الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليها وعلى طنجة وما والاهما ابنه عبد الملك، واستخلف على إفريقية وأعمالها ابنه الكبير عبد الله (1)، ورافقه إلى دمشق مروان (2).
ورحل عبد الأعلى عن الأندلس بعد رحيل أبيه عن الأندلس ورافق أباه إلى دمشق (3)، وانقطعت أخباره هناك، فلا ندري متى توفي وأين؟ وهل كان له عَقِب أم لا؟ ومتى وُلد ومتى توفي؟ وما هي أعماله؟
إنه كالشهاب الساطع ظهر فجأة فخطف الأبصار بنوره، ثم اختفى فجأة إلى الأبد، فلا يعرف أحد عنه شيئاً.
2 - القائد:
أوسع ما ورد عن فتوحه، ما جاء في نفح الطيب وهذا هو نصّ ما ورد عنه:"وقيل: إن موسى بن نصير، أخرج ابنه عبد الأعلى إلى تُدْمِير ففتحها، وإلى غرناطة ومالقة وكورة رَيَّة، ففتح الكلّ. وقيل: إنه لما حاصر مالقة، وكان ملكها ضعيف الرأي قليل التحفظ، كان يخرج إلى جِنان له إلى جانب المدينة طلباً للراحة من غُمّة الحصار، مت غير نصب عينٍ ولا تقديم طليعة، وعرف عبد الأعلى بأمره، فأكمنَ له في جنَبَات الجنّة التي كان ينتابها قوم من وجوه فرسانه ذوي رأي وحزم، أرصدوا له ليلاً، فظفروا به وملكوه، فأخذ المسلمون البلد عنوة، وملأوا أيديهم غنيمة"(4)، وما ذكرناه في سيرته فاتحاً، هو ما اتفقت عليه المصادر الأخرى مع ما جاء في نفح الطيب، وقد أشرنا إلى تلك المصادر.
ومن جميع ما ذُكر عن فتوح عبد الأعلى، لا يمكن استنتاج سمات قيادته، ولكن يمكن أن نذكر، أن موسى بن نصير وغير موسى، لا يمكن أن يولي رجلاً
(1) ابن الأثير (4/ 566).
(2)
البيان المغرب (1/ 44).
(3)
البيان المغرب (1/ 44).
(4)
نفح الطيب (1/ 275).
من الرجال، حتى ولو كان ابنه أو قريبه، منصباً قيادياً أيام الحرب، إلاّ إذا كان ذلك الرجل حائزاً على المزايا القيادية التي يجب أن يتحلى بها القائد الذي يتولى منصباً قيادياً في زمن الحرب، حتى يمكن أن ينجح القائد في قيادته ويملأ منصبه، ويكون بمقدار منصبه أو أكبر منه، لا أن يكون أقل من منصبه كفايةً واقتداراً. لأن الكفاية العالية والاقتدار المتميز، هما العاملان اللذان يُعتبران من أهم عوامل إحراز النصر. أما الكفاية الواطئة والاقتدار الضعيف، فلا يؤديان إلاّ إلى الهزيمة، وما يتبع الهزيمة من خسائر مادية ومعنوية، تؤثر أول ما تؤثر في سمعة الذي ولىّ القائد القادر ومصيره، وتؤثر أول ما تؤثر في سمعة الذي ولىّ القائد الهزيل ومصيره. لذلك نجد أن الخلفاء لم يولوا أبناءهم كافة مناصب قيادية، بل ولَّوْا مَن يستحق هذا المنصب حسب، إذا وجدوا بين أبنائهم مَن يستحقه، وإلاّ ولّوا مَن يرون فيه الكفاية والاقتدار، واستعراض قائمة القادة من أبناء الخلفاء وغيرهم، خير دليل على ذلك.
وعلى ذلك، فإن موسى بن نصير، وهو مَن نعرف، من ألمع قادة الفتح الإسلامي، وأكثرهم كفاية واقتداراً، لا يمكن أن يولي عبد الأعلى منصب القيادة، إلاّ إذا كان يتحلى بالكفاية العالية والاقتدار المتميز، وبخاصة في أيام استشراء المقاومة القوطية في الأندلس، فأصبحت تهدّد خطوط مواصلات قوات المسلمين وجناحيهم الأيمن والأيسر بأفدح الأخطار. ومن المعلوم أن موسى لم يولِّ منصب القيادة أبناءه كافة، بل اكتفى بتوليه عبد العزيز وعبد الأعلى في فتوح الأندلس، وكان له أبناء كثيرون، تذكر التاريخ قسماً منهم، ونسي قسماً منهم، وحتى الذين تذكرهم وذكرهم التاريخ، لم يتولوا مناصب قيادية جميعاً، بل تولاّها قسم منهم فقط، كما هو معروف.
ويبدوا أن موسى بن نصير ولّى ابنه عبد الأعلى منصباً قيادياً في زمن الفتوح، وفي ظروف عصيبة بالغة الخطورة، قد يؤدي إخفاق المسلمين في معركة واحدة من معارك الفتوح، إلى انهيار معنوياتهم وارتفاع معنويات القوط، وإلى تكبيد المسلمين خسائر فادحة بالأرواح، وقد تؤدي إلى إخفاق خطط الفتح أو
عرقلة مسيرته على الأقل. لذلك فإن إقدام موسى على تولية ابنه عبد الأعلى منصبا قيادياً مهماً في جبهة حيوية، دليل على أن عبد الأعلى كان يتحلَّى بصفات قيادية أصيلة، منها: القدرة على إصدار القرار الصحيح السريع، والشجاعة الشخصية، والإقدام، والإرادة القوية الثابتة، وتحمل المسئولية كاملة، وعدم التهرب منها وإلقائها على عواتق الآخرين، ونفسيّة لا تتبدل في حالتي النصر والهزيمة واليسر والعسر، وسبق النظر وإعداد الخطط المناسبة لما يتوقع حدوثه سلفاً، ومعرفة نفسيات من يعمل معه وقابلياتهم، فيستخدم الرجل المناسب للواجب المناسب، يثق برجاله ويثقون به، ويحبهم ويحبونه، ذو شخصية قوية نافذة، وقابلية بدنية متميزة لأنه في عز شبابه، وله ماض ناصع مجيد، يكفي أنه ابن موسى بن نصير، وله هو في الفتوح نشاط يذكر.
وكان يطبق مبادئ الحرب، فيعرف كيف يختار مقصده وكيف يعمل على إدامته، وكان قائداً تعرّضياً لم يتخذ أسلوب الدفاع في حربه، وكان يطبق مبدأ: المباغتة أهم مبادى الحرب على الإطلاق، قد طبق على صاحب مالقة مبدأ المباغتة، فأخذه أخذاً وهو في إحدى بساتينه، ثم فتح مدينته عنوة.
وكان يطبق مبدأ: حشد القوة، فكان يستغل قواته المتيسرة استغلالاً كاملاً في المكان والزمان الجازمين. ولكنه كان يطبق مبدأ: الاقتصاد في المجهود، فلا يغرِّر برجاله، ولا يعرِّضهم للمهالك، ولا يفرِّط بأرواحهم دون مسوِّغ.
وكان يطبق مبدأ: الأمن، فلم يستطع عدوّه أن يباغت قوّاته في يوم من الأيام، وقد استطاع أن يباغت عدوّهُ كما ذكرنا. وكانت خططه مرنةً يمكن تعديلها أو تحويرها، كما كان مرناً في قابليته على الحركة والتنقل.
وكان يطبق مبدأ: التعاون، فتعاونت قواته لتحقيق أهدافه في الفتح، وتعاون مع أخيه عبد العزيز في الفتح، وتعاون مع قيادته العامة تعاوناً وثيقاً في تحقيق خططها المرسومة له.
وكان يطبق مبدأ: إدامة المعنويات، بالعقيدة الراسخة أولاً، وبالقيادة المقتدرة ثانياً، وبالانتصارات المؤزّرة ثالثاً وأخيراً.