهذه الأربعة ما يعزى إلى عبد العزيز البخاري رحمه الله.

وأقول: بل وراء ذلك جواز أن يكون كل من الانتفاء مع أن أحكام الحمل لا يترتب عليه إلا بعد الوجود لقيام الاحتمال ومن إلحاق ولد الأمة مع أن المقصود بوطئها قضاء الشهوة لا الولد لوجود مانع إتلاف المالية عنده ونقصان القيمة عندهما ولذا جاز العزل عنها بلا رضاها بخلاف المنكوحة بناء على علمه عليه السلام بذلك بالوحي كما يؤيده آخر حديث هلال فلذا كان للخصوصية مدخل فبدأ عرف أن الطعن بالغلط على إمام المسلمين كان من غير تحقيق لمرامه.

والحكم بعدم بلوغ الحديثين إياه استقراء على النفي مع أنهما مبحوث عنهما مستوفى في غير موضع من المبسوط وهو منقول عن الإمام رضي الله عنه.

وثانيا: لو عم لم يكن لذكر السبب فائدة وقد بالغوا في بيانه وتدوينه قلنا يجوز أن يكون فائدته معرفة الأسباب والسير والقصص وفيها الثقة بصحتها ومنع تخصيصه بالاجتهاد واتساع الشرعية.

وثالثا: لو عم لم يطابق الجواب السؤال قلنا إن أريد بالمطابقة المساواة فلا نعلم وجودها عادة إذ قد يزاد وشريعة كجواب موسى عليه السلام عن وما تلك بيمينك وعيسى عن أنت قلت ومحمد عليه السلام بقوله الطهور ماؤه والحل ميتته، وأن زيد بها الكشف عن السؤال فلا نعلم عدمها فيما زاد قيل فلا أقل من أن الأولى ترك الزيادة.

(1) أخرجه الحاكم في مستدركه (4/ 108) ح (7038)، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه والضياء في المختارة (9/ 354) ح (321)، والبيهقي في الكبرى (6/ 87) ح (11246)، والدارقطنى في سننه (4/ 240)، وعبد الرازق في مصنفه (7/ 443) ح (13820)، والطبراني ق الأوسط (3/ 132) ح (2706)، والامام لحمد في مسنده (514)، وأبو يعلى في مسنده (2/ 187) ح (6813).

ص: 79

قلنا أفاده الأحكام الشرعية أولى من رعاية الأحكام اللفطة والأولى أولى ما لم يعارضة

أولى منها كيف وإذا جاز عدم التعرض للمقصود في الأسلوب الحكيم وعد من كمال البلاغة فلأن يجوز الزيادة لمثل فوائده أولى.

ورابعا: أن السبب مثير للحكم كالعلة مع المعلول فيختص به إذ لأصل عدم علة أخرى قلنا ليس الكلام في ذا فإن السبب المؤثر يختص الحكم به ما لم يظهر آخر.

وخامسا: أن ورود العام في هذا السبب صارف له إلى هذا المجاز ولا صارف إلى الخصوصيات الآخر فالحكم بتلك المجازات لخكم قلنا لا مجاز لأن الخصوصية في التحقيق لا الإرادة.

للفارق أن الظاهر في بيان حكم للحادثة إرادة مقتضى اللفظ إذ لا منافاة وفي جواب السوال قصد المطابقة والقصر عليه والتصريح بخلافه لا يمنع الظهور.

قلنا ذلك الظهور مستفاد من دلالة الحال وظهور العموم من صريح الزيادة في المقال كيلا يلزم إلغاؤها والعمل بالناطق مع الصراحة أولى منه بالمبطن مع الدلالة فلو قال في المسألتين إن تغذيت اليوم اغتسلت الليلة أو في هذه الدار صار مبتدئا فإن عنى الجواب صدق ديانة لا قضاء لأن فيه مع كونه خلاف الظاهر تخفيفا بخلاف نية الابتداء بدون الزيادة ففيها تغليظ فيصدق ديانة وقضاء.

الثالث: نفي المساواة في نحو قوله تعالى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] لا يقتض أن يعم الأحكام الدنيوية فلا ينافيه قتل المسلم بالذمي بحديث ينطق صدره بالحكم وآخره بالتعليل وكون ديته كدية المسلم وكون استيلائه على مال المسلم سبب الملك كعكسه.

وقالت الشافعية: يقتضيه فينافيه الأحكام؛ لأن الفعل نكرة في سياق النفي فيعم في أقسامه ما أمكن كلا آكل العام فيها اتفاقا والخلاف في عمومه بحسب المفعولات أو الأسباب أو الأوقات أو غيرها مما هو مقتضى الوجود لا اللفظ فإذا العمل في بعض الأفراد لم يسقط فيما بقي كالعام المخصوص وهذا استدلال بالاستقراء لا قياس في اللغة لا يقال لو عم لما صدق إذْ بين كل شيئين مساواة من بعض الوجوه كالوجود وغيره وأقلها في نفي ما عداهما عنهما ولأن إثباته لو خص لما أفاد للعلم به فيعم فيخص نفيه؛ لأنه نقيضه للتكاذب عرفا لأنهما معارضان بأن نفيه لو خص لما أفاد للعلم بعدم مساواتهما من وجه ولو في التشخيص وإلا فلا اثنينية.

وبأن إثباته لو عم صدق إذ لا مساواة في التشخيص فيخص فيعم النفي وهذه هي الشبه الأربع المتعارضة باعتبار عدم الصدق وعدم الافادة في طرفي النفي والإثبات وحلها

ص: 80

مأن الفعل نكرة إذا وقع في الإثبات لا يعم لكن ربما يفيد لتعينه بقرينة وإذا وقع في النفي يعم لكن ربما يصدق أمر بنية مخصصة بعض المتناولات أو لإدارة الاستغراق العرفي كنفي كل مساواة يصح انتفاؤها بتخصيص العقل كما في قوله تعالى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] أي كل شيء يخلق.

ولنا في ذلك طرق: لما لم يدل إثباته على المساواة من كل وجه أما لأنه نكرة في الإثبات، وإما لأنها بعض أفراد الاستواء ولا دلالة للأعم على الأخص إلا بقرينة، ولا قرينة عليها لكذبها وإلا فلا اثنينية تعين إرادة المساواة من الوجه المعين الذي يدل عليه القرينة كالفوز هنا بقرينة قوله {هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20] والإدراك في قوله {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: 19] فرده أنه كان ينفي تلك المساواة كما هو ظاهر مقام رد الزعم الحقيقي أو الاعتباري فقد خص وإن كان ينفي الكل وذلك يحتاج إلى القرينة المعنية ليصدق فالظاهر أنها تلك القرينة والعقل لا يصلح مخصصا ها هنا إلا إذا قلنا له حكم في الحسن والقبح.

2 -

ولئن سلمنا أن المراد نفي مساواة يصح انتفاؤها فليس المساواة التي يعتمد عليها القصاص بين المسلم والذمي كذلك فإنها المساواة في العصمة التي يعمل فيها الإتلاف وهي ثابتة بكلا العهد والدار مؤبدة بخلاف المستأمن من المؤقتة عصمته وهذا بالفروع أنسب.

3 -

أن النكرة في سياق النفي لا تعم في كل محل بل عمومها في البعض بورودها في محل العموم كما مر في ما جاءني رجل وليست الآية في نحو ما نحن فيه واردة في محله بخلاف لا آكل والعام المخصوص فيجب الاقتصار على ما تيقن أنه مراد كمعدم المساواة في الفوز والادراك يويده أن المساواة غير منفية بين الأعمى والبصير في الأحكام المذكورة.

4 -

الطريقة المسلوكة في "رفع عن أمتي الخطأ"(1) إذْ لا يراد نفي الاستواء في الذوات

(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (16/ 202) ح (7219)، والحاكم في مستدركه (2/ 216) ح (2801)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والبيهقي في الكبرى (6/ 84) ح (11236)، والدارقطني في سننه (4/ 170)، وابن ماجه (1/ 659) ح (2043)، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 82)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (9513)، والطبراني في الأوسط (8/ 161) ح (8273)، والصيداوي في معجم الشيوخ (1/ 362361)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 152) ح (1090)، والصغير (5212) ح (765)، والكبير (9712) ح (1430)، وانظر التلخيص الحبير (1/ 281)، خلاصته البدر لمنير (1/ 54)، نصب الراية للزيلعي (2/ 64).

ص: 81

فإنه في الحقيقة كاذب وفي مشخصاتها غير مفيد فيراد بهما أحكامهما مجازا وحيث ارتدت الأخروية بالإجماع أو بسياق قوله {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18] لا يراد الدنيوية وهما نوعان مختلفان لتعلق الأخروية بصحة العزيمة وفسادها، والدنيوية بوجود الركن والشرط وعدمهما كما يفترقان في الصلاة بالماء النجسة غير عالم وفيها مرائيًا مراعيًا، ومثلها صلاة المحدث على ظن الطهارة وصلاة المتطهر طى ظن الحدث تهتكًا فصار المجاز الموضوع وضعا نوعيا للمختلفين مشتركًا أيضًا فلا يعم أما عندنا فلعدم عموم المشترك.

وأما عند الشافعي رحمه الله فلعدم عموم المجاز هذا سياقة المتأخرين وأما سياقة المتقدمين التي اختارها أبو زيد رحمه الله فعدم الفرق بين المقتضى والمحذوف كما سيجيء فإنه مقتضى ضرورة صدق النص فلا يضمر الجميع أوْ لا يراد لاندفاع الضرورة بإرادة ما اتفق عليه من الأخروية وسيجيء تحقيق السياقتين وسيأتي في موضعين آخرين إن شاء الله تعالى، وعن هذا قلنا كاف التشبيه لا يوجب العموم كما في قول عائشة رضي الله عنها "سارق أمواتنا كسارق أحيائنا" فحمل على الإثم في الآخرة لا القطع في الدنيا إلا أن يقبل محل العموم لارتفاع المانع كقول على رضي الله عنه إنما بذلوا الجزية ليكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا حتى يقتل المسلم بالذس ويضمن إذا أتلف خمره أو خنزيره؛ لأن التشبيه بين العامين ولأن فيه حقن الدم وفي حديث عائشة رضي الله عنها إثبات الحد الذي يحتال لدرء.

الرابع: أن الفعل المثبت أعني الاصطلاحي الدال على مقابل القول لا عموم له فحكايته لا يقتض العموم لا للأقسام كصلي داخل الكعبة للفرض والنفل ولا للجهات أي جهات الوضع كصلي بعد غيبوبة الشفق الأحمر والأبيض إلا عند من قال بعموم المشترك لوجهات وقوع الفعل نحو كان يجمع بين الظهر والعصر لجمعهما في وقت الأولى والثانية ولا للأزمان.

أما دلالة كان يجمع ككان حاتم يقري الضيف على الاستمرار فللفظ الراوي وهو كان لا الفعل المضارع كما ظن فإن قصد الاستمرار فيه يستفاد من تقدم ما يدل على المضي إعطاء الدليلين حقهما هو المفهوم من كلام عبد القاهر ومثله لو يطيعكم كما يستفاد في {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] من وقوعه جزء الاسمية وللأمة إلا بدليل آخر للتأسي فيه خاصة كصلوَا وخذوا أو كوقوعه بيانا فيتبع المبين عمومًا وخصوصا أو عامة نحو {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ} [الأحزاب: 21] الآية وكقياس الأمة عليه بجامع يعلم عليته

ص: 82

خلافا للبعض.

لنا أنه نكرة في سياق الإثبات قالوا قد عمم نحو سهى فسجد وفعلت أنا ورسول الله فاغتسلنا وزنا ماعز فرجم ونحوها وشاع ولم ينكر قلنا تعميمه كان بدليل آخر مما مر.

الخامس: الحكاية بلفظ ظاهره العموم نحو نهى عن بيع الغرر، وقضي بالشفعة للجار يحمل على كل غرر وكل جار خلافا للأكثرين فلا يدل على ثبوت الشفعة لجار لا يكون شريكا.

لنا أن العدل العارف بوضع اللفظ وجهة دلالته لا ينقله ظاهرا إلا بعد ظهوره وقطعه قالوا يحتمل أنه كان خاصا وظن العمة والاحتجاج بالمحكي والعموم في الحكاية.

قلنا الظاهر لا يترك باحتمال خلافه وإلا فلا استدلال به وهذه المسألة ليست عين ما عبر عنها في كتبنا بقولهم حكايته الفعل لا تعم كما ظن لأنها فيما ليس في ظاهر اللفظ دليل العموم كلام الاستغراق في الجار والغرر ولذا قالوا في دليله أن المحكي عنه واقع على صفة معينة وهو الدليل فيكون في معنى المشترك.

فإن ترجح بعض الوجوه فذاك وإن ثبت التساوي فالبعض بفعله والباقي بالقياس عليه ونظيره صلى النبي عليه السلام في الكعبة، فقال الشافعى رحمه الله لا يعم فيحمل على النفل لا الفرض احتياطا إذ يلزم استدبار بعض الكعبة قلنا بينهما في أمر الاستقبال حالة الاختيار تساوٍ فيثبت في الآخر قياسا قيل لا يصح حمل لام الجار مثلا على الاستغراق لأن قضاءه عليه السلام إنعلما وقع لجار معين قلنا لا نعلم لجواز أن يكون حكمه عليه السلام بصيغة العموم نحو الشفعة ثابتة لكل جار قيل فيكون نقل الحديث بالمعنى لا حكايته الفعل لا منافاة.

السادس: في عموم العلة المنصوصة بأن يتحقق الحكم إنعلما تحققت وأنه لا باللغة صيغة بل بالشرع قياسا وقال القاض لا يعم وقيل يعم بالصيغة مثاله قوله عليه السلام في قتلى أحد "زملوهم بكلومهم ودمائهم فإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دمًا"(1) حيث يعم كل شهيد.

لنا في عمومه أدلة وجوب تتبع القياس والظاهر استقلال العلة بالعلية وفي أنه ليس بالصيغة لزوم عتق كل عبد أسود إذا قال أعتقت غلامًا لسواده، واللازم باطل ولا قائل به أي للإجماع السكوتي.

(1) أخرجه الإِمام أحمد في مسنده (5/ 431) ح (23708)، وانظر نصب الراية (2/ 307)، الدارية في تخريج أحاديث الهداية (2/ 307).

ص: 83

للقاضي احتمال أن يكون خصوصية المحل جزأ العلة، قلنا الظاهر هو الاستقلال فلا يترك بمجرد الاحتمال وإلا لم يصح قياس للمعمم بالصيغة أن حرمت الخمر لإسكاره كحرمت المسكر لإسكاره عرفا قلنا المراد أن لا فرق أصلًا أو في الحكم الأول ممنوع والثاني غير مفيد إذ لا يلزم كونه بالصيغة.

السابع: في عموم المفهوم عند الجمهور ونفاه الغزالي رحمه الله قيل النزاع لفظي، فمن فسره بما يستغرق في محل النطق لم يقل به ومن فسره بما يستغرق في الجملة قال به لا حقيقي لأنه إن أريد ثبوت الحكم في جميع ما سوي المنطوق من صور وجود العلة في الموافقة وعدمها في المخالفة.

فلا يتصور النفي من القائل به كالغزالي وإن أريد ثبوته فيها بالمنطوق فلا يتصور إثباته والحق إنه حقيقي لما ثبت أن العموم من عوارض الألفاظ لا المعاني ولا لأفعال فمن قال بأن المفهوم ملحوظ يوجه إليه القصد عند التلفظ بالمنطوق قال به وبقبوله للتخصيص كما ذهب إلى مثله، في لا آكل من جعله محذوف المفعول المراد ومن قال بأنه سكوت وعدم تعرض وحصوله بتبعية ملزومة المنطوق نفاهما كما نفي لا آكل من جعله منزلا منزلة اللازم.

واعلم أن الظاهر في الموافقة هو الأول فإن من قصد منع الأذى بان قصده باكر منه ظاهرا وفي المخالفة هو الثاني فإن إيجاب الزكاة في السائمة ليس قصدا إلى عدمه في المعلوفة ظاهرا فالقول بالعموم في الموافقة دون المخالفة لعدم القول بها كما هو مذهبنا هو الحق.

ولذا قيل القول بالمفهوم مع القول بأن سكوت وعدم تعرض ليجتمعان، وإن أمكن توجيهه بأن القول للزومه وكونه سكوتا عن القصد بالنطق لا تنافيه.

الثامن: قال أصحابنا عطف المخصص على العام يقتضي تخصيصه ظاهرا كما يقتضي سياق عطف ولا ذو عهد في عهده علي إلا يقتل مسلم بكافؤ تخصيص الحرق لآن المنذر مخصص بالحربي إجماعًا إذْ يقتل الذمي هو المشهور في تعبير الآمدي بأن الأول ليس عمومه وإلا لزم عموم الثاني فيفسد.

ونقل الشافعية عنا عبارتين أخريين أن العطف على العام يوجب التعميم صيغة فالأول كعطف وبعولتهن على والمطلقات والثاني كعطف ولا ذو عهد على ما قبله خلافا لهم فيهما.

فأولا: لأن المعطوف فيهما مخصص مع عموم المعطوف عليه حقيقة في الأول واتفاقا

ص: 84

وصيغة في الثاني عندكم قلنا تخصيصه بمنفصل كالإجماع فيهما.

وثانيا: أنه مبني على وجوب تقدير قيد الأول في الثاني وليس كذلك وإلا لوجب في ضربت زيدا يوم الجمعة وعمرا تقدير الظرف في عمرو.

قلنا: ملتزم من حيث الظهور أو قدر في الحديث ضرورة أن لا يمتنع قتل ذي العهد مطلقا ولا ضرورة هنا قيل معناه ولا ذو عهد ما دام في عهده فلا تقدير، قلنا فيكون عطف القتل لا قصاصًا عليه قصاصًا والظاهر خلافه.

التاسع: في عموم خطاب الرسول عليه السلام نحو {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1]، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] للامة إلا لدليل نحصص ولا خلاف في عمومه بدليل شرعي مشترك مطلقا أو فيه خاصة كقياس لهم عليه أو نص أو إجماع ولا في عدم الوضع لغة بل في اللهم عرفا وأحمد معنا خلافا للشافعية.

لنا أولًا أن الأمر لمقتدى طائفة بأمر ما مفهم للأمر له ولأتباعه عرفا ولو لم يكن المتخاطبان من المتشرعة.

وتحقيقه أن أمر مثله إما أن يشتمل على قرينة العموم كالأمر بالأمور السرية ولا كلام في خصوصه وإما أن لا يشتمل عليهما كالأمر بمجاملة الصديق ومعاملة الشقيق وغيرهما ولا شك في فهم أمر الاتباع فيه.

أيضًا قيل الواقع فيه عدم العلم بالخصوص وهو أعم من العلم بعدم الخصوص قلنا نقلة العرف ثقة لا يتهم في نقلهم ولئن سلم فالغالب من القسمين الأوليين في أمر المقتدي هو العموم والغالب كالمتحقق فيلحق به وإلحاق المشكوك بالغالب في الاستعمال ليس قياسا في اللغة بل عملا بالاستقرار على أن لا نعلم أن لا قرينة على العموم في خطاب الرسول مطلقا فإن كل خطاب توجه إليه تفصيل للهداية إلى جناب الحق والصراط المستقيم وإنما يقصد بمثله الكل لا هو وحده فالظاهر عمومه وبهذا علم أن منع فهم العموم مكابرة وأن الدعاء دليل العموم والشياع لا يعم كل مثال مما يفهم فيه أمر الاتباع.

وثانيا: أن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] نداء له وأمر للكل فكما جاز تخصيصه بالنداء عند أمر الكل جاز تخصيصه بالأمر كذلك وكون التخصيص بالنداء للتشريف لا ينافيه لجواز كون التخصيص بالأمر كذلك وافعل وأتباعك ليس مثله إذْ لا كلام في صحته بل نظيره يا فلان افعلوا فلولا أنهم أمروا دون النداء لكان في صحته ألف نزاع، وثالثا قوله تعالى {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] حيث أخبر أن الإباحة له ليشمل الأمة إباحة تزوج أزواج

ص: 85

الأدعياء لا تزوج زينب كما فهم فإما أن يعلم ذلك بطريق القياس أو مطلقا أي بدلالة العرف.

والأول خلاف الظاهر لأن ظاهره جوازه مطلقا لا جوازه بالقياس ولذا يفهمه نفاته، ورابعا قوله تعالى {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] قيل يجوز أن يكون لقطع احتمال العموم حتى لا يقاس الأمة عليه لا لقطع العموم المفهوم قلنا خلاف الظاهر لأن الظاهر التخصيص دفع العموم لا دفع احتماله لهم ولا أن مثله موضوع الخطاب المفرد، قلنا غير محل النزاع إذ لا نزاع في عدم وضعه لغة.

ورابعا: لو عم لجاز إخراج غير المذكور تخصيصا لعمومه ولا قائل به قلنا قد يقع التخصيص في العام عرفا كإخراج غير الوطء من النظر وغيره من الاستمتاعات المرادة عرفا في {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] وهذا على أنه محذوف لا مقتضى وأيا كان يصح سندا.

العاشر: في عدم عموم خطاب واحد من الأمة لغيره بصيغته خلافا للحنابلة ولعلهم يدعون ذلك بالقياس أو بقوله عليه السلام "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة"(1)، لنا أولا عدم الوضع لغة والفهم عرفا، وثانيا عدم فائدة قوله حكمي على الواحد الحديث إذا لفهم التعميم من صيغة الخطاب، لهم أو لا النصوص الدالة على أنه مبعوث إلى الكافة قلنا أي ليبين لكل من الحر والعبد والمسافر والمقيم مثلا حكمه الخاص به لا أن الكل للكل.

وثانيا قوله عليه السلام "حكمي على الواحد، قلنا فالفهم بهذا لا بالصيغة أو معناه عمومه بالقياس وإن كان خلاف الظاهر للجمع بين الأدلة.

وثالثا حكم الصحابة بما حكم النبي به على الواحد من غير نكير كضرب الجزية على كل مجوسى لضربه على مجوس هجر فكان إجماعا.

قلنا إن كان ذلك بالقياس فلا نزاع في جوازه وإلا فهو ليس بمحل الإجماع فلا يسمع دعوى الإجماع.

ورابعا: قوله عليه السلام لأبي بردة في التضحية بالجذعة "ولا تجزي عن أحد بعده"(2) بالتاء أي لا تقضي من قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة:

(1) لا أصل له: قاله العراقى وغيرما انظر المصنوع (1/ 95)، كشف الخفاء للعجلوني (1/ 436)، تحفة الطالب (1/ 286).

(2)

أخرجه البخاري (1/ 325) ح (912)، ومسلم (3/ 1552) ح (1961).

ص: 86

48] فلو عم الخطاب لم يكن له فائدة.

أما في قصة أعرابي واقع أهله في نهار رمضان فلم تثبت فيه لا تجزي أحدا بعدك اللهم إلا أن يكون نقلا بالمعنى كما ذكر القرنوي في شرح الحاوي وكذا تخصيصه خزيمة بقبول شهادته وحده وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام بجواز لبس الحرير لكلمة كانت بهما أو شكوا القمل وقيل لا تخصيص فيه بل يجوز لكل أحد لحاجة.

قلنا فائدته قطع احتمال الشركة للإلحاق بالقياس الحادي عشر في أن الإناث المختلطة مع المذكور تندرج تحت نحو المسلمين وفعلوا وافعلوا بطريق التبعية خلافا للكثير لا الإناث المنفردات ولا المذكور تحت صيغة جمع المونث ولا النساء في نحو الرجال إجماعا.

كما يندرج إذا عرف التغليب وفي نحو الناس ومن وما إجماعا ولذا قال في السير أمنوني على أبنائي وله بنون وبنات يشملهما أو بنات فقط لا يندرج وعلى بناتي لا يندرج البنون بخلاف أولادي مطلقا.

لنا أولًا: غلبة الاستعمال عند الاختلاط كما دخل في {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [الأعراف: 161] نساء بني إسرائيل وفي {اهْبِطُوا} [البقرة: 36] حواء مع آدم وإبليس قيل صحة الإطلاق لا يستدعي الظهور قلنا بل الظهور عرف بالعرف ولأن الأصل فيه الحقيقة لا يقال حقيقة للرجال وحدهم إجماعا والمجاز أولى من الاشتراك لانا نقول إما لغة أو مطلقا لكن عند الانفراد فسلم وأما عرفا عند الاختلاط فممنوع.

وثانيا: مشاركتهن في نحو أحكام الصوم والصلاة وغيرهما وإن وردت بالصيغ المتنازع فيها قيل بدليل خارجي ولذا لم يدخلن في الجهاد والجمعة وغيرهما.

قلنا الأصل عدمه بالاستئناء فيما لا يشاركنهم يحتاج إليه وذا أدل دليل على التناول لولاه.

وثالثا: دخولهن في الثانية إجماعًا إذا قال أوصيت للرجال والنساء ثم لهم بكذا قيل المتقدمة قرينة.

قلنا لا نعلم لجواز إرادة الخصوص في الثانية بل الإفراز ظاهر فيها قالوا أو لا عطف المسلمات على المسلمين دليل عدم الدخول إذ عطف الخاص على العام لا يحسن.

قلنا: غير محل النزاع فإنه صورة الاقتصار على جمع المذكور على أن عدم حسنه ممنوع إذا قصد فائدة التأسيس أولى من فائدة التأكيد.

قلنا لا تأكيد إذ هو ما فيه تقوية الأول وثانيا ما روي عن أم سلمة من سبب نزول قوله أن المسلمين والمسلمات، حيث نفت ذكرهن مطلقًا ولو كن داخلات في الجملة لما

ص: 87

منفيها التصريح بذكرهن وإلا كانت زاعمة أن الأحكام السابقة ليست متناولة لهن وذلك ربما يفضي إلى الكفر فضلا عن الكذب، وثالثا إجماع أهل العربية على أن حقيقتها جمع المذكر، قلنا لغة أو عند الانفراد كما مر.

الثاني عشر: مثل من وما من العام المشترك بينهما لا يختص بالمذكر وان عاد إليه ضميره عند الأكثرين للإجماع في من دخل صيغة الخطاب المتناولة للعبد لغة مثل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21] متناولة شرعا مطلقا خلافا للبعض وعند أبي بكر الرازي يتناولهم في حقوق الله دون حقوق الناس.

لنا: تحقق المقتضي هو التناول اللغوي وعدم المانع إذْ الرق لا يصلح مانعا، ولهم أولا أن ذلك الظاهر يترك بالإجماع صرف منافع العبد إلى سيده، إذْ التكليف صرف لها إلى غيره.

قلنا: وجوب الصرف عند الطلب فلا لناقض عدمه عند عدمه ولذا حاز صرفها إلى نفسه ولئن سلم فقد استثنى وقت تضايق العبادات حتى جاز عصيانه لو أدى طاعته إلى فواتها ولا مناقضة بين وجوب العبادة ووجوب الصرف إلى السيد عند عدم التضايق.

وثانيًا: خروج العبد عن خطاب الجمعة والحج والعمرة والجهاد والتبرعات والتقارير ونحوها فلو عم الخطاب لزم التخصيص والأصل عدمه.

قلنا: ارتكب لدليله كخروج المريض عن الصوم والأربعة المتقدمة والمسافر عن الصوم والجمعة والحائض عن الصلاة أيضًا.

الرابع عشر: العمومات الواردة على لسان الرسول عليه السلام المتناولة له لغة نحو {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104]، {يَا عِبَادِيَ} [العنكبوت: 56] يشمله مطلقًا (1) خلافا للبعض (2) بقرينة الورود على لسانه وعند الحليمي إن لم يكن مصدرا بقل.

لنا أولا: تحقق المقتضى وعدم المانع.

وثانيا: فهم الصحابة دخوله ولو مصدرا بقل ولذا إذا لم يفعل بمقتضاها سألوه عن موجب التخصيص ويذكره وهو تقرير لدخوله كما علل في صوم الوصال بعد نهيه عنه

(1) أو كان معه "قل" أم لا، وهو قول حجة الدين الغزالي، وسيف الدين الآمدي، وأكثر أهل العلم، انظر المستصفى للغزالي، (2/ 80 - 81)، إحكام الأحكام للآمدي (2/ 397)، نهاية السول للإسنوي (2/ 371)، البرهان لإمام الحرمين (1/ 365 - 367).

(2)

حيث قال الصيرفي والحليمى: يدخل إلا أن يكون معه "قل"، انظر إحكام الأحكام للآمدي (2/ 397)، نهاية السول للإسنوي (2/ 372).

ص: 88

بأني أبيت عند ربي وفي عدم فسخ العمرة بعد أمره به بأني قلدت هديا ولهم أولا أنه أمر أو مبلغ فلا يكون مأمورا من جهة أخري.

قلنا الآمر هو الله والمبلغ جبريل وهو حال لتبليغ ما هو داخل فيه وهو المراد ببلغ أو الحكاية تبليغ آخر، وثانيا خصوصه عليه لسلام بأحكام من وجوب وتحريم وإباحة دليل عدم مشاركته فالوجوب كركعتي الفجر ذكرها الآمدي وعند الحسن البصري رحمه الله على الكل نقله النواوي وصلاة الأضحى والضحى والوتر والتهجد والسواك وتخيير نسائه فيه والمشاورة وتغيير المنكر ومصابرة العدو الكثير وقضاء دين الميت المعسر.

والتحريم كمصرفية الزكاة القرآنية وخائنة الأعين وهي الإيماء إلى مباح على خلاف ما يظهر وصدقة التطوع ونزع لامته حتى تقاتل والمن ليستكثر ونكاح الكتابية والأمة والإباحة كالنكاح بلا شهود وولي ومهر والزيادة على أربع نسوة وصوم الوصال وصفى المغنم وحمس الخمس وجعل إرثه صدقة وأن يشهد ويقبل ويحكم لنفسه وولده.

قلنا خصوصه لدليل مانع خروج المريض وغيره من العمومات، للحليمي أن الأمر بالأمر ليس أمرا قلنا لا نعلم عند عدم المانع ولئن سلم فهذا الظاهر يترك بالدليل السابق أما الجواب بأن جميع الخطابات في تقدير قل فممنوع ولئن سلم فليس المقدر كالملفوظ من كل وجه.

الخامس عشر: خطاب المشافهة ليس أمرًا لمن بعد الموجودين في زمن الرسول عليه السلام صيغة بل بدليل آخر من إجماع أو قياس أو نص أو كون الأمر في معنى الخبر وما مر من أن الأمر يتعلق بالمعدوم فمعناه تعلق الكلام النفسي كأن تقوم نفس الأب طلب العلم من ابن مولد لا توجه الكلام اللفظي، وقالت الحنابلة عام لمن بعدهم.

لنا أولا: أنه لا يقال للمعدومين {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21] ونحوه لا وحدهم ولا منضمين إلى الموجودين إلا تغليبا وهو خلاف الظاهر فيحتاج إلى دليل مما ذكر ولذا يقال إذا تعلق أمر الرسول بالمعدوم كان في معنى الخبر لأن خطاب المشافهة موضوع للتفهيم وبهذا يعرف أن لا منافاة بين نداء الحاضر وتكليف الكل.

وثانيًا: إذا لم يتوجه إلى الصبي والمجنون لعم فهمهما مع وجودهما فإلى المعدوم أولى وهذا استدلال على عدم العموم بعدم توجه الخطاب لا بعدم توجه التكليف حتى يقدح فيه احتمال الخصوص ولهم أولا أن من بعد الرسول لو لم يكن مخاطبا لم يكن مرسلا إليهم واللازم منتف بالإجماع، وإن منعوا تناول مثل {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً} [سبأ: 28] للمعدومين قلنا يحصل التبليغ بنصب الدليل على المشاركة.

ص: 89

وثالثًا: احتجاج العلماء في كل عصر بها وهو إجماع على العموم قلنا لعله لعلمهم بتناوله لهم بدليل آخر ككون خطاب التكليف في معنى الإخبار جمعا بين الأدلة وإن دل ظاهر سياق القصص على أن احتجاجهم بنفس العموم قيل على الجوابين أن الأدلة الأُخر أيضًا من الخطابات أو مما ثبت حجيته بها من الإجماع والقياس فلا يتناول المعدومين قلنا بإجماع أو تنصيص على ثبوت الحكم أو حجية الأدلة في حق المعدومين أيضًا نحو الجهاد ماض إلى يوم القيامة مثلا.

السادس عشر: دخول المتكلم في عموم متعلق الخطاب خبرا كان نحو {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29] أو إنشاء نحو من أكرمك فأكرمه ولا تهنه إذا أريد الخطَاب العام المَراد به كل أحد كما في

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

البيت يقتضي دخوله فيه وقيل لا لقرينة أن الخطاب منه مثاله قوله عليه السلام "بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة"(1).

لنا: تحقق المقتضي وعدم المانع ولهم لزوم خلق الله تعالى نفسه في {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16]، قلنا خص عقلا.

السابع عشر: أن الوارد للمدح أو الذم يبقى على عمومه، ويثبت الحكم به في جميع متناولاته خلافا للشافعي رحمه الله تعالى فأحال التمسك بعموم الذهب والفضة في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الآية في وجوب الزكاة بالحلي المباح الاستعمال كما هو مذهبنا أما في المحرم لعينه كما بينهما أو بالقصد كأن يقصد بحلي النساء أن يلبسه الغلمان، أو بحلي الرجال كالسيف والمنطقة، أن يلبسه الجواري فيوافقنا في وجوبهما.

لنا تحقيق المقتضى وانتفاء المانع إذ لا ينافيه المدح والذم، له أن التوسع والعموم مبالغة وإغراقا معهود فيهما.

قلنا فسياقهما دليل إرادته فعدمها ولئن سلم فلا منافاة بينه وبينهما حتى يدل ثبوت أحدهما على انتفاء الآخر، ومما يواجههما المطلق والمقيد فالمطلق ما دل على الذات دون الصفات؛ لا بالنفي ولا بالإثبات وقيل ما دل على شايع في جنسه أي حصة محتملة

(1) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (2/ 377) ح (1499)، والحاكم في مستدركه (1/ 331) ح (768)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه والترمذي (1/ 435) ح (223)، والبيهقي في الكبرى (3/ 63) ح (4755)، وأبو داود (1/ 154) خ (561)، وابن ماجه (1/ 257) ح (781).

ص: 90

لحصص كثيرة لم يطرأ عليها تعيين فخرج ما فيه تعين إما شخصا في وضعه كالعلم، أو في استعماله كالمبهم والمضمر وإما حقيقة في وضعه كأسامة أو استعماله كالأسد وإما حصة فهذا نحو {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] وكل حصص كالرجال وخرج كل عام ولو نكرة كل رجل ولا رجل فيبطل تعريف الآمدي بالنكرة في سياق الإثبات فالمقيد ما دل لا على شايع في جنسه فيدخل المعارف والعمومات ورجح الثاني بأن الدال على الذات هو الدال على الحقيقة كما في المنهاج وذلك موضوع الطبيعة والمطلق موضوع المهملة لا ذلك وفيه بحث لأن حقيقة اسم الجنس فرد لا بعينه أي لم يعتبر تعيينه فاستعماله في موضوع المهملة حقيقة كما عرفت في الفرق بينه وبين علم الجنس ولئن سلم فالدال على الذات أعم من الدال عليه من حيث هو أو من حيث تحققه وأيضًا عدم إخراج المعهود الذهني تحكم وليس لأنه مطلق كما ظن لكونه مقيدا باعتبار حضوره الذهني وإلا لم يكن معرفة كيف وبه الفرق بين المصدر المعرف والمنكر وبن الرجال وكل رجل وأيضًا مثل رقبة مؤمنة وهو المقيد تعارفا لشيوعه داخل في المطلق دون المقيد مع تقييده والأصل بين القسمين التمايز الحقيقي لا الإضافي فالأولى ما ذكره أصحابنا.

بحث شريف

حكم المطلق أن يجري على إطلاقه والمقيد على تقييده فإذا وردا فإما في سبب الحكم كنصي صدقة الفطر أو لا فإما في حكم أي محكوم به واحد مع وحدة الحادثة نحو "إن ظاهرت فاعتق رقبة ورقبة مسلمة" أو تعددها نحو "إن ظاهرت فرقبة وإن قتلت فرقبة مؤمنة" وإما في حكمين كذلك نحو تقييد صوم الظهار بما قبل المسيس وإطلاق إطعامه وكتقييد صيام القتل بالتتابع وإطلاق إطعام الظهار فهذه خمسة، وذكر المنفي قسما آخر ليس بتحقيق لأن الحكم في النفي عام لا مطلق والمعرفة ليست لمطلق فحمل المطلق على المقيد أي إرادة معنى المقيد فيهما متفق على عدمه في القسمين الأخيرين لاختلاف الحكم إلا إذا استلزم حكم المطلق بالاقئضاء أمرا ينافيه حكم المقيد لا عند تقيده بضد قيده نحو:"أعتق عني رقبة ولا تملكني رقبة كافرة" ومتفق على ثبوته في الثاني تقدم أو تأخر نحو فصيام ثلاثة أيام مع قراءة ابن مسعود؛ لأنها مشهورة بخلاف قراءة أبي في قضاء رمضان غير أنه إذا تأخر المقيد كان نسخا عندنا دونه.

لنا في الحمل أنه بعد امتناع العمل بكل منهما عمل بهما وهو أولى وفيه الخروج عن العهدة بيقين، وفي أن المقيد المتأخر ناسخ:

أولا: أنه كتراخي المخصص بل أولى فإنه رافع لتمام ما به صحة استعمل اللفظ وبإثبات حكم شرعي لم يكن وهو لبعض الثابت أما إذا تأخر المطلق فإنه لا يدفع القيد

ص: 91

الثابت لسكوته بخلاف العام المتأخر.

وثانيا: أن المطلق في المقيد مجاز فيكون المقيد عند تقدمه قرينة لا عند تأخره لتراخيه وجعل المتناول بدلا بوضعه عاما خروج عن الاصطلاح الممهد والأصل المشيد.

قالوا أولا: لو كان التقييد المتأخر نسخا لكان التخصيص نسخا لأنه مجاز مثله وقد، سلف الفرق مع أنه ملتزم على أن الكلام في التقييد الموافق والتخصيص الموافق ليس تخصيصا فضلا عن النسخ كما مر أنه مبني على القول بمفهوم اللقب.

وثانيا: لكان إطلاق المتأخر نسخا وقد سلف أنه ساكت بقي الأول والثالث ولا حمل فيهما عندنا خلافا له فلا يجوز إعتاق الكافرة عن الظهار لقيد المؤمنة في القتل ولا يجب صدقة الفطر إلا عن مسلم لتقيدها به في حديث فقال أكثرهم مراده الحمل بجامع وشذوذ منهم من غير جامع لأن بعض القرآن يفسر بعضا لأنه ككلمة واحدة وكذا الحديث.

لنا أولا: الأصل المستفاد من قوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101] وهو وجوب العمل بالإطلاق ووجهه أن التقييد يوجب التغليظ والمساءلة كما في بقرة بني إسرائيل فإن السؤال عن القيود إذا أوجبهما فالتقييد بالأولى، وذلك لأن النهي ليس عن السؤال عن المجمل والمشكل لأنه واجب ولا عن المفسر والمحكم إذ ليس محلا له بل عن ممكن العمل من نوع إبهام يؤيده قوله عليه السلام:"اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسألتهم عن أنبيائهم"(1)، وقول ابن عباس رضي الله عنه:"أبهموا ما أبهم الله واتبعوا ما بين الله"(2)، ولذا لم يشترط عامة الصحابة في أمهات النساء الدخول حملا على الربائب المقيدة واشترط علي رضي الله عنه ليس للحمل بل لشركة العطف وقال أبو حنيفة ومحمد فيمن قرب التي ظاهر منها في خلال الاطعام يصح وفي خلال الصيام أو الإعتاق لا لتقيدهما بقوله تعالى:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] دونه.

وثانيا: أن الأصل العمل بكل دليل ما أمكن، قيل فأي فائدة في قيد المقيد، قلنا استحباب القيد وفضله وأنه عزيمة فلا يحمل على المقيد إلا إذا امتنع كما سلف ولا امتناع عند اختلاف الحادثة في السبب إذ لا مزاحمة في الأسباب واتحادهما في خبري التخالف بإشارة التراد فإنه لا يتصور إلا حال قيام السلعة لا للحمل نظيره التعليق بالشرط لما لم يوجب النفي صار معلقا ومرسلًا كما أن نكاح الأمة معلق بعدم طول الحرة

(1) لم أجده.

(2)

ذكره الشيخ الزرقاني في شرحه، انظر شرح الزرقاني (3/ 182).

ص: 92

ومرسل لأن تنافي الشيئين ما في كل حكم في الموجود الشخصي لا فيما يحتمل الوجود بهما بدلا قالوا:

أولا: المطلق ساكت والمقيد ناطق فكان أولى؛ لأن السكوت عدم ولأن المقيد كالمحكم، قلنا نعم لكن تعارضتا كما في اتحاد الحادثة.

وثانيًا: أن القيد وصف يجري مجرى الشرط فينفي بمفهوم مخالفته الجواز في المنصوص وفي غيره من جنسه كالكفارات فإنها جنس واحد ولذا مطلق نص الشهادة وزكاة الإبل على المقيد بالعدالة في حادثتين والسوم في السبب إجماعا كيف وأنتم قيدتم الرقبة بالسلامة بالقياس بلا ورود تقييدها بها في موضع فمعه أولى وإنما لم يثبت طعام اليمين في القتل وصومه فيها وطعام غيرهما فيهما وزيادة بعض الصلوات والطهارات وأركانها ونحوها من الحدود لأن تفاوتها بالاسم العلم فلا يوجب النفي ليعدي.

قلنا بعض النقض بأنه لم يشترط التتابع في صوم اليمين حملا على الظهار والقتل ولا يصح اعتذاره بأن الحمل إذا لم يعارض أصله أصل آخر مقيد كصوم التمتع المقيد بالتفريق ها هنا إذ ليس صوم المتعة مقيدا بالتفريق.

ولذا لو صام بعد الرجوع جملة العشرة جاز وقبله بالتفريق لا بل ذلك لأن صوم المتعة صومان مطلقان موقتان بوقتين لا نعلم أن كل قيد بمعنى الشرط بل إذا كان المقيد منكرا لفظا أو معنى لتعرفه نحو المرأة التي أتزوجها بخلاف هذه المرأة ومثله النبيون الذين أسلموا {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} ولئن كان فلا نعلم نفي المشرط فإن الإثبات لا يوجب نفيا لا صيغة ولا دلالة ولا اقتضاء فعدم إجزاء تحرير الكافرة في القتل عدم أصلي كعدم إجزاء ما لا يكون تحريرا فلا يعدي ولا يقال يعدي القيد فيثبت العدم ضمنا ومثله جائز لأنا نقول تعدية القيد للوجود عند وجوده مستدرك وللعدم عند عدمه تعدية مقصودها إثبات ما ليس بحكم شرعي مع أن فيه إبطالا لشرعي آخر وهو أجزاء الكافرة التي يدل عليها المطلق أي يتناولها بإطلاقه ووجوب القيد ينافيه فلا يجوز وإلا كان القياس دليلا على زوال المكنة الثانية بالنص وناسخا.

ومن ها هنا يعرف أن المراد باجتماع المطلق والمقيد في حكم وحادثة اجتماعهما صريحا لا تعدية على أن شرط التعدية عدم نص في المقيس قال على المعدي أو عدمه ولئن كان فلا نعلم المماثلة سببا وحكما أما سببا فلا صورة وذلك ولا معنى لأن القتل أعظم الكبائر أما العمد الذي يتعلق به الكفارة عنده فظ وأما الخطأ فلكون العمد أعظم من الغموس كان الخطأ أعظم المنعقدة.

ص: 93