الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأضرمت الثورة في يوم عيد الفطر سنة (708 هـ - 1309 م) ووثب الخوارج بالوزير ابن الحكيم فقتلوه، واعتقلوا السلطان محمداً، وأرغموه على التنازل عن العرش، وتربّع أخوه نصر مكانه في الملك، ونفى السلطان المخلوع إلى حصن المنكب، حيث قضى خمسة أعوام في أصفاد الأسر، ثم أعيد بعد ذلك مريضاً إلى غرناطة، حيت توفى سنة (713 هـ)(1).
ووقف سلطان المغرب على حوادث الأندلس، وبلغه أن أهل سبتة قد سئموا نير الأندلسيين، فبعث إليها حملة بقيادة تاشفين بن يعقوب، فلما وصلت إليها ثار أهل البلد، وطردوا جند ابن الأحمر وعماله، ودخلتها في الحال قوات المغرب واستولوا عليها، وذلك في شهر صفر سنة (709 هـ)، واغتبط السلطان بانتهاء هذه المغامرة التي شغلت بني مرين بضعة أعوام.
3 - نصر بن محمد الفقيه وحوادث أيامه
كان سلطان غرناطة الجديد نصر بن محمد الفقيه يوم جلوسه فتىً في الثالثة والعشرين من عمره، وكان ولوعاً بالأبّهة والمظاهر الملوكية، وكان أديباً عالماً بارعاً في الرياضة والفلك، وقد وضع جداول فلكية قيِّمة، ولكنّه لم يُحسن السيرة، ولم يوفَّق في تدبير الأمور. وسرعان ما سخط عليه الشعب كما سخط على أخيه من قبل، فاضطربت الأحوال، وتوالت الأزمات، وكانت حوادث سبتة نذيراً بتفاقم التوتر بين بلاطي غرناطة وفاس. ومن جهة أخرى، فقد ساءت العلاقة بين غرناطة وقشتالة، وانتهز القشتاليون - كعادتهم - فرصة اضطراب الأحوال في غرناطة، فغزَوْا أرض المسلمين في أوائل سنة (709 هـ)، ووضع فرديناند الرابع ملك قشتالة مشروعاً جريئاً للاستيلاء على جبل طارق. وكانت الإمدادات المغربية قد انقطعت منذ استولى النصارى على طريف، وشُغِل بنو مرين بالحوادث والثورات
(1) الإحاطة (1/ 552 - 564) واللمحة البدرية (48 - 54).
الداخلية، وساءت علائقهم ببني الأحمر. ورأى فرديناند الرابع أن الفرصة سانحة ليضرب ضربته المفاجئة، فغزا الجزيرة الخضراء، وبعث أسطوله لحصار جبل طارق من البحر، وأوعز في نفس الوقت إلى خايمي ملك أراغون أن يحاصر ألمرية لكي يشغل الأندلس، فاستجاب لتحريضه، وذلك بالرغم من معاهدة التحالف والصداقة التي كانت تربطه بسلطان غرناطة. وبدأ حصار ألمرية وجبل طارق في وقت واحد في أوائل سنة (709 هـ)، وبذل النصارى للاستيلاء على ألمرية جهوداً جبارة، ونصبوا على أسوارها الآلات الضخمة، وحفروا في أسفل السور نفقاً واسعاً لدخولها، فلقيهم المسلمون تحت الأرض وردّوهم بخسارة فادحة. ونشبت بالقرب من ألمرية معركة بين جند الأندلس بقيادة عثمان بن أبي العلاء وجند أراغون، فهُزِم النصارى، واضطروا على رفع الحصار، ونجت ألمرية من خطر السقوط (1). ولكن ثغر جبل طارق كان أسوأ حظّاً، فقد شدّد النصارى حوله الحصار من البر والبحر، وبالرغم من هزيمتهم أمام المسلمين على مقربة من جبل طارق، فقد لبثوا على حصاره بضعة أشهر، حتى أضنى الحصار المسلمين وأرغموا على التسليم وسقط الثغر المنيع بيد النصارى في أواخر سنة (709 هـ - مارس سنة 1310 م) فكان لسقوطه وقع عميق في الأندلس والمغرب معاً، فقد كان باب الأندلس من الجنوب، وكان صلة الوصل بين المملكتين الإسلاميتين.
وأدرك ابن الأحمر، على أثر هذه النكبة، فداحة الخطأ الذي ارتكبه بمجافاة بني مرين، فبادر بإرسال رسله إلى السلطان أبي الربيع، يبدي أسفه على ما سلف، ويسأله الصفح والصلح، فأجابه السلطان إلى طلبه. ونزل ابن الأحمر للسلطان عن الجزيرة ورندة وحصونها ترضية له وترغيباً في الجهاد، واقترن بأخت السلطان توثيقاً لوشائج المودّة، فارسل إليه السلطان المدد
(1) ابن خلدون (7/ 240) واللّمحة البدرية (62).
والأموال. وعادت علائق التفاهم والتحالف بين غرناطة وفاس إلى سابق عهدها.
على أن هذا التحسّن في علائق المملكتين الإسلاميتين، لم تثن النصارى عن مشاريعهم تجاه غرناطة، ذلك أن الجيوش المغربية لم تعد تعبر إلى الجزيرة بكثرة، وكانت أحوال المغرب تحول بين بني مرين وبين استئناف الجهاد في الأندلس على نطاق واسع، وكانت أحوال غرناطة من جهة أخرى تشجع النصارى إلى التحرّش بها والإغارة على أراضيها. ولما رأى السلطان نصر تفاقم الأمور واشتداد بأس النصارى، لم ير وسيلة لاجتناب الخطر الذي يهدده سوى مصانعة فرديناند الرابع ملك قشتالة والتعهد له بأداء الجزية. وكان ذلك مما زاد في سوء سيرته وفي سخط الشعب عليه. ولم تلبث أعراض الثورة أن ظهرت في الجنوب، حيث أعلن الرئيس أبو سعيد فرج بن إسماعيل النصري صاحب مالقة وابن عم السلطان، الخروج والعصيان. ورشح الخوارج للملك مكان نصر، أبا الوليد إسماعيل، وهو حفيد لإسماعيل أخي محمد بن الأحمر رأس الأسرة النصرية. ولم يمض سوى قليل، حتى استطاع أبو سعيد وشيعته التغلب على ألمرية وبلّش وغيرهما من القواعد الجنوبية. وفي أوائل سنة (712 هـ - 1313 م) سار في قواته إلى غرناطة، وهرع السلطان نصر إلى لقائه، فكانت الهزيمة على نصر، فلجأ إلى غرناطة، ولكنه لم يلبث أن أذعن واضطر إلى التنازل عن العرش، وسار بأهله إلى وادي آش، وتولى حكمها حتى توفي سنة (722 هـ - 1322 م)(1).
(1) الإحاطة (1/ 393 - 394) والّلمحة البدرية (57 - 63) ونهاية الأندلس (104 - 106).