الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - محمد بن يوسف وحوادث أيامه
وخلف يوسف ولده محمد بعد أن دبّر أمره مع الزعماء ورجال الدولة لإقصاء أخيه الأكبر يوسف من العرش، ثم قبض على أخيه يوسف وزجه إلى قلعة شلوبانية الحصينة على مقربة من ثغر المنكب، وشدّد في الحجر عليه حتى يأمن منازعته إياه على الملك، وكان محمد وافر العنف والجرأة بعيد الأطماع، بيد أنه كان في الوقت نفسه أميراً موهوباً، رفيع العزم والشجاعة.
ولأول ولايته استدعى الوزير أبا عبد الله بن زمرك لحجابته. وكان هذا الوزير الطاغية قد خلف أستاذه ابن الخطيب في وزارة الغني بالله مدى أعوام طويلة، فلما اشتد عبثه واستبداده، نكبه الغني بالله، نفاه من الحضرة؛ ولم يمكث في الوزارة هذه المرة سوى أشهر قلائل أساء فيها السيرة، وكثر خصومه، وفي أواخر سنة 797 هـ (1395 م)، دهمه جماعة من المتآمرين بمنزله وقتلوه وآله (1).
وسعى السلطان محمد إلى تجديد صلات المودة والتهادن بين غرناطة وقشتالة، وعقدت الهدنة فعلاً بين الطرفين، بيد أنه لم يمض قليل على ذلك، حتى أغار القشتاليون على بسائط غرناطة وعاثوا فيها، فحشد محمد قواته وغزا ولاية الغرب (2) وخرّبها، واستولى على حصن أيامونتي (3)، وعاد مثقلاً بالغنائم والسّبى. وانتقم النصارى بالعود إلى غزو أرض غرناطة، وكان هنري الثالث ملك قشتالة تحدوه نحو مملكة غرناطة أطماع عظيمة، وكان يجدّ في الأهبة للحرب ويجهِّز الجيوش والأساطيل، وكان محمد من جانبه يتأهب للدفاع، ويراسل ملوك العدوة لإنجاده. وبعث ملك تونس وتلمسان بالفعل
(1) نفح الطيب (4/ 286 و 290).
(2)
ولاية الغرب: غربي الأندلس، وهي بالإفرنجية Algarve محرّفة عن الغرب.
(3)
Archivo general de Simancas: P. R. 11-1.
إلى المسلمين نجدة من الوحدات البحرية، ولكنها هُزِمت ومُزِّقت تجاه جبل طارق. ثم عقد بين الفريقين اتفاق هدنة وتحكيم لتقدير الأضرار لمدة عامين (6 تشرين الأول - أكتوبر 1406 م)(1)، ولكن هنري الثالث توفي بعد ذلك بقليل (أواخر سنة 1406 م) وخلفه على عرش قشتالة ولده خوان (يوحنا) طفلاً تحت وصاية أمه وعمه فرديناند. ولم يحترم الوصي الجديد أحكام الهدنة المعقودة، بل عمد إلى تنفيذ مشاريع قشتالة بمنتهى القوة والعزم، فسار إلى غزو أراضي المسلمين. واستولى على حصن الصخرة على مقربة من رندة، واقتحم حصن باغة (2)، وعاث في تلك الأنحاء، واسترد حصن أيامونتي من المسلمين. وبادر محمد بدوره بغزو أراضي قشتالة من ناحية الشرق وعاث في ولاية جيّان، فاضطر فرديناند أن يسير إلى الشرق لإنجاد النصارى، واستمرت المعارك بين الطرفين حيناً، ثم انتهت بعقد الهدنة بينهما لمدة ثمانية أشهر (أوائل سنة 1408 م). ولما عاد محمد إلى غرناطة، لم يلبث أن اشتد به المرض، فتوفي سنة (811 هـ - 1408 م).
على أنه في الوقت الذي كانت الحرب تضطرم فيه بين غرناطة وقشتالة على هذا النحو بلا انقطاع، كانت غرناطة ترتبط بمملكة أراغون منافسة قشتالة وخصيمها أحياناً، بصلات المودة والصداقة. ففي ربيع الأول سنة (808 هـ - أيلول - سبتمبر - 1405 م) عقدت بين السلطان وبين مرتين ملك أراغون وولده مرتين ملك صقلية، معاهدة صداقة وتحالف، توضح لنا نصوصها الشاملة مجمل المسائل التي كانت في هذا العصر، تشغل المسلمين والنصارى في شبه الجزيرة الإسبانية.
وتنص هذه المعاهدة على أن يعقد بين الدولتين (صلح ثابت)، لمدة خمسة أعوام من تاريخ عقدها، وأنه يحق لرعايا كل من الفريقين أن يتردد على أراضي الفريق الآخر، آمنين في أنفسهم وأموالهم للتجارة والبيع والشراء،
(1) Archivo general de Simancas: P. R. 11-1
(2)
باغة: وهي بالإسبانية Priego