الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد العزيز بن موسى بن نُصَيْر اللَّخْمِيّ (1)
فاتح شطر الأندلس
نسبه وأيّامه الأولى
هو عبد العزيز بن موسى بن نُصَيْر بن عبد الرحمن بن زيد (2) من بني لَخْم (3)، ويقال: إنّه مولى لَخْم (4)، وقيل: إنّه من أراشَة من بَلِيّ (4)، وقيل من بَكْر بن وائل (6)، ويذكر أولاده أنّه من بكر بن وائل، وغيرهم يقول: إنّه مولى (7).
وادِّعاء أولاده وأحفاده، بأنّه من بَكر بن وائِل، بعد أن استقروا وملكوا وتأثّلوا، في وقت كان فيه الفخر بالنّسب سِمة العصر، عصر بني أميّة، قد يؤخذ مأخذ الدعاوة لهم بالنّسب المُفَضّل لا بمأخذ تقرير الواقع. كما أنّ
(1) ورد اسم أبيه: موسى بن نُصَيْر الّلخمِي في المعارف (570) واليعقوبي (3/ 22) والبداية والنهاية (9/ 171) ورياض النفوس (1/ 77). ولخم: هو مالك بن عَديّ بن الحارث بن مرَّة بن أدد، أنظر جمهرة أنساب العرب (422)، وهم من بني سعد العشيرة بن مذحج من سبأ، أنظر جمهرة أنساب العرب (410 - 422)، وأنظر بطون لخم في جمهرة أنساب العرب (477).
(2)
البيان المغرب (1/ 32).
(3)
بغية الملتمس (457) ونفح الطيب (1/ 254) وتاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس (2/ 114) والنجوم الزاهرة (1/ 235).
(4)
بغية الملتمس (457) وتاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس (2/ 144) وجذوة المقتبس (317) ووفيات الأعيان (4/ 402) والولاة والقضاة (52).
(5)
البلاذري (248)، وأراشة بن عُبيلة بن قِسْميل بن فَرَان بن بَلِيّ بن عمرو بن الحافي بن قُضاعة، أنظر التفاصيل في جمهرة أنساب العرب (442).
(6)
نفح الطيب (1/ 234) والبيان المغرب (1/ 32).
(7)
جل فتوح الإسلام - ملحق بجوامع السيرة لابن حزم الأندلسىّ (344).
ادِّعاء مَن كان عليهم لا معهم بأنهم موالي، كان نتيجة لتعالي أولاد عبد العزيز بالنسب المفتعل، فهو رد فعل تلقائيّ لهذا التعالي الموهوم، فلا يُؤخذ به ولا يُصَدَّق، لأنّ دوافعه عاطفيّة لا واقعيّة.
إنّه عربيّ (1) من بني لَخْم، أبوه موسى بن نُصَيْر الَّلخْمِيّ (2) فاتح الأندلس المشهور، وكان والياً على إفريقيّة والمغرب من أواخر سنة خمس وثمانين الهجرية (704 م) أو أوائل سنة ست وثمانين الهجريّة (705)، كما شغل عدة مناصب إدارية وقياديّة قبل ذلك، تدلّ على أنّه كان قريباً من بني أُميّة ومَن يعمل معهم في الإدارة والقيادة.
ولم يكن جَدُّه نُصَير، بعيداً عن مراكز السّلطة في الإدارة والقيادة أيضاً، وأصله من سبايا بلدة عَيْن التّمر (3) الذين سباهم خالد بن الوليد سنة اثنتي عشرة الهجرية (633 م)، فقد وجد خالد أربعين غلاماً يتعلّمون الإنجيل، عليهم باب مغلق، فكسره عنهم وقال:"وما أنتم؟! "، فقالوا:"رُهُن! "، منهم نُصَير أبو موسى بن نُصَير، فقسّمهم خالد في أهل البلاد (4)، فأصل عبد العزيز من عين التّمر (5). وقد أعتق نُصيراً بعضُ بني أُميَّة، فرجع إلى الشَّام (6)، ثم أصبح من حرس معاوية بن أبي سفيان (7) رضي الله عنه، ثمّ أصبح على حرس معاوية (8)، وعلى جيوشه (9)، وكانت منزلته عند معاوية
(1) البلاذري (248) والنجوم الزاهرة (1/ 235).
(2)
أنظر سيرته المفصلة في كتابنا: قادة فتح المغرب العربي (1/ 221 - 309).
(3)
عين التّمر: بلدة قريبة من الأنبار (مدينة الفلّوجة على الفرات القريبة من بغداد في غربيها) غربيّ الكوفة، بقربها موضع يقال له: شفاثا، معروف اليوم، أنظر التفاصيل في معجم البلدان (6/ 253).
(4)
الطبري (2/ 577) وأنظر ابن الأثير (2/ 151).
(5)
البداية والنهاية (9/ 171).
(6)
البلاذري (248) ومعجم البلدان (7/ 267).
(7)
ابن خلدون (4/ 187).
(8)
وفيات الأعيان (4/ 402) ونفح الطيب (1/ 224).
(9)
نفح الطيب (1/ 224).
مكينة. ولما خرج معاوية لقتال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، لم يخرج معه نُصير، قال له معاوية رضي الله عنه:"ما منعك من الخروج معي، ولي عندك يد لم تكافئني عليها؟ "، فقال:"لم يمكنِّي أن أشكرك بكفري مَنْ هو أولى بشكري منك! "، فقال:"ومَنْ هو؟ "، فقال:"الله عز وجل"، فأطرق معاوية مليّاً، ثمّ قال:"أستغفر الله"، ورضي عنه (1).
ولا نعلم متى وُلِد، فالمصادر المتيسرة سكتت عن تاريخ مولده، كما سكتت عن أيامه الأولى، ولكنّنا نستطيع أن نستنتج: كيف نشأ وترعرع واستوى على عوده شاباً يشقّ طريقه في الحياة، بالمقارنة مع لِداته في عصره، الذين عاشوا في بيئة مشابهة من الناحية الاجتماعية لبيئته العامّة في مجتمعه العربي الإسلامي، ولبيئته الخاصة في أسرته القريبة من بني أُميّة ذوي الجاه والسّلطة، التي يتولّى فيها أبوه موسى المراكز الإدارية والقيادية المرموقة، والذي كان يتولّى فيها جَدُّه نُصَير المراكز الإدارية والقيادية أيضاً، فهو وأمثاله يُربّون تربية تفيد عقولهم بالعلم وتفيد أبدانهم بالتدريب العسكري، ويخالطون العلماء والقادة والإداريين عن كثب، فيتلقّون منهم عصارة تجاربهم في الحياة، ويتعلّمون منهم كيف يواجهون المعضلات وكيف يجدون الحلول الناجعة لها، فإذا أصبحوا كفاية وعُمْراً قادرين على العطاء، أُعطيت لهم الفُرص لإبداء كفايتهم في ميدان الإدارة أو في ميدان القيادة، أو في الميدانيين معاً، فأما الزَّبَد فيذهب جُفاءً، وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض، فما كلّ مَن عمل في الإدارة لمع في الإدارة، ولا كلّ مَن عمل في القيادة أصبح قائداً فاتحاً.
لقد نشأ عبد العزيز وترعرع وشبَّ في ظروف ملائمة كلّ الملائمة لاستكمال مزاياه الشخصيّة، فأبوه وجدّه من المقربين للبيت الأموي المالك، وظروف والده الإداريَّة والقياديّة بخاصة لا تخلو من مشاكل صعبة، تُعين
(1) وفيات الأعيان (4/ 402) ونفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (1/ 224 - 225).
على التّعلم النظري والتدريب العملي.
وكان التّعليم النّظريّ، لاستيعاب العلوم المتيسّرة السّائدة حينذاك، ميسوراً لأبناء الإداريين والقادة الكبار ولغيرهم من الناس، إذ كان العلماء وقتذاك يعتبرون التّعليم والتّعلم من أجلّ العبادات. لذلك نشأ عبد العزيز ليتعلّم علوم القرآن الكريم والحديث النّبويّ الشَّريف، ويدرس التاريخ والسِّيَر وأيام العرب قبل الإسلام وبعده، ويُتقن علوم الّلغة، ويتلقى فنون الأدب شعراً ونثراً، ويتعلّم الحساب والهندسة وتقويم البلدان.
كما أنّ التدريب العملي بالممارسة، كان ميسوراً له في القضايا السياسية والإدارية والعسكرية، فهو إلى جانب والده الذي كان على المغرب وإفريقية إدارياً وقائداً، وعلى الأندلس إدارياً وفاتحاً، يسمع ويرى كيف تُعطى القرارات الخطيرة وكيف تُعالج المشاكل الصّعبة.
كما تدرّب عملياً على الفنون العسكرية: ركوب الخيل، والرّمي بالسِّهام، والضّرب بالسيوف، والطّعن بالرِّماح، والسباحة، وتحمّل المشاق سيراً وجوعاً وعطشاً، وهو ما نُطلق عليه في المصطلحات العسكرية الحديثة: التدريب العنيف.
ولكنّ هذا التدريب العملي عسكرياً لا يكفي وحده، لأنّه تدريب فَرْدِيّ، فلا بدَّ من تلقِّي التدريب الإجمالي، وهو ممارسة الجهاد جندياً وقائداً في ساحات القتال، ليطبِّق ما تعلّمه من تدريب فرديّ، على القتال بصورة عمليّة، وهذا ما نطلق عليه اليوم تعبير: تطعيم المعركة، إذ لا فائدة من التدريب الفردي إلاّ إذا طُبِّق عملياً في التدريب الإجمالي، وأفضل أنواع التدريب الإجمالي هو القتال الفِعْلِي.
وكما تدرّب على الفنون العسكريّة العملية، تدرّب كذلك على الفنون العسكريّة النّظرية: أساليب القتال، والقضايا التّعبويّة، واختيار المعسكرات، وطرق الدِّفاع والهجوم، والانسحاب والمطاردة، ومعالجة الأمور العسكرية في الميدان، والقضايا الإداريّة. ويبدو لي أنّ هذه الفنون العسكرية النظريّة لم
تكن مكتوبة يومذاك في صفحات أو كتاب كما نعرفه اليوم، كما كانت معروفة بالتجربة العمليّة، يتلقّاها أصحاب الرغبة فيها من الفتيان، من أصحاب الخبرة فيها من المجاهدين والفرسان؛ وكما كان كثير من الآداب والعلوم والفنون، تُحفظ عن ظهر قلب ويلقِّنها العالِمون بها للمتعلمين، كذلك كانت علوم العسكرية وآدابها وفنونها تحفظ عن ظهر قلب، ويلقِّنها العالِمون بها الممارسون لها والمجرِّبون، للمتعلِّمين في المجال النظري والعملي، وبهذا الشكل كانت تسير أمور التّعليم والتدريب العسكريّين في القرن الأول الهجريّ، قبل تدوين العسكريّة العربيّة الإسلاميّة من بعد ذلك كما هو معروف.
وقد طبّق عبد العزيز الفنون العسكريّة النظريّة عمليّاً في ميدان الجهاد، وبذلك جمع التدريب الفنّي النظري والعملي، ووضع معلوماته العسكريّة النظريّة في حيِّز التنفيذ.
ولعلّ مما زاد في فرصه تعليماً وتدريباً، هو تلقّي علومه وتدريباته في كنف والده القائد الإداريّ الّلامع موسى بن نصير، وبخاصة بعد تولّي موسى إفريقيّة والمغرب في أواخر سنة خمس وثمانين الهجريّة، أو في أوائل سنة ست وثمانين الهجرية، حيث شهد فتوح موسى في المغرب، فلما عبر موسى إلى الأندلس في رمضان من سنة ثلاث وتسعين الهجريّة (1)(712 م)، ازدادت فُرص عبد العزيز التعليميّة والتدريبية عملياً في الفتوحات، حتى إذا نضج وأصبح قادراً على تولّي مهام القيادة، ولاّه أبوه موسى منصباً قيادياً، فأضاف بقيادته فتحاً جديداً على فتوح طارق بن زياد وفتوح والده موسى بن نُصير.
(1) ابن الأثير (4/ 215)، وفي فتح مصر والمغرب (280): إنّ موسى خرج إلى الأندلس في رجب سنة ثلاث وتسعين، ويحدِّد الرازي تاريخ خروجه من إفريقيّة إلى الأندلس في رجب سنة ثلاث وتسعين، أنظر نفح الطيب (1/ 259) وكذلك في النجوم الزاهرة (1/ 266)، وذكر عبد الملك بن حبيب أنّ موسى دخل الأندلس في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين، أنظر نفح الطيب (1/ 231).