الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قضايا القبائل حلاً جذريّاً، فعاقب الخارجين عليه عقاباً صارماً.
وبذلك استطاع موسى أن يجعل من منطقة القيروان وما حولها، قاعدة أمينة للمسلمين، ينطلق منها موسى وهو أمين على خطوط مواصلاته، لتنفيذ خططه في الفتح متغلغلاً في المغرب الأوسط (1) والمغرب الأقصى (2).
وكان ما أنجزه موسى، تمَّ بمعاونة أولاده، وعلى رأسهم أكبرهم سنّاً: عبد الله (3)، ويبدو أن هذا الفتح الإفريقي، تمّ سنة خمس وثمانين الهجرية، قُبيل وفاة عبد العزيز بن مروان، لأن عبد العزيز توفي سنة خمس وثمانين الهجرية كما هو معلوم، أي سنة (704 م).
2 - في البحر:
أ - في صِقِلِّيَة
(4):
أمر موسى بن نصير بالتأهّب لركوب البحر، وأعلمهم أنه راكب بنفسه، فرغب الناس وتسارعوا، فلم يبق شريف ممن كان معه إلاّ فقد ركب الفُلك.
(1) المغرب الأوسط: من شرقيّ وهران إلى آخر حدود مملكة بجاية، أنظر تقويم البلدان (122)، وأنظر التفاصيل عن المغرب في أحسن التقاسيم (215 - 236) والأعلاق النفيسة (347 - 353) والمسالك والممالك لابن خرداذبة (85 - 93) ومختصر كتاب البلدان (78 - 88) وصفة المغرب (2 - 29) والمسالك والممالك للإصطخري (33 - 38)، وهي جمهورية الجزائر في الوقت الحاضر، أنظر تاريخ المغرب العربي (12).
(2)
المغرب الأقصى: من ساحل البحر المحيط غرباً، إلى تلمسان شرقاً، ومن سبتة إلى مراكش إلى سجلماسة وما في سمتها شمالاً وجنوباً، أنظر تقويم البلدان (122) والمصادر المنوّه عنها في المادة (1) أعلاه، وهي المملكة المغربية في الوقت الحاضر، أنظر تاريخ المغرب العربي (12).
(3)
البيان المغرب (1/ 41) وابن الأثير (4/ 513).
(4)
صقلّية: من جزائر البحر الأبيض المتوسط المعروفة، أنظر التفاصيل في معجم البلدان (5/ 373).
وكان موسى قد مهّد لجهاده في البحر، بالاهتمام بعمران مدينة تُونس، وتوسيع دار الصناعة بها، وشق القناة التي توصل بين الميناء رادِس (1) وبين المدينة، على طول اثني عشر ميلاً، حتى أقحمه دار الصناعة، فصارت مشتى للمراكب إذا هبّت النوار والأرياح، ثم أمر بصناعة مائة مركب (2).
وعقد موسى لواء هذه الغزو لابنه عبد الله، وأمّره على رجالها وولاّه عليهم، ثم أمره أن يتوجه إلى هدفه، وإنما أراد موسى بما أشار من مسيره، أن يركب أهل الجلد والنكاية والشّرف، فسمِّيت هذه الغزوة: غزوة الأشراف. وسار عبد الله بمراكبه، وكانت تلك الغزوة أول غزوة غُزيت في بحر إفريقية (البحر الأبيض المتوسط المقابل لإفريقية)، فأصاب في غزوته تلك صقلية، وافتتح مدينة فيها، فبلغ سهم الرّجل مائة دينار ذهباً، وكان المسلمون ما بين الألف إلى التسعمائة، ثم انصرف قافلاً سالماً، وكان ذلك في سنة خمس وثمانين الهجرية (3)(704 م).
ومن الواضح أن هذه الغزوة كانت غارة من الغارات، ولم تكن فتحاً من الفتوح، ولكنها لم تكن غارة من غارات اقتناص المغانم، كما يتوهم قسم من المؤرخين الأجانب، فقد كانت المغانم ميسّرة في البر الإفريقي - كما رأينا - كما لم يكن المسلمون يومئذ يستهدفون المغانم غاية لهم من الغارات، بل كانت هذه الغارة دفاعية، فلا بد من أن الرّوم قد اتخذوا من صقلية قاعدة أمامية متقدمة لهم، ينطلقون منها للتعرض بالساحل الإفريقي الذي فتحه المسلمون، فكان الموقف العسكري يقضي على حماة تلك المناطق من المسلمين المرابطين على أرضها، أن يدافعوا عنها تجاه التعرّض الرّومي، بصدِّه أولاً،
(1) رادس: البحر الذي على ساحل تونس بإفريقيّة يقال له: رادس، وبذلك سمّي ميناؤها: ميناء رادس. ورادس: اسم موضع كالقرية، أنظر التفاصيل في معجم البلدان (4/ 203 - 204).
(2)
الإمامة والسياسة (2/ 70).
(3)
الإمامة والسياسة (2/ 70 - 71).
وبالهجوم على قاعدة انطلاقه ثانياً. وكان الهجوم. على صقلية أنجع وسائل الدفاع عن الساحل الإفريقي، فليست غارة عبد الله يومئذ على صقلية إلاّ التعرّض بالرّوم الذين اتخذوا منها قاعدة أمامية متقدمة للتعرض بالساحل الإفريقي الإسلامي، وما كان أمام المسلمين من خيار غير تلقين الرّوم فيها، بالغارة عليها درساً لا ينسونه، وقد تولى عبد الله قيادة تنفيذ هذا الدرس على الرّوم في صقلية.
وحين نقول: إن المسلمين يومئذ، لم يكونوا يستهدفون المغانم غايةً لهم من المغارات أو من مختلف أنواع الجهاد، فهذا لا يمنع أن يكون بينهم من يستهدف المغانم، ولكن القاعدة هي أن يكون الجهاد لإعلاء كلمة الله، والاستثناء هو استهداف المغانم، والعبرة بالقاعدة لا بالاستثناء.
وفي سنة سبع وثمانين الهجرية (705 م) أغزى موسى بن نصير ابنه عبد الله بن موسى سردينيا (1)، فافتتح نِوَلَة (2)، وعاد سالماً غانماً (3).
وهذه غارة أخرى على قاعدة الرّوم الأمامية المتقدّمة، ومثل هذه الغارات التأديبية، مفيدة للغاية لحماية المناطق الساحلية من إفريقية، من غارات الرّوم البحريّة، ومن محاولاتهم التعرّضية المستمرة بالمسلمين في تلك المناطق، طمعاً في استعادة إفريقية إلى حكمهم من جديد. وتلك الغارات، لا تقنعهم عملياً بصعوبة الاستعادة حسب، بل تلقِّنهم درساً قاسياً في عقر دارهم وعلى قواعدهم البحرية، وتثبت لهم بالهجوم عليهم لا بالدفاع المُسْتكِن في المناطق المفتوحة، أن محاولات الإستعادة لن تمرّ بدون عقاب صارم، يضع حداً
(1) سردانية: جزيرة في بحر المغرب كبيرة، ليس هناك بعد الأندلس وصقلية أكبر منها، أنظر التفاصيل في معجم البلدان (5/ 66).
(2)
نولة: حصن من أعمال مرسية بالأندلس، أنظر معجم البلدان (8/ 328)، ويبدو أنه حصن من حصون جزيرة سردانية، كما يدلّ على ذلك سياق الخبر.
(3)
النجوم الزاهرة (1/ 216)، وأنظر العبر (1/ 104) وشذرات الذهب (1/ 98) والبداية والنهاية (9/ 77).