الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنه متى احتاج ملك أراغون أو ملك صقلية إلى معاونة على أعدائهما، فإن سلطان غرناطة ينجدهما بأربعمائة أو خمسمائة فارس، على أن يتكلفا هما بنفقاتهم، وذلك بشرط أن لا يكون هذا العدو صديقاً لمملكة غرناطة، وأن يعامل الملكان سلطان غرناطة بالمثل، فيقوما بإعانته بأربعة أو خمسة سفن مشحونة بالرجال والسلاح، على أن يتكفل هو بنفقاتها وعلى ألاّ يكون هذا العدو صديقاً لمملكة أراغون، وألاّ يساعد أحد الفريقين الثوار الذين يخرجون على الفريق الآخر بأي نوع من أنواع المساعدة (1).
4 - يوسف بن يوسف
ولما توفي محمد بن يوسف، خلفه في الملك أخوه يوسف (الثالث)، وكان سجيناً طوال حكمه بقلعة شلوبانية كما ذكرنا، ودخل يوسف غرناطة في حفل فخم، واستقبله الشعب بحماسة. وكان يتمتع بخلال حسنة، ويعلِّق عليه الشعب آمالاً كبيرة. وكان أول ما عُنِي به أن سعى إلى تجديد الهدنة مع قشتالة، فاستجاب بلاط قشتالة إلى دعوته في البداية، وعُقدت الهدنة بين الفريقين لمدة عامين. ولكنه لما سعى بعد مضي العامين إلى تجديدها، أبى القشتاليون، وطلبوا إليه الخضوع إلى قشتالة إذا شاء استمرار السلم، وأنذروه بإعلان الحرب، فرفض وأخذ في الأهبة للقتال. وكان ملك قشتالة يومئذ خوان الثاني تحت وصاية أمّه وعمّه فرديناند، فما كادت تنتهي الهدنة حتى زحف النصارى على أرض غرناطة بقيادة فرديناند الوصي، وضربوا الحصار على مدينة أنتقيرة في شمال غربي مالقة، فهرع يوسف إلى لقاء الغزاة. وحاولت حامية أنتقيرة أن تحطم الحصار وأنزلت بالمحاصرين خسائر فادحة، ثم نشبت بين المسلمين والنصارى معركة كبيرة بجوار أنتقيرة. وبذل
(1) أنظر تفاصيل المعاهدة في: نهاية الأندلس (139 - 140).
المسلمون لإنقاذ المدينة المحصورة جهوداً رائعة، ولكنهم هُزِموا أخيراً، واضطرت المدينة الباسلة إلى التسليم، فدخلها النصارى سنة (1412 م) وأُسبغ على فاتحها فرديناند من ذلك الحين لقب:(صاحب أنتقيرة). وعاث النصارى بعد ذلك في أراضي المسلمين، وأخيراً رأى السلطان يوسف أن يعقد هدنة مع قشتالة حقناً لدماء المسلمين، واجتناباً لاستمرار هذه المعارك المخرّبة، فارتضى بلاط قشتالة، وعقد السلم بين الفريقين، على أن يطلق ملك غرناطة سراح بضع مئات من الأسرى النصارى دون فدية.
وفي عهد يوسف، ثار أهل جبل طارق، ودعَوْا ملك المغرب أبا سعيد المريني إلى احتلال الثغر، لاعتقادهم أنه أقدر على حمايتهم من غارات النصارى، فبعث إليهم أبو سعيد أخاه عبد الله في الجند تخلصاً منه، ولكن ابن الأحمر ما كاد يقف على هذه المؤامرة، حتى أرسل المدد إلى حاكم جبل طارق، واستطاع الغرناطيون أن يهزموا المغاربة في موقعة حاسمة، وأُسِر زعيمهم عبد الله، فأكرم ابن الأحمر وفادته ثم ردّه إلى المغرب وزوّده بالمال وبعض الجنود ليناهض أخاه، فهرعت القبائل لتأييده، واستطاع أن ينتزع الملك لنفسه من أخيه (1).
ولما عقدت الهدنة بين مملكتي قشتالة وغرناطة، أخذت أواصر السلم تتوثق بينهما، وسادت بين بلاط غرناطة وبلاط إشبيلية علائق المودة والاحترام المتبادل، ولم تشهد غرناطة من قبل عهداً كعهد يوسف ساد فيه الوئام بين الأمتين الخصيمتين، وكانت غرناطة يومئذ تغصّ بالفرسان والأشراف النصارى، تجتذبهم خِلالُ أميرها وبهاء بلاطها وفروسيتها، وكانت حفلات المبارزات الرائعة تعقد بين الفرسان المسلمين والنصارى في أعظم ساحات المدينة، وتجري طبقاً لأرفع رسوم الفروسية الإسلامية، ويشهدها أجمل وأشرف العقائل المسلمات سافرات، وتبدو غرناطة في تلك
(1) الاستقصا (2/ 148).