الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا خطاب عارف باقي من أمثاله وإلا فالإلزام مشترك إذ المراد بالانقياد في الجمادات والحيوانات بل وفي السماويات أخفى وفي الثانية أريد بصلاة الكل معنى واحد إذ إيجاب الاقتداء يقتضي الوحدة في كل المراد أو في جزئه.
والأول هو الظاهر حقيقي أو مجازي كالعناية بأمر الرسول إظهارا لشرفه ولأن تحقق ذلك بأسباب محتلفة بحسمب موصوفاتها فسرت بالمعاني المختلفة كما يقال في قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] المحبة من الله تعالى إيصال الثواب ومنهم الطاعة ليس المراد الاشتراك اللفظي بل بيان لوازمها في كل موصوف أو العناية لازمة للمعاني الثلاثة.
وقيل: أريد بها الدعاء ففط الله تعالى أنه يدعو ذاته إلى إيصال الخير فلكون لازمه الرحمة فسروه بها وقال الزمخشري عفى الله عنه حقيقتها الرحمة، واستغفار الملائكة ودعاء المؤمنين سينها فإسنادها إلى الطائفتين مجازي ومن الجائز إسناد الشيء إلى مجموع في بعضه حقيقي نحو بنو تميم يقري الضيف ويحمي الحريم.
الفصل الرابع في حكم المؤوَّل
هو العمل يما ظن منه على احتمال السهو الغلط إذ بيانه غير قاطع وإلا كان مفسرا كما في قوله أنت بائن بتة بتلة حال مذاكرة الطلاق المرجحة لجهة بينونته نكاحا لا خلقا ومكانا، حتى لو قال أردت البينونة الحسية لا يصدق قضاء لأنها خلاف الظاهر وفيها تخفيف.
وإنما لم يرجح مفسره هذا على مؤوله ذلك كما هو الواجب لأن الترجيح بعد التعارض ولا تعارض لتقدم الوقوع بالمؤول الذي خلافه تخفيف منزلة الحكم به ولا يعتبر التفسير بعد الحكم بخلاف سائر المأولات.
تتمة: التأويل إن كان بما لا يحتمله اللفظ يسمى متعذرًا وهو مردود وإلا فإن ترجح فقريبا وإن احتاج إلى المرجح الأقوى فبعيدا تذنيب قال الشافعية للحنفية تأويلات بعيدة:
1 -
في قوله عليه السلام لغيلان بن سلمة بن شرحبيل الثقفي هو الصحيح لابن عبلان "وقد أسلم على عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن"(1) تارة بأنه أراد بأمسك ابتداء
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (9/ 465)، ح (4157)، والحاكم في مستدركه (2/ 209) ح (779)، والترمذي (3/ 435) ح (1128)، والبيهقي في الكبرى (7/ 149) ح (93623)، والدارقطني في سننه (3/ 269)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 274)، وابن ماجه (1/ 628)، ح (1953)، والامام مالك في موطئه (2/ 586) ح (218)، والطحاوية في شرح معاني الآثار =
النكاح وبفارق لا تنكح وأخرى بأمسك الأوائل وفارق الأواخر فإنهم يرون الأول إن تزوجهن معا، والثاني مرتبا والشافعية إمساك أي أربع شاء بلا تجديد وجه البعد أنه متجدد الإسلام لا يعرف شيئًا من الأحكام فخطاب مثله بأي ظاهر مثله بعيد وإنه لم ينقل تجديد لا منه ولا من غيره مع كثرة إسلام الكفار المتزوجين.
وكذا لنوفل بن معاوية "وقد أسلم على خمس اختر أربعًا وفارق واحدةً" فقال عمدت إلى أقدمهن عندي ففارقتها ففيه وجه ثالث وهذا لفيروز الديلمى وقد أسلم على أختين أمسك أيتهما شئت وفارق الأخرى وفيه أربعة أوجه تجدد الإِسلام وعدم النقل وتعميم الآية والتعرض لعدم الترتيب.
قلنا: لا بعد فيها أما الإمساك فإذا أريد به إبقاء الحالة الأولى وإطلاق البقاء على ما يتجدد في الأمثال شائع عرفا والداعي الجمع بينه وبين الأصل الممهد أنهم غير مخاطبين بالشرائع فيبقى أنكحتهم الجائزة عندهم بعد الإِسلام إن لم يكن ما ينالق بقاءها كالنكاح بغير الشهود ولق العدة خلافا لزفر فيهما لأن الخطاب يعمهم عنده وللإمامين في الثاني لأن حرمته اتفاقية دون الأول.
أما جمع الأختين والزيادة على الأربع وهذا الطلقات الثلاث فينافى البقاء كالمحرمة كما أن تعرضنا لهم لا يجب إلا بالإِسلام ولو من أحدهما أو بمرافعتها عنده لأنه كتحكيمهما فإن استحقاق إحداهما لا يبطل بمواقعة الأخرى وإسلام إحداهما يعلو وأما إرادة الأوائل فاعترف منصفهم بقرية بناء على جواز علمه بالوحي أنه يختار الأوائل.
وهذا شأن الإفتاء يكتفي فيه بالإطلاق عند الإطباق ولا يجب التعرض لتفصيل فيه وقوله عمدت إلى أقدمهن مع أنه لا يتعرض لسماع النبي عليه السلام ذلك يحتمل الأقدم في النشوء على الكفر وهو المناسب لعرض الراغب في محاسن الإسلام وأما عدم النقل فلعله لكون أنكحتهم مرتبة ولا تجديد فيها وأما تعميم الآية فصحيح بشرط تقدمها في النكاح فظاهره عدم التعرض للترتيب لا التعرض لعدمه.
2 -
أن المراد في قوله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] إطعام طعام ستين لأن المقصود وهو دفع الحاجة في واحد ستين يومًا كهو في ستين شخصا وجه بعده جعل المعدوم مذكورا والمذكور معدوما إرادة أو جعل المقصود من المفعولين غير مقصود
= (3/ 253)، والطبراني في الأوسط (2/ 190) ح (1680)، والإمام أحمد في مسنده (2/ 13) ح (4609).
وبالعكس مع الفرق لفضل الجماعة وقرب دعائهم للمحسن على الإجابة إذ لعل فيهم مستجابا.
قلنا إلحاق بمعنى دفع الحاجة لا إضمار والفرق ليس بشيء إذْ مناط التكفير نفس الإحسان لا الدعاء للمحسن ولئن سلم فلا نعلم بعد كل إضمار وإن المقصود الحقيقي يجب أن يوافقه الظاهري وإلا فلا تأويل وليس فيه جعل المذكور معدوما لاندراجه تحت المراد.
3 -
أن المراد في قوله عليه السلام: "في أربعين شاة" قيمته لأن المعنى دفع الحاجة وإنجاز وعد رزق الفقراء وهو كما قبله تقريرا وجوابا قيل هذا ابعد لأنه إذا وجب قيمتها فلا يجزي نفسها لعدم النص وفيه مخالفة الإجماع ولأن المؤدي إلى إبطال أصله يبطل نفسه.
فلنا: في الاعتراف بالإلحاق دفع لهما إذ يفيد أحدهما عبارة والآخر استنباطا ولا يكون إبطالا بل تعميما.
4 -
أن المراد بأيما في قوله عليه السلام: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل"(1) هي الصغيرة والأمة والمكاتبه والمجنونة وبالبطلان الأول إليه عند اعتراض الولي عليه مطلقا في المذكورات ولعدم الكفاءة أو الغبن الفاحش في المهر في المكلفة فبين التأويلين منع الخلو ولا الجمع ولا منه كما ظن لأن النكاح للرقيقة موقوف على إجازة المولى ولغير المكلفة لكونه مترددا بين النفع والضر كالبيع على إجازة الولي بخلاف نحو الطلاق وقبول الهدية وغيرهما مالكة بضعها فيعتبر رضاها كبيع السلعة واعتراض الولي لدفع نقصان الكفاءة أو المهر فإن الشهوة مع قصور النظر للحديث.
ولأنهن سريعات الاغترار سيئات الاختيار مطتها بخلاف السلعة وجه بعده أنه على أن يحتمل منع المرأة عما لا يليق بمحاسن العادات من نهوضها بنفسها إبطال للتعميم المستفاد من مقام تمهيد القاعدة والتصريح بأداته المؤكدة ولتأكيد التكرير الدافع لاحتمال
(1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى (1/ 175) ح (700)، وابن حبان في صحيحه (9/ 384) ح (4074)، والحاكم في مستدركه (2/ 182) ح (27060)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والترمذي (3/ 407)، ح (1102)، وقال حسن، والدرامي (2/ 185) ح (2184)، والبيهقي في الكبرى (7/ 105) ح (13376)، والدارقطني في سننه (3/ 221)، والإمام الشافعي في مسنده (1/ 220)، وأبو داود (2/ 229) ح (2083) وابن ماجه (1/ 605) ح (1879)، عبد الرزاق في مصنفه (6/ 195) ح (10472)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (713)، والإمام أحمد في مسنده (6/ 47) ح (24251).
السهو والتجوز مع أنهما بالحمل على صورة نادرة كقول السيد لعبد أيما امرأة لقيتها فانكحها فقال أردت المكاتبة، إن رضيت هي ومكاتبها.
قلنا: منع الشخص عن التصرف في خالص حقه لا يكون إلا لمعنى في غيره كالتشبه إلى الوقاحة هنا والمبالاة ينعقد عنده بعبارتها وأن إذن وليها فمن ضرورته جوازه في نفسه فيصرف إلى ما فيه جمع بين الدليلين وتعميم القواعد بحسب الطاقة وليس التكرير لدفع كل تجوز بل لعله لدفع أن لا يراد بالبطلان عدم الانعقاد كما هو حقيقته بلا عدم ترتب الثمرات كبطلان البيع الفاسد وهو المتعارف العام في الفعل الواقع ولئن سلم فلا نعلم تأويله بالأول إليه بل بالإضمار أي باطل عند اعتراض الولي بدلالة أن إذنه كعبارته في المعنى أو عند عدم الكفاءة كما روى الحسن عن الإِمام واختاره المتأخرون احتياطًا عن عدم جوازه عنده أما قوله عليه السلام: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"(1) فقد عمل بحقيقته في الشاهد إذ زيد به لشهرته على خاص فأنكحوا لا في الولي جمعًا بين الأدلة ففيه جمع بين الحقيقة والمجاز، وجوابه أن المنفي ها هنا نكاح نحو الأمة والصغيرة واشتراط الشهادة في كل نكاح رواية أخرى ساكتة عن الولي.
5 -
أن المراد بقوده عليه السلام: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" كقضاء الصوم ونذره لما ثبت من صحة الصيام بنية من النهار وجه بعده حمله على نادر قلنا لا يعد جمعا بين الدليلين لا سيما وهو مخصص اتفاقا كالنفل عند الكل قالوا فليحمل على أقرب تأويل كنفي الفضلية.
قلنا: فيما فعلنا إبقاء الحقيقة والعموم في بعض الأصناف وفي ذلك إبقاء العموم فقط فهذا أقرب المجازين.
6 -
إن المراد من قوله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] الفقراء منهم لأن المقصود سد الخلة، وجه بعده تعطل لفظ العموم وظهور أن القرابة ولو مع الغني يناسب سببا للاستحقاق وإلا لساواهم سائر الفقراء مع أنه عليه السلام أعطى العباس من الخمس مع غناه.
قلنا: التعميم باق فيما هو المراد بالقرابة فإنها عندنا مجملة بين قرابة النصرة والنسب،
(1) أخرجه ابن الجوزي في التحقيق (2/ 256) ح (1687) بتحقيفنا، وأخرجه البيهقي في الكبرى (7/ 111) ح (13423)، والدارقطني في سننه (3/ 221)، وعبد الرزاق دط مصنفه (6/ 196) ح (374)، والطبراني في الأوسط (6/ 264) ح (366)، والكبير (18/ 142) ح (299). وانظر/ التلخيص الحبير (3/ 156).