الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سليمان بن عبد الملك، وأئه كان بارزاً بين العاملين هناك، فيكون أحد أفراد الوفد الذين يحملون الخراج من إفريقية إلى عاصمة الخلافة في دمشق، ممثلاً لوالي إفريقية ومَن معه من الأجناد وأهل البلاد.
الفاتح
في شهر رمضان من سنة مائة الهجرية (نيسان - مايس = أبريل - مايوم 719 م)، ولّى عمر بن عبد العزيز على الأندلس السَّمح بن مالك الخولاني (1).
ولمّا تولّى السَّمح الأندلس، نشطت حركة الفتوح عبر جبال البرتات (2) نشاطاً عظيماً، لأنّ السَّمح كان رجلاً عميق الإيمان، جمّ النّشاط، فلم يكد يستقرّ في الأندلس، حتى نهض الفتح فيما وراء جبال البرتات، فتوغل في بلاد غالة (3)(فرنسة)، وبالتحديد في جنوبيّ فرنسة.
وعبر السَّمح على رأس جيشه جبال البَرْتات، ففتح مدينة أَرْبُوْنَة (4) سنة مائة الهجرية (719 م) بعد حصار استمر ثمانية وعشرين يوماً، وكان فتحها عَنّوَة، ثم حصّنها وشحنها بالميرة نظراً لأهمية موقع هذه المدينة الجغرافي (5)، ولا يزال في هذه المدينة شارع باسم
(1) ابن الأثير (5/ 55) وابن خلدون (4/ 257) ونفح الطيب (1/ 235) و (3/ 15).
(2)
جبال البرتات أو البرت، هي المعروفة عندنا خطأ بالبرانس. والبرت هو اللفظ اللاتيني ( Porta) أي الباب أو الممر في الجبال، ولهذا تسمى في العربية أيضاً بجبال الأبواب، أنظر الهامش (1) من ص: 242 - فجر الأندلس.
(3)
Gauluis نسبة إلى بلاد الغال، والفرنسيس يقولون الغول.
(4)
أربونة: مدينة في شمال شرقي قرقشونة، تقع على الساحل الفرنسي الجنوبيّ، أنظر ما جاء عنها في تقويم البلدان (182 - 183)، وأنظر ما جاء عنها في تاريخ غزوات العرب - شكيب أرسلان (64 - 70).
(5)
تاريخ غزوات العرب (66).
السَّمْح (1).
وموقع أَرْبُوْنَة هو على ارتفاع عشرة أمتار فقط عن سطح البحر، وعلى مسافة أربعة عشر كيلو متراً منه إلى الشرق، ونهر الأود يمرّ بالقرب منها، والسهول التي بينها وبين البحر كونتها الرواسب التي أبقاها هذا النهر، ومناخ المدينة شبيه بمناخ المدن العربية، أي أنّها لطيفة الشتاء نادرة الثلج، حارة القَيْظ، لولا نسمات لطاف تهبّ عليها أحياناً من جهة البحر، فتخفِّف من حرارتها. وأكثر حاصلات أربونة من الكَرَم، وفيها جميع أشجار البلاد الحارة كالتين والزيتون والصُبَّيرة. ويمر بأربونة جدول اسمه: روبين ( La Robine) مشتق من قناة الجنوب المستمدة من نهر الأود. وأربونة من أقدم المدن، عثروا فيها على آثار الآدميين من العصر الحجريّ، وعلى قبور مما قبل التاريخ (2).
وهناك روايات تدلّ على أنّ موسى بن نُصَيْر (3) أرسل سراياه، ففتحوا أربونة من جملة ما فتحوه (4) وذلك سنة خمسٍ وتسعين الهجرية (714 م)، ولكن فتح موسى هذا لم يكن فتحاً مستداماً، إنّما كان فتحاً وقتيّاً بقوّات استطلاعية خفيفة، استطاعوا جمع المعلومات المفصّلة عن تلك المنطقة الحيوية من بلاد فرنسة، تمهيداً لفتحها مِن السَّمح بعد خمس سنين فقط.
ويجدر بنا قبل أن نمضي في تتبّع غزوات السَّمح لأنحاء فرنسة، أن نقول كلمة موجزة في مملكة الفرنج. كان الفرنج شعب من القبائل الجرمانية، استقرّت منذ أواخر القرن الخامس للميلاد، بين نهر الرّين والبحر في إقليم فلاندز وما إليه - البلجيك الحديثة - ثم على ضفاف الرّين الوسطى والموز.
(1) يطلق الفرنسيون على السَّمح اسم: زاما، واسم الشارع:( Rue، de Zama) ، وأنظر تاريخ غزوات العرب (66).
(2)
تاريخ غزوات العرب (64 - 65).
(3)
أنظر سيرته المفصلة في: قادة فتح المغرب العربي (1/ 221 - 309).
(4)
نفح الطيب (1/ 259).
وفي نهاية القرن الخامس الميلادي كان زعيم هذه القبائل أمير شجاع يدعى كلوفيس، بدأ حكمه في مدينة تورني، وفي سنة (486 م) غزا شمالي فرنسة وانتزعه من يد الحاكم الروماني. ثم استولى على معظم جنوبي فرنسة، واعتنق النصرانية وجعل باريس عاصمة له. وتابع أبناء كلوفيس سياسته. فوسّعوا مملكتهم إلى شطر ألمانيا وإيطاليا. ولكن السلطة المركزية ضعفت بالتدريج، فأصبح لكل منطقة أمير. وكان أمير منطقة أكويتانا في جنوبي فرنسة هو الدوق أودو قوياً مسيطراً، وفي أيامه اخترق السّمح جنوبي فرنسة (1).
وبعد أن انتهى السَّمح من أمر أربونة التي افتتحها عَنْوَة، وشحنها وشحن المدن المجاورة لها بالمجاهدين، واستكمل فتح ولاية سبتمانيا القوطيّة، توغّل في غالة حتى وصل إلى طَلُّوْزَة (2)( Toulouse) ، وكانت يومئذ عاصمة أكويتانا، وفي محاولة لفتح هذه المدينة بالقوّة، أحاطها المسلمون بالخنادق وبقيّة آلات الحصار. وكان أودو ( Eudo) دوق أكويتانا أحد أحفاد أسرة كلوفيس، أقوى أمراء الفرنج في جنوبي فرنسة وأشدّهم بأساً، وكان أثناء الاضطراب الذي ساد مملكة الفرنج، قد استقلّ بأكويتانا وبسط حكمه على القسم الأكبر جنوبي فرنسة، من الّلوار إلى البرنية، والتفّ حوله القُوْط والبُشْكَنْس، وأخذ يطمح إلى انتزاع حكم الفرنج أو ملك أسرته، ولكنّه اضطرّ إلى مقاومة المسلمين، وشُغل عن تحقيق طموحه.
وكان السَّمح قد فتح ولاية سبتمانيا القوطيّة، وأقام فيها حكومة إسلامية، ووزّع الأرض بين المسلمين الفاتحين والسكّان الأصليين، وفرض الجزية
(1) أنظر التفاصيل في دولة الإسلام بالأندلس (1/ 76 - 79).
(2)
طلوزة: ويسميها قسم من العرب تولوز، وطولوشة، وهي:(= Tolosa Toulouse) كما تكتب بالإنكليزية والفرنسية، وهي مدينة طولوز جنوبي فرنسة، أنظر ما جاء حولها في تاريخ غزوات العرب (13).
وتسميها قسم من المراجع العربية: طرسونة، وطرسونة هذه في مدن تطيلة، ولا علاقة لها بطلوزة، أنظر معجم البلدان (6/ 41) والروض المعطار (123) والحلل السندسية (2/ 172) وجغرافية الأندلس وأوروبا (91).
على النصارى، وترك لهم حريّة الاحتكام إلى شرائعهم. وفي زحفه نحو الشرق لفتح أكويتانا، قاومه البشكنس والقوط سكان تلك الأنحاء مقاومة عنيفة، ولكنّه تغلّب عليهم. وقصد طولّوز، وكان الدوق أودو قد حشد في تلك الأنحاء جيشاً ضخماً، فسار على رأس جيشه لردّ المسلمين. وعلم السَّمح بذلك، فارتدّ عن مهاجمة طولّوز، ليلقى جيش الدوق أودو، رغم تفوّق جيش الفرنج على جيش المسلمين بالعَدَد (1)، حتى وصف مؤرخو العرب كثرة جيش الفرنج بقولهم:"إنّ العِثْيَرْ (2) المتطاير من زحف أقدامهم، كان يغطي عين الشمس من كثرتهم"، فتلا السَّمح لرجاله الآية الكريمة:((*إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ*)) (3). ولمّا تلاقى الجمعان، خُيِّل أنّ الجبال تلاقى بعضها ببعض، وكانت المعركة من أهول ما يتصوّره العقل، وكان السَّمح يظهر في كلّ مكان، وسيفه يقطر دماً وهو يرفع معنويات رجاله بقوله وبفعله، وكان كالفحل الهائج لا يردّ رأسه شيء، أو كالأسد الزائر يحمل على العدو فلا يقف أحد في وجهه (4).
(1) دولة الإسلام في الأندلس (1/ 80).
(2)
العثير: الغبار.
(3)
الآية الكريمة من سورة آل عمران (3/ 160).
(4)
أخبار مجموعة (34) ونفح الطيب (3/ 15) والببان المغرب (2/ 25 - 26)، وتذكر المراجع العربية أنّ هزيمة السَّمح كانت عند طرسونة، والأصح أن يقال أنها عند طرسكونة ( Tarascon) على مقربة من طولّوز عند مصب نهر الرون، وقد ذهب إلى هذا الرأي سافدرا، معتمداً على ما ذكره إيزيدور الباجي، من أنّ السَّمح استشهد عند طولّوز (طولوشة) في موقعة حامية بينه وبين دوق أكويتانا، وقد ذهب إيزيدور إلى أنّ هزيمة المسلمين كانت قاصمة، كما يقرر صاحب مدوَّنة مواسياك كذلك أنّ هزيمة السَّمح ومقتله كان عند طولوز، أنظر الهامش الرقم (1) من كتاب فجر الأندلس (246)، وانظر تاريخ غزوات العرب (71) ودولة الإسلام في الأندلس (1/ 80) وفجر الأندلس (245)، وأنظر ما جاء حول استشهاد السَّمح في: جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس (336 - 337) وبغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس للضبّي (316) وابن الأثير (5/ 489) وابن خلدون (4/ 257).