الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأندلس بين المد والجزر
1 - ولاية محمد الغني بالله وحوادث أيامه
لم تمض ساعات قلائل على مصرع السلطان يوسف أبي الحجاج في صبيحة يوم عيد الفطر سنة (755 هـ) حتى خلفه الملك ولده محمد الملقب بالغني بالله، وكان حَدَثاً يافعاً، فاستأثر بشئون الدولة حاجبه ومولى أبيه من قبل أبو النعيم رضوان، وكانت غرناطة بعد ما توالى عليها من الخطوب والأزمات في أواخر عهد أبيه يوسف، قد تنفست الصعداء نوعاً ما منذ وفاة ملك قشتالة. وكان من بين كتابه ثم وزرائه: لسان الدين بن الخطيب مؤرخ الدولة النصرية وأعظم كتاب الأندلس وشعرائها يومئذ، وكان مولد ابن الخطيب في لوشة (1) من أعمال غرناطة في سنة (713 هـ - 1313 م)، وكان هذا المفكر البارع أحد رجلين عظيمين شغلا يومئذ في المغرب الإسلامي، مركز الصدارة في التفكير والكتابة هما ابن خلدون وابن الخطيب، وقد درس ابن الخطيب اللغة والأدب والطب والفلسفة، وبرز في النثر والنظم، وخدم الدولة منذ حداثته، فتولى ديوان الكتابة للسلطان أبي الحجاج، ثم انتقل إلى خدمة ولده محمد، فلم يلبث أن نال ثقته ورقّاه إلى مرتبة الوزارة، وأوفده بعد ولايته بقليل على رأس وفد من كبار الأندلس سفيراً من قبله، إلى ملك المغرب السلطان أبي عنان المريني (أواخر سنة 755 هـ) يستنصره على مغالبة طاغية قشتالة، ويؤكد بينهما عهد الصداقة والمودّة، جرياً على سنة أسلافه من ملوك بني الأحمر، فاستقبله السلطان بحفاوة، وأنشد بين يديه قصيدة هذا مطلعها:
(1) لوشة: وبالإسبانية Loja، تقع على مسافة خمسة وخمسين كيلو متراً من غربي غرناطة، وهي اليوم بلدة متواضعة، وقد كانت أيام الدولة الإسلامية بلدة زاهرة.
خليفة الله ساعدَ القدرُ
…
عُلاك ما لاح في الدّجى قمر
ودافعت عنك كفُّ قدرته
…
ما ليس يستطيع دفْعه البشرُ
فتأثر السلطان لقصيدته، ووعد بإجابة سائر مطالبه، وهكذا أدّى ابن الخطيب سفارته بنجاح، وكان له من بعد ذلك في حوادث الأندلس أعظم نصيب (1).
وفي أواخر سنة (756 هـ - أواخر سنة 1355 م)، حاول حاكم جبل طارق المريني عيسى بن الحسن بن أبي منديل أن يثير ضرام الثورة، وكانت محاولة خطيرة، ربما أفسحت للنصارى ثغرة يضربون منها الأندلس وجحافل المغرب، ولكن أهل جبل طارق نكلوا عن مؤازرة الثائر، وأخمدت في المهد، وقُبض عليه وعلى ولده، وأُرسِلا مصفدين إلى المغرب، فقضى بإعدامهما، وأرسل السلطان أبو عنان إلى جبل طارق ولده أبا بكر السّعيد، ومعه من الفرسان قوّة، لحماية الثغر وتجديد تحصيناته (2).
وفي أوائل عهد السلطان محمد، شغلت قشتالة بحروبها الداخلية، فأمنت غرناطة شرّ العدوان مدى حين، ولكن الحوادث الداخلية كانت تؤذن بتطورات جديدة. ففي رمضان سنة (760 هـ - 1359 م) نشبت في غرناطة ثورة فقد فيها الغني بالله ملكه، وكان أخوه إسماعيل المعتقل في بعض أبراج الحمراء تؤازره جماعة من الزعماء، وفي مقدمتهم صهره الرئيس عبد الله، وتدعو له سراً، وتترقب الفرص للوثوب بمحمد، وكانت أمه المقيمة بالقصر تؤيد مشاريعه بالسعي والبذل الوفير، وكان السلطان محمد قد تحول بولده إلى سكنى قصر جنّة العريف الواقع شمال شرقي الحمراء، فانتهز المتآمرون ذات مساء فرصة ابتعاده عن دار الملك، وهاجموا حصن الحمراء (28 رمضان سنة 760 هـ) ونفذوا إلى قصر الحاجب رضوان وقتلوه بين أهله
(1) الإحاطة (المقدمة ص: 37) ونفح الطيب (3/ 52) وابن خلدون (7/ 373)، وفيها كامل القصيدة.
(2)
رحلة ابن بطوطة (2/ 184).
وولده، ونادوا بإسماعيل أخي السلطان ملكاً مكانه. وشعر محمد بعقم المدافعة، ففرّ إلى وادي آش. وحاول ابن الخطيب مصانعة السلطان الجديد، فاستبقاه في الوزارة لمدى قصير، ثم ارتاب في نياته وأمر باعتقاله ومصادرة أمواله. وكانت تربط السلطان المخلوع علائق مودّة وصداقة بملك المغرب، السلطان أبي سالم ولد السلطان أبي الحسن. وكان أبو سالم قد لجأ إليه حينما تغلّب عليه السلطان أبو عنان ونفاه إلى الأندلس، فأكرم محمد مثواه. ولما وقعت الفتنة وخلع محمد، رعى له أبو سالم عهد الصداقة والوفاء، وأرسل إلى غرناطة سفيراً يسعى لدى حكومتها، في إجازة السلطان المخلوع ووزيره المعتقل إلى المغرب، فنجح السفير في مهمته، وعاد إلى المغرب ومعه محمد والوزير ابن الخطيب (المحرم سنة 761 هـ). واستقبلهما أبو سالم في فاس أجمل استقبال، واحتفل بقدومهما في يوم مشهود، وأنشده ابن الخطيب قصيدة عصماء، فكان لإنشاده أعظم وقع في النفوس، وتأثر السلطان بها أيّما تأثر (1). ولبث السلطان المخلوع في بلاط فاس حيناً، وتوثقت بينه وبين المؤرِّخ ابن خلدون - وهو يومئذ من أكابر الدولة المرينية - روابط المحبّة والصداقة، وعقدت أيضاً بين المؤرخ وبين قرينه ابن الخطيب أواصر صداقة نمت وتوثقت فيما بعد. وكان محمد بن الأحمر يؤمِّل أن يسترد ملكه المنزوع بمعاونة بيدرو الثاني (بطره) ملك قشتالة تنفيذاً للاتفاق الذي عقد بينهما. ولكنه لم يفعل شيئاً لتحقيق هذا الأمل. والواقع أن ملك قشتالة كان مشغولاً باضطرابات مملكته، فآثر أن يعقد السلم مع سلطان غرناطة الجديد. وفي أثناء ذلك حدث انقلاب لقي فيه السلطان أبو سالم مصرعه، واستبد بالدولة الوزير عمر بن عبد الله فسعى لديه ابن الأحمر ليعاونه في استرداد ملكه، فاستجاب له الوزير. ومازال محمد يدبر أمره بمعاونته، حتى تهيأت الفرصة بوقوع الثورة في غرناطة، ومقتل منافسه السلطان إسماعيل على يد المتغلِّب
(1) الإحاطة (المقدمة ص: 39 - 43)، والّلمحة البدرية (108) وابن خلدون (7/ 306) وما بعدها، وأزهار الرياض (1/ 194 - 195).
عليه الرئيس أبي سعيد، فجاز محمد إلى الأندلس مع وزيره ابن الخطيب، واستولى على غرناطة، وفرّ الرئيس أبو سعيد إلى ملك قشتالة، واسترد محمد ملكه (جمادى الآخرة 763 هـ - 1361 م). ووفد عليه المؤرِّخ ابن خلدون بعد ذلك بقليل، وأكرم مثواه، وأرسله سفيراً عنه إلى بيدرو ملك قشتالة، ليوثق أواصر الصداقة بينهما (765 هـ - 1363 م)، فقصد ابن خلدون بلاط إشبيلية ومعه هدية فخمة، وأدّى سفارته ببراعة، وحظي بعطف ملك قشتالة وإعجابه. ولما اعتزم ابن خلدون العودة بعد أن أتمَّ مهمّته، قدم له ملك قشتالة هدية ثمينة، فسر السلطان محمد لنجاحه، وأقطعه قرية إلبيرة بمرج غرناطة، وعاش مدة في غرناطة معززاً مكرماً (1).
ولم يمض على ذلك قليل، حتى شغلت قشتالة مدى حين بمنازعاتها وحروبها الداخلية، وتمتعت غرناطة خلال ذلك بهدنة قصيرة، وكان بيدرو ملك قشتالة (دون بطره) الملقب بالقاسي الذي خلف أباه الفونسو الحادي عشر في سنة (1350 م) قد غلا باستبداده وقسوته، حتى أنه لم يحجم عن قتل زوجته الملكة بلانش دي بوربون أخت ملكة فرنسا بالسم، ليتزوج من خليلته، فسخط عليه الأمراء والأشراف لما نالهم من عسفه، وخرج عليه أخوه غير الشّرعي الكونت هنري دي تراستمارا، ولد إلينورا دي كزمان، وفرّ إلى فرنسا، وتحالف مع ملكها شارل الخامس، على أن يجمع له جيشاً من المرتزقة يقوده إلى قشتالة، وأشرف على تنفيذ المشروع الدوق دى جسكلان زعيم الفروسية يومئذ. وقاد هنري جيشه إلى قشتالة (1366 م)، فلم يقو بيدرو على مقاومته لاشتداد السخط عليه، وتخلى الشعب عنه، وفرّ إلى ولاية جويين الفرنسية فيما وراء البرنية، واستغاث بالأمير إدوارد ولي عهد انكلترا، وقد كان يحكم هذه الأنحاء المحتلة من فرنسا باسم أبيه، فاستجاب الأمير الإنجليزي لدعوته، وسار معه إلى قشتالة في قواته، واستطاع الكونت هنري
(1) أنظر تفاصيل السفارة في التعريف (7/ 412) طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، والإحاطة (2/ 15).
بمعاونة شعبه، ومعاونة ملك أراغون، أن يحشد جيشاً عظيماً. والتقى الفريقان في (نجارا) في الثالث من نيسان - أبريل (1367 م)، فهُزِم الكونت هنري بالرغم من وفرة جموعه. وقُتِل عدد كبير من جيشه، واسترد بيدرو عرشه. ولكنه لم يف بوعده إلى الأمير الإنكليزي، ولم يؤد إليه الجزية المشترطة، فسخط عليه وارتد بقواته إلى الشمال. وعندئذٍ عادت الثورة إلى الاضطرام في قشتالة، ووثب الشعب ببيدرو مرة أخرى، وعاد أخوه الكونت هنري فغزا قشتالة في أنصاره، ونشبت بين الفريقين في (مونتيل) موقعة أخرى هُزِم فيها بيدرو، وجلس أخوه مكانه على العرش سنة (1368 م)(1)، وكان بين قوات الملك القتيل فرقة من حلفائه المسلمين تعاونه وتذود عنه.
وقد فصّل لنا ابن الخطيب حوادث الحرب الأهلية، في قشتالة في تلك المدة، وكان معاصراً لها وقريباً من مسرحها، وروايته تدل على حسن اطلاعه، ودقة فهمه لسير الحوادث (2).
وتولَّى ابن الخطيب وزارة الغني بالله للمرة الثانية، وهو متمتع بأقصى مراتب العطف والثقة، واستأثر في البلاط وفي الدولة بكل نفوذ وسلطة، وقضى على نفوذ منافسه الوحيد في السلطة وهو شيخ الغزاة عثمان بن يحيى، ومازال بالسلطان حتى نكبه، فخلا له الجو وتبوّأ ذروة القوّة والسلطان. وكان من معاونيه في الوزارة تلميذه الكاتب الشاعر الكبير أبو عبد الله بن زَمرَك، وقد تولى كتابة السر في كنفه وتحت رعايته. والظاهر أن اجتماع السلطان والنفوذ في يد ابن الخطيب على هذا النحو، كان سبباً في انحرافه عن جادة الاعتدال والروية، فجنح إلى الاستبداد واتباع الهوى، وبث حوله معتركاً من البغضاء والخصومة، وكثرت في حقه السِّعاية والوشاية، واتهمه خصومه بالإلحاد والزندقة، لما ورد في بعض كتاباته. وشعر ابن الخطيب في النهاية أن السعاية قد بدأت تحدث أثرها، وأن عطف مليكه قد فتر، وخشي العاقبة على نفسه،
(1) David Hump: History of England، V. 11. P. 202-205
(2)
أنظر التفاصيل في الإحاطة (2/ 24 - 26).
فعوّل على مغادرة الأندلس، وسار إلى الثغور الغربية في نفر من خاصته، بحجة تفقدها، وعبر البحر فجأة إلى سبتة (773 هـ) بتفاهم سابق بينه وبين ملك المغرب السلطان عبد العزيز المريني، وكانت تربطه به مودة وثيقة. وهكذا غادر ابن الخطيب الوطن والأهل والسلطان، بعد أن تربّع في الوزارة في المرة الثانية زهاء عشرة أعوام. وخلفه في الوزارة تلميذه ابن زمرك، وكان قد انقلب عليه في أواخر أيامه، وغدا من خصومه وأشدّهم سعياً إلى نكبته.
وقضى ابن الخطيب في منفاه زهاء ثلاثة أعوام، واستقرّ في فاس معزّزاً مكرّماً. ولكن السلطان عبد العزيز، ما لبث أن توفي، وساءت الأمور في عهد ولده الطفل الملك السعيد، ووقع انقلاب انتهى بجلوس السلطان أحمد بن أبي سالم على العرش، وهو صديق الغني بالله وحليفه، وكان بلاط غرناطة وخصوم ابن الخطيب في الأندلس يجدّون في ملاحقته ومطاردته، فسعوا عندئذٍ في بلاط فاس للقبض عليه واتِّهامه بالزندقة. وكلل مسعاهم آخر الأمر بالنجاح، واعتقل ابن الخطيب، أفتى بعض الفقهاء المتعصِّبين بوجوب قتله تنفيذاً لحكم الدين، ودُسّ عليه بعض الأوغاد، فقتلوه في سجنه، وذلك في أواخر سنة (776 هـ- 1375 م)، وهكذا ذهب الكاتب الشاعر الكبير ضحية الغدر السياسي والتعصب الشائن (1).
وكان ابن الخطيب سياسياً بعيد النظر، وكان يرى في حوادث الأندلس شبح المستقبل الرهيب واضحاً، ويستشف بنافذة بصيرته ما وراء الحجب، من نهاية محتومة لهذا الوطن الذي مزّقته الأهواء وأضنته الفتن، وكان يرى هذا المصير المحزن قبل وقوعه بأكثر من قرن، ويهيب بقومه وإخوانه المسلمين فيما وراء البحر، أن يبادروا إلى غوثه ونصرته، وله في ذلك رسائل ونداءات عديدة مؤثرة تفيض قوّة وبلاغة، في الحثّ على اليقظة، والذود عن الدين والوطن، والنذير بما يهددهم ويهدد وطنهم من خطر المحو والفناء إذا
(1) ابن خلدون (7/ 340 - 341).
تقاعسوا أو تخاذلوا وافترقت كلمتهم (1).
وأبلغ من ذلك كله في الدلالة على شعور ابن الخطيب بخطر الفناء الذي ينتظر الأندلس، ما وجهه في وصيته إلى أولاده من النصح، بعدم الإسراف في اقتناء العقارات بالأندلس، إذ يقول لهم:"ومن رزق منكم مالاً بهذا الوطن القلق المهاد الذي لا يصلح بغير الجهاد، فلا يستهلكه أجمع في العقار، فيصبح عرضة للمذلة والاحتقار، وساعياً لنفسه أن يتغلّب العدو على بلده في الافتضاح والافتقار، ومعوّقاً عن الانتقال أمام النوائب الثقال، وإذا كان رزق العبد على المولى، فالاجمال في الطلب أولى"(2).
وسلك الغني بالله في حكمه مسلك القوّة والحزم، واشتهر بصرامته وعدله، وعنى بمشاريع الإنشاء والعمران، فأمر ببناء المارستان الأعظم (المستشفى) في غرناطة، وأنفق عليه أموالاً عظيمة، وعُنِي بتحصين الثغور، وعمل على بث روح الجهاد والحمية في النفوس للدفاع عن الدين والوطن، وكان داعيته في ذلك وسفيره إلى جمهور الأمة، وزيره القوي البليغ ابن الخطيب، فعمل على إذكاء الشعور ببراعة، واستمرت رسائله وخطبه المؤثرة في ذلك تترى أينما كان، بالأندلس أو المغرب، حتى نهاية حياته.
وفي أواخر سنة (767 هـ - 1366 م)، نظَّم بعض الزعماء الخوارج مؤامرة لخلع السلطان وإقامة بعض قرابته مكانه، وهاجم الخوارج قلعة الحمراء، فمزقتهم الجند، وقبض على زعيمهم، وزاد إخفاق المؤامرة مركز السلطان توطيداً.
وفي عصر الغني بالله، توطدت أواصر الصداقة بين بلاط غرناطة وبلاط
(1) نقل إلينا المقري في نفح الطيب وأزهار الرياض كثيراً من هذه الرسائل، وأنظر الإحاطة (2/ 31 - 39).
(2)
نقل إلينا المقري في نفح الطيب وصية ابن الخطيب كاملة، وهي من أبدع الوصايا الأبوية السياسية (2/ 425) وما بعدها، وكذلك في أزهار الرياض (1/ 32) وما بعدها.
القاهرة، واتصلت بينهما السفارة والمكاتبة (1).
وفيما يختص بالعلائق السياسية، فقد عقد الغني بالله بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن صديقه أبي فارس عبد العزيز سلطان المغرب، مع بيدرو الرابع ملك أراغون معاهدة وصداقة لمدة ثلاثة أعوام من تاريخ عقدها وهو شهر رجب سنة (768 هـ - آذار - مارس - 1367 م) وفيها يتعهد كل من الفريقين بأن يمتنع رعاياه عن الإضرار بالفريق الآخر في البرِ والبحر، في السر أو الجهر، وأن يكون لرعايا كل فريق حق التجول والمتاجرة بأرض الفريق الآخر، والمرور في البحر والبر، دون اعتراض أو مغارم غير عادية، وأن تطلق أراغون حرية الهجرة للمدجنين، وأن يمتنع كل فريق عن معاونة الفريق الآخر (2).
واستطال حكم الغني بالله حتى سنة (793 هـ - 1391 م)، وساد الأمن والسلام في عصره، وشغلت قشتالة عن محاربة المسلمين بأحداثها الداخلية وحروبها الأهلية، وغلب التهادي في تلك المدة بين غرناطة وقشتالة، واستطاعت السياسة الغرناطية أن تنتهز فرصة الحوادث الداخلية في المملكة النصرانية، وأن تمدّ يد التحالف والحماية غير مرة لملك قشتالة المخلوع بيدرو القاسي، إذكاءً للحرب الأهلية بين النصارى.
ولم يخل عصر الغني بالله من مواطن الجهاد واستئناف الصراع على القشتاليين، وكانت القوات القشتالية قد تسربت من أطراف ولاية إشبيلية الجنوبية، إلى أحواز رندة الشرقية، واحتلت فيها موقعين حصينين من أراضي المسلمين هما برغة وجيرة (3)، واستطاعت بذلك أن تقطع الطريق بين رندة
(1) أنظر التفاصيل في: نهاية الأندلس (134 - 135)، ويراجع نص الرسالة في صبح الأعشى (8/ 107 - 115).
(2)
Archivo de la Corona de Aragon ، No. 152.
(3)
برغة هي: ( Burgo) الحديثة، وتقع على مقربة من شرقي رندة. وجيرة هي:( Guera) وتقع جنوب شرقي رندة.