الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمسكنة وهي الحاجة مأخذ المشتق فالمراد عشر حاجات فإطعام واحد في عشرة أيام كإطعام عشرة في يوم خلافًا للشافعي رحمه الله، لأن المنصوص مساكين، والواحد لا يتعدد بتكرار الزمان كما لا يتعدد الشاهد بتكرار الأداء، قلنا: المقصود وهو طمأنينة القلب وتقليل تهمة الكذب لا يحصل ثمة بالتكرار بخلاف دفع الحاجة هنا فصاركاعتبار رأس ونصاب متعددًا بتعدد المؤنة والنماء.
ثم هنا أصلان: أولًا: لما اعتبر التمليك في الكسوة قاضيًا لجميع الحوائج اعتبر فيها الجميع لا حاجة اللبوس فقط فجوز صرف عشرة أثواب في عشرة أيام إلى مسكين واحد وإن لم يتجدد حاجة لبوسه إلا بعد ستة أشهر لكن لا بد من اعتبار تجدد الحاجات وهو بالزمان وأدناه يوم لا ساعة لن لخدد الحاجة فيه معلوم وفيما دونه موهوم، ولا يترك المعلوم بالموهوم مع قول بعض المشايخ للجواز صرفها في عشر ساعات والطعام كالثوب في التمليك على القولين لا في الإباحة إذْ لا يصح بالإجماع إلا في عشرة ليال إذْ لم يعتبر حينئذ قاضيًا للحوائج فلا بد من تجدد حاجة الأكل.
ثانيًا: أن مسكينًا في حق مكلف غيره في حق آخر لأن تكليف الغير غير تكليفه فلا تكلف بالتفريق إلا بالنظر إلى أداء نفسه ويجعل أداء الغير كالعدم بالنسبة إليه لئلا يخرج فيصح أداء مكلفين إلى مسكين ولو في ساعة، وقوله عليه السلام "اغنوهم عن المسئلة في مثل هذا اليوم" من جوامع الكلم عبارة في إيجاب صدقة الفطر إشارة إلى مسائل:
1 -
لابجب إلا على الغني لأن الإغناء منه.
2 -
لا يصرف إلا إلى فقير إذْ لا غناء للغني.
3 -
أن وجوب أدائها بالفجر لأنه مبدأ اليوم وإنما يغنيه في ذلك اليوم أداء يقع فيه.
4 -
تأديها بمطلق المال لأن الإغناء به ورماكان بالنقد أهم للفقير منه بالحنطة والشعير.
5 -
أن الأولى أداؤها قبل الخروج إلى المصلى ليحضره الفقير فارغ البال عن قوت العيال.
6 -
أن الأولى أن يصرفها إلى مسكين واحد ليحصل الإغناء التام.
الفصل التاسع عشر: في حكم الدال بدلالته
هو إيجاب الحكم قطعًا مثلهما حتى صح إثبات الحدود وكفارة الفطر به كإيجاب حد القطاع لحى الدرء ولا مجاز به له إذ لا يباشر القتال بجامع القهر ولتخويف قطاع للطريق وإيجاب الرجم على غير ماعز بجامع أنه زنا محض وذلك لأن مناطه مفهوم لغة فيضاف
إلى الشرع لما لم يبق فيه شبهة دارئة للحدود هي الواقعة في نفس المناط لا في طريق دليل ثبوته لاتفاق الفقهاء على صحة إثباتها بأخبار الآحاد وإثبات أسبابها بالبينات وإن صدرت عمن ليس بمعصوم عن الكذب والغلط والنسيان بخلاف القياس فإن مناطه مستنبط بالرأي نظرًا لا لغة حتى اختص بالفقهاء ولذا لا يضاف حكمه إلى النص.
وقال الشافعي رضي الله عنه دلائل حجية القياس لا تفصل.
قلنا أولًا كل منهما عقوبة مقدرة زاجرة وللذنوب ماحية ولا مدخل للعقل في معرفة ما يحصل به إزالة الأثام ومقادير الأجزية والأجرام.
وثانيًا: أن في القياس الشبهة في نفس المناط والحدود مما يندرئ بها وإنما جمعنا بين النكتتين لأن من مشايخنا من رجح معنى العبادة في كفارة الفطر كسائر الكفارات لما تؤدى بما هي عبادة فتعلق بالأولى يناسبه أن الثبوت بالدلالة دون القياس يعم سائرها كما يفهم من عبارة فخر الإِسلام رحمه الله وغيره.
إن قيل فلم يجب هذه على غير المتعمد من المخطئ والمعذور وجوب سائرها عليه أجيب ليقيد نصه الذي لا يحتمل التعليل بالتعمد فاقتصر عليه وشمول نصها ظاهرًا أو نصًا والمشهور منهم ترجيح معنى العقوبة فيها وجعلها كالحدود بخلاف سائرها لتعلقها بالإفطار العمدي الذي هو جناية أبدًا وغيرها ربما يشرع متعلقة بالمندوب كالعود في الظهار أو فيما يجب تحصيله ككلام الأب فيما حلف لا يكلم أباه فتعلقوا بالثانية مع تأتي الأولى لأنها أظهر وأوفق لعدم وجوب هذه على غير المتعمد بخلاف سائر الكفارات ولا ينافيه عموم الفرق إياها بالنكتة الأولى إلا أنه عند التعارض دونهما فإن الثلاثة بعد استوائها في لغوية المعنى يرجح الأولان بدلالة النظم أو الفهم بلا واسطة التعدية كما قال الشافعي رضي الله عنه لما وجب الكفارة بالقتل الخطأ مع قيام العذر فالعمد أولى.
قلنا يشير إلى قوله تعالى {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] إلى عدم وجوبها لأن جهنم كل المذكور في الجزاء أو الجزاء اسم للكَامل ولذا جمع في جزاء الخطأ بينهما والإشارة أقوى.
وحاصله أمران التنبيه بالأدنى على الأعلى أو بالشيء على ما يساويه أما على الأعلى فنوعان قطعي جلي إن اتفق على طريق تعيين مناطه وظني خفي إن اختلف فيه أما القطعي فمن أمثلته ما فهم من حرمة التأفيف حرمة الضرب كما مر وهما معلومان لغة صورة ومعنى فصورة التأفيف التصويت بالشفتين عند الكراهية ومعناها المقصود الأذى المتحقق ق الضرب ومثله ما فهم من قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا
يَرَهُ} [الزلزلة: 7].
جزاء ما فوقها ومن {بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْك} [آل عمران: 75] تأدية ما دونه.
وأما الظني فكما في إيجاب الكفارة على المفطر في رمضان بالأكل والشرب خلافًا للشافعي بدلالة سؤال الأعرابي بقوله واقعت امرأتي في نهار رمضان عامدًا مترتبًا على قوله هلكت وأهلكت عن الجناية على الصوم بتفويت ركنه التي هي معنى المواقعة لا عن الوقاع من حيث هو وذا مما يفهم لغة فكذا جوابه عليه السلام عن حكم الجناية لوجوب التطابق خصوصًا عن أفصح الناس والوقاع آلتها وهي متحققة فيهما بل أولى لكون حرص الصائم عليهما أشد وشوقه إليهما أحد لمصادفة شرع الصوم وقتهما الغالب وكونه وجاء فالظن من اختلافهم أن طريق فهم المناط يفضى إلى أنه الجناية المطلقة أو المقيدة.
لا يقال بل قاصران عنه لإفساده صومين ولذا قال هلكت وأهلكت دونهما ولأن فيه داعين هما طبعًا الفاعلين بخلافهما لأنا نقول لا يعتبر في وجوب الكفارة على كل أحد إلا إفساد صومه واشتراطه بالداعيين ولا سيما من المسلم أو المسلمين يقتضي قلة وقوعه واستغناء عن الزاجر بخلافهما وأما على المساوى فكإيجاب الكفارة على المرأة لتحقق الجناية وكونها معنى فطره معقول لغة وعند الشافعي رضي الله عنه لا يجب عليها في قول لأنه المباشر دونها بخلاف الزنا حيث سماها الله تعالى زانية ويتحمل عنها الزوج إذا كانت مالية في آخر كثمن ماء الاغتسال قلنا تمكينها فعل كامل كما في الزنا إذ لا يجب الحد مع النقصان ولا معنى للتحمل لأن الكفارة عبادة أو عقوبة وبالنكاح لا يتحمل شىء فيهما بخلاف مؤن الزوجية وكإثبات حكم النسيان الوارد في الأكل والشرب في الوقاع خلافًا لسفيان الثوري بمعنى كونه سماويًا محمولا عليه طبعًا وذا مفهوم لغة وميل الطبع إليها مساو فكان نظيرهما وشمول كل منهما قصورًا وكمالا فلهما مزية في أسباب الدعوة وقصور في حالة ما إذا يغلبان البشر وهو بالعكس يحقق المساواة.
ومن هنا لم يكن الجماع ثانيًا في الصوم كالأكل ناسيًا في الصلاة إن قيل اشتبه الفهمٍ في هذه المسائل على فقيه مبرز في الفقه بعد أن بلغه الأدلة فكيف يكون مفهومًا لغويا ومناطًا قطعيًا صالحًا لاثبات ما يندرى بالشبهات أجيب بما سلف أن معنى لغويته عدم توقف فهم مناطه على مقدمة شرعية من تأثير نوع المعنى أو جنسه في نوع الحكم أو جنسه شرعًا بخلاف القياس لا فهم كل أحد ومعنى قطعيته قطعية مفهوميته لغة بالمعنى المذكور كالجناية من سؤال الأعرابي لا قطعية دليل مناطيته ولا قطعية تعدى الحكم إلى
الملحق ولا قطعية كونه أعلى أو مساويًا ومن طريق الدلالة إثبات حكم القود الوارد في قوله عليه السلام "لا قود إلا بالسيف"(1) إذا أريد لا قود يجب إلا بالقتل بالسيف عند الإِمام رضي الله عنه وهو قول زفر بجرح ينقض البنية ظاهرًا وباطنًا وما يشبهه فيعدى إلى الرمح والخنجر والسكين والسهم لا إلى المثقل إلا إذا جرح فيجب اتفاقًا وعندهما وهو قول الشافعي بما لا يطق البنية احتمال كحجر الرحى والاسطوانة العطمة لأن القود عقوبة انتهاك حرمة النفس وذا بما لا يطق احتماله إنما البدن وسيلة وما كان عاملا بنفسه لا بوسيلة كان أكمل ولما كان عدم احتمال البنية فيما بالجارح أتم ثبت فيه بالدلالة.
يوضحه استواء الحجر والحديد في قود قطاع الطريق فكذا في غيرهم وإن مثل الغرز بالإبرة والضرب بالسنجات لما أوجب القود فالضرب بحجر الرحى والحياة معه لا يرجى أولى.
قلنا الأصل أن المعتبر فيما يترتب عليه حكم كماله لأن للناقص شبهة العدم ثم إن كان الحكم مما يثبت بالشبهة كالمعاملات والحرمات يلحق الناقص به وإن كان مما لا يثبت بها كالعقوبات فلا كما يعلى حرمة الزنا إلى مواضع الشبهة لا حده وكما يعلى حرمة المصاهرة إلى التقبيل والمس ووجوب الكفارة والدية من القتل الكامل خطأ أي بما ينقض البنية ظاهرًا وباطنًا إلى سائر أنواع الحطأ لأنهما كالحرمة مما يثبت بالشبهة.
إذا تقرر هذا فالكامل هو الجارح الناقض ظاهر التخريب البنية وباطنًا بإراقة الدم وإفساد الطبائع بمقابلة كمال الوجود لا ما لا يحتمله البنية بدليل اختصاص الزكاة به وذلك لأن المعتبر في القود بالنص الجناية على النفس التي هي معنى الإنسان خلقة وصورة وذا بدمه وطبائعه فتكامل الجناية بإفسادهما فاعتباره أولى خصوصًا في العقوبات لا على الجسم لأنه فرع وتبع ولا على الزوج لأنه لا يقبل الجناية أما القاضي أبو زيد فرجح حمل الحديث على الاستيفاء واختاره صاحب الهداية رحمه الله أي لا قتل قصاصًا إلا بالسيف لوجهين:
1 -
أن القود اسم قتل المجازاة وجب أو لا فلا بد في تخصيصه بالواجب من مجازية ما
(1) أخرجه البيهقي في الكبرى (8/ 63)، والدارقطني في سننه (3/ 87) رئم (20)، وابن ماجه (2/ 889) ح (2667)، وابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 432) ح (27722)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 183) والبزار في مسنده (9/ 115) ح (3663) والطبراني في الكبير (10/ 89) ح (10044).
ولأنه حينئذ يتعلق قوله بالسيف به بلا تجوز وتقديرًا وعلى الأول لا بد من أن يراد بالقود وجوبه أو يقدر مضافًا.
2 -
أن القود يجب بغير السيف كالرمح وغيره.
ومنه إثباتهما كالشافعي حكم الزنا في اللواطة لمزية الحرمة فيها لأنها لا تنكشف بحال وفي سفح الماء فوقه بعد تساويهما في قضاء الشهورة لسفح الماء في محل محرم مشتهى، وقال الإِمام رضي الله عنه يجب فيها أشد التعزير وللإمام أن يقتله إن اعتاد لا الحد لما مر أنه يتعلق بالكامل وهو سفح الماء بحيث يؤدي إلى فساد الفراش باشتباه النسب وإهلاك البشر بعد من يقوم بتربيته دينًا ودين لا تضيعه فقد يحل بالعزل في الحرة بإذنها وفي الأمة بدونه ولئن سلم فهو غالب الوجود بالشهوة الداعية من الطرفين بخلافها فلا يلزم من احتياجه إلى الزاجر احتياجها والحرمة المجردة عن هذه المعاني غير معتبرة في شرع الحد كشرب البول والدم فلا ترجح بها.
ومنه إيجاب الشافعي رحمه الله الكفارة في القتل العمد والغموس بالوارد في الخطأ والمنعقدة لمزية الإثم فيهما لعدم العذر والكذب من الأصل قلنا لا يجب الكفارة بالعمد وجب القود أو لا كقتل ابنه وعبده ومسلم لم يهاجر في دار الحرب ولا بالغموس لأن الكفارة دائرة بين العبادة والعقوبة فيدور سببها بين الخطر والإباحة وهما كبيرتان محضتان لا تصلحان سببًا لها كالمباح المحض ووجوب التوبة والاستغفار مع أن طاعة ليس بهما بل نقض لهما فلا يضاف إليهما وجوبهما بل إلى ديانته كوجوب الكفارة بالزنا أو شرب الخمر في رمضان لكونه مفطرًا ولذا لا تجب بهما ناسيًا لا لأنهما سبباها والفطر دائر بين الخطر لهتك العبادة والإباحة للتصرف في مملوكه على أن معنى العقوبة راجح في كفارة الفطر فجاز إيجابها بما يترجح فيه معنى الخطر وإنما وجبت بشبه العمد عند الإِمام لأن فيه شبهة الخطأ من حيث إن المثقل ليس بآلة للقتل خلقة بل للتأدب فلم يخل عن شبهة إباحة وهي مما يثبت بشبهة السبب كما يثبت بحقيقته ولم تجب في قتل المستأمن عمدًا مع شبهة حله لأنها شبهة المحل لا الفعل فاعتبرت في إسقاط القود المقابل بالمحل من وجه حيث لم يجب الدية معه ولولاها لوجبا كمحرم قتل صيدًا مملوكا وإن كان جزاء الفعل بالحقيقة إذ يثبت للمقتول حكم الشهادة ويقتل الجماعة بواحد فبقى الفعل كبيرة محضة والكفارة جزاء الفعل من كل وجه وكانت الشبهة في مسألة القتل بالمثقل فيه فأثرت في إسقاط القود وإيجاب الكفارة ولما أن المحظور المحض كترك الواجب عمدًا لا يصلح سببًا للعبادة الجائزة قلنا سجود السهو الثابت بالحديث لا يجب بالعمد خلافًا للشافعى رحمه