الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
المصطلح الأول ((
…
السِّياق)):
مصطلح السِّياق من أهم المصطلحات في بحثنا هنا، وعلى أساسه سيجري كثيرٌ من النقاش والتأسيس لبعض الجوانب العلميَّة؛ لذلك علينا أَنْ نستوفي كُلَّ الأمور المتعلقة به، ونُثْبِتُها على مُكْثٍ، ليس فقط من حيث التعريف والتحديد لمعناه، بل لا بد أَنْ نتطرق معه إلى:
أتأثير سياق الحال على اللُّغَة / الكلام.
ب اهتمام علمائنا الأقدمين بالسِّياق.
ت مكونات سياق الحال وما يشتمل عليه.
وتنبع أهمِيَّة هذا «الحديث» من أَنَّهُ سيكون «الخلفيَّة العلميَّة» التي تُعِيننا على حسن التَّهَدِّي لموضوعنا، ومنطلقا ننطلق منه ونحتكم إليه ونسير في ضوئه عند بحثنا لدور سياق الحال في التَّقْعِيد النَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه.
• تعريف السِّياق:
إذا تتبَّعنا معنى كلمة «السِّياق context» في المعاجم اللُّغَوِيَّة العامَّة نجد أنَّها تشير إلى معنيين:
أمعنى عام يشمل اللُّغَة وغيرها:
تقول بعض هذه المعاجم إِنَّ السِّياق هو «البيئة أو الظروف أو الحقائق والوقائع المحيطة التي تساعد على إعطاء صورة شاملة عن شيء ما» (1)، أو «تؤثر على شيء ما» (2). أو إِنَّهُ:
«الموقف الذي فيه يحدث شيءٌ ما أو الذي يتسبَّبُ في حدوث شيء ما» (3).
ب ومعنى خاص مرتبط باللُّغَة:
والمعنى الثاني الذي تعطيه المعاجم اللُّغَوِيَّة العامَّة وبعض المعاجم المتخصِّصَة هو معنى مرتبط باللُّغَة خاصة، فتقول: إِنَّهُ «سياق الكلام» (4).
أو «بيئة الكلام ومحيطه وقرائنه» (5)،
(1) ينظر: The Lexicon Webster Dictionary، United States of America،the eighth edition،(1983 printing)،vol.1 P.220
(2)
ينظر: The New Lexicon Webster's Dictionary of the English Language، United States of America، (1996 printing)، P.211
(3)
ينظر: Oxford Word Power Dictionary، 3 rd edition، (2006)، Oxford University Press، P.160
(4)
منير البعلبكي: المورد الحديث، دار العلم للملايين، بيروت، ط 2، ) 2009 (، ص 266
(5)
إبراهيم فتحي: معجم المصطلحات الأدبيَّة، المؤسسة العَرَبِيَّة للناشرين المتحدين، تونس) بدون تاريخ للطبعة (ص 201
أو هو «الكلمات التي تأتي قبل) أو بعد (كلمة أو عبارة أو جملة، وتساعد على فهم معناها» (1).
هذا السِّياق المرتبط باللُّغَة قسمه علماء اللُّغَة المتخصِّصون إلى قسمين:
- سياق لغوي Linguistic context ــ Verbal context .
- سياق غير لغوي contextNon-linguistic) (2) .
أما السِّياق اللغويّ فـ «يتمثَّلُ في الأصوات والكلمات والجمل كما تتتابع في حدث كلامِيّ معين أو نصّ لغوي» (3). فالوحدات الدِّلالِيَّة المكونة لكلام أو نصّ ما «تقع في مجاورة وحدات أخرى وإنَّ معاني هذه الوحدات لا يمكن وصفها أو تحديدها إلا بملاحظة الوحدات الأخرى التي تقع مجاورة لها» (4).
أما السِّياق غير اللغويّ أو سياق الحال Context of situation فإِنَّهُ يعني «الجو الخارجيّ الذي يحيط بالكلام من ظروف وملابسات» (5). أو هو «البيئة غير اللُّغَوِيَّة لكلام ما» (6).
ويُزِيد ديفيد كريستال David Crystal هذا المصطلح إيضاحا في معجمه «A Dictionary Of Linguistics And Phonetics» فيقول: «إِنَّ سياق الحال يشير إلى كُلِّ جوانب هيئة العالم الخارجيّ التي يجب أَنْ تؤخذ في الاعتبار عند تحليل «كلام ما» إلى مستوياته) الأصوات، القواعد الدِّلَالَة (لوثاقة هذه الجوانب بهذا التحليل» (7). ويقول في موضع ثان: «وفي أوسع معنى لسياق
(1) ينظر
Oxford Word Power Dictionary، P.160
(2)
وقد قدم د. أحمد مختار عمر تقسيما آخر للسياق) نقلا عن K.Ammer(ذا أربع شعب:
•
…
السِّياق اللغويّ Linguistic Context .
•
…
السِّياق العاطفي Emotional Context .
•
…
سياق الموقف Situation Context .
•
…
السِّياق الثقافي Cultural Context .
ينظر: علم الدِّلَالَة، ص 69
(3)
د. حلمي خليل: الكلمة دراسة لغَوِيَّة معجميَّة، دار المعرفة الجامعية، ) 1993 (، ص 161
(4)
د. سلوى محمد العوا: الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، دار الشروق، القاهرة، ط 1، ) 1998 (، ص 76
(5)
د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ مدخل، دار الثقافة العَرَبِيَّة، القاهرة، ) 1994 (، ص 83
(6)
The New Lexicon Webster's Dictionary of the English Language، P.211
(7)
Blackwell Publishing، Australia، (2008)، P.109 - 110، ونص ديفيد كريستال هو:
((Context of situation refers to the whole set of external-world features considered to be relevant in the analysis of an utterance at these levels (phonetics، grammar، and semantics)) والترجمة للباحث.
الحال فإِنَّهُ يشمل الخلفيَّة غير اللُّغَوِيَّة لنص أو كلام ما كاملة وبكل ما فيها، ويشمل ذلك الموقف الحالي الذي يستخدم فيه النَّصّ أو الكلام، ووعي المُتَكَلِّم والسامع لما قيل قبلُ، وأَيَّة معتقدات أو افتراضات سابقة خارِجِيَّة» (1). إِنَّ سياق الحال «يمثِّله العالم الخارج عن اللُّغَة بما له من صلة بالحدث اللغويّ أو النَّصّ، ويتمثل في الظروف الاجتِماعِيَّة والنفسِيَّة والثقافيَّة للمتكلم والمشتركين في الكلام أيضا» (2).
والمصطلحات التي تعبر عن السِّياق غير اللغويّ أو سياق الحال كثيرة) (3).
(1) P.109 Ibid ونص ديفيد كريستال: ((In its broadest sense situational context includes the total non-linguistic background to a text or utterance، including the immediate situation in which it is used، and the awareness by speaker and hearer of what has been said earlier and of any relevant external beliefs or presuppositions .. ))
والترجمة للباحث. وتعريف ديفيد كريستال هنا من أهم تعريفات سياق الحال وأشملها.
(2)
د. حلمي خليل: الكلمة دراسة لغَوِيَّة معجميَّة، ص 161
(3)
يمكن أن نقسم هذه المصطلحات إلى قسمين:
•
…
مصطلحات تراثية، ومنها:
1.
…
الحال، ويقصد به ((الأمر الداعي إلى التكلم على وجه مخصوص مع فصاحته)).) ينظر: د. محمد التونجي المعجم المُفَصَّل في الأدب، دار الكتب العلمِيَّة، بيروت، ط 2، (1999)، 1/ 192)
2.
…
مقتضى الحال.
3.
…
واقع الحال (يُنْظَر: د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ مدخل، ص 100)
4.
…
الحال الحاضرة (السيرافي: شرح كتاب سيبويه، ت: رمضان عبد التواب ــ محمود فهمي حجازي ــ محمد هاشم عبد الدايم، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، القاهرة، ط 1، (1989 م)، 2/ 154)
5.
…
المقام، (ويُفْهَم من كلام د. تَمَّام حسان في كتابه ((اللُّغَة العَرَبِيَّة معناها ومبناها)) [عالم الكتب، القاهرة، ط 6، 2009 م] أنَّ هناك فرقا بين ((المقام)) وبين ((الموقف)) وأنَّ المقام أكثر تعقيدا أو أكثر تركيبا من الموقف، يقول سيادته: ((
…
أما نوع المقامات الذي اكتمل فيه الطابع الاجتماعِيّ فهو الذي يتحقق وجود عناصر تجعل المقام مركبا لا بسيطا؛ أي تجعله مقاما لا موقفا)) ص 344، وفي كون المقام أكثر تركيبا أو تعقيدا يقول:
((ويحتم الأصوليون على من يتصدى لاستخراج الأحكام من القرآن أمورا لا ينبغي أن يغفل عنها، هي في الواقع مقام للفهم، فعليه مثلا: أن يعرف أسباب نزول الآيات، وأن يعرف النظم الاجتماعِيَّة عند العرب)) ص 348)
6.
…
البيان (يقول الجاحظ: ((والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يُفضي السامع إلى حقيقته، ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أي جنس كان الدليل، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لأنَّ مدار الأمر والغاية التي يجري القائل والسامع، إِنَّمَا هو الفهم والإفهام، فبأي شيء بلغت الأفهام وأوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان في ذلك الموضع))، ينظر: البيان والتبيين، ت: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي القاهرة، ط 7، (1998 م)، 1/ 76)
7.
…
القرينة (ينظر على سبيل المثال: ابن هشام: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ص 789)
8.
…
القصة والحديث (وهو من المصطلحات التي ذكرها سيبويه في كتابه في المواضع التالية: 3/ 132، 3/ 139، 3/ 170 وينظر أيضا: أبو على الفارسي: التعليقة على كتاب سيبويه، 1/ 106، 107)
9.
…
أحوال المخلوقين وعاداتهم وموضوع جبلتهم (هذه مصطلحات إمام البلاغة عبد القاهر الجرجاني، وقد لفت الانتباه لهذه المصطلحات الأستاذ الدكتور: البدراوي زهران في مقاله ((من قضايا اللُّغَة: وجوب تحليل البناء اللغويّ من خلال مسرح الحدث الذي دار عليه)) مجلة مجمع اللُّغَة العَرَبِيَّة، العدد 50، القاهرة، (المحرم 1403 هـ ــ نوفمبر 1982 م)، ص 98)
•
…
مصطلحات حديثة:
1.
…
مصطلح السياق نفسه) في بعض الأحيان عندما يطلق مصطلح السِّياق بدون أي قيد معه فَإِنَّه قد يقصد به سياق الحال، وهذا ما أشار إليه ديفيد كريستال نفسه عند شرحه لهذا المصطلح في معجمه، يقول ديفيد كريستال: إِنَّ السِّياق في بعض معانيه ــ المعنى الثالث ــ ((يشير إلى الهيئات والمظاهر الخاصة بالعالم غير اللغويّ من حيث ارتباطه بوحدات لغَوِيَّة مستخدمة بطريقة منظمة))، ((3 - A term referring to the features of the non-linguistics world in relation to which linguistic units are systematically used.)) والترجمة للباحث. يُنْظَر: A Dictionary Of Linguistics And Phonetics، P.109 وينظر أيضا: ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللُّغَة، ترجمة: د. كمال بشر، مكتبة الشباب، القاهرة ط 1، (بدون تاريخ للطبعة)، ص 57 (.
2.
…
السياق غير اللغوي.
3.
…
سياق الموقف.
4.
…
السياق الاجتماعي والثقافي (يُنْظَر: د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 44)
5.
…
السياق غير المباشر) يُنْظَر: د. كريم زكي حسام الدين: التحليل الدِّلَالِيّ إجراءاته ومناهجه، دار غريب، القاهرة، ط 1، ) 2000 م (، 1/ 98، ويقول سيادته: ((
…
وقد قسم بعض اللسانيين السِّياقات التي ترد فيها الكلمة إلى ثلاثة أنواع: السِّياق المباشر
…
والسِّياق غير المباشر: تستعمل فيه الكلمة للحديث عن مدلولات غير حاضرة، السِّياق المحول
…
أي الاستعمال المجازي للكلمات))
6.
…
مسرح الحدث اللغويّ Linguistic Theatre) وأول من صك هذا المصطلح أستاذنا د. كمال بشر، يُنْظَر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 87، ودراسات في علم اللُّغَة، دار المعارف، القاهرة، ط 9، ) 1986 م (، ص 57، وكان هذا المصطلح ضمن عنوان لمقال د. بدراوي زهران في مجلة مجمع اللُّغَة ((من قضايا اللُّغَة: وجوب تحليل البناء اللغويّ من خلال مسرح الحدث الذي دار عليه)) مجلة مجمع اللُّغَة العَرَبِيَّة، العدد 50، القاهرة، ) المحرم 1403 هـ ــ نوفمبر 1982 م (.
7.
…
ماجريات الحال (يُنْظَر: د. كمال بشر: دراسات في علم اللُّغَة، ص 100) =
ومن خلال دراسة هذا المصطلح، ودراسة كتاب سيبويه نفسه يمكن تقسيم سياق الحال من حيث «الوقتِيَّة والديمومة» إلى قسمين:
• سياق حال لحظِيّ وقتِيّ عابر.
• سياق حال شبه ثابت، يتمثل مثلا في العرف الاجتماعِيّ والعادات والتقاليد، والخلفيَّة العَقِيدِيّة.
• تأثير سياق الحال على اللُّغَة / الكلام:
من الأمور التي يجب إبرازها ومناقشتها وتسليط الضوء عليها بعد أَنْ انتهينا من تعريف سياق الحال وذكر أهم مصطلحاته ــ تأثيرُ سياق الحال على اللُّغَة / الكلام. وهي نقطة جوهرِيَّة في موضوع بحثنا، تستحق وقفة متأنيَّة بعض الشيء.
وقبل إبراز هذا التأثير ينبغي أولا تسليط بعض الضوء على العلاقة بين اللُّغَة والكلام، تلك الثُّنائِيَّة التي جاءت بها بعض المدارس اللُّغَوِيَّة الحديثة.
فإذا تحَدَّثنا عن تأثير سياق الحال على اللُّغَة؛ فهل يعني هذا إهمال جانب الكلام؟ وإذا تحَدَّثنا عن تأثير سياق الحال على الكلام؛ فهل يعني هذا إهمال جانب اللُّغَة؟ أم أَنَّ حديثنا عن تأثير سياق الحال يعني ضمنا الحديث عن التأثير في هذه الثُّنائِيَّة معًا؟
إنَّ مسَوِّغ هذه المناقشة أَنَّنا سنتحدث عن السِّياق ودوره في التَّقْعِيد والتوجيه النَّحْوِيّين عند سيبويه، وسيتمخض عن هذا بعض النتائج والقواعد، فهل هذه النتائج تتَعَلَّق باللُّغَة أم بالكلام؟
=
8.
…
لسان الحال (ينْظَر: د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 88)
9.
…
ومنها أيضا هذا المصطلح الحديث نسبيا هو التداوُلِيَّة Pragmatics: وهو مصطلح يتناول بالدراسة منطقة تتنازعها علوم ثلاثة: علم الدِّلَالَة Semantics، وعلم اللُّغَة الاجتماعِيّ Sociolinguistics، وعلم سياق الحال Extralinguistic context.) ينظر David Crystal، A Dictionary Of Linguistics And Phonetics، P.379 وهو ((دراسة اللُّغَة لا بوصفها نظاما أو بنية بل على نحو ما تستعمل في المواقف الاتصالِيَّة المختلفة: واقعيَّة أو متخيلة)).) ((المقام في البلاغة العَرَبِيَّة: دراسة تداولية)): د. شكري الطوانسي، مجلة عالم الفكر، العدد 1 ــ المجلد 42 سبتمبر 2013 م، الكويت، ص 61 (فهو بمنزلة ((علم جديد للتواصل، يدرس استعمال اللُّغَة في التواصل، وما يحكم هذا الاستعمال، أو هذا التواصل من عمليات ومعارف لسانية؛ وكل ما يتصل به: أطرافه وصيغه، وأشكاله، ومقاماته، ومراميه، وآثاره، ونجاحه وملاءمته، أوتشويشه، وإخفاقه)) السابق: ص 64
• اللُّغَة والكلام:
لَعلَّ من أهم الأفكار التي أتى بها العالم اللغويّ الفذ فرديناند دي سوسير Ferdinand de Saussure (1) فكرة التفرقة بين «اللُّغَة المُعَيَّنَة) اللسان (Le langue» و «والكلام Le parole» وحدد دي سوسير اللُّغَة المُعَيَّنَة بأنَّها «نظام من الرموز التي يستدعيها حدوث الكلام الفعلي» (2). وهي
«مجموعة القواعد والضوابط اللُّغَوِيَّة المخزونة في ذهن الجماعة صاحبة اللُّغَة المُعَيَّنَة» (3)، وهي «وظيفة جماهير المُتَكَلِّمين في البيئة اللُّغَوِيَّة المُعَيَّنَة» (4).
أما الكلام فهو «الأحداث الفعلِيَّة المنطوقة من الفرد المُعَيَّن في موقف معين» (5). أو هو
«وظيفة الفرد المُتَكَلِّم فعلا، وهو عبارة عن أحداث لغَوِيَّة يُحدثها المُتَكَلِّم وقت الكلام الفعلي» (6)، وإذا كانت اللُّغَة نظاما من رموز صوتيَّة مخزونة؛ فَإِنَّ الكلام «نشاط مترجم لهذه الرموز الموجودة بالقوة إلى رموز فعلية حقيقيَّة» (7).
فاللُّغَة إذن بتصوُّر سوسير ومن تبعه من علماء اللُّغَة المحدثين «ثابتة ومُستقِرَّة نسبيا إذا قورنت بالكلام، وبالرغم من خضوعها للتغيير والتطور فهي تسير في هذا الاتجاه ببطء شديد، كما أَنَّ بعض التغيرات الرئيسيَّة التي تصيب اللُّغَة قد تستغرق أجيالا بل قرونا طويلة» (8). أَمَّا الكلام
«فهو عابر وزائل، وهو شيء ثانوي» (9)، وأَنَّنا «يمكن أَنْ ندرس اللُّغَة دون الكلام» (10).
(1) عالم سويسري، ولد في 26 نوفمبر 1857 م وتوفي في 22 فبراير 1913 م، أحد رواد البنيوية، اعتبر اللُّغَة نظاما من العلامات التي تُحَدِّد فيه كل علامة من خلال العلاقة مع الأخرى، وبعد موته جمع طلابه ملحوظاته في كتاب ((Course in General Linguistics)) . يُنْظَر: Lexicon Universal Encyclopedia، Lexicon Publications، Inc. ،New York، N.Y.، fourth edition، Vol.17 P.97
(2)
ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللُّغَة، ص 30
(3)
د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 44
(4)
السابق: ص 146
(5)
د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 44
(6)
السابق: ص 146
(7)
ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللُّغَة، ص 31
(8)
السابق، ص 30
(9)
السابق، ص 33 ــ 34
(10)
د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 147
ولقد أخرج دي سوسير الكلام من النظر والبحث في إطار علم اللُّغَة و «انصرفت جهوده كلها إلى اللُّغَة تاركا الكلام لقوم آخرين هم علماء النفس» (1). وباستمرار الدراسة بما وضعه من منهج أصبحت اللُّغَة عنده «هيكلا أو بناء أو جهازا منعزلا عن كل ما يحيط به من ظروف وملابسات خارِجِيَّة» (2)، أي أَنَّنا نستطيع أَنْ نُقَرِّر أَنَّهُ لم يكن لدى سوسير نصيب في الدرس اللغويّ الاجتماعِيّ
وبعد سوسير أتى نعوم تشومسكي Noam Chomsky (3)،
وأظهر لنا ما سمَّاهُ بـ «البنية العميقة Deep Structure» و «البنية السطحيَّة Surface Structure» ، ويقصد بهذا «أَنَّ اللُّغَة عنده جانبان: أحدهما ما سمَّاه الكفاية أو القدرة، وثانيهما: أطلق عليه الأداء، وهو في هذا التفريق يقترب مما عناه دي سوسير بالتفريق بين اللُّغَة والكلام ولكن مع فارق دقيق» (4).
وأهم المعالم أو المبادئ التي تميز اتجاه تشومسكي في نظريته اللُّغَوِيَّة هو قيامها على
«إنسان متكلم ــ مستمع مثالي، تابع لبيئة لغَوِيَّة متجانسة تماما، ويعرف لغته جَيِّدا» (5).
(1) السابق، ص 57
(2)
السابق، ص 57
(3)
ولد في فلاديفيا، في 7 ديسمبر 1928 م، أحد أبرز اللغويّين الذين طوروا ما يعرف بالنحو التوليدي، وهو أيضا مراقب سياسي وناقد اجتماعي، من أهم مؤلفاته اللُّغَوِيَّة: اللُّغَة والعقل Language and Mind (1972)، البنية المنطقيَّة للنظريَّة اللُّغَوِيَّة The logical Structure of linguistic Theory (1975) . يُنْظَر:
Lexicon Universal Encyclopedia،Vol.4 P.404
(4)
د. كمال بشر: التفكير اللغويّ بين القديم والجديد، دار غريب، القاهرة، ) 2005 م (، ص 157 ــ 158 ومما يسترعي الانتباه والنظر وجدير بالملاحظة أن ثنائية ((اللُّغَة/الكلام)) أخذت أسماء عدة عند عدد من العلماء مختلفي المشارب وإن كان المضمون واحدا تقريبا؛ فأخذت اسم ((اللُّغَة/الكلام)) عند سوسير وجيوم، و ((نظام الكلام/النص)) في اصطلاح هيلمسلف، و ((القدرة الكلامِيَّة / الأداء الفعلي)) في اصطلاح تشومسكي، و ((مفتاح الكلام code/ والرسالة الفعلِيَّة message)) في اصطلاح رومان ياكوبسن. يُنْظَر: مجدي وهبة ــ كامل المهندس: معجم المصطلحات العَرَبِيَّة في الأدب واللُّغَة، مكتبة لبنان، بيروت، ط 2، ) 1984 م (، ص 96 ــ 97
(5)
السابق: ص 157، ومن اللغويّين أصحاب البصمة الواضحة في مجال علم اللُّغَة العالم بلومفيلد، وهو يعرف المعنى ((بأنَّه عبارة عن الموقف الذي يُنْطَق فيه الحدث اللغويّ المعين، والاستجابة أو رد الفعل الذي يستدعيه هذا الحدث في نفس السامع))، أي أَنَّ بلومفيلد يربط المعنى اللغويّ بالموقف. ويرد أستاذنا كمال بشر على هذا قائلا:
((هذا رأي مقبول، ولكن ليس من المقبول أن ننظر إلى هذا المعنى كما لو كان مجموعة من المثيرات والاستجابات الآلية؛ إذ لا يمكن تجريد الكلام من العوامل الإنسانيَّة، كالدوافع والرغبات التي ينبئ عنها)). [يُنْظَر: ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللُّغَة، ص 67]، وفي مكان ثانٍ ينقد د. كمال بشر بلومفيلد فيقول:((إِنَّهُم على الرغم من كل ذلك اتبعوا المنهج السلوكي في علم النفس في التحليل اللغويّ، ولم يعطوا التنوعات اللُّغَوِيَّة الحادثة من الأفراد اهتماما يذكر، ولم يحاولوا بالطبع الكشف عن علاقة هذه التنوعات بالمجتمع مع اختلاف بيئاته وفئات أو طبقات أفراده أو جماعاته)). [يُنْظَر علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 52]
ثُمَّ ظهرت المدرسة الاجتِماعِيَّة في دراسة اللُّغَة، التي تبحث في اللُّغَة من منظور اجتماعي، بريادة العالم اللغويّ فيرث Firth (1) الذي رأى أَنَّ موضوع علم اللُّغَة هو «اللُّغَة في موقف كلامي فِعْلِي لأَنَّ استخدام اللُّغَة ما هو إلا شكل من أشكال الحياة الإنسانيَّة» (2)، و «أَنَّ دراسة الكلام دون الرجوع إلى المجتمع الذي يتحدَّث به هو استبعاد لاحتمالات وجود تفسيرات اجتماعيَّة للأبنية والصيغ المستخدمة في الكلام» (3).
وأنكرت هذه المدرسة «ثنائية» دي سوسير وتشومسكي، ورأت «أَنَّ الحديث اللغويّ) كلمة أو عبارة أو جملة (وحدة متكاملة لا انفصام لجانبيها؛ ومن ثَمَّ وجب تحليلها على هذا الأساس» (4)، ولم يخطر «ببال الاجتماعِيّين اللغويّين هذه الثُّنائِيَّة بوجهيها نظرا وتطبيقا» و «لم يفرقوا بين اللُّغَة والكلام» (5). وهذا المبدأ نابع من أَنَّ التفرقة بين اللُّغَة والكلام عندهم «ليس له ما يبرِّره من حيث المنطق والواقع؛ إذ هما جانبان لشيء واحد، أو هما مصطلحان يطلقان على مسمّى واحد، وكل منهما اجتماعي وفردي، كل منهما عقلي ومادي، وهما متداخلان إلى درجة يصعب التفريق بينهما فكلام الفرد ليس إلا أسلوبا أو مثلا من كلام الجماعة، وكلام الجماعة ليس إلا حصيلة كلام الأفراد» (6).
والباحث يميل بعض الميل إلى المدرسة الاجتِماعِيَّة في إنكار هذه الثُّنائِيَّة، ويأخذ بمنهجها في دراسة اللُّغَة.
(1) John Rupert Firth أحد كبار علماء اللغويّات، 1890 م ــ 1960 م، مؤسس مدرسة لندن. له تأثيره الواسع على فلاسفة التحليل اللغويّ البريطانيين والأمريكيين المعاصرين، اعتمد في تطوير نظريته اللُّغَوِيَّة على ما قاله مالينوفسكي عن سياق الموقف. يُنْظَر: سامي خشبة: مفكرون من عصرنا، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب ــ مكتبة الأسرة، القاهرة، ) 2008 م (، ص 625
(2)
د. محمد حسن عبد العزيز: مدخل إلى علم اللُّغَة، دار الثقافة العَرَبِيَّة، القاهرة، ) بدون تاريخ للطبعة (،
ص 322
(3)
د. هدسون: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ترجمة: د. محمود عياد، عالم الكتب، القاهرة، ط 3، ) 2002 م (،
ص 16
(4)
ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللُّغَة، ص 25
(5)
د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 44 ــ 48
(6)
ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللُّغَة، هامش ص 34، والكلام للدكتور بشر.
أمّا أَنَّنا نميل بعض الميل للمدرسة الاجتِماعِيَّة في إنكار هذه الثُّنائِيَّة فلأنَّ:
1 ــ اللُّغَة «ظاهرة اجتماعيَّة، وهي ضرب من السلوك الاجتماعِيّ والثقافي» ؛ لذلك «فاللُّغَة لا يمكننا فهمها أو درسها وتحليلها أو تعليمها وتعلمها منعزلة عن سياقها الاجتماعِيّ؛ فالمجتمع بكل ما فيه ومن فيه لا بد أَنْ يؤثِّر في اللُّغَة بكل مستوياتها أصواتا وصرفا ونحوا ودلالة وألفاظا» (1)، والحق ــ كما يقول د. محمود عياد ــ «إِنَّ أَيَّة محاولة لتفسير الظواهر اللُّغَوِيَّة المختلفة دون الرجوع إلى المجتمع ــ وذلك ما قامت به المدرسة التوليدِيَّة التحليلِيَّة بكافة فروعها ــ إِنَّمَا هو محاولة عبثِيَّة تنطوي على مثالِيَّة متطرفة، ولن تؤدي هذه المحاولة إلا إلى إجداب الدراسات اللُّغَوِيَّة، فاللُّغَة سلوك اجتماعي يحدده المجتمع في المقام الأول» (2).
2 ــ وجود علاقة وثيقة بين اللُّغَة والكلام، فـ «الكلام هو ضرب من السلوك الاجتماعِيّ، ودراسته دون الرجوع إلى المجتمع الذي يستخدم فيه تُعَدُّ عملا خطيرا لعلم اللُّغَة ذاته؛ إذ إِنَّ حرمانه من النظرة الاجتِماعِيَّة يعني الحرمان من تفسيرات اجتماعيَّة للأبنية والصيغ المستخدمة فيه، وهي في نهاية الأمر ــ بعد قبولها ــ لا بدَّ أَنْ ترتَدّ إلى اللُّغَة وتصبح جزءا لا يتجزأ من نظامها الذي تدور حوله اهتمامات علم اللُّغَة» (3). إِنَّ من المقرر «أَنَّ الأحداث اللُّغَوِيَّة الفعلِيَّة تقع أولا وبتكرارها ووقوعها مرَّات ومرَّات في سياقاتها الاجتِماعِيَّة تحدث انطباعات لها تستقر في ذهن الجماعة أو الفرد، وتصبح بمثابة الأنماط العامة التي يمكن أَنْ تستدعى وتخرج حقيقة واقعة في التعامل في ظروفها المناسبة. ومهما يكن الأمر فالجانبان مترابطان ومتلازمان وجودا وعدما واستقرارا وتطورا، والتجديد في الأول ــ وهو جانب الطاقة أو القواعد والقوانين ــ يأتي نتيجة للتعديل أو التغيير والتطور في الثاني» (4).
3 ــ إِنَّنَا في البحوث العلميَّة «لا نُفَرِّق بين ما يسمى لغة الفرد ولغة الجماعة؛ إذ أَنَّنا نعُدّ الفرد جزءا من بيئته، وهو ممثل صحيح لها، وهو في كلامه يراعي ــ بطريق شعوري أو لا شعوري ــ النماذج اللُّغَوِيَّة التي تعارف عليها أعضاء المجتمع» (5).
(1) د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 59
(2)
د. هدسون: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 7 التمهيد.
(3)
د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 51
(4)
السابق، ص 219
(5)
السابق، ص 150
4 ــ إنَّ إحدى سهام النقد التي صُوبَت إلى رُوّاد المدرسة البنيوية بعد ذيوعها وانتشارها أنَّهم
وأمَّا ميلنا للمنهج الاجتماعِيّ نفسه فلأَنَّ:
أالأخذ بالمنهج الاجتماعِيّ السِّياقي واعتناق المبادئ التي يقولها «يجعل المعنى سهل الانقياد للملاحظة والتحليل الموضوعي، كما أَنَّ الأخذ به يبعد عن فحص الحالات العقلِيَّة الداخليَّة التي تُعَدُّ لغزا» (2).
ب في مناهج هذه المدرسة «ما يكفل لنا الوصول إلى نتائج صحيحة خالية من الاضطراب والخلط» (3).
ت المدرسة التوليدِيَّة التَّحويلِيَّة تنطلق من مبدأ خيالي «هو افتراض وجود متكلم ــ سامع مثالي غير متأثر بالتنوعات أو الفروق الكلامِيَّة في المجتمع» . ومن الجدير بالذكر أَنَّ تعديلات أُدخلت على نظَرِيَّة تشومسكي وثنائيته، وقد حاولت هذه التعديلات في نهاية المطاف «الربط بين القواعد الجراماتيكية العميقة) التي تمثل الطاقة (والعمليات الاجتِماعِيَّة، وتحققت فيما سُمِّيَ بعدُ بالطاقة الاتصالِيَّة Commutative Competence» (4) .
نخلص مما سبق أَنَّ العلاقة بين اللُّغَة والكلام علاقة وثيقة، فاللُّغَة تؤثِّر في الكلام والكلام يؤثِّر في اللُّغَة، فعلاقة التأثير والتأثُّر علاقة متبادلة بين الطرفين. وعند الحديث عن تأثير لسياق الحال على اللُّغَة يعني هذا ضمنا وجود تأثير على الكلام والعكس بالعكس.
بعد إبراز هذه العلاقة الوطيدة بين اللُّغَة والكلام، نتساءل: هل يمكن أَنْ يكون تأثير السِّياق على هذه العلاقة محل نقاش أو جدل؟ ! نقول إِنَّ تأثير سياق الحال على اللُّغَة / الكلام ليس محل نظر، فهو أمر لاجدال فيه، وهذا ما تتابعت أقوال العلماء على تأكيده على اختلاف مشاربهم واهتماماتهم وتخصصاتهم، وتلك طائفة من أقوالهم الصريحة المباشرة التي تبرز هذا التأثير:
(1) د. نايف خرما، د. علي حجاج: اللغات الأجنبية تعليمها وتَعَلُّمها، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ط 1، ) 1988 م (، ص 32
(2)
د. أحمد مختار عمر: علم الدِّلَالَة، عالم الكتب، القاهرة، ط 5، ) 1998 م (، ص 73
(3)
ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللُّغَة، ص 25
(4)
د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 54، وص 60
••يقول الإمام ابن قيم الجوزية ــ رحمه الله ــ: «السِّياق يرشد إلى تبيين المُجمل، وتعيين المحتمل، والقطع بعدم احتمال غير المراد
…
وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المُتَكَلِّم، فمن أهمله غلط في نظره، وغالط في مناظرته» (1).
••ويذكر ابن جني: «فلو كان استماع الأذن مغنيا عن مقابلة العين مجزئا عنه لما تكلَّف القائل ولا كلَّف صاحبه الإقبال عليه والإصغاء إليه» (2).
• ويشير د. إبراهيم أنيس: «أين هذا الكلام المستقل بالفهم الذي لا نستعين فيه بكلام سبقه ولا بتجارب ماضية ولا بإشارات الأيدي وتعابير الوجوه في كثير من الأحيان؟ » (3).
• ونجد قول د. كمال بشر: «الكلام منعزلا عن مسرحه أو مقامه ضرب من الضوضاء
…
وعزل الكلام عن هذا الموقف الحي يحيله إلى شيء مُشَوَّه ممسوخ» (4).
• ويؤكد د. بدراوي زهران: «اللُّغَة تنبع من واقع حي تتفاعل معه عناصرها المختلفة؛ فتحمل من ظلال هذا الواقع وإيحاءاته عناصر كثيرة تمتزج بعناصر بنيتها الأساسيَّة
…
إنها تنبثق عن أحوال المخلوقين وعاداتهم وما فُطروا عليه في ظاهر أمرهم وموضوع جبلتهم» (5).
• ويقول د. عبد العزيز موافي: «النَّصّ ــ أي نصّ ــ هو رسالة لا يمكن أَنْ تكونَ موجَّهة إلى لا أحد وإلا تحولت إلى فعل عبثي» (6).
(1) بدائع الفوائد: دار التقوى للنشر والتوزيع، القاهرة، ) 2006 م (، 4/ 8، وتشير د. نادية رمضان إلى أن ابن القيم يُعد صاحب نظرية سياق الحال. يُنْظَر: د. نادية رمضان النجار: اللُّغَة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين، دار الوفاء، الإسكندرية، ) بدون تاريخ للطبعة (، ص 213
(2)
الخصائص، ت: محمد علي النجار، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة سلسلة الذخائر، ع 146،
1/ 247، ويقول أيضا في موضع ثان: ((
…
وكذلك إِنْ ذممته ووصفته بالضيق قلت: سألناه وكان إنسانًا! وتزوي وجهك وتقطِّبه، فيغني ذلك عن قولك: إنسانًا لئيمًا أو لحزًا أو مبخلًا أو نحو ذلك.)) 2/ 371
(3)
من أسرار اللُّغَة، مكتبة الأنجلو المصريَّة، القاهرة، ط 7، ) 1994 م (، ص 277
(4)
دراسات في علم اللُّغَة، ص 57 ــ 58
(5)
(من قضايا اللُّغَة وجوب تحليل البناء اللغويّ من خلال مسرح الحدث الذي دار عليه)): د. بدراوي زهران، مجلة مجمع اللُّغَة ع 50، ص 98 ــ 102
(6)
د. عبد العزيز موافي: الرؤية والعبارة: مدخل لفهم الشعر، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب ــ مكتبة الأسرة، القاهرة، ط 1، ) 2010 م (، ص 65
اهتمام علمائنا الأقدمين بالسِّياق:
تجعلنا طِدَةَ العلاقةِ بين اللُّغَة والكلام، وتأكيد العلماء على تأثُّر هذه العلاقة بالسِّياق أَنْ نتساءل: ما مدى وعي علمائنا الأقدمين بتأثير السِّياق على اللُّغَة؟ هل كان وعيهم بهذا التأثير على المستوى النظري فقط أم كان وعيا نظريا وتطبيقا معا؟
ولأهمِيَّة سياق الحال وسلطانه على الكلام لا نتوقَّع أَنْ يغفل عنه علماء أمتنا، وألا تبعد خطورة هذا التأثير وهذا السلطان عن فطنتهم وإدراكهم. وتكفي إطلالة يسيرة على تراثنا لنثبت عمق فهم علمائنا لقضية السِّياق، وإدراكهم لأثره النظري والتطبيقي، وتحكمه في تكوين الدِّلَالَة المستنبطة من النَّصّ. ولم يكن هذا الإدراك مقصورا على فئة من العلماء دون أخرى بل شمل جُلَّ العلماء على اختلاف مشاربهم وتخصُّصاتهم.
ويأتي على رأسهم البلاغيون واللغويُّون وبعض النحاة، ومن إشاراتهم:
- نجد شيخ اللغويّين ابن جني يعقد فصلا في كتابه «الخصائص» بعنوان: «باب مراتب الأشياء، وتنزيلها تقديرا وحكما، لا زمانا ووقتا» ، يتحدَّث فيه عن دور السِّياق فيقول في آخر هذا العنوان:«ومن ذلك ما أقيم من الأحوال المشاهدة مقام الأفعال الناصبة، نحو قولك إذا رأيت قادمًا: خير مقدم؛ أي قدمت خير مقدم. فنابت الحال المشاهدة مناب الفعل الناصب. وكذلك قولك للرجل يُهوي بالسيف ليضرب به: عمرًا، وللرامي للهدف إذا أرسل النزع فسمعت صوتًا: القرطاس والله؛ أي اضرب عمرًا، وأصاب القرطاس» ) (1).
- ونجد ابن هشام عند حديثه عن الفعل المتعدي يقول: «كونه مذكورا هو الأصل
…
وقد يضمر جوازا إذا دَلَّ عليه دليل مقالي أو حالي؛ فالأول نحو: {قَالُوا خَيْرًا} النحل: 30؛ أي أنزل ربنا خيرا بدليل {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} النحل: 24، والثاني: نحو قولك لمن تأهَّب لسفر:
«مَكَّةَ؟ » بإضمار «تريد» ، ولمن سدَّد سهما:«القرطاسَ» ؛ بإضمار تصيب») (2).
- وها هو ذا الإمام السيوطي يقول في كتابه المختصر «جمع الجوامع» عند حديثه عن أقسام
«أل» وأنواعها ما نصه: «فإنْ عُهِد مصحوبها بحضور حسِّي أو علمي فعهديَّة، ويَعْرِض فيها الغَلَبة واللمح، وإلا فجنسيَّة؛ فإنْ لم يخلفها كل فلتعريف الماهيَّة، أو خلفها حقيقة فللشمول» ، ثُمَّ يشرح قوله هذا في كتابه «همع الهوامع» فيقول: «أل نوعان: عهديَّة وجنسيَّة
(1) الخصائص: ا/264
(2)
شذور الذهب في معرفة كلام العرب: ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، ) بدون أَيَّة بيانات أخرى (،
ص 214
فالأولى ما عهد مدلول مصحوبها بحضور حسي؛ بأن تقدم ذكره لفظا فأعيد مصحوبا بأل نحو: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} المزمل: 15 - 16، أو كان مشاهدا، كقولك: القرطاس لمن سدَّد سهما أو، علمي بأن لم يتقدم له ذكر ولم يكن مشاهدا حال الخطاب نحو {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} التوبة: 40») (1). فالإمام السيوطي يستعين هنا بالسِّياق لكي يحدد دلالة «أل» .
- وإمام البلاغيين عبد القاهر الجرجاني إمام اللُّغَة في عصره، والنَّحْوِيّ المفتن في العربِيَّة ونحوها الذي تُشَدُّ إليه الرحال طلبا لِلُّغَة والنحو، والذي برع في مجال النحو التقليدي ومجال التفسير ــ يرى أَنَّ «التحليل العلمي المنصف للبناء اللغويّ لا يتم إلا من خلال مسرح الحدث الذي دار عليه» (2). وأنه يجب مراعاة أحوال المخلوقين، وأنَّ «التأويلات النحوِيَّة المنبثقة عن التقديرات العقلِيَّة فقط تغفل طبيعة اللُّغَة، وتسيئ إلى فهمها إساءة شديدة» (3).
وينبِّه النُّحَاة إلى أَنَّ «بعض التأويلات النحوِيَّة التي تعتمد على الجانب العقلي المحض دون تدخل في اعتبار واقع اللُّغَة وحال المخاطبين قد تقود إلى عظيم وهو الكفر» (4).
- ومن أئمة اللُّغَة والنحو والبلاغة والتفسير نجد الإمام الزَّمَخْشَرِيّ يعتبر السِّياق ويشير إليه إشارات صريحة في تفسيره؛ فيقول مثلا: «فإنْ قلت: هل يصحُّ: ربح عبدك وخسرت
(1) السيوطي: همع الهوامع، ت: عبد الحميد هنداوي، المكتبة التوفيقية، القاهرة، ط 1، ) بدون تاريخ
للطبعة (، ا/258
(2)
(من قضايا اللُّغَة وجوب تحليل البناء اللغويّ من خلال مسرح الحدث الذي دار عليه)): د. بدراوي زهران، مجلة مجمع اللُّغَة ع 50، ص 104
(3)
دلائل الإعجاز، ت: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، ط 3، ) 1992 م (، ص 240 ــ 241 وص 416
(4)
(من قضايا اللُّغَة وجوب تحليل البناء اللغويّ من خلال مسرح الحدث الذي دار عليه)): د. بدراوي زهران، مجلة مجمع اللُّغَة ع 50، ص 108، يقول عبد القاهر على سبيل المثال، ص 379، عند تحليله لقوله تعالى {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} [النساء: 171] D: ((
…
وذلك أنَّهم قد ذَهبوا في رفْع ((ثلاثةٍ)) إلى أنها خبرُ مبتدأ محذوفٍ، وقالوا: إنَّ التقديرَ: ((ولا تقولوا آلهتُنا ثلاثةٌ))؛ وليس ذلك بمستقيمٍ. وذلك أنَّا إذا قلْنا: ((ولا تقولوا آلهتُنا ثلاثةٌ))، كان ذلك ــ والعياذُ بالله ــ شبيه الإثباتِ أنَّ ههنا آلهةً، من حيثُ إنَّكَ إذا نفيْتَ، فَإِنَّما تَنفي المعنى المستفادَ من الخَبر عن المبتدأ، ولا تنفي معنى المبتدأ،
…
[ونكون] قد نفَيْنا أَنْ تكونَ عِدَّةُ الآلهة ثلاثةً، ولم تنف أَنْ تكونَ آلهةً)).
جاريتك، على الإسناد المجازى؟ قلت: نعم؛ إذا دَلَّت الحال. وكذلك الشرط في صحَّة: رأيت أسدًا، وأنت تريد المقدام إِنْ لم تقم حال دالة لم يصح») (1).
• السِّياق كقرينة:
ونجد أيضا في تراثنا النَّحْوِيّ حديثا عن السِّياق من خلال الحديث عن «القرائن» ، فمن يتأمَّل تعريف القرينة يلمح ثَمَّة علاقة بينها وبين السِّياق، فالقرينة هي «الدِّلَالَة اللفظِيَّة أو المعنوِيَّة التي تُمَحِّضُ المدلولَ وتصرفه إلى المراد منه، مع منع غيره من الدخول فيه» ) (2). وفي تعريفات الجرجاني: «القرينة ــ في الاصطلاح ــ أمر يشير إلى المطلوب، وهي إما حالِيَّة أو معنوِيَّة أو لفظِيَّة» ) (3).
وقد اهتَمَّ النُّحَاة وغيرهم من العلماء بالقرائن؛ وذلك لأَنَّ القرينة تعتبر «تُكَأَةً» يُتَّكَأُ عليها عند تحليل النصوص، فهي «عنصر مُهِمّ لفهم الجملة، فبها نعرف الحقيقة من المجاز، ونعرف المقصود للألفاظ المشتركة، ونعرف الذكر والحذف، وخروج الكلام عن ظاهره، وما إلى ذلك مما يحتمل أكثر من دلالة» ) (4)؛ لذلك نجدهم يردِّدون مصطلح القرينة والقرائن في كتبهم، من ذلك مثلا:
• قال ابن مالك: «ويحذف الخبر جوازا لقرينة» ) (5). وقال: «ومن القرائن المُحَسِّنَةِ لحذف المبتدأ وجود فاء الجزاء داخلة على ما لا يصلح أَنْ يكون مبتدأ، كقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} فصلت: 46؛ أي: فصلاحه لنفسه، وإساءته عليها. فحذف المبتدأ لهذه القرائن وأشباهها جائز» ) (6).
• وقال ابن يعيش: «اعلم أنّ الحال قد يُحذف عاملُه إذا كان فعلًا وفي الكلام دلالةً عليه، إمّا قرينةُ حالٍ، أو مَقالٍ» ) (7).
(1) الكشاف: 1/ 69، وينظر أيضا تفسيره لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 21، 1/ 84، وينظر هناك كيف استدعى مع تلك الآية مسرحا لغويا مُتَخَيَّلًا لتفسيرها.
(2)
د. محمد سمير اللبدي: معجم المصطلحات النَّحْوِيَّة والصَّرْفِيَّة، ص 186
(3)
التعريفات، ص 223
(4)
د. فاضل السامرائي: الجملة العَرَبِيَّة والمعنى، دار ابن حزم، لبنان، ط 1، ) 2000 م (: ص 59
(5)
شرح تسهيل الفوائد، 1/ 275
(6)
شرح تسهيل الفوائد، 1/ 287
(7)
شرح المُفَصَّل، 2/ 32
• وقال الصَّبَّان في حاشيته: «والصحيح أَنَّ الاستثناء حقيقة في المتصل مجاز في المنقطع لتبادر المتصل منه إلى الفهم عند التجَرُّد عن القرائن» ) (1).
وقد قام الأستاذ الدكتور تَمَّام حسان ــ رحمه الله ــ بوضع نظَرِيَّة للقرائن، وقام بتقسيمها إلى القرائن المَادِيَّة، والقرائن العقلِيَّة، وقرائن التعليق، وقسم هذه الأخيرة إلى: مقالِيَّة) معنوِيَّة / لفظِيَّة (وحالِيَّة (2). وفي مقال في مجلة فصول أشار د. تَمَّام إلى أصناف من القرائن، وهي:
أالقرائن اللفظِيَّة: البنية، الإعراب، الربط، الرتبة، المطابقة، التضام.
ب القرائن المعنوِيَّة: التي هي أصول الوظائف النحوِيَّة.
ت القرائن الحالِيَّة: كأنواع الانفعالات، وتقطيبات الوجه، وطريقة الأداء الصوتي والإشارات.
ث القرائن الخارِجِيَّة: وهي ما يسمونه Context of Situation أو الظروف التي صاحبت إنتاج النَّصّ، ومنها أسباب نزول الآيات القُرْآنِيَّة، وذكر الظروف التي قيلت من أجلها القصيدة) (3).
وفي أكثر من موضع أشار د. تَمَّام إلى أَنَّ قرينة السِّياق «هي كبرى القرائن اللفظِيَّة» ) (4)؛ وذلك لأَنَّ «الكلام وهو مجلى السِّياق لا بُدَّ أَنْ يحمل من القرائن المقالِيَّة «اللفظِيَّة» والمقامية
«الحالِيَّة» ما يعيِّن معنًى واحدًا لكل كلمة. فالمعنى بدون المقام «سواء أكان وظيفيًّا أم معجميًّا» متعدد ومحتمل؛ لأَنَّ المقام هو كبرى القرائن، ولا يتعيّن المعنى إلّا بالقرينة») (5).
وإذا نظرنا إلى علاقة القرينة بالسِّياق نجد أَنَّ مصطلح القرينة أعم والسِّياق أخصُّ، أي أَنَّ السِّياق قرينة من القرائن؛ وقد جعل د. فاضل السامرائي السِّياق القرينة الخامسة في التقسيم التفصيلي للقرائن الذي ذكره في كتابه «الجملة العربِيَّة والمعنى» ) (6).
(1) حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفِيَّة ابن مالك، 2/ 210
(2)
د. تَمَّام حسان: اللُّغَة العَرَبِيَّة معناها ومبناها، ص 190
(3)
ينظر مقال: اللُّغَة والنقد الأدبي، د. تَمَّام حسان، مجلة فصول، مجلة النقد الأدبي، المجلد الرابع، العدد الأول 1983 بعنوان: النقد الأدبي والعلوم الإنسانيَّة، الهيئة المصريَّة العامة للكتاب، ص 127
(4)
اللُّغَة العَرَبِيَّة معناها ومبناها، ص 148
(5)
السابق، 39
(6)
ص 63، وأشار سيادته في نفس الموضع إلى أن هناك فرقا بين السِّياق والمقام ولَكِنَّهما قد يتداخلان،
فـ ((السِّياق هو مجرى الكلام وتسلسله واتصال بعضه ببعض. وأما المقام فهو الحالة التي يقال فيها الكلام، وذلك كَأَنَّ يكون المقام مقام حزن وبكاء أو مقام فرح وسرور
…
)).
تلك كانت اقتباسات من بعض اللغويّين والبلاغيين والنُّحَاة توضح أَنَّ السِّياق كان حاضرًا لديهم مطبَّقًا في إنتاجهم العلمي) (1).
إِنَّ إثبات هذا الحضور يمهِّد الطريق لبحثنا هنا وغيره من الأبحاث التي تحاول فحص العلاقة بين السِّياق واللُّغَة واستشفافها، ويعطيه مسَوِّغا ومشروعيَّة للمضي فيه.
ونحبُّ أنْ نضيف أن سياق الحال ــ باعتباره ملمحًا اجتماعيًّا ــ يمكن أَنْ «يُعَدُّ أصلا يضاف إلى أصول نظَرِيَّة النُّحَاة العرب، فإِنَّهُ أصل مستأنس لديهم باطراد، مستشعَر في تحليلاتهم على نحو يمثل استخراجه إحياء لأصل من أصولهم صدروا عنه، وإن لم يصرحوا به» (2). إِنَّ للنحاة واللغويّين العرب «اتجاها اجتماعيًّا في النظر اللغويّ، وأنَّ المقام) أو سياق الحال (يمثل ركنا مهمًّا من أركان هذا الاتجاه» ، وأنَّهُم في جملة أعمالهم «كانوا يعتمدون على الأخذ من الكلام الحي المنطوق، والكلام بهذه الصفة لا يتصور وقوعه أو حدوثه إلا في مسرح لغوي متكامل الجوانب من مرسل ومتلق وظروف وملابسات متعلقة بموضوع الحديث» (3).
في نهاية هذا المطاف يحقُّ لنا أَنْ نقول ونقرِّر مطمئنين تلك الحقيقة ألا وهي أَنَّ السِّياق كان له من السلطة والسلطان قولا وفعلا، نظرا وتطبيقا على الكلام ونصوصه عند علمائنا؛ وهذا ما يجعلنا نقول بحق أَنَّهُ لا نصّ بدون سياق.
• مكونات سياق الحال وما يشتمل عليه:
من المنطقيّ أَنْ يتبادر إلى الذهن بعد التأكيد على أهمِيَّة السِّياق وأثره على اللُّغَة أسئلة مُهِمَّة وهي: إذا كان السِّياق بهذه الأهمِيَّة وأنَّه محيط الكلام الذي يتحكم فيه وفي عناصره ــ كما يقول ديفيد كريستال ــ فما مكونات هذا السِّياق؟ وما العناصر التي يشتمل عليها؟ وما طبيعتها؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة ستعيننا ولا شك في مناقشة موضوع بحثنا، وتمكننا بدقَّة من معرفة العناصر التي اعتمد عليها سيبويه في التَّقْعِيد والتوجيه النَّحْوِيّين.
بعد استقصاء مصطلح السِّياق في عدد من المصادر والمراجع يمكن القول إِنَّ أهم العناصر التي يتكون منها السِّياق هي:
1 ــ المُتَكَلِّم: ويتعلق به:
(1) نوضح هنا أن الاهتمام بالسِّياق لم يكن مقصورا فقط على علماء اللُّغَة والبلاغة والنحو بل شمل طوائف أخرى من العلماء: علماء الكلام، والأصول، والمفسرين، وشراح الحديث والشعر.
(2)
د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 66
(3)
السابق: ص 67، وينظر أيضا للأهمِيَّة الصفحات: 69، 79، 81، 88، 87، 98، 105، 107
أعاطفته ومشاعره وحالته النفسِيَّة: الحَنَق أو العقاب أو التهديد أو الغضب أو الرضا أو التشجيع أو القبول أو الدهشة (1)، وبما تحدِّثُه نفسه) (2).
ب النبر وما تواكبه من تلوينات صوتيَّة.
ت درجة الصوت من ارتفاع وانخفاض وما يرتبط بهذا أو ذاك من تلوين موسيقى الكلام التنغيم (3)، وإيقاعه (4)، والتأفُّف والفحفحة والتأَوُّه وأصوات الشفتين المختلفة (5)، وضغط المُتَكَلِّم على بعض أجزاء كلامه أو مقاطعه أو حروفه، ونوع سكتاته ووصلاته وهمساته وسرعته في الكلام أو بطئه (6)، والشدة التي يركزها على هذه الكلمة أو تلك (7). ونوع الأصوات) (8).
ث كونه ذكرًا أو أنثى (9).
ج درجة انتباهه وتركيزه العقلي فيما يقول) (10). قدرته على التذكر) (11).
ح إلى من يُتَوَجَّه بالحديث إذا كان المخاطَبون كثيرين) (12).
(1) د. رمضان عبد التواب: المدخل إلى علم اللُّغَة ومناهج البحث اللغويّ، ص 141
(2)
ينظر: سيبويه: الكتاب، 1/ 282
(3)
د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ، ص 194
(4)
ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللُّغَة، ص 92
(5)
د. تَمَّام حسان: اللُّغَة العَرَبِيَّة معناها ومبناها، ص 353
(6)
(من قضايا اللُّغَة وجوب تحليل البناء اللغويّ من خلال مسرح الحدث الذي دار عليه)): د. بدراوي زهران، مجلة مجمع اللُّغَة ع 50، ص 114، ويشير الدكتور أحمد مختار عمر في كتابه:((أخطاء اللغة العربية المعاصرة))، ص 40، في الحاشية ذات الرقْم 3 ما نصه:((يشير معدل السرعة إلى عدد الأصوات خلال فترة زمنية معينة، عادة ما تكون الثانية، ولمعدل السرعة أثر كبير على تحسين الاتصال، ويتناقص الوضوح والاستيعاب حينما تتجاوز السرعة المعدل المعتاد)).
(7)
د. رمضان عبد التواب: المدخل إلى علم اللُّغَة ومناهج البحث اللغويّ، ص 142
(8)
سيبويه: الكتاب، 1/ 257
(9)
د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ: ص 197، يقول ابن جني في اللمع في العَرَبِيَّة:((اعْلَم أَن الندبة إِنَّمَا وَقعت فِي الْكَلَام تفجعًا على الْمَنْدُوب وإعلامًا من النادب أَنه قد وَقع فِي أَمر عَظِيم وخطب جسيم وَأكْثر من يتَكَلَّم بهَا النِّسَاء وعلامتها ((يَا)) و ((وَا)) لَا بُد من أَحدهمَا))، ص 120
(10)
ينظر: سيبويه: الكتاب، 1/ 152
(11)
سيبويه: الكتاب، 4/ 216
(12)
سيبويه: الكتاب، 1/ 254
خ توقُّع ما يرد على ذهن المخاطب) (1).
د إشارات اليدين والإيماءة وتعبيرات الملامح وغمزات العينين ورفع الحاجب وهز الرأس (2).
ذ ما يوجد في المُتَكَلِّم من عيوب وعاهات) (3).
ر العقيدة التي يؤمن بها) (4).
ز الفترة الزمنية المتاحة للمتكلم) (5).
س العلاقة بين المُتَكَلِّم والمخاطب وسبق المعرفة بينهما) (6).
2 ــ السامع والمخاطب:
أمن يشهد الكلام والمشاهدون وأعمالهم (7)، وكيفية رد المُتَكَلِّم على الخطاب (8).
ب وما يصحبهم من إشارات اليد أو النظرات ذات الدِّلَالَة بالعين أو هَزّ الكتفين أو التصفيق والغمغمة ومصِّ الشفاة (9)، أو استجابة ورفض أو اشمئزار أو سخرية أو ضحكة أو غمزة ولمزة.
ت والمستوى العلمي والثقافي الذي عليه المُتَكَلِّم، فكلامنا للمتعلِّمين لن يكون بنفس الصورة للعامَّة، وكلامنا لمن هم في المراحل العمرية الأولى لن يكون بنفس أسلوب كلامنا للمراحل
(1) سيبويه: الكتاب، 2/ 14 في باب المعرفة من النكرة والنكرة من المعرفة.
(2)
من الدلالات التي تحدث عنها البلاغيون ((دلالة الإشارة)) وهي ((من دلالات المعاني الخمس التي ذكرها الجاحظ، وقال إنها باليد وبالرأس وبالعين والحاجب والمنكب إذا تباعد الشخصان، وبالثوب وبالسيف، وقد يتهدد رافع السيف والسوط؛ فيكون ذلك زاجرا ومانعا ويكون وعيدا وتحذيرا. والإشارة واللفظ شريكان، ونِعْم الترجمان هي عنه وما أكثر ما تنوب عن اللفظ وما تغني عن الخط)). ينظر: د. أحمد مطلوب: معجم المصطلحات البَلاغِيَّة وتطورها، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط 2، (2007 م)، ص 489
(3)
سيبويه: الكتاب، 1/ 40، وذلك عند قوله:((ألا ترى أنه يجوز للأعمى أن يقول: رأيت زيدًا الصالح))
(4)
سيبويه: الكتاب، 1/ 148 عند مناقشته لقوله تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر: 49
(5)
ينظر: شرح الرَّضِيّ على الكافية، القسم الأول، ص 573 عند الحديث عن أسلوب التحذير.
(6)
سيبويه: الكتاب، 2/ 60
(7)
د. كريم زكي حسام: التحليل الدِّلَالِيّ وإجراءاته ومناهجه، 1/ 97 ــ 98
(8)
(من قضايا اللُّغَة وجوب تحليل البناء اللغويّ من خلال مسرح الحدث الذي دار عليه)): د. بدراوي زهران، مجلة مجمع اللُّغَة ع 50، ص 119 ــ 120
(9)
د. كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ ص 87
المتقدِّمة، وكلامنا للمُتَخَصِّصين أو المهتمِّين بأمر ما لن يكون عين كلامنا لغير المتخصِّصِين أو غير المهتمِّين بنفس هذا الأمر) (1).
ث والعقيدة التي يعتنقها المخاطب) (2).
3 ــ البيئة المحيطة بالكلام، وتشمل:
أالأجناس وما تتعارف عليه من نظم سياسية واجتماعيَّة وثقافيَّة وحضارِيَّة وتربوِيَّة (3).
ب الأوضاع الاجتِماعِيَّة والاقتصادية المتصلة بالحدث اللغويّ (4).
ت السِّياق الثقافيّ ومستواه والخلفيَّة المعرفيَّة Background knowledge، والمستوى الاجتماعيّ والثقافة الشعبِيَّة ونسيجها (5).
ث الاعتبارات التاريخِيَّة والجُغْرافِيَّة. وأحوال المخلوقين وعاداتهم وظاهر أمرهم وموضوع جِبِلَّتهم.
ج عدد المشاركين، ومستوى الشكليات أو الرسميات وطبيعة الأنشطة الجارية والدائرة) (6)
(1) ينظر المرجع المهم التالي: Joho E. Warriner، English Compoistion and Grammar ، HBJ، Chicago، Publishers ،1988 ، P 10 ولعَلَّ تأثير السامع والمخاطب في طبيعة الكلام جعل بعض العلماء
((مارتن جوس)) يقوم بمحاولة تقسيم الكلام إلى مستوياته الرسمية المختلفة مستخدما معيارا أسماه ((معيار الرسمية Formality))، فذكر خمسة أقسام نقلها د. نايف خرما في كتابه ((اللغات الأجنبية تعليمها وتَعَلُّمها)) ص 44، فقال: ((1 ــ المستوى الخطابي الجامد: وهو الأسلوب الذي يستخدم في مخاطبة جمهور كبير لا تربطه بالمُتَكَلِّم روابط صداقة أو معرفة حميمية، والذي تنتقى كلماته بعناية كبيرة، وتستخدم فيه أنواع مُعَيَّنَة من الوسائل التعبيرية كالأشكال البَلاغِيَّة المختلفة
…
2 ــ الأسلوب الرسمي: وهو شبيه بالأسلوب السابق، إلا أنه أقل جمودا وحيادا .. 3 ــ الأسلوب الاستشاري: وهو الأسلوب المستخدم في الحوارات الجدية بين الناس
…
4 ــ الأسلوب العادي: وهو الأسلوب المستخدم بين زملاء المهنة والمعارف وبعض الأصدقاء
…
5 ــ الأسلوب الودي الحميم: وهو الأسلوب المستخدم عادة بين أفراد الأسرة الواحدة)).
(2)
سيبويه: الكتاب، 1/ 148
(3)
كمال بشر: علم اللُّغَة الاجتماعِيّ: 56، وينظر أيضا: تَمَّام حسان: اللُّغَة العَرَبِيَّة معناها ومبناها 359 ــ 360
(4)
د. كريم زكي حسام الدين: التحليل الدِّلَالِيّ إجراءاته ومناهجه، 1/ 97 ــ 98
(5)
د. تَمَّام حسان: اللُّغَة العَرَبِيَّة معناها ومبناها، ص 354 ويضيف د. تَمَّام متحدثا عما يشمله سياق الحال وأنَّه يضم:((العلاقات الاجتماعِيَّة والأحداث الواردة في الماضي والحاضر ثم التراث والفلكلور والعادات والتقاليد والمعتقدات والخزعبلات)). اللُّغَة العَرَبِيَّة معناها ومبناها، ص 352
(6)
ينظر: David Crystal، A Dictionary Of Linguistics And Phonetics، P.438 ونص ديفيد كريستال
Number of participants، level of formality، nature of the ongoingactivities.
والترجمة للباحث.
4 ــ الشيء أو الموضوع المُتَحَدَّثُ عنه، فإِنَّنا «نَتَكَلَّم في العادة من أجل أَنْ نبلغ هدفا، هذا الهدف يؤثِّر لا محالة في القول الذي نقول» (1).
5 ــ الظروف والملابسات المحيطة بالكلام) سياق الموقف (، وهذا يشمل: المكان والزمان وأسباب النزول) مع الآيات القُرْآنِيَّة (، والإيقاع (2).
6 ــ طبيعة النَّصّ، فـ «نوع النَّصّ يؤثِّر في دلالته، فإذا كان اللفظ واردا في نصّ شرعي انصرف المعنى إلى الدِّلَالَة الشَّرْعِيَّة» (3).
7 ــ مقدار الفترة الزَّمَنِيَّة المُخَصَّصَة للكلام) (4).
8 ــ أثر الحدث اللغويّ في المشتركين في الكلام والحضور من حيث الإقناع، الفرح، الألم، التصديق، التكذيب (5).
9 ــ الوظيفة الكلامِيَّة: مدح، هجاء، طلب
…
(6). والسِّياق العاطفي والقيمة العاطِفِيَّة (7).
10 ــ سياق التخَصُّص والمهنة، مثل: السِّياق الموسيقيّ، السِّياق الأدبيّ
…
. (8).
(1) د. مصطفى ناصف: اللُّغَة والتفسير والتواصل، ص 12
(2)
د. تَمَّام حسان: اللُّغَة العَرَبِيَّة معناها ومبناها، ص 362
(3)
د. نادية رمضان النجار: اللُّغَة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين، ص 214
(4)
ينظر السيرافي: شرح كتاب سيبويه، 1/ 264 عند قوله: ((
…
وهذا كلام إِنَّمَا هو على قدر عناية المُتَكَلِّم وعلى ما يسنح له وقت الكلام)).
(5)
د. كريم زكي حسام: التحليل الدِّلَالِيّ وإجراءاته ومناهجه، 1/ 97 ــ 98
(6)
السابق: 1/ 98
(7)
السِّياق العاطفي يحدد درجة القوة والضعف في الانفعال؛ مما يقتضي تأكيدا أو مبالغة أو اعتدلا، فكلمة
((يكره)) غير كلمة ((يبغض)) رغم اشتراكهما في أصل المعنى. ينظر: د. أحمد مختار عمر: علم الدِّلَالَة، ص 70 ــ 71، والقيمة العاطِفِيَّة لبعض الكلمات الفلسفِيَّة والسياسيَّة والدينية كالوجودِيَّة، والاشتراكِيَّة والمسيحِيَّة وسارتر وماركس والمسيح
…
، وكذلك الكلمات التي تشير إلى أشياء ماديّة كالكتاب والزجاجة والكرسي بالنسبة لرجل الدين ومدمن الخمر وأستاذ الجامعة. ينظر: د. كريم زكي حسام: التحليل الدِّلَالِيّ وإجراءاته ومناهجه، 1/ 100 ــ 101
(8)
د. سعيد علوش: معجم المصطلحات الأدبيَّة المعاصرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط 1، ) 1985 م (ص 118