المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقام الثالث في حكم النهى الذي يقابله - فصول البدائع في أصول الشرائع - جـ ٢

[الفناري]

فهرس الكتاب

- ‌ المقصد الأول ففي الأدلة الأربعة

- ‌الركن الأول من الكتاب

- ‌فالمقدمة فيها مباحث:

- ‌الأول: فيما يتعلق بتعريفه

- ‌الثاني: أن المنقول آحادًا ليس بقرآن

- ‌الثالث: يجوز العمل بالقراءات الشاذة إذا اشتهرت

- ‌الفصل الأول في الخاص

- ‌الأول: في حكم مطلقه وضعًا

- ‌المقام الثاني في حكم قسمه المسمى بالأمر:

- ‌المقام الثالث في حكم النهى الذي يقابله

- ‌الفصل الثاني في العام

- ‌الأول: في حكمه

- ‌أحدهما فيما قبل التخصيص:

- ‌البحث الثاني: فيما بعده

- ‌الأولى: في تعريف التخصيص

- ‌الثانية: في جوازه في جميع العمومات

- ‌الثالثة: في أنه في الباقي يعد التخصيص حقيقة أم مجاز

- ‌نظائر الثلاثة من الفروع

- ‌المقام الثاني في ألفاظ العموم

- ‌المقام الثالث: في شتائت مباحث العموم

- ‌الفصل الثالث في حكم المشترك

- ‌الفصل الرابع في حكم المؤوَّل

- ‌الفصل الخامس في حكم الظاهر

- ‌الفصل السادس في حكم النص

- ‌الفصل السابع في حكم المفسر

- ‌الفصل الثامن في حكم المحكم

- ‌الفصل التاسع في حكم الخفي

- ‌الفصل العاشر في حكم المشكل

- ‌الفصل الحادي عشر في حكم المجمل

- ‌الفصل الثاني عشر في حكم المتشابه

- ‌الباب الأول في المجمل

- ‌الأول: قد مرت الإشارة

- ‌الثاني: فيما اختلف في إجماله:

- ‌الباب الثاني في المبين

- ‌المبحث الأول

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث

- ‌المبحث الرابع

- ‌المقصد الأول في بيانيّ التقرير والتفسير

- ‌المقصد الثاني في بيان التغيير

- ‌للواقفية المشتركة

- ‌أولا: حسن الاستفهام

- ‌وثانيًا: صحة الإطلاق

- ‌الأول في حده

- ‌الثاني في تقسيمه

- ‌الثالث في أنه إما واحد أو متعدد على الجمع

- ‌ تخصيص العام:

- ‌المبحث الأول

- ‌المبحث الثاني

- ‌المبحث الثالث في جواز تخصيص الكتاب بالكتاب

- ‌المبحث الرابع في جواز تخصيص السنة بالسنة

- ‌المبحث الخامس في جواز تخصيص السنة بالقرآن

- ‌المبحث السادس في جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد

- ‌المقصد الثالث في بيان الضرورة

- ‌المقصد الرابع في بيان التبديل

- ‌الفصل الثالث عشر في حكم الحقيقة

- ‌فصل

- ‌الفصل الرابع عشر في حكم المجاز

- ‌الفصل الخامس عشر: في حكم الصريح

- ‌الفصل السادس عشر: في حكم الكناية

- ‌الفصلين السابع عشر والثامن عشر في حكم الدال بعبارته وإشارته

- ‌الفصل التاسع عشر: في حكم الدال بدلالته

- ‌الفصل العشرون: في حكم الدال بالاقتضاء

- ‌الركن الثاني: من السنة وفيها مقدمة وعدة فصول

- ‌الفصل الأول: في تقسيمه باعتبار الاتصال

- ‌الفصل الثاني: في الراوي

- ‌الفصل الثالث: في الانقطاع

- ‌الفصل الرابع: في محل الخبر

- ‌الفصل الخامس: في وظائف السمع

- ‌الفصل السادس: في الطعن

- ‌الركن الثالث في الإجماع: وفيه مقدمة وعشرة فصول

- ‌أما المقدمة ففي تفسيره

- ‌الفصل الأول في إمكانه

- ‌الفصل الثاني في إمكان العلم به

- ‌الفصل الثالث في إمكان نقل العالم إلى المحتج به

- ‌الفصل الرابع: في حجيته

- ‌الفصل الخامس: في ركنه

- ‌الفصل السادس: في أهلية من ينعقد به

- ‌الفصل السابع: في شروطه

- ‌الفصل الثامن: في حكمه

- ‌الفصل التاسع: في سببه

- ‌الفصل العاشر: في مراتبه

- ‌الركن الرابع: القياس

- ‌الفصل الأول: في معناه

- ‌الفصل الثاني: في شروطه

- ‌الفصل الثالث: في أركانه

- ‌الفصل الرابع: في حكمه

- ‌خاتمة الفصول في عدة تقسيمات للقياس:

- ‌الفصل الخامس: في دفعه

- ‌الفصل السادس: في بيان أسباب الشرائع

- ‌الأول في الأسباب

- ‌المبحث الأول: في الاعتقادات وهي الإيمان بتفاصيله

- ‌المبحث الثاني في العبادات

- ‌المبحث الثالث في المعاملات

- ‌المبحث الرابع في المزاجر

- ‌القسم الثاني في حكم الأحكام أي مصالحها المشروعة هى لها

- ‌المبحث الأول: في الاعتقادات حكمتها

- ‌المبحث الثاني: في العبادات

- ‌المبحث الثالث: في المعاملات الخمسة

- ‌المبحث الرابع: في المزاجر

- ‌الفصل السابع: في غير الأدلة الأربعة

- ‌الأول في الصحيحة

- ‌الأول: في شرع من قبلنا

- ‌المبحث الثاني: في تقليد صحبه عليه السلام

- ‌المبحث الثالث: في الاستدلال

- ‌القسم الثاني: في الأدلة الفاسدة:

- ‌المقصد الثاني: فيه ركنان للتعارض والترجيح

- ‌أما الأول ففيه مباحث

- ‌الأول في تفسيره

- ‌الثاني: في حكمه

- ‌الثالث: في المخلص عنه

- ‌الركن الثاني في الترجيح: وفيه فصول

- ‌الأول في تفسيره

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في تقسيمه

- ‌الفصل الرابع: في وجوه ترجيح القياس بحسب التأثير

- ‌الفصل الخامس: في وجوهه بين المنقولين

- ‌الأول ما بحسب السند

- ‌الأول الراوي ورجحانه

- ‌المورد الثاني: الرواية وفيه وجوه

- ‌المورد الثالث المروى: وفيه وجوه

- ‌المورد الرابع المروى عنه

- ‌الصنف الثاني: ما بحسب المتن

- ‌الصنف الثالث: ما بحسب المدلول

- ‌الفصل السادس في وجوهه بين المعقولين

- ‌الفصل السابع في بيان المخلص

- ‌الفصل الثامن

- ‌الخاتمة ففى الاجتهاد وما يتبعه من مسائل الفتوى

- ‌الفصل الأول في تفسير الاجتهاد وشرطه

- ‌الفصل الثاني في حكمه

- ‌الفصل الثالث في مسائل متعلقة الاجتهاد

- ‌الفصل الرابع في مسائل الفتاوى

- ‌الأول في المفتي

- ‌القسم الثاني: في المستفتي

- ‌القسم الثالث فيما فيه الاستفتاء

الفصل: ‌المقام الثالث في حكم النهى الذي يقابله

‌المقام الثالث في حكم النهى الذي يقابله

وفيه مباحث:

الأول: إنه لغة المنع ومنه الناهية للعقل (1) واصطلاحًا اقتضاء كف صيغي عن فعل استعلاء (2) فلا يرد كف عن الزنا منعا كما مر أو لأنه تحريم للفعل وإن كان إيجابا للكف فهو أمر ونهى بالاعتبارين وهذا لا يصح جواب في الأمر إذ يبقى قوله غير كف زائدًا وألا نسب أنه اللفظ الدال عليه واعتبر به كلا من مقابلات المزيفات السبعة مع اعتراضاته والخلاف في أن لمراده صيغة تخصه ولا يستعمل في غيره وهو الخطر لا الكراهة وبالعكس أو مشتركة لفظا بينهما فقط إذ لا قائل به فيما وراءهما وللمشترك معنى بينهما فقط وهو طلب الكف استعلاء أو للوقف بمعنى لا أدري كما في الأمر.

وفي التقويم لا وقف ها هنا وإلا لصار موجب الأمر واحدا ولا سبيل إليه وقد سلف تحقيقه ويخالفه في أنها للتكرار والدوام فينسحب حكمها على جميع الأزمان لأنه عدم ويلزمه الفور فيجب الانتهاء في الحال وفي أن تقدم الوجوب الكائن مثله قرينة على أنه للإباحة في الأمر عند البعض ليس كذا هنا فإن الأستاذ نقل إجماع القائلين بالحظر على أنه له بعده أيضًا وأن توقف الإِمام لقيام الاحتمال.

الثاني: أنه يقتضي القبح ضرورة حكمة الناهي فهو مدلوله لا موجبة خلافا للأشعري كما مر ثم مطلقة عن دليل العينية أو الغيرية أن كان عن الحسيات وهي ما لا يتوقف تحققه على ورود الشرع كالقتل وشرب الخمر والزنا وعلامته صحة الإطلاق اللغوي عليه على أنه حقيقة يقتضي القبح لعينه إلا دليل نحو {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]، فإن النهي للأذى ولذا يثبت به الحل للزوج الأول والنهيب وتكميل المهر وإحصان الرجم ولا يبطل به إحصان القذف وإن كان عن الشرعيات كالصلاة والبيع والنكاح والإجارة ونحوها مما زيد في حقيقته أشياء شرعا كانت غير معتبرة لغة، فالقبح لغيره عندنا فيفيد الشرعية أصلًا والقبح وصفا لكن مع رعاية إطلاقه في إفادة التحريم وحقيقته في بابه على اختيار العبد إلا لدليل يقتضي العينية كنكاح منكوحات الآباء وبيع الملاقيح هي ما في أرحام الأمهات والمضامين هي ما في أصلاب الآباء وعكسه للشافعي رحمه الله واجبا ومحتملا فجعله دالا على بطلان نفس المنهي عنه فقيل شرعًا وقيل

(1) انظر القاموس المحيط للفيروز آبادي (4/ 398).

(2)

انظر فواتح الرحموت شرح مسلم (1/ 395)، إرشاد الفحول للشوكاني (1/ 377).

ص: 41

لغةً، وقال أبو حسين البصري يدل عليه في العبادات دون المعاملات فتنافي الأجزاء وهو موافقة الأمر أو سقوط القضاء لا السببية وهي استتباع المعاملة أثرها فإن مقابله وهو الصحة يستعمل في الأمرين وقيل لا يدل إلا على فساد الوصف ولا على صحة الأصل فهذه خمسة مذاهب.

لنا أولًا أن النهى للانتهاء بالاختيار فيعتمد إمكانه وتصور صدوره من العبد ليثاب بالإحجام ويعاقب بالإقدام ولما لا أصل له حسًّا وشرعًا فهو ممتنع كالمنسوخ فلا يتعلق النهي به كف وامتناع مثله بناءً على عدمه وعدم المنهي عنه بناء على الامتناع ولذا لا يثاب على الأول كمن لا يشرب الخمر لأنه لا يجده فهما في طرفي نقيض لأي مما يتنافيان فلو ثبت القبح الذاتي مقتضى له كان المقتضي مبطلا لمقتضيه ومخرجا له عن حقيقته إلى النسخ وفي أبطاله أبطال نفسه فيتناقض، ومحصله توجيهان:

1 -

أن المنهي عنه إذا لم يكن صحيحا بأصله لم يكن شرعيا ومعتبرا شرعا لكن المنهي هو الصوم والصلاة الشرعيان لا الإمساك والدعاء أو نقول وكل ما لم يكن شرعيا كان ممتنعا ومنسوخا فلا يكون منهيا لاختلافهما حدا وحقيقة وخاصة وحكما، ورد بأنه أنما لا يتصور ويكون ممتنعا لا شرعيا لو أريد بالشرعي المعتبر شرعا أما أريد ما يسمد الشرع بذلك وهو الصورة المعينة أي المشتملة على الأركان صحت أم لا، أي اشتملت على الشرائط أيضًا أم لا وذلك هو الحق وإلا لزم دخول شرائط الشيء فيه إذ بها اعتباره فيتصور ولذا يقال صلاة صحيحة وفاسدة وقال عليه السلام، دعي الصلاة أيام أقرائك.

2 -

أنه إذا لم يكن صحيحا لم يكن شرعيا بل كان ممتعا فلم يتعلق الابتلاء بالنهي عنه لعدم تصور الإقدام والإحجام بالاختيار وإلا كان النهي نسخًا وليس كذلك إجماعًا وربما يوضح الملازمة الثانية بأن منع الممتنع لا يفيد، ورد بأنه إن أريد بالشرعي المسمي بذلك فالملازمة الأولى ممنوعة لأنه ليس ممتنعا وإن أريد المعتبر شرعا فالثانية لأن امتناعه علم بهذا النهي ومنع الممتنع بهذا المنع مفيد كتحصيل الحاصل هذا التحصيل.

والجواب عن الأول أن الكلام في النهي عن الشرعي فأن كان مجرد الصورة كان هو المعتبر في الثواب باجتنابه، والعقاب بارتكابه وليس الصورة بدون الشرائط كصورة الصلاة بدون النية والاستقبال وغيرهما والبيع بدون المال عبث وذلك لأن مفسدة النهي في الإتيان بالمجموع لا بمجرد الصورة وإلا لكان كل واحدكل لحظة مثابا بترك صور المناهي اللامتناهية وإن لم تنعقد أسبابها وشرائطها التي لم تخطر بالبال شيء منها وليس كذلك إجماعًا ولا يلزم الإثم بالسجدة بدون الطهارة لأنها حسية لا شرعية وتسمية الباطلة

ص: 42

بالصلاة مجازية، وكذا النهى عن النفط في دعي الصلاة {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22]، ومن هذا يعلم أن شرائط الشيء داخله في شرعيته لا وجوده.

وتحقيقه كونه مقيدًا بها وكون المطلق مع قيوده حقيقة واحدة اعتبارية فليس هذا النزاع مبينا على أن الشرط داخل في حقيقة السبب ومانع عن انعقاده سببا عندنا وعن تأثيره لا تحققه عنده كما ظن إذ لا حاجة هنا إلى دخوله في حقيقة المشروط أو سببه بل في شرعيته مع أن الحق في تلك المسألة أيضًا مذهبنا كما سيتضح.

وعن الثاني أنا لا نعلم أن امتناعه علم بهذا النهي وأنما يصح لو صح تعلق النهى به وكيف يصح، وتعلقه به يخرجه عن حقيقته.

أما الجواب بأن تصور اللغوي أو الشرعي حاله النهي كاف لصحته ففاسد للقطع بأن النهى ليس عن الإمساك المطلق والدعاء وبأن التصور في وقت الانتهاء عن الفعل وهو المستقبل هو الواجب والمعتبر كما في الأمر له أن حقيقة النهى في اقتضاء القبح كالأمر في اقتضاء الحسن فكما كان المأمور به حسنًا لمعنى في عينه إلا لدليل يكون المنهي عنه قبحا لعينه إلا له بناء على أن المطلق يتناول الكامل إذا القاصر ثابت لا من وجه لا قياسا في اللغة فمن جعل مجازا في الأصل حقيقة في الوصف عكس الحقيقة وقلب الأصل هذا معتمدة أما التمسك باستبدال العلماء بالنهى على الفساد وبأنه بناء على تبعية الأحكام لمصالح العباد تفضلا أو لم يفسد، فإن ساوى حكمه النهى حكمه الثبوت تعارضنا وخلا النهى عنها أو كانت مرجوحة فأولى لفوات الزائد من مصلحة الصحة الخالص عن المعارض أو راجحة فامتناع الصحة لخلوها بل لفوات الزائد من مصلحة النهى الخالص عنه فإنما يفيد أن اقتضاء القبح في الجملة ولا نزاع فيه ولتفريعه طريقان:

1 -

أن الرضا بالمشروع أدني درجاته لقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13]، والتوصية المبالغة في الأمر المقتضي للرضا ولأن المقصود من الشرع الهداية إلى السعادة العظمى وهي رضاء الله تعالى، ثم القبح ينافي الرضا وإن لم يناف المشبه والقضاء كالكفر والمعاصي ومنافي اللازم مناف للملزوم فالقبيح لا يكون مشروعا فالنهى عن التصرف الشرعي نسخ له بما اقتضاه من التحريم السابق.

2 -

إن حكمه وجوب الانتهاء وكون الارتكاب معصية لا طاعة في العبادة ومشروعا في المعاملة لتضاد بين الأوليين، وتناف بين الآخرين فإن كل مشروع لا معصية فكل معصية حسيا كان أو شرعيا لا مشروع ولذا لم يفد الزنا حرمة المصاهرة وهي الحرمات الأربع فإن المصاهرة نعمة أمتن الله بها وكرامة كالنسب ولذا تعلق به الكرامات من

ص: 43

الحضانة والنفقة والإرث والولايات وكذا حرمتها صيانة للمحارم عن مذلة النكاح الذي فيه ضرب استرقاق، ولا لغضب واستيلاء الكفرة على مال المسلم بالإحراز الملك وسفر المعصية كالإباق وقطع الطريق والبغي الرخصة وهي نعمة لدفع الحرج، ثم النعمة لا تنال بالمحظور المحض بخلاف الوطء بشبهة النكاح الفاسد والجارية المشتركة ولا يرد لزوم الاغتسال وفساد الصوم والإحرام والاعتكاف بالزنا إذ ليست نعمة ولا لزوم المضي على المحرم مجامعا أو المجامع بعده مع فساد الإحرام لأنه منهي لغيره المجاور وهو الجماع مطلقا مقارنا أو معاقبا حلالًا أو حراما فينبغي أن لا يفسد به كالصلاة في المغصوب لكنه محظورة كالكلام والحدث للصلاة فيفسد وينبغي أن لا يبقي غير أنه لازم شرعا عقوبة بخلاف الصلاة فأثر في إيجاب القضاء لا في ترك الأداء والمقارن لم يعتبر مانعًا مع أن المنع أسهل من الرفع؛ لأن محظوريته فرع اعتبار الوجود للإحرام ولا الطلاق في الحيض أو في طهر الجماع مع ترتب الفرقة؛ لأن نهيهما للمجاور وهو تطويل العدة وتلبيس أمرها أهي بوضع الحمل أو بالأقراء أو تلبيس النفقة إذْ لو لم يكن حاملًا في البائن لا يجب النفقة عنده ولا لزوم كفارة الظهار لأنها جزاء حرام كالقود والرجم والكلام في حكم مطلوب تعلق بسبب مشروع له كالملك بالبيع ولترتب فروعه هذه على ماريتنا عليه اندفعت المناقشات الواهية.

قلنا: على دليله نعم لولا التناقض ببطلان المقتضي ورفع الابتلاء بذلك فما ذكرنا عمل بمقتضى النهي وهو القبح والمنهي وهو الإمكان ورعاية لمنازل المشروعات وحدودها وعلى وجهي التفريع قبح التابع لا ينافي الرضا بالمتبوع بالاعتبارين أي يجوز كون الشيء مأمورا به ذاتا ومنهيا عنه عرضا فإن المشروعات تحتمل هذا الوصف كما مر من الإحرام والطلاق الفاسدين والصلاة في المغصوب والبيع وقت النداء، والحلف على محظور.

أما الأقسام الثلاثة الباقية منها ممتنعان وقسم واقع لكن لا يتأدى به المأمور به أمرا مطلقا بخلاف الوضوء بماء مغصوب ولأثم إن كل مشروع وطاعة لا معصية من كل وجه ولا سيما في المعاملات الفاسدة المترتبة إحكامها ولئن سلم فالقبح ينافي الرضا والمشروعية في موضوعه لا مطلقا والكلام في إنه الذات أو الوصف وعلى فروعه أما ثبوت حرمة المصاهرة فلكون الزنا كالوطء الحلال سبب الماء وهو سبب الولد المعصوم وجودًا وهو سبب البعضية التي بها الحرمة فإن الاستمتاع بالجزء حرام إلا لضرورة النسل حكيما كان كما في الموطأة، أو حقيقيًّا كما في حواء رضي الله عنها وتسري إلى أبيه وأمه لأضافته

ص: 44

بكماله علي كل منهما وإلي أسبابه ودواعيه احتياطا ولم يسر إلى ما بين الأجداد والجدات إذ لضعفه لكونه حكيما لم يظهر في الأباعد وعمل مثله لا لوصف نفسه ككونه زنا بل لعله أصله وهو الولد كالتراب وهو لا يوسف بالحرمة وذمه بانخلاقه من امتزاج بين مائين غير مشروع لا معنى له.

وقوله عليه السلام "ولد الزنا شر الثلاثة"(1) كان مراده عليه السلام به مولود معين والأقرب ولد الزنا أصلح من ولد الرشدة ولهذاكان مثله في استحقاق معظم الكرامات وأما ثبوت الملك بالغصب فشرط للضمان المحتمل وجوبه فيتبع مشروطة حسنًا لآن للفائت ولئلا يجتمع البدلان في ملك، وإن قبح لو كان مقصودا لكن يعتبر مقدما على الضمان لأنه شرط مقتضى وملك البدل مترتب عليه فلذا ينفذ بيع الغاصب ويتسلم الكسب؛ لأنه كالزوائد المتصلة تبع محض يثبت بثبوت الأصل بخلاف المنفصلة كالولد والثمر فلكون زوال الملك ضروريا لا يتحقق فيها وهذا وإن كان بدل خلافة كالتيمم لا بدل مقابلة كالثمن ومن شأنه أن لا يعتبر عند القدرة على الأصل كما إذا عاد العبد الآبق أعتبر ها هنا لاتصال القضاء بزوال الملك عند الحكم بالضمان احترازا عن اجتماع البدلين في ملك وعند حصول المقصود بالبدل لا عبرة بالقدرة على الأصل كمن صلى بالتيمم ثم وجد الماء ولا يرد ضمان المدير مع عدم الملك؛ لأنه يزيل ملك المولى تحقيقا لشرطه ولا يملكه الغاصب صونا لحقه كالموقف ولم يكتف بالإزالة في جميع الصور وبها يندفع ضرورة اجتماع البدلين لأن الأصل مملوكية المال وأن يكون الغرم بأن الغنم فلا يرتكب إلا لضرورة أو يجعل ضمانه مقابلا لفوت اليد وذا جائز حال العجز والضرورة بخلاف القن.

وأما النهي عن استيلائهم فلغيره وهو عصمة المحل الثابتة لحقنا دونهم لانقطاع ولاية التبليغ والإلزام عنهم فصاركالاستيلاء على الصيد ولئي سلم ثبوتها في حق الكل لكن سببها وهو الإحراز باليد أو الدار قد يناهي بإحرازهم فسقطت في حكم الدنيا ولا يرد أنها متحققة في ابتداء لاستيلاء فلا يقيد زوالها بعده كمن أخذ صيد الحرم وأخرجه لا يملكه ويجب الضمان بالهلاك في يده وكمن اشترى خزا فصارت حلا لا ينعقد البيع؛ لأن

(1) أخرجه الحاكم في مستدركه (2/ 233) ح (2853) وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، والبيهقي في الكبرى (10/ 57)، وأبو داود (2914) ح (3963)، والنسائي في الكبرى (3/ 178) ح (3930)، والطبراني في الأوسط (7/ 210) ح (7294)، والحارث في مسنده (514/ البغية)، الطبراني في الكبير (10/ 674).

ص: 45

الأصل أن الفعل الممتد كابتدائه حكم البقاء كلبس الخف في حق المسح ولبس الثوب في حق الحنث فكان بعد الإحراز كابتداء الاستيلاء على مال مباح، وكذا صيد الحرم فإنه يملك بعد لإخراج حتى ذكر في الجامع جواز بيعه ولو أكله بحل إلا أنه يجب الجزاء صيانة لحرمة الجرم بخلاف شري الخمر فإنه غير ممتد، وهذا بخلاف استيلائهم على رقاب المسلمين؛ لأن سبب عصمة الأنفس وهو الإِسلام لم ينه بالإحراز.

وأما سفر المعصية فليس منهيا لعينه بل لمجاورة من قطع الطريق والتمرد على المولى ولذا يفترقان بتبديل القصد إلى الحج وإن أذن المولى وبالإغارة ونحوها بمسافة يوم.

فروعنا:

1 -

شرع أصل بيع العبد بالخمر؛ لأن الثمن وصف للزومه لا أصل ومحل لكونه وسيلة إلى ما ينتفع بذاته ولذا لا يشترط وجوده فضلا عن تعينه ولا قدرة تسليمه ولا بقاؤه في الإقالة وجاز استبداله بخلاف المبيع فالفساد فيه كالخمر فإنه مال؛ لأن فيه مصلحة الآدمي لا متقوم إذ ليس بواجب الإبقاء بعينه أو كمثله أو بقيمته يفسد ولا يبطل لعدم الخلل في ركنه، وهو الإيجاب والقبول من الأهل في المحل وكذا بيع الخمر بالعبد معينين؛ لأن كلا يصلح ثمنا فيصرف إلى الخمر فينعقد في العبد فاسدا ويثبت الملك بالقبض بالإذن لا في الخمر فلا يثبت به وكذا إذا لم يعين الخمر إذا يجعل ثمنا كبيع خل غير معين لعبد معين أو دراهم بثوب معين بخلاف بيع الخمر الدراهم أو الدنانير لتعينه مبيعا والميتة وجلدها في المسألتين إذ ليس بمال وإنما يحصل المالية بصنع مكتسب ولا متقوم فيبطل ولو قضي بجوازه لا ينفذ، قيل: هي الميتة حتف أنفها؛ أما المخنوقة والموقوذة والمجروحة ففاسد لحلها عند المجوس وإذا يصح فيما بينهم عند أبي يوسف خلافا لمحمد.

2 -

نهى الربا مرادا به العقد وهو معاوضة مالين في أحدهما فضل والبيع بشرط لا يقتضيه العقد ولأحد المتعاقدين أو المبيع المستحق نفع فيه فالنهي للفضل أو الشرط وهو وصف للزومه شرطا ولا اختلال في أصله وهو الإيجاب والقبول من الأهل في المحل فيوثر فساد الوصف في دفع وصف الأصل وهو أنه حلال جائز فصار حراما فاسدا والملك يحتمله كمحك صيد الحرم والخمر وجلد الميتة مع حرمة الانتفاع بها واشترط التقوية بالقبض لضعفه كالتبرعات وللفرق بينهما بأن المفسد في صلب العقد في البيع لم يعد صحيحا بإسقاط الفضل بخلاف إسقاط الأجل المجهول.

3 -

كذا فساد شهادة من حد قذفا فلا يصح وصف أولهما فلا يقبل ويخرج منهن

ص: 46

أهلية اللعان لكن لاتصال حتى ينعقد النكاح بها كما بشهادة الأعمى إذا لا يتوقف على الأداء.

4 -

كذا صوم يومي العبد وأيام التشريق فالنهى لمعنى الإعراض عن ضيافة الله تعالى فيفسد لوصفه وهو كونه يوم عيد، وبيانه: أن المتناول مشتهى بأصله طيب بوصف الضيافة لتركه طاعة بأصله في وقته معصية بوصفه وهو الإعراض عن الضيافة كالجوهر الفاسد وكذا يصح لخلوه عن المعصية ذكرا حتى لو قال لله على صوم يوم النحر لم يصح نذره في رواية الحسن كقولها لله علي صوم أيام حيضي بخلاف قوله غدا وكان يوم النحر، وبخلاف ضرب أبيه أو شتم أمه إذ لا جهة لغير المعصية فلا يصح النذر به أصلًا لا لشروعه في ظاهر الرواية لاتصاله بها فعلا وصح صلاة وقت المنهي لعراء أركانها وشروطها عن القبح حتى الوقت بأصله والفساد في وصفه لنسبه إلى الشيطان كما في بطن عرنة ووادي محسر في المكان وحديث الرغم معرفة لا تسمع في مقابلة الحديث غير أن الوقت ظرفها لا معيارها، فصارت ناقصة لا فاسدة فتضمن بالشروع بخلاف الصوم لقيامه بالوقت فإنه معياره وجودا ويذكر في حده تعقلا وقد يفرق بأن جزء الصوم ككله اسما فلا ينعقد شروعه للنهي بخلاف الصلاة إذ أولها ليست صلاة إلى السجدة وتبين الحلف بهما ولنقصانها للسببية لا يتأدى بها الكامل بخلاف الصلاة في المغصوب إذ ليس المكان سببا ولا وصفا فلا يورث فسادا ولا نقصا بل كراهة لتعلق نهيه بالشغل المجاور لا كما قال أحمد والزيدية وبعض المتكلمين كأبي الحسين البصري والإمام الرازي أنها لا تصح؛ لأن الصلاة حركة وسكون والشغل جزء منهما وجزء الجزء جزء والنهي الجزئي مبطل؛ لأن مصداق الجوار الانفكاك وهو حاصل.

ويويده إجماع السلف على أنهم ما أمروا الظلمة بقضاء الصلوات المؤدات في المغصوب ولا نهوا عنها إذ لو وقع لانتشر، وفيه بحث لأن الجزئية إذا صحت تنافي الانفكاك إذ لا كل بدون الجزء.

وتحقيقه: أن المعتبر في جزئية الصلاة شغل ما ولا فساد فيه وإلا لفسد كل صلاة بل في تعينه المكاني بل من حيث اتصافه بالتعدي وذا مما ينفك عن ذلك الشغل المعين بتعين مكانه بأن يلحقه إذن مالكه أو ينتقل ملكه إلى المصلي أو إلى بيت المال ولا يجيء مثله في الصلاة في الوقت المكروه؛ لأن نقصانه للسببية ولا في الصوم لأن تعين الوقت معتبر فيه بالوجهين وبه يعرف أن الوقت سبب للنوافل أيضًا إذ الكلام فيها إذكل وقت داع إلى الشكر فيه.

ص: 47

5 -

كره البيع وقت النداء؛ لأن ترك السعي مجاور قد يقترفان بخلاف بيع الحر والمائن ونكاح المحارم وأزواج الآباء وصوم الليل فإن النهي فيها مستعار للنفى لفقد المحل ونسخ صوم الليل؛ لأن الوصال غير ممكن فتعين النهي للابتلاء لأنها المعنية لشهوة البطن غالبا، والفرج يتبعه لأنه وجاء إلا أنه لو واصل بالنية في رمضان تأدي لأن القبح في المجاور وهو الإمساك في الليل بخلاف صوم يوم النحر والمنفي في قوله عليه السلام لا نكاح إلا بشهود نكاح الشرعي، فلا خلف ولا حمل على النهي وإنما يسقط الحد ويثبت النهيب والعدة لشبهة العقد، أو نقول أريد النهي لكن مع الدليل على بطلانه فإن النكاح ملك ثابت لضرورة النسل ولذا لا يظهر أثره فيما وراء ذلك فلو قطع طرفها أو آجرت نفسها أو وطئت بشبهة فالأرش والأجرة والعقر لها لكن لا ينفك عن الحل لأنه المقصود والنهي يقتضي تحريما يضاده فبطل بالمضادة بخلاف البيع الموضوع لملك العين والحل تبع حيث لا يضاده تحريم الاستمتاع لجواز اجتماعه مع الملك كما في المحرم كالأمة المجوسية وفيما لا يحتمل الحل أصلًا كالعبد والبهائم.

للقائل بدلالته على البطلان لغة استدلال العلماء به عليه وإنه نقيض الأمر المقتضى للصحة فيقتضى نقيضها، ورد الأول بمنع دلالته استدلال لهم على البطلان اللغوي بل الشرعي.

والثاني: بأن اقتضاء الأمر الصحة شرعي فكذا اقتضاء النهي سلمنا لكن المتقابلات جاز اشتراكها في لازم واحد فضلا عن التناقض سلمنا لكن نقيض اقتضاء الصحة عدم اقتضائها لا اقتضاء البطلان وفي الكل نظر، فإن استدلالهم لا بد من الانتهاء استقراء موارد اللغة ولا سيما قبل تدوين قواعد الشرع ومنه بعلم أن اقتضاء الأمر الصحة لغوي والاستدلال على تناقض مقتضاهما ليس بمجرد التناقض المراد به التقابل بل بالعرف المستمر على أن الأثر المطلوب بإحداهما نقيض المطلوب بالآخر وقد مر، وعدم الاقتضاء ليس أثرا والكلام في أثرهما والحق أن اقتضاءهما مطلق الصحة والبطلان لغوي، والشرعيين شرعي مستفاد من اللغوي، وللنافي للبطلان مطلقا أنه لو فعلت لكان مناقضا للتصريح بصحته لكن يصح نهيتك عن الربا العينة ولو فعلت لعاقبتك ولكن يثبت به الملك. قلنا: الظهور في الشيء لا يمنع التصريح بنقيضه الصارف عنه، ولأبي الحسين أن المنهي عنه في العبادة معصية فلا يكون مأمورًا به وإن نهي لمجاوره لا في العاملة فإن اللامشروعية لا تنافي المشروعية من وجهين قلنا كذا المأمور به ذاتا القبح صفة كما مر على أن المأمور به مطلق الفعل وأن لم يتحقق إلا في المعنيات، فالتعينات غيره مجاز القبح

ص: 48