الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكانت الأمة الأندلسية، تتمتع حتى عصورها الأخيرة بحضارة زاهرة، كانت مثار التقدير والإعجاب في سائر الأمم الأوروبية، وكان يحجّ إليها وإلى معاهدها ومدارسها وجامعاتها العلمية كثير من التلاميذ والطلاب من مختلف أنحاء أوروبا.
وكان الشعب الغرناطي، من أهل السنّة، يدين بمذهب مالك، وهو المذهب الذي غلب على الأمة الأندلسية منذ أواخر القرن الثاني الهجري، أعني منذ عصر هشام بن عبد الرحمن الداخل. ولم تتأثر غرناطة في نزعتها المذهبية ولا تقاليدها الدينية السمحة، بما توالى عليها من سيادة المرابطين والموحدين حيناً من الدهر (1).
طبيعة الصراع بين الأندلس وإسبانيا النصرانية
1 - حرب الاسترداد ومولد مملكة غرناطة
يبدأ بقيام مملكة غرناطة طور جديد من أطوار الصراع يمكن أن نسميه: حرب الاسترداد القومية ( La Reconquista) وقد بدأت إسبانيا النصرانية هذه الحرب منذ منتصف القرن الخامس الهجري، أي حينما انهارت الدولة الإسلامية في الأندلس، وانتثرت إلى عدة دويلات صغيرة متنافسة هي دول الطوائف. وبلغت الأندلس أيام الطوائف من التفرق والضعف مبلغاً عظيماً، حتى لاح لإسبانيا النصرانية أن عهد الدولة الإسلامية أوشك على الزوال، وأن الفرصة قد سنحت لتضرب ضربتها الحاسمة. وكانت مملكة قشتالة تتزعم إسبانيا النصرانية، وتقودها في ميدان الصراع على المسلمين، وكان ملكها الفونسو السادس يعمل بذكاء لاستغلال منافسة الدول الإسلامية وتفرّق كلمتها، ويغلب أميراً على أمير، حتى انتهى بالاستيلاء على مدينة طليطلة من
= Maures) .
(1)
نهاية الأندلس (52 - 65).
يد صاحبها يحيى ذي النون، وذلك في صفر من سنة (478 هـ - أيار - مايو - 1085 م)، وكانت طليطلة أول قاعدة إسلامية عظيمة تسقط في يد إسبانيا النصرانية. ويعتبر بعض الباحثين سقوطها ختام التفوق السياسي للمسلمين في الأندلس، وبدء مرحلة التفوق السياسي لإسبانيا النصرانية. وعلى كل حال فقد كان سقوط طليطلة نذيراً خطيراً للمسلمين في الأندلس، يذكرهم بقوة العدو المتربص بهم، ويحذرهم عاقبة التنابذ والتفرّق، فاجتمعت كلمة أمراء الطوائف يومئذ على الاستعانة بإخوانهم فيما وراء البحر في عدوة المغرب، وكان المرابطون يومئذ قد بسطوا سلطانهم على سائر بلاد المغرب، وبدت دولتهم قوية شامخة، فاستجاب ملكهم يوسف بن تاشفين إلى صريخ الأندلس، وكانت هزيمة إسبانيا النصرانية على يد قوات المغرب والأندلس في معركة الزلاقة (479 هـ - 1086 م) فاتحة حياة جديدة للأمة الأندلسية. ولما اضمحل سلطان المرابطين في الأندلس بعد ذلك بنحو ستين عاماً، خلفهم الموحِّدون في ملك المغرب والأندلس، وأحرز الإسلام على النصرانية نصراً حاسماً في معركة الأرك الشهيرة، التي انتصرت فيها جيوش يعقوب المنصور ملك الموحِّدين على جيوش الفونسو ملك قشتالة (591 هـ - 1195 م)، فانكمشت إسبانيا النصرانية إلى مدى حين، ولكنها عادت فاجتمعت كلمتها تحت لواء الفونسو ملك قشتالة، وسارت الجيوش النصرانية المتحدة إلى لقاء المسلمين بقيادة ملك الموحدين محمد الناصر ولد يعقوب المنصور، فأصيب المسلمون في موقعة العقاب بهزيمة فادحة (609 هـ - 1212 م) وأخذ سلطان الموحدين في الأندلس يتداعى من ذلك الحين، وبدأ مصير الأندلس يهتزّ في يد القدر، ولم تمض مدة وجيزة أخرى، حتى بدأت قواعد المسلمين في الأندلس تسقط تباعاً في يد النصارى: قرطبة (633 هـ)، بلنسية (636 هـ)، شاطبة ودانية (638 هـ)، مرسية (641 هـ)، إشبيلية (644 هـ)، وهكذا سقطت عدة من قواعد الأندلس التالدة، ومنها عاصمة الخلافة القديمة في يد إسبانيا النصرانية في مدة عشرة أعوام فقط، ولقيت