الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد وجوب البحث فبلغه.
قيل: بحيث يغلب معه ظن انتفاء المخصص وقال القاضي لا بد من القطع بانتفائه وكان الخلاف في أن النقلي هل يفيد اليقين وأن العام هل هو القطعي الدلالة على العموم مبني على هذا.
لنا: لو اشترط القطع لبطل العمل بالعمومات المعمول بها اتفاقا إذ الغاية عدم الوجدان، قالوا إذا كانت المسألة مما كثر البحث فيها ولم يطلع يقضي العادة بعدمه وإن لم يكن منه فبحث المجتهد يوجب القطع بعدمه.
قلنا: لا نعلم حكم القسمين فكثيرًا ما يبحث بين الأئمة أو يبحث المجتهد ثم يوجد ما نرجع به.
هذا عند مشايخنا القائلين بأن الاحتمال وإن لم ينشأ عن دليل قادح في القطع، أما عند مشايخنا القائلين بعدم قدحه إلا إذا نشأ عن دليل وهو الحق كما مر فالمختار القطع بما ذكر من قضاء العادة وقضاؤها فيما لا يوجد ما يرجع به وإلا فلا اعتماد على الدليل العقلي أيضًا لاحتمال الرجوع بظهور خطأه كما يقع كثير والإجماع على الاعتماد وهذا كله بالنظر إلى مجرد العام ونحوه.
أما بالنظر إلى القرائن الحاقة ومنها العادة العامة فقد يحصل القطع كما سلف.
المقصد الأول في بيانيّ التقرير والتفسير
فبيان التقرير توكيد الكلام بما يقطع احتمال المجاز أو الخصوص نحو: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] ينفي أن يراد المسرع وغيره {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] ينفي إرادة البعض ومثله قوله لها أنت طالق وله أنت حر وقال عنيت المعنى الشرعي وبيان التفسير بيان المجمل والمشترك وغيرهما مما فيه خفاء ففي المجمل كما مر من بيان الصلاة والزكاة والسرقة المجملة في مقدار ما يجب به القطع ومحله ومثله قوله لها أنت بائن وسائر الكنايات وقال عنيت الطلاق ولفلان طى ألف وفي البلد نقود مختلفة ففسر بإحدها وفي المشترك كما أن الإحالة في "أحلنا" كمعنى الإنزال بقرينة دان المقامة وفي: {أُحِلَّ لَكُمْ} [البقرة: 187]، بمعنى الإباحة بقرينة الرفث وكلاهما يصح موصولا ومفصولا في الأصح من أصحابنا وقد مر.
المقصد الثاني في بيان التغيير
وهو الاستثناء اتفاقا والشرط إلا عند السرخسي وأبي زيد إذْ عندهما الشرط تبديل والنسخ ليس ببيان لأن الشرط يبدل الكلام من انعقاده للإيجاب إلى التعليق أي إلى أن
ينعقد عند وجوده لا للحال فإنه رفع الحكم لا إظهار ابتداء وجوده.
قلنا: الشرط فيه تغيير من ذلك الوجه واظهار إيجاب عند وجوده فكان بيان تغيير كالاستثناء إخراج صورة عما هو المقصود ذكره له حيث بعض المفهوم لا سيما في العدد الذي لا يحتمله حقيقة ولا مجازا ولذا يصح علمًا للجنس كأسامة وإظهار لعدم تعلق الحكم إلا بعد الإخراج كما لا يدخل شىء منه تحت قوله له على ألف لو صدر عن غير المكلف.
أما النسخ فليس تغييرًا بل رفعا وإبطالا بالنسبة إلينا لكنه عند الله بيان نهاية مدة الحكم فسمي بيان تبديل للجهتين ها هنا يعلم أن تقييد المطلق كقيود الفعل ليس من بيان المغير مطلقا بل إذا اقتضى تغيير ما يوجبه الكلام لولاه إلى محتمله كما بهذين الوجهين أعني من القطع إلى الاحتمال ومن المقصود ذكره إلى نقضه وإن لم يقتضه فإن اتصل فبيان ما هو أول المقصود من المذكور وإن انفصل فتبديل القصد من المبهم إلى المعين إذ المبهم مما يصلح مرادا بدون التعيين وإن لم يلح متحققا بدونه ولا يلزم من عدم تحققه عدم إرادته إلا معه كما علم.
وهو أقسام: منها: الاستثناء وفيه مقاصد: أحدها: أنه لغة من الثني وهو الصرف واصطلاحا إن كان للمشترك بين المتصل والمنقطع أي متواطئًا فالدلالة على المخالفة بإلا غير الصفة وأخواتها والمستثنى مخالف سبق عليه أحد أدواته فبالإخراج ولو تقديرًا أي من حيث التناول لولا القرينة أو صورة أو ذاتًا على المذاهب ومنع الدخول تحقيقًا أي من حيث الإرادة أو معنى أو حكما متصل وبدونه منقطع ومنفصل.
فلا بد فيه بعد التعلق من المخالفة بأحد وجهين لكونه بمعنى لكن إما بالنفي والإثبات نحو: ما جاءني القوم إلا حمارا أو زيدا وهو ليس منهم ونحوه في وجه: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا} [مريم: 62] وعليه {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 77]، إلا على قول مقاتل، وإما بعدم الاجتماع نحو: ما زاد إلا ما نقص وما نفع إلا ما ضر، بخلاف ما جاءني إلا أن الجوهر الفرد حق وإن كان مشتركا بينهما أي لفطا وهو الحق أو حقيقة في المتصل مجازا في المنقطع كما هو الحق في صيغ الاستثناء ولذا لم يحمله جمهور العلماء عللا عند تعذر المتصل وتكلفوا في ارتكاب مخالفة الظاهر للجنسية حملا لكلام العاقل على الاتصال بقدر الإمكان.
فمن حيث القيمة مطلقًا عند الشافعى رحمه الله كما في على ألف إلا ثواني أي قيمته ومن حيث المعنى المقصود في المقدرات فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف واعتبر محمد
الصورة مطلقا وخير الأمور أوساطها فلا يمكن جمعها في حدٍّ واحد وإن تحقق معنى مشترك بينهما كما مر إذ لا يكون ذلك حقيقة الاستثناء لعدم وضعه له فيقسم أولا ثم يعرف كل بما مر أو بما قال بعض أصحابنا هو المنع عن دخول بعض ما تناوله صدر الكلام في حكمه بإلا وأخواتها فهو أولى من تعريفه بالإخراج بإلا وأخواتها لا لأن إلا للصفة داخل إذ لا إخراج حيث لا يتحقق التناول بل لأن الإخراج تقديري أو صوري أو ذاتي، والمنع عن الدخول تحقيقي أو معنوي أو حكمي ورعاية الثواني أولى ولو أريد به ففيه مجازان.
وفي الثاني واحد وبما قال الغزالي رحمه الله هو قول ذو صيغ مخصوصة محصورة قال على أن المذكور به لم يرد بالقول الأول لأنه إن أراد بالصيغ ألفاظ أدوات الاستثناء كما ظن كان تعريفا لفطا لا حقيقيا ولا سيما والمطلوب في الأصول هما وعن هذا أنه قد يمتنع جمعهما في حد وإن قيل بالتواطؤ وإن أراد معانيها فلا بد من تفسير الدلالة بالوضعية كما هو المتعارف لئلا يرد نحوها جاءني القوم ولم يجيء زيد فإن لزوم عدم إرادته من الكلام الأول عقلي لا وضعي إذ لم يوضع نحو لم يجىء إلا للنفي.
ولذا جاز لم يجىء القوم ولم يجىء زيد ومن القول بإنه تعريف جنس من الاستثناء من حيث عمومه لئلا يرد أن كل استثناء ذو صيغة لا ذو صيغ إذ المتعارف صدق التعريف على كل فرد مع أن في فيه نظرا هو أنه لا يمنعه من الصفة نحو: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، لأن لا دلالة وضعية على ذلك بخلاف أكرم الناس إن لم يكونوا جهالا وإن ادعى عدم دلالته حين استعارته للوصفية وإلا خص انه إخراج بحرف وضعت له وأنه تعريف ليس بلفظي.
ثانيها: في أنه لا تناقض فيه وان توهم أن في على عشرة إلا ثلاثة اثباتا للثلاثة في ضمن العشرة ونفيا لها صريحا كيف وأنه واقع في كلام الله نحو: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] وإنما يحتاج إلى دفعه في الإخبار لجواز النفي بعد الإثباتَ وعكسه في الإنشاء.
كما في دليل الخصوص والنسخ ففيه وجوه:
1 -
أن المراد بالعشرة السبعة مجازًا والاستثناء قرينته ولا يرد عليه ما مر أن الأعداد أعلام أجناس ولا تجوز فيها إذ الممنوع الاستعارة ولئن سلم فالعلم عدد لا يراد به معدوده ولذا يتصرف اخذت عشرة من الدراهم ولأنها ليست جزءًا مختصا ليلزمها فيصح التجوز لأن كل عدد جزء لكل مما فوقه إذْ الاختصاص يطلب إطلاق الجزء على الكل
كعين الرئية وإلا فالجزء لازم ولا أنه يؤدي في نحو اشتريت الجارية إلا نصفها إلى استثناء الشيء من نفسه أو إلى التسلسل.
فإن استثناء النصف من النصف يوجب إرادة الربع ومن الربع ارادة الثمن وهلم جرا هذا الاستثناء من حيث التناول لولا القرينة فالمفهوم قبلها هو الكل لا من حيث إرادة المعنى المجازي فإنها بعد الإخراج ولقام القرينة لا قبلهما فالذي أطلق مجازا على نصف الجارية هي الجارية المقيدة لا المطلقة كاشتريت جارية نصفها للغير فما لم يتم التقييد لقيام القرينة يكون الملاحظ المعاني الوضعية فلذا يرجع الضمير إلى كمال الجارية ويتحقق أن الاستثناء إخراج بعض من كل كما أجمع عليه وأن العشرة نص في مدلوله وأن فيه رعاية وضع الإخراج والمخرج والمخرج عنه وليس مثله جعلوا الأصابع في آذانهم إلا اصولها كذلك لأن الاستثناء وإرجاع الضمير بعد تمام القرينة.
2 -
قول القاضي أن المجموع موضوعٌ بإزاء السبعة فلها مفرد ومركب يريد به أنه موضوع وضعًا نوعيًا والمعاني الإفرادية ليست مهجورة في الموضوعات النوعية فلا يراد أنه خارج عن قانون اللغة إذ الأمر مركب مزجي فيها عن ثلاثة ولا مركب اعرب جزؤه الأول وليس بمضاف ولا مشبه به نحو اثني عشر ولا انه لإخراج ولا نصوصية للعشرة في مدلولها حينئذ ويرجع الضمير إلى بعض الاسم ويقصد بجزء من المفرد الدلالة على جزء معناه لأن امتناع جميع ذلك في الأوضاع الشخصية أما النقض بنحو برق نحوه وأبي عبد الله فليس بشيء لأن الأول من باب الحكاية الغير المقصود التركيب فيه بل نثره نثر أسماء العدد وليس ما نحن فيه كذلك والثاني فيه مضاف وهذا في التحقيق عين ما يقال مراده التعبير عن السبعة بلازم مركب نحو أربعة ضمت إليها ثلاثة كالتعبير عن الإنسان لمجموع مستوى القامة الضاحك بالطبع أو بمجموع الحيوان الناطق عقلا والبدن النفس خارجًا فارتضاء أحدهما وازراء الآخر يفضي إلى خلاف الأطر الفارقة ولا ريب أن اعتبار المقيد في ذاته لكونه مقيدا في نفس الأمر غير اعتباره من حيث هو مقيد وغير اعتبار المجموع فيه يحقق التقابل بين المذاهب.
3 -
أن المراد من كل حقيقته والإسناد إلى العشرة بعد إخراج الثلاثة منها والفرق بين المذاهب الثلاثة من وجوه:
1 -
ما ذكر.
2 -
أن المستثنى منه مجاز على الأول دون الأخيرين.
3 -
ما قيل إن في الأول إيجابا وسلبا بالمنطوق لأن الاستثناء لا يصلح قرينة لارادة السبعة بالعشرة إلا إذا نفي الثلاثة منها ولا حكم في الأخيرين بالنفي أو الإثبات في المستثنى بل مجرد دلالة على مخالفته لحكم الصدر وهي أعم من الحكم عليه بنقيض حكمه فرق بينهما بأن تلك الدلالة في الثاني بمفهوم العلم في العددي لأن العدد كالعلم خاص بمفهومه وبفهوم الوصف في غيره؛ لأن معنى جاءني القوم إلا زيدا جاءني غير زيد منهم، وفي الثالث بإشارة الإخراج قبل الإسناد لكن لا نقتضي الحكم بالنقيض كما في الأول؛ لأن الإخراج هنا قبل الحكم وثمة بعده؛ لأن القرينة سياقية فالثالث أوكد في تلك الدلالة لأن الإشارة طريق اتفاقي واضح.
ثم قيل ميل الشافعي إلى الأول ولذا جعله من النفي إثباتًا ومن الإثبات نفيا وتخصيصًا غير مستقل بطريق المعارضة ويعني بها إثبات حكم مخالف للسابق.
ومشايخنا مالوا إلى الأخيرين ولذا جعلوه تكلما بالباقي بعد الثنيا أي المستثنى إما تعبيرًا عنه بالمجموع أو بالعشرة المقيدة بإخراج الثلاثة وبيانًا مغيرًا لا تخصيصًا فقالوا بالإثبات في المستثنى في كلمة التوحيد بالإشارة على الثالث إذْ لو لم يكن حكم المستثنى خلاف حكم الصدر لما خرج منه لا على الثاني؛ لأن التخصيص بالعلم أو الوصف لا يقتضي النفي عما عداهما عندهم بل بضرورة أن وجود الآلة كان ثابتا في عقولهم وقد نفي غيره.
وبعضهم مالوا في غير العددي إلى الثالث فقالوا بإثبات حكم في المستثنى مخالف للصدر بطريق الإشارة بشهادة العرف وبنوا ذلك على أن المستثنى كالغاية، وفي العددي إلى الثاني حتى قالوا في إن كان في إلا مائة فكذا ولم يملك إلا خمسين لا يحنث لأن معناه إن كان في فوق المائة فلم يشترط وجود المائة وفي ليس له على عشرة إلا ثلاثة لا يلزمه شيء كأنه قال ليس له علي سبعة.
وفيه نظر من وجوه:
1 -
أن بيان عدم إرادة الثلاثة يكفي قرينة لإرادة السبعة ولا يلزم إرادة عدم الثلاثة.
2 -
أن دلالة الاستثناء على مخالفة حكم الصدر في الخارج ممنوعة وفي العقل بمعنى أن ليس فيه حكم الصدر مسلمة لكن لا تقتضي حكمًا بخلافه من الإثبات أو النفي لا بالعبارة ولا بالإشارة فإن الأخص لا يلزم الأعم فلا يتم الإشارة المذكورة ولو في كلمة التوحيد، وقوله: إذْ لو لم يكن إلخ لا يفيد الحكم بالنقيض إذ يكفي للخروج عدم الحكم السابق.
3 -
أن الإخراج لو أفاد بالإشارة الحكم بالنقيض لأفاد في كلا القولين الأخيرين لأن الإخراج بحسب الصورة والذات لا بحسب المعنى والحكم متحقق فيهما كما مر كيف والمدلول بالإشارة لازم المنطوق فلو كان حاصلا كان مطرد اللزومة، فكان مذهبنا مثل مذهب الشافعي ولم يكن أيضًا عنده منطوقًا مع ما عرفت أن بيان منطوقيته غير تام.
4 -
أن فرق البعض بين العددي وغيره غير مسلم فإن كون المستثنى كالغاية لا يقتضي الإشارة المذكورة لأن شأن الغاية إنهاء الحكم بخلافه ومرادهم بما ذكروا في ذلك لزوم هذا الأخص من ذلك الأعم بحسب المقام كما تحقق ولئن سلم فكونه كالغاية لا يفرق بين العددي وغيره وكذا المسألتان.
أما الأولى: فلما كان معناها إن كان في فوق المائة بدلالة العرف كان المستثنى ما دون ما فوقها وذلك موجود كالخمسين ولو سلم فعدم اشتراط وجود المائة من خطران حيث سرى من المستثنى منه في المستثنى حتى لو قال والله ما كان في إلا مائة وجب وجودها.
وأما الثانية: فلا اختصاص فيها بالثاني؛ لأن إسناد ليس إلى العشرة بعد إخراج الثلاثة عنها كاف في ذلك ثم إذا لم يلزم ثبوت الثلاثة كان مؤيدا لما قلنا من عدم الإشارة بحسب اللفظ هذا.
ولله الملك العلام، در التحقيق في هذا المقام، وذلك في فوائد سمح بها الألمعي من مهرة الفحول، ولعمري أنها تنسمت من مهب قبول القبول.
1 -
أن مرجع القول الثالث إلى أحد الأولين إذ لا ريب أن العشرة مثلا أطلقت أو قيدت ليست حقيقة في السبعة مع لنها مرادة فإن أطلق فيها مجرد العشرة المقيدة كنحو: أربعة ضمت إليها ثلاثة كانت مجازًا وإن أطلق المجموع على أنه تعبير ببعض لوازمها كجذر التسعة والأربعين ونصف الأربعة عشر على طريق قوله: بنت سبع وأربع وثلاث، كانت حقيقة إذ التعبير عن الشيء بلازم حقيقته باعتبار أنه الذي يصدق عليه ليس مجازا فلا خروج عنهما.
وأقول بعد أنه أقرب إلى الثاني لأن اعتبار المقيد من حيث هو مقيد أقرب إلى اعتبار المجموع من اعتباره في ذاته وهو مقيد ولذا حكموا عليهما بأنهما حقيقة فيهما واشتركا في ظهور كونهما تكلما بالباقي بعد الثنيا يفهم من هذه الفائدة أن الأخيرين بل الثلاثة مشتركة في الإفادة بالإشارة أو الضرورة أو كونه بمعنى الغاية وفي الإخراج الصوري والبيان المعنوي وفي عدم التعرض للحكم بنقيض حكم الصدر كما يجب.
نعم لو بنى على القول بمفهوم الصفة للمستثنى فإن الاستثناء في محل الصفة للمستثنى منه اعتبر قرينة أو جزءً أو قيدًا لكان شيئًا.
2 -
أن الاستثناء كان من النفي أو الإثبات لا يدل على المخالفة في النسبة الخارجية بل النفسية فإن كان مدلول الجملة هي النفسية فالمخالفة في المستثنى عدم الحكم النفسي فيه لا الحكم بخلافه وإن كان مدلولها الخارجية فالاستثناء إعلام بعدم التعرض لها والسكوت لا بالتعرض لعدمها.
أقول: وكل من الأوليين أعم فلا يلزمه الأخص إلا بحسب خصوصية المقام كما أن السكوت عن الإثبات يسئلزم نفي الحكم بالبراعة الأصلية وعن المسلب قد يستلزم إثباته كما إذا علم ثبوت حكم لعدة قلب عن غير المستثنى علم ثبوته في المستثنى بالاستصحاب نحو ما قام القاعدون لمقدم عمرو إلا زيد وعليه وضع الاستثناء المفرغ ومنه كلمة التوحيد أو يقال أفادتها الإثبات بالعرف الشرعي لا اللغوي.
ولذا يندفع تشكيك الإمام الرازي رحمه الله أن المقدر فيها إن كان الموجود لم يلزم عدم إمكان إله غيره وإن كان الممكن لم يلزم منه وجود ذات الله تعالى بل إمكانه إذ يلزم عرفًا وإن لم يلزم لغة وهذه الوجوه هي مجمل الإشارة المقولة فيه وفي الغاية التي بها التوفيق بين الإجماعات الأربعة:
1 -
إفادة القصر بما وإلا.
2 -
أنه إخراج.
3 -
أنه تكلم بالباقي بعد الثنيا.
4 -
أنه من النفي إثبات وبالعكس.
5 -
أن هذا في الخبر أما فيما هو عدة الأحكام وهو الطلب فلأنه يدل إما على طلب تحصيل النسبة النفسية كإكرام الناس في أكرمهم أو لا تكرمهم إلا زيدًا في الخارج كالأمر والنهي وبالعكس كالاستفهام فالاستثناء بعده دل على انتفاء النسبة النفسية التي بين المستثنى منه وما نسب إليه في المستثنى لا على طلب دخصيل خلافها خارجًا فلا دلالة على المخالفة في الخارجية أصلا لكن في النفسية فبعد الثبوت يفيد عدم الحكم النفسي فيه وبعد النفي ثبوته لكن عقلا لأن النفي العام إنما هو بعد تعقل الثبوت العام وحين نفي عقلا عن غير المستثنى بقى الثبوت له فيه.
تنبيه: كفى كرامةً للحنفية اعتراف أفضل متأخريها بأن لا تعرض في الاستثناء للحكم بالنقيض ومنه يلزم عدم التعرض في الوصف أيضًا لأنه في معناه، ثالثها في أدلة المذهبين.
لنا: في أنه تكلم بالباقي بعد الثنيا أي استخراج صوري وبيان معنوي أن المستثنى لم يرد لا نحو قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] لأن سقوط الحكم بالمعارضة حالي انشائي فلا يتصور في الإخبار عن الخارج لا سيما عن الماضي وفي العدد بخلاف الإنشاء والأصل خلاف التجوز.
وثانيا: اجماع أهل اللغة أنه استخراج أي صورة وتكلم بالباقى الثنيا أي معنى كما مر.
وثالثا: أنه بخلاف النسخ لا يستغرق أي لا يجوز استثناء الكل عن الكل ولو فيما يصح الرجوع عنه كأوصيت بثلث مالي إلا ثلث مالي يثبت الوصية وطريق المعارضة يقتضي استواء البعض والكل كالنسخ ولا وجه للفرق بآدائه في الاستثناء إلى الناقض لا في النسخ وإلا لأدى إلى استثناء البعض أيضًا لأن اختلاف الزمان مشترك إذ تخلل العمل ليس بلازم للاختلاف.
ورابعا: أنه بخلافه لا يستقل كصدره وشرط المعارضة التساوى في القوة كالنسخ أو فهو تبع له والتبع لا يعارض أصله إجماعا.
وخامسا: أنه لوكان معارضًا كان التكلم بالصدر باقيا حكما بصيغته بقاء المشركين بعد تخصيص أهل الذمة ولذا كان منتهى تخصيص الجمع ثلاثة والمفرد واحدا والعشرة في السبعة غير باقية بحقيقتها.
قيل: وليصر مجازا قلنا خلاف الأصل فلا يعدل إليه إلا لضرورة انتفت بجعله تكلما بالباقي، قيل عدم بقاء حكم الصيغة مشترك مع ذلك.
قلنا: إنما يطلب بقاؤه لتقابله المعارض أما بالشيء بلا حكم ولا انعقاد له فسايغ شايع كطلاق الصبي وكل ممتنع بعد لمانع، قيل فليكن بعد المعارضة كذلك قلنا ما قلناه مرجح بأنه حقيقة بلا ضرورة صارفة.
وسادسا: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [النساء: 92] فمعناه ليس له ذلك عمدا لا أن له ذلك خطأ لحرمته بناء على ترك التروي ولذا وجبت الكفارة والخصم يحمله على المنقطع فرارًا عنه ولو صح في المفرغ فالأصل لمتصل.
فرع: بعت هذا العبد بألف إلا نصفه بيع النصف بألف لدخوله في المبيع لا الثمن وعلى أن في نصفه بيع النصف بخمسمائة لأن على شرط معارض لاستقلاله ولأنه في المعنى ليس شرطا بل بيع شيء من شيئين فيعتبر الإيجاب السابق إلى أن يقع البيع من المشتري ومنه والبيع من النفس صحيح إذا أفاده فالتقسيم هنا فيدخل ليخرج بقسطه من الثمن كمن اشترى عبدين بألف أحدهما ملكه وكشرى رب المال مال المضاربة ليفيد
ولاية التصرف بخلاف الشرط الغير المعارض نحو إن كان في نصفه حيث يبطل العقد فالمسألة افادت أصولا.
1 -
الفرق بين الاستثناء والشرط وإن شملهما بيان التغيير.
2 -
الفرق بين الشرطين بالابطال وعدمه بالاعتبار لمعناه وهو بيع شىء من شيئين.
3 -
صحة البيع من نفسه إذا أفاد وللشافعي رضي الله عنه في أنه إخراج لبعض ما حكم عليه في الصدر وتخصيص بالمعارضة.
أولا: أن إعدام التكلم الموجود إنكار للحقيقة بخلاف التكلم مع عدمه في البعض قلنا ليس إعداما بل لكونه حقيقة أولى.
وثانيا: إجماعهم على أنه من النفى إثبات وبالعكس فلنا مرادهم بالإثبات عدم النفى وبالعكس إطلاقا للخاص على العام ولئن سلم فتعارض الإجماعين يدفع بأنه استخراج صوريّ في الأفراد وتكلم بالباقي في الحكم لما مر أن المجموع عبارة يصلح لذلك ونفى وإثبات بإشارته بحسب خصوصية المقام أو العرف لعدم ذكرهما قصدًا بل لازمًا عن كونه كالغاية المنهية للوجود بالعلم وبالعكس لكن في ذلك المقام لا مطلقًا لما مر من قوله تعالى: {إِلَّا خَطَأً} ولما سيجيء من نحو "لا صلاة إلا بطهور".
وثالثًا: دلالة الإجماع على أن لا إله إلا الله كلمة توحيد ولو من الدهري ولا يحصل إلا بالإثبات بعد النفي قلنا لإشارته بالوجهين ولأن الأصل في التوحيد التصديق القلبي لا الذكر اللساني اكتفى بعد النفي قصدًا إنكارًا لدعوى التعدد بالإشارة الغير المقصودة في الإثبات لأنه كلما يذهب إلى النفي بالكلية والحكم بإسلام قائله بناء على الأغلب عملا بظاهر الحديث ويمكن أن يجعل تكلما بالباقي ونفيا لا لمطلق الألوهية بل لها عن غير الله تعالى ويكون الاستثناء منقطعا فيكون كل من النفى والإثبات مقصودا لطيفة سلكها بعض أصحابنا لإبطال أن كل استثناء من النفي إثبات هي أنه لوكان إثباتًا لاستلزم قولنا "لا صلاة إلا بطهور" كل صلاة طهور ثابتة أي جائزة لوجهين:
1 -
أن خبر لا محذوف أي لا صلاة ثابتة إلا صلاة بطهور فالمستثنى نكرة موصوفة في سياق الإثبات مقصود بها الجنس وقد عرفت في بحث العام لنها عامة لا سيما بعد النفي نحو لا أجالس إلا رجلا عالمًا حيث يشمل الإباحة رجل عالم فلا يحنث بمجالسة أي فرد واحد فصاعدا منه.
ومنه علم أن مثل هذا العموم للاستغراق بخلاف لأكر من رجلا عالمًا أو ما كتبت إلا بالقلم وإذا عمت وقد حكم عليها بالثبوت حصل كل صلاة مقترنة بطهور ثابتة.
2 -
أن النفي شامل لكل فرد فكذا إيجابه إلا فالبعض لا يكون مقترنة بطهور فالمعنى إلا كل صلاة مقترنة بطهور وقد حكم عليها بالثبوت وأما صلاة فاقد الطهورين فليست صلاة بل تشبها بها إذ الكلام فيما هو شرط ولو كان معناه لا صلاة بغير طهور لم يلزم شيء فلما ثبت العموم فلوجهين لم يرد أن رفع السلب الكلي إيجاب جزئي فلا يلزم إلا جواز شيء منها حال الاقتران بالطهور لأنه المراد به أما بعض المقترنة بالطهور فلا نعلم كفايتها في اللزوم أو بعض مطلق الصلاة فلا ينافي العموم الذي ادعيناه ولا أن اللازم أن كل صلاة بطهور صلاة لأن المسلوب في صدر الكلام الثبوت والجواز فكذا المثبت في عجزه وبأن المنفي الجواز علم إن انتفى على حقيقته فلا يحتاج إلى التأويل بالمبالغة أو بأن سائر صفاتها لم يعتبر بالنسبة إليه أو بأن المنفي ما زعم المخاطب ثبوته كصحة الصلاة بغير طهور وقولنا في لا أجالس إلا رجلا عالما له أن يجالس كل عالم ليس إثباتًا بعد النفى بل ذلك بالإباحة الأصلية وبإفادة المقام إياها.
فروعه: جعل الشافعي معنى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160] فلا تجلدوهم واقبلوا شهادتهم وأولئك هم الصالحون فقبل شهادته لأن ردها من حقوق الله تعالى فيكفي في سقوطه التربة كشرب الخمر بخلاف جلد القذف فإنه حق العبد خالصا عندنا وغالبا عنده.
ولذا يجري فيه التوارث ولا عفو عنده فلا يسقط بمجرد التوبة إلى الله كالمظالم بل وإلى العبد بان يعتذر حتى يعفو فيسقط كالقصاص، وقوله عليه السلام:"لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء متساويين"(1).
فعمم صدر الكلام في القليل والكثير؛ لأن المعارضة في المكيل خاصة كـ {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فإن عفو المطلقة قبل المس وقد فرض لها تختص بالعاقلة الكبيرة فالمجنونة والصغيرة تحت حكم الصدر وأسقط في على ألف درهم إلا ثوبا قدر قيمته كما مر؛ لأن دليل المعارضة يجب العمل به في المذكور ما أمكن لكونه كلاما برأسه لا كما لو كان قيدًا مستخرجا.
ولذا قال النسفي رحمه الله هذا من ثمرة ذلك الاختلاف يعني لاقتضائه الجنسية
(1) أخرجه مسلم (3/ 1214) ح (1592)، وابن حبان في صحيحه (11/ 385) ح (5011)، وأبو
عوانة في مسنده (3/ 396) ح (5458)، والبيهقي في الكبرى (5/ 283) ح (10287)، والدارقطني في سننه (3/ 24) ح (83)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 3)، والطبراني في الأوسط (1/ 105) ح (325)، والإمام أحمد في مسنده (6/ 400) ح (27290).
المصححة للحمل على الاتصال هذا ويمكن تخريجها عنده على أصول أخر، ومن الجائز توارد التخريجات على مسألة فلا بحث فيه.
فالأولى على أن الاستثناء بعد الجمل المتعاطفة يرجع إلى الجميع أو على أن أولئك الفاسقون في معنى التعليل لعدم القبول وسنبطلهما بأن الرد ثابت بضرورة عدم استقلاله وقد اندفعت بالأخيرة وأن الواو يمنع التعليل والثانية على أن القليل باق عن المستثنى فلئن جعل تكلمًا بالباقي اندرج تحت النهي أيضًا. قلنا: إلاسواء كـ ألا يعفون استثناء حال مفرغ من العام المقدر مجانسًا لعدم المجانسة ظاهرًا والأحوال المقدرة من المجازفة والمفاضلة والمساواة مختصة بالكثير الداخل تحت القدر ولا يقدر بحيث يندرج القلة والكثرة تحتها لأن ذا تعميم فوق الضرورة الداعية إلى التقدير فلا يجوز لما عرف في الجامع وكذا {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] تكلم بالباقي مثله غير أن حالة العفو تستدعي أهلية العافية له وقال أبو زيد منقطع لأن الوجوب الثابت بالصدر لا ينتفي بالعفو بل العفو بعده وعن هذا كما قال بعض مشايخنا بأن الاستثناء في {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160] متصلٌ لكنه يرجع إلى الأخيرة كما مر أو مفرغ والتقدير إلا حال توبة الذين تابوا وفيه تكلف.
قال بعضهم: منقطعٌ قال أبو زيد: لأنه لا إخراج عن الحكم المذكور وهو أن من قذف صار فاسقا إذْ معناه أن من تاب لا يبقى فاسقا وفخر الإِسلام رحمه الله لأن التائب ليس بفاسق؛ فلا تناول وهذا بناء على أن الصفة مجاز في الماضي فيصح نفيه.
وقيل: لأن الفسق لازم القذف والتائب قاذف فيكون فاسقًا في الجملة وإن لم يمكنه في الحال فلا إخراج وهذا بناء على كونها حقيقة في الماضي وهو المذكور في العفو والفرق بين الأول والأخيرين أن المستثنى منه فيه هو أولئك وفيهما الفاسقون فاعترض عليه بأن الإخراج يتحقق لو أريد الفاسقون دائمًا وليس بشيء لأنه خلاف الظاهر بل بعيد لأن الشرط لا يستدعيه وعليهما بأن الاستثناء عن المحكوم عليهم وهم الرماة لا الحكم بالفسق والتائبون بعضهم نحو القوم منطلقون إلا زيدا.
ورد بأن شرط المتصل تناول الحكم للمستثنى على تقدير السكوت عنه ولا يتناول التائب الفاسق أصلا إن أريد الفاسق دائما ويتناوله إن أريد الفاسق في الماضي أو في الجملة ولا يصح إخراجه.
لا يقال المراد الفاسق حقيقة وهو الفاسق في الحال لأنه لا يتناول التائب كالفاسق دائما وهذا هو مراد فخر الإِسلام رحمه الله في الحقيقة لا كونه مستثنى من الفاسقين
ومن ذهب من أصحابنا إلى أنه متصل ينظر إلى تناول لفظ أولئك والحكم بالفسق باعتبار الدلالة اللغوية ولا ينافيه عم التناول شرعا بقوله عليه السلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"(1) أو بالإجماع كقولنا خلق الله كل شيء إلا ذاته وصفاته أو نقول عدم التناول الشرعي مستفاد من دلالة هذا الاستثناء والحديث مبين له وربما يقال المرتفع بالتوبة عقاب الفسق لا نفسه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له لا عينه ونظيره إلا ما قد سلف فإن المرتفع ليس حرمة الجمع السالف بين الأختين بل عقابه بالعفو والثالثة على أن الأصل المتصل فلا يصار إلى المنقطع ما أمكن قليس من ضرورة إلزام القيمة كونه للمعارضةكما في المقدرات عند غير محمد وزفر.
قلنا: منقطع لعدم المجانسة ولا معنى بخلاف المقدر كالمكيل والموزون والمعدود المتقارب للمجانسة المعنوية من حيث الثبوت في الذمة ثمنا وحالا ومؤجلا وجواز الاستقراض وهذه الأحكام الشرعية أثر الجنسية الحلقية ولذا يقال النقدان مخلوقان للثمينة فهذه تبين حكم الشرع من حكم اللغة الناظرة على الخلقة لا عكسه كما وهم ولجنسيتهما من وجه لم يجز بيع أحدهما بالآخر نسيئة وإن جاز حالا لأن ربا النقد كمال الفضل فيترتب على كمال الجنسية.
رابعها: أنه يشترط فيه كما مر في مطلق بيان التغيير الاتصال لفظًا أو حكمًا فلا يضر قطعه بتنفس وسعال ونحوهما مما لا يعد انفصالا عرفًا وروي عن ابن عباس رضي الله عنه صحة الانفصال إلى شهر وقيل مطلقًا بنية الوصل وعليه حمل مذهب ابن عباس رضي الله عنه وإلا فبعيد وقيل يصح في كتاب الله خاصة.
لنا قوله عليه السلام وليكفر عن يمينه حيث لم يقل فليستثن أو يكفر مع كونه اسهل الطريقين والإجماع على لزوم إحكام الأقارير والطلاق ونحوها من غير أن يوقف على الاستثناء بعد.
وأيضًا يؤدي تجويزه إلى أن أن لا يعلم كذب لجواز أن يصيره الاستثناء صدقا أو بالعكس.
(1) أخرجه ابن ماجه (2/ 1419) ح (4250)، والبيهقي في الكبرى (10/ 1540)، والطبراني في الكبير (10/ 150) ح (10281)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 97) ح (108)، والبيهقي في الشعب (5/ 436) ح (7178).
قالوا أولا: قال عليه السلام: "لأغزون قريشا فسكت ثم قال إن شاء الله"(1).
قلنا لعله سكوت ضرورة من تنفس أو سعال فيحمل عليه جمعا بين الأدلة.
وثانيًا: قوله عليه السلام حين سأله اليهود عن مدة لبث أصحاب الكهف فقال غدا أجيبكم فتأخر الوحي بضعة عشر يوما ثم نزل {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] فقال إن شاء الله ولا كلام يعود إليه الاستثناء إلا قوله أجيبكم وهو استثناء عرفا ولأنه في معنى إلا أن يشاء الله.
قلنا: بل يعود إلى مقدار متعارف مثله أي فعل تعليق ما أقول بأني فاعله غدا بالمشيئة إن شاء الله أو أذكر ربى إن شاء الله وأذكر هذه الكلمة وإذا قدر أذكر فالأول أولى لقوله تعالى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24].
وثالثا: أن قول ابن عباس رض الله عنه متبع لكونه ترجمان القرآن ومن المشهود له بالبلاغة. قلنا: محمول على ما مر من سماع دعوى نيته أو على أن الإتيان بعد شهر بالعبارة الصحيحة نحو بلى فاعل غدا إن شاء الله امتثال للأمر المستفاد من نهي الآية أو لقوله تعالى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ} [آل عمران: 41] ولمن خصه بكتاب الله.
أولا: أن غير أولى الضرر نزل بعد ما نزل {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] بزمان قلنا بيان تبديل لأنه تقييد للمطلق متراخيا.
ثانيا: أن القرآن اسم للمعنى فقط فلا يضر في وصله فصل اللفظ قلنا لا نسلمهما فإن كونه عربيا ومعجزًا ومخالفته للقراءة الفارسية في الأحكام آية أنه اسمهما مع أن الأدلة غير فاصلة.
تعميم: ولشمول شرط الوصل كل بيان مغير لما يوجبه الكلام لولاه وكونه أعم مما مر لوجوده في الصفة والحال والاستدراك وغيرها.
قلنا لو قال لزيد على ألف وديعة يصدق موصولا فقط لأنه تغيير لحقيقة وجوب الألف إلى مجاز لزوم حفظه على حذف المضاف أو إطلاق اسم المحل على الحال فإن الدراهم محل الحفظ، ولو قال أسلم إليّ في بُرّ أو أسلفنى أو أقرضنى أو أعطاني ولكن لم اقبض يصدق موصولا في الأصح لجواز استعارتها للعقد وليس برجوع لكن شرط الوصل
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (10/ 185) ح (4343)، والبيهقي في الكبرى (10/ 47) ح، وأبو داود (3/ 231) ح (3285)، وعبد الرزاق في مصنفه (6/ 385) ح (1306)، والطبراني في الأوسط (1/ 300) ح (6004)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 78) ح (2674)، والطبراني في الكبير (11/ 282) ح (11742).
استحساني نظرًا إلى حقائقها يقتضي القبض والقياس لا يفصل الفصل من الوصل لأنها عقود شرعا فكان نحو اشتريت منه فلم اقبض بيان تقرير وكذا دفع إلى أو نقد لكن لم اقبض عند محمد رحمه الله لشيوع الاستعارة له كالإعطاء إطلاقا لاسم المسبب خلافًا لأبي يوسف رضي الله عنه لاختصاصهما بالتسليم لغة وشرعا بخلاف الإعطاء المستعمل بمعنى الهبة فكان رجوعا فلا يقبل أصلا.
وكذا عندهما لو أقر به قرضًا أو ثمن مبيع وقال هو أو وهو زيوف فلتنوع الدراهم لم يكن رجوعا ولغلبة الجياد حتى تنصرف عليها مطلقا صار الزيوف كالمجاز فكان تغييرا والإمام رحمه الله يجعله رجوعا لأن الزيافة عارضة وعيب لا يحتملها مطلق الاسم فلا يقبله مطلقا كدعوى الأجل في الدين والخيار في البيع؛ لأن مقتضى مطلقهما الحلول واللزوم.
ولو قال على ألف من ثمن جارية باعينها لكنى لم أقبضها لم يصدق عنده أصلا سواء صدقه في البيع أم لا بل ادعى الالف مطلقا أو من جهة أخرى كالقرض والغصب لأنه رجوع فإن إنكار القبض في غير المعين ينافي الوجوب وقالا يصدق مع التصديق في البيع وإن فصل لثبوته حينئذ بتصادقهما وليس إقرارًا بالقبض ومع التكذيب فيه إن وصل لأنه تغيير من جهة أن الأصل في البيع وجوب المطالبة بالثمن وعدم قبض المبيع محتمل البيع لا من العوارض.
قلنا: وجوب الثمن لمبيع لا يعرف أثره دلالة قبضه ولذا يقال غير المعين كالمستهلك والدلالة كالصريح.
خامسها: أن الاستثناء يجرى في اللفظ لا في الفعل خلافًا لأبي يوسف فإذا أودع الصبي العاقل الحجور عليه شيئًا فاستهلكه يضمن عنده لتنوع التسليط إلى الاستحفاظ وغيره كالإباحة والتمليك والتوكيل والنص على الحفظ جعل غيره وعدم ولاية الصبى عليه لا يبطله؛ لأن الاستثناء تصرف للناطق على نفسه فيثبت الاستحفاظ لكن لا يتعدى إلى الصبى لعدم الولاية عليه فانعدم، وصار كالملقى على الطريق فيؤاخذ به؛ لأنه ضمان فعل كما قبل الإيداع، وفالا: الاستثناء كم اللفظ والتسليط فعل كيف وهو مطلق لا عام إذ لا عموم للفعل.
ولئن سلم فالأمر بالحفظ قول ليس من جنس الدفع فيكون منقطعا معارضا له إن صح شرعا مثل قول الشافعي رضي الله عنه في المتصل لكن لا يصح إذ ليس المخاطب من أهل الالتزام بالعقد فيبقى تسليطا مطلقا فلا يضمن بالاستهلاك كما بتضييع الوديعة.
سادسها: من شرطه أن يكون مما أوجبه الصيغة قصدا لا مما يثبت ضمنا لأنه تصرف لفظي ففيمن وكل بالخصوصية غير جائز الإقرار عليه أو على أن لا يقر عليه يبطل عند أبي يوسف لكون الإقرار مملوكا له لقيامه مقام الموكل لا لأنه من الخصومة ولذا لا يختص بمجلسها فيثبت بالوكالة ضمنا لا قصدا فلا يصح استثناؤه ولا إبطاله ليعارضة الشرط بل بالعزل عن الوكالة وقال محمد يصح الاستثناء إما لتناولها اياه بعموم مجازها وهو الجواب وقد انقلب حقيقة شرعيته ديانة إذْ المهجور شرعًا كالمهجور عادة فالحق بها فكل من الاستثناء والتقييد تغيير فصح بشرط الوصل لا منفصلا إلا أن يعزله أصلا لا عن الإقرار فقط لكون ذكره حكمًا للوكالة بخلاف من وكل بيع عبدين حيث لا يصح استثناء أحدهما منفصلا ويصح العزل عن بيع أحدهما وإما للعمل بحقيقة الخصومة لغة فإن الإقرار مسألة لا يتناوله فصح بيان تقرير وصلا وفصلا وهو مختار الخصاف أما استثناء الإنكار فقيل لا يصح اتفاقا إذْ حقيقته عينه ومجازها إما عينه أو إقرار بتبعه ولا تبع مع عدم المتبوع والأصح أنه على الخلاف أيضًا لكن على الطريق الأول لمحمد رحمه الله لأن مجازها شامل لهما لا عين شيء منهما فيصح استثناء أحدهما لا على الثاني إذ ليس عملا بالحقيقة بوجه ولا يصح عند أبي يوسف رحمه الله لا لدليل الإقرار بل لأن الإنكار عين الخصومة قصدا والتبع لا ينفك عن المتبوع فيكون استثناء الكل من الكل.
سابعها: أن استثناء الكل أو الأكثر منه باطل اتفاقا كان بلفظه أو بما يساويه مفهوما لا وجودا فيصح عبيدى احرار إلا هؤلاء لاحتمال الكلام بقاء ما يكون عبارة عنه لا إلا عبيدي أو مماليكي والأكثر على جواز المساوي والأكثر وقالت الحنابلة والقاضي أو لا يمنعها فيجب أن يبقي أكثر من النصف.
وقال ثانيا بمنعه في الأكثر خاصة، وقيل: بمنعهما في العدد الصريح لا في نحو أكرم بني إلا الجهال وهم ألف والعالم واحد لكفاية الاحتمال.
لنا أولأ وقوعه نحو: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] وهم الأكثر لقوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] وكل غير مؤمن غاو فالمساوي أولى.
وثانيا: صحة أن يقال: "كلكم جائع إلا من أطعمته"(1) وقد أطعم الأكثر كيف وهو
(1) أخرجه مسلم (4/ 1994) ح (2577)، والحاكم في مستدركه (4/ 269) ح (7606)، والبيهقي في الكبرى (6/ 93) ح (12283)، والبزار في مسنده (9/ 441) ح (4053)، والبيهقي في الشعب (5/ 450) ح (7088)، والبخاري في الأدب المفرد (1/ 172) ح (490).
وارد في الحديث القدسى أورده الترمذي ومسلم ولكونه آحادًا لم يتمسك بوقوعه.
وثالثا: دلالة إجماع فقهاء الامصار على إلزام الواحد على من قال على عشرة إلا تسعة لمشترطي الأقل أن الاستثناء إنكار بعد الإقرار خالفناه في الأقل لأنه قد ينسى فبقي غيره.
قلنا: لا نعلم بل تكلم بالباقي ولو سلم فليجز باتباع أدلتنا أما استقباح على عشرة إلا تسعة ونصفا وثلثا فلا يقتضي عدم صحته بل ذلك للتطويل بل مع إمكان الاختصار.
ثامنها: الاستثناء بعد الجمل المتعاطفة لا نزاع في إمكان رده إلى الجميع والأخير بل للظهور فعندنا إلى الأخيرة وعند الشافعي رضي الله عنه إلى الجميع كالشرط وقال القاضي والغزالي بالوقف بمعنى لا أدري وعليه ابن الحاجب رحمه الله والمرتضى بالاشتراك فهم كالحنفية في الحكم وهو عدم الرد إلى غير الأخيرة بلا قرينة لا في التخريج لأن عدم ظهور التناول غير ظهور عدم التناول وقال أبو الحسين البصري إن ظهر إضراب الثانية عن الأولى فللاخيرة وإلا فللجميع فظهوره إما بالاختلاف نوعا أي إنشاءً وخبرًا أو اسمًا للمستثنى منه أو محكوما به مع أن لا يكون الاسم الثاني ضمير الأول وأن لا يشترك الجملتان غرضا كالتعظيم والإهانة فأقسام الاختلاف أفرادًا وجمعًا سبعة أربعة منها وهي ما فيها الاختلاف اسمًا لا يتصور فيها كون الاسم الثاني ضمير الأول وإلا لم يختلفا اسما فالثلاثة الباقية باعتبار اشتمالها على هذا الشرط وعدمه معنة وهي مع الأربعة باعتبار الشرط الثاني عشرون فالأقسام السبعة للاختلاف المشتملة على شرطين صور ظهور الإضراب وهي الأربعة من الثمانية التي فيها الاختلاف اسما والثلاثة من الاثني عشر الباقية فالثلاثة عشر الباقية التي منها أربعة لا اختلاف فيها بوجه من الوجوه الثلاثة لأنه مع أحد الشرطين أو كليهما أو بدونهما صور ظهور عدم الإضراب والأمثلة غير خافية.
تنبيه: صورة رجوع الاستثناء إلى الأخيرة عند الواقفية أعم من صور ظهور الإضراب لأن مطلق الإمارة أعم من الاختلافات السبعة وصورة رجوعه إلى الجملة عندهم أخص لأن ظهور الاتصال أخص من عدم ظهور الاضراب {تَنْزِيلُ} [السجدة: 2] ففي قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] عند غير الشافعي وأبي الحسين راجع إلى الأخيرة لما سيجيء مؤيدًا ذلك بأن الأخير اسمية لا تعلق لها بالحكام وبالحد وما قبلها فعلية إنشائية خوطب بها الحكام للحد إذ هذا الاختلاف مع الاشترك في الضمير والتسبب عن الشرط أمارة الإعراض عن الأسلوب السابق لغرض كالاستثناء عنه فقط لأن الامتناع مع الداعى اشتد فلا يصلح الاشتراك فيهما دليلا لعدم ظهور الإضراب كما توهموا.
قيل الغرض تعليل السابق قلنا لا يناسبه الواو وان أريد أنه في معرض التعليل وإن لم يسق له لا يتم التقريب وعندهما إلى الجملة للاشتراك المذكور غير أن لا يرجع إلى الجلد لكونه حق العبد.
قيل يرجع باعتبار أن يدرج الاستحلال في واصلحوا وفيه أن يتوقف قبول شهادته عندهم على الاستحلال أيضًا وليس كذلك.
لنا أولا: أن رجوع الاستثناء لضرورة عدم استقلاله ووضعه للرجوع لا ينافيه لأنه بواسطة وضعه غير مستقل مع اعتباره جزءًا للعبارة عن الباقي بعد الثنيا ومقدمًا على الحكم والأمور الاعتبارية كثيرًا ما يصار إليها للدواعي كاعتبار الوصف مع الموصوف شيئأ واحدًا والبدل مقصودًا من البدل والغاية جزءًا من المغيا أو منهيا لوجوده ومقررا والحال في معنى الصفة والاستدراك في معنى الاستثناء فيقدر بقدر ما تندفع به والثابت بهذه الضرورة المشتملة على وجوه من خلاف الظاهر الأصل عدم ارتكابه وتقليله ما أمكن بخلاف الشرط وسائر المتعلقات الغير مسمتقلة.
وثانيا: أن الرجوع إلى الأخيرة متحققه على التقديرين وإلى غيرها مشكوك مع أن حكم الأولى بكمالها متيقن وارتفاع بعضه بالاستثناء أو توقفه على المغير مشكوك لجواز ترتبه على الأخيرة فقط والوقوف عندما تحقق وهذا يناسب الواقفية أيضًا من حيث الحكم ولا يقلب لجواز كونه للأولى لدليل لأن الاحتمال المحتاج إلى الدليل كعدمه قبله.
وثالثا: أن في عليَّ عشرة إلا أربعة إلا اثنين يعود إلى الأخيرة حتى يلزم ثمانية. قيل: الكلام في المتعاطفة قلنا كذا في غيرها لاشتراك العلة بل أولى لأن ما يجوز على المقيد يجوز على المطلق ولذا لم يذكر أبو الحسين قيد العطف.
قيل: الكلام في الجمل وهذه مفردات قلنا ففي المستقلة أولى قيل: لتعذر عوده إلى الجميع وإلا كان الاثنان مثبتا ومنفيا لاستثنائه منهما وكان لغوًا للزوم الستة على التقديرين وبعد تعذر الجميع جعل للأخيرة لقربها حتى لو تعذر للأخيرة جعل للأولى نحو عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة يلزم خمسة.
قلنا يجوز ذلك بالاعتبارين عما في كل عدد يستثنى من عدد وفي كل عدد يتضمنه كلا المستثنى والمستثنى منه وحديث اللغو لغو لاحتمال أن يقال بعد الكل إلا واحد بل التمسك منزل فيه فلا تناقض لو رجع المنفى على إلى كل مثبت وبالعكس ولا لغو إذ يلزم الستة حينئذ وعند العود إلى الأخير فقط سبعة إذ القاعدة أن يجمع المثبتات على حدة والمنفيات كذلك ويرفع الثانية عن الأولى فيعرف الباقية.