المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ حال المتكلم ودوره في التوجيه الإعرابي وإثرائه: - قرينة السياق ودورها في التقعيد النحوي والتوجيه الإعرابي في كتاب سيبويه

[إيهاب سلامة]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ الدراسات السابقة:

- ‌ منهج البحث في أثناء الدراسة:

- ‌ خطة البحث

- ‌تمهيد

- ‌ ترجمة سيبويه

- ‌ الاسم والنشأة والوفاة:

- ‌ أسفاره العلميَّة:

- ‌ شيوخه:

- ‌ منزلة سيبويه العلميَّة:

- ‌ كتاب سيبويه:

- ‌ وقت تأليفه:

- ‌ القيمة العلميَّة للكتاب:

- ‌ منهج الكتاب:

- ‌ أهم المصطلحات المستخدمة في البحث:

- ‌ المصطلح الأول ((…السِّياق)):

- ‌ المصطلح الثاني ((…التَّقْعِيدالنَّحْوِيّ)):

- ‌ المصطلح الثالث ((…التوجيه الإعرابِيّ)):

- ‌ المصطلح الرابع ((…الأصل)):

- ‌ المصطلحات ((…الغالب، الكثير، القليل، الضعيف، الشاذ، الردئ

- ‌الفصل الأول: السياق والمنهج عند سيبويه

- ‌مقدمة:

- ‌المبحث الأول: سيبويه والسِّياق:

- ‌ سيبويه يقوم بالتَّقْعِيدالنَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ من خلال النصوص الحَيَّة المنطوقة:

- ‌اعتبار سيبويه للسياق:

- ‌المخاطب والمُتَكَلِّم أبرز عناصر سياق الحال التي اهتَمَّ بها سيبويه:

- ‌ المبحث الثاني: خطوات إجرائِيَّة ومنهجِيَّة قبل التقيعد النَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه:

- ‌1 ــ تصنيف اللُّغَة إلى تراكيب نمطِيَّة مُجَرَّدة:

- ‌2 ــ الإحصاء العددي للتراكيب النَّمَطِيَّة:

- ‌3 ــ تتَبُّع التركيب اللغويّ المُعَيَّن قيد البحث في السِّياقات المختلفة وربطه بدلالة السِّياق إِنْ وجدت:

- ‌4 ــ معايشة التراكيب اللُّغَوِيَّة في نصوصها المنطوقة:

- ‌الفصل الثاني: دور سياق الحال في التوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه

- ‌1 ــ المبحث الأول: أهمِيَّة سياق الحال في التوجيهات الإعرابِيّة عند سيبويه:

- ‌أوجود تراكيب نحوِيَّة لا يصِحُّ تركيبُها ولا تصِحُّ كينونتُها وبالتالي لا يصِحُّ توجيهها نحويا إلا إذا قامت قرينة من سياق الحال تُصَحِّحُها:

- ‌ب وجود تراكيب نحوِيَّة توجَّه في إطار معرفة قرينة السِّياق:

- ‌ت يستعين به أحيانا في شرح توجيهه:

- ‌ث يفسِّرُ بالسِّياق مَرْجِعِيَّة الضمير:

- ‌ج خطورة عدم الاعتداد بقرينة السِّياق وأثره في التوجيه:

- ‌2 ــ المبحث الثاني: إثراء السِّياق للتوجيهات الإعرابِيّة والدِّلالِيَّة:

- ‌ حال المُتَكَلِّم ودوره في التوجيه الإعرابِيّ وإثرائه:

- ‌ المخاطب ودوره في التوجيه الإعرابِيّ وإثرائه:

- ‌3 ــ المبحث الثالث: تَحَرُّك سيبويه بحُرِّيَّة في توجيهاته النحوِيَّة في حالة عدم اللَّبس:

- ‌الفصل الثالث: دور السِّياق في التَّقْعِيد النَّحْوِيّ عند سيبويه

- ‌المبحث الأول: سياق الحال والجملة الاسمِيَّة:

- ‌ السِّياق والابتداء بالمعرفة:

- ‌ الحذف في الجملة الاسمِيَّة وسياق الحال:

- ‌ قرينة السِّياق والحال النَّحْوِيّ:

- ‌المبحث الثاني: سياق الحال والجملة الفعلِيَّة وما يتعلق بها:

- ‌ سياق الحال يُؤَثِّر في كينونة الجملة الفعلِيَّة أيضا:

- ‌ الترتيب بين العناصر المكوِّنة للجملة الفعلِيَّة:

- ‌ السِّياق وإعمال اسم الفاعل عمل الفعل:

- ‌ نواصب الفعل المضارع:

- ‌ المفعول المطلق:

- ‌ دور قرينة السِّياق في إعمال ظن وأخواتها أو إلغاء عملها:

- ‌ الحذف في الجملة الفعلِيَّة:

- ‌المبحث الثالث: سياق الحال والتوابع:

- ‌ أولا البدل:

- ‌ ثانيا التوكيد:

- ‌ ثالثا النعت:

- ‌ رابعا العطف:

- ‌المبحث الرابع: سياق الحال والأساليب النحوِيَّة:

- ‌1 ــ أسلوب الاستفهام:

- ‌2 ــ أسلوب النفي:

- ‌3 ــ أسلوب التفضيل:

- ‌4 ــ أسلوب النداء:

- ‌5 ــ أسلوب التحذير والإغراء والاختصاص:

- ‌6 ــ أسلوب الاستثناء:

- ‌7 ــ أسلوب القسم:

- ‌8 ــ النصب على التعظيم أو الذم:

- ‌المبحث الخامس: سياق الحال والأدوات النحوِيَّة:

- ‌ المبحث السادس: سياق الحال والتنوين والتنكير والتعريف:

- ‌الفصل الرابع: سياق الحال والقواعد الصَّرْفِيَّة

- ‌ المبحث الأول: سياق الحال ودلالة الفعل الزَّمَنِيَّة والمصادر والمشتقات

- ‌أ - سياق الحال والدِّلَالَة الزَّمَنِيَّة للفعل:

- ‌ج - سياق الحال ودلالة أوزان المصدر:

- ‌ح - سياق الحال ودلالة المشتقات:

- ‌ المبحث الثاني: سياق الحال ومعاني الأوزان الصَّرْفِيَّة:

- ‌الفصل الخامسالسِّياق وسيبويه والنظَرِيَّةالنحوِيَّة

- ‌ المبحث الأول:‌‌ تعريف مصطلح النظَرِيَّة، وأهم خصائص النظَرِيَّةالعلميَّة:

- ‌ تعريف مصطلح النظَرِيَّة

- ‌ أهم خصائص النظَرِيَّة العلميَّة:

- ‌ المبحث الثاني:‌‌ النظَرِيَّة النحوِيَّة السِّياقِيَّة:

- ‌ النظَرِيَّة النحوِيَّة السِّياقِيَّة:

- ‌ نقد نظَرِيَّة العامل:

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المصادر والمراجع

- ‌أولا ـ المصادر والمراجع العربِيَّة

- ‌ثانيا المراجع الأجنبية

- ‌ثالثا: المجلات والدوريات

- ‌ملخص الرسالة

الفصل: ‌ حال المتكلم ودوره في التوجيه الإعرابي وإثرائه:

من قريب أو لا من بعيد، وفي هذا أيضا إشارة من صاحب الكتاب لأهمِيَّة اعتبار الجوانب غير اللُّغَوِيَّة في التوجيه الإعرابِيّ.

وفي النَّصّ الثاني إشارة مُهِمَّة على أَنَّ العلامة الإعرابِيّة لها في حد ذاتها دلالة.

***

ـ‌

‌ حال المُتَكَلِّم ودوره في التوجيه الإعرابِيّ وإثرائه:

يمكن أَنْ ننتقل بالحديث من تأثير السِّياق على التوجيه الإعرابِيّ من دائرة واسعة تشمل السِّياق بكل مكوناته إلى دائرة أكثر تحديدا تختصُّ ببعض عناصر السِّياق، وبالتحديد عنصرين أثبتنا أهميَّتهما قبل، وهما: المُتَكَلِّم، والمخاطب. لقد أكَّدنا في موضع سابق من البحث أَنَّ المُتَكَلِّم والمخاطب كانا من أهم العناصر التي اعتمد عليها سيبويه، وهنا سنُجلي بشكل أوضح دور كل منهما في التوجيه الإعرابي.

من العناصر التي تلعب دورا مهمًّا في إثراء التوجيه الدِّلَالِيّ التي نبَّه عليها سيبويه وأشار إليها مرارا وتكرارا «المُتَكَلِّم» ؛ فهو يلعب دورا مهما في التوجيه الإعرابِيّ، واستطاع سيبويه في نصوص كثيرة إبراز هذا الدور، وأبرز أَنَّ المُتَكَلِّم يلعب دورا في التوجيه الإعرابِيّ من خلال:

أإمكانيَّة سكوته.

ب إرادته.

ت حالته النفسِيَّة ومكنونها.

أـ إمكانيَّة سكوته:

أما إمكانيَّة سكوت المُتَكَلِّم وأهمِيَّة هذا السكوت في التوجيه الإعرابِيّ فقد أبانها سيبويه في عدة مواضع، منها مثلا:

ــ عند معالجة سيبويه لكسر همزة إِنَّ وفتحها يناقش الخليلَ في بعض الجمل المتعلِّقة بهذه المسألة، فيسأله عن قوله تعالى:{وَمَا يُشْعِرُكُم إنَّها إذا جاءتْ لا يُؤْمِنُون} ) (1)[الأنعام: 109]، فيقول: «ما

(1) الآية بتمامها برواية حفص: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} ، ويقول ابن كثير في تفسيرها: ((يقول تعالى إخبارا عن المشركين، إِنَّهُم أقسموا بالله جهد أيمانهم أي حلفوا أيمانا مؤكدة لئن جاءتهم آية ــ أي معجزة وخارقة ــ ليؤمنن بها؛ أي ليصدقنها، قل: إنَّما الآيات عند الله أي قل: يا محمد لهؤلاء الذين يسألونك الآيات، تعنتا وكفرا وعنادا لا على سبيل الهدى والاسترشاد، إِنَّمَا مرجع هذه الآيات إلى الله، إِنْ شاء جاءكم بها، وإن شاء ترككم.

وقوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} ، قيل: المخاطب بما يشعركم المشركون وإليه ذهب مجاهد وكَأَنَّه يقول لهم، وما يدريكم بصدقكم، في هذه الأيمان التي تقسمون بها)). تفسير القرآن، 2/ 264 أي أن مقصود قوله تعالى {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} أي: وما يعلمكم ــ أَيها المؤمنون ــ أَن الآيات التي طلبها المشركون ــ إذا جاءَت ــ كما طلبوا ــ يؤْمنون بما دعاهم إِليه الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ؟ وقد بين الله ــ بهذه الجملة ــ أَن أَيْمَانُهم فاجرةٌ. وأنَّهُم لا يؤْمنون إذا حُقِّق لهم ما طلبوه. ثم قال ابن كثير عن قراءة الآية {وَمَا يُشْعِرُكُم إنها إذا جاءتْ لا يُؤْمِنُون} بكسر إنها ((على استئناف الخبر عنهم بنفي الإيمان عن مجيء الآيات التي طلبوها)) .. تفسير القرآن، 2/ 264 وواضح من كلام سيبويه في هذا الموضع أن الخليل رفض رواية فتح همزة إِنَّ؛ حتى لا تبدو الآية كَأَنَّها عذر للمشركين. ولكن أئمة التفسير ومنهم ابن كثير خرَّجوا الآية بعيدا عما قصده الخليل هنا. والآية ــ بكسر همزة إِنَّ ــ هي قراءة ((ابن كثير، أبو عمرو، عاصم، العليمي، الأعمش، أبو بكر، خلف، يعقوب ابن محيصن، اليزيدي، الحسن، مجاهد)). ينظر: عبد العال سالم مكرم، د. أحمد مختار عمر: معجم القراءات القُرْآنِيَّة، مطبوعات جامعة الكويت، ط 2، ) 1988 م (، 2/ 308، أما قراءة حفص فهي: ((أَنَّهَا))، ويبدو أن قراءة حفص هذه لم تكن مألوفة عند معاصره سيبويه.

ص: 150

منعها) أي: ما منع إِنَّ من أنْ تُفتح (أَنْ تكونَ كقولك: ما يدريك أَنَّه لا يفعلُ؟ فقال) الخليل (: لا يحسن ذا في ذا الموضع، إِنَّمَا قال: وما يشعركم، ثُمَّ ابتدأ فأوجب: إنها إذا جاءت لا يؤمنون. ولو قال: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون، كان ذلك عذرا لهم»)(1).

إن الخليل هنا يُعَلِّمُ سيبويه ويعلمنا معه أهمِيَّة سكتات المُتَكَلِّم ووقفاته في توليد الدِّلَالَة من خلال الآية السابقة التي تحتوي جملتين «وَمَا يُشْعِرُكُم» و «إنَّها إذا جاءتْ لا يُؤْمِنُون» التي يمكن أَنْ تنطقا معا دفعة واحدة؛ فتظهر الجملتان ــ كما قال الخليل ــ كَأَنَّهما عذر للمشركين، وهذا ليس مراد الآية) (2). أَمَّا الطريقة الصَّوْتِيَّة التي تنسجم مع معنى الخليل الذي قال به فهي: أَنْ تقال الجملة الأولى «وَمَا يُشْعِرُكُم» ثُمَّ يتوقَّف عندها المُتَكَلِّم) القارئ (بنَغْمَة هابطة علامة على انتهاء الجملة وأنَّها جملة مفيدة، ثُمَّ يُبْدَأُ بالجملة الثانية «إنَّها إذا جاءتْ لا يُؤْمِنُون» كَأَنَّها جملة خبرِيِّة مُبتَدَأٌ بها مستأنفة ولا بد أَنْ يستصحب هذا بنَغْمَة صوتيَّة تعبر عن هذا الابتداء والاستئناف.

وللآية محل النقاش قراءة أخرى عن حفص تفتح فيها همزة إِنَّ: {وَمَا يُشْعِرُكُم أنَّها

}، يتأوَّلها الخليل على الرجاء، كَأَنَّه قيل:«لعلها إذا جاءت لا يؤمنون» ) (3).

ففي الآية السابقة تُفتح الهمزة إذا كان المعنى عذرا للمشركين) وهذا المعنى ليس المراد من الآية كما قال الخليل (، وتكسر همزة إِنَّ إذا كانت الجملة الثانية جملة مستأنفة. ويرتبط هذا كله بإمكانيَّة سكوت المُتَكَلِّم.

(1) سيبويه: الكتاب، 3/ 123

(2)

ينظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، دار الفكر، القاهرة، ط 2، ) 1988 م (، 2/ 264

(3)

سيبويه: الكتاب، 3/ 123

ص: 151

ومما يستفاد هنا من نصي الخليل أَنَّ كسر همزة إِنَّ وفتحها تتأثر بسياق الحال الذي تقع فيه الجملة، وأنَّ الفتح أو الكسر نفسه قد يكون له تأثير على دلالة الجملة) (1).

ــ ومن الأمثلة الأخرى التي تدلُّ على أَنَّ إمكانيَّة سكوت المُتَكَلِّم تؤثر في التوجيه الإعرابِيّ مناقشتُه لقول القائل: «إِنَّ يكن إتيان فحديثٌ» ، ففي هذه الجملة يتحكم في صحتها والتوجيه الإعرابِيّ لكلمة

«حديث» سكوتُ المُتَكَلِّم ووقوفه. فَإِنَّ الجملة السابقة تكون مكتملة في معناها إذا سكت المُتَكَلِّم على

«فحديثٌ» . على اعتبار أَنَّ المُتَكَلِّم جعل «فحديثٌ جوابا ولم يعطف «فحديثٌ» على الاسم الذي

قبلها، وترتفع الكلمة بالابتداء») (2). وفي مُكْنة المُتَكَلِّم ألا يقف عند «فحديثٌ» ويعطفها على ما قبلها، وفي هذه الحال تكون الجملة في حاجة إلى ما يكمل معناها؛ فتكون الجملة «إِنْ يكن إتيان فحديثٌ أحدثْك») (3). ونزيد هذا الأمر وضوحا كما يلي:

» إن يكن إتيانٌ فحديثٌ) مع السكوت بنَغْمَة هابطة (

الجملة صحيحة.

» إن يكن إتيانٌ فحديثٌ) مع السكوت بنَغْمَة غير هابطة من المُتَكَلِّم (

الجملة غير صحيحة وغير مكتملة.

ويمكن أَنْ نضيف معنى ثالثا لهذه الجملة، فهي يمكن أَنْ تكون ــ بتكييف صوتي ما ــ سؤالا:

» إن يكن إتيانٌ فحديثٌ؟ ) مع النسق النغمي لجملة الاستفهام (

الجملة صحيحة.

وسيبويه وإن لم يُشِر إلى هذه السكتات هنا إلا أَنَّه لا يمكن فهم جملته إلا في ضوء هذا التحليل الصوتي.

ــ ونضرب مثالا ثالثا على أَنَّ سكوت المُتَكَلِّم يُثري التوجيه الإعرابِيّ والنَّحْوِيّ بما قاله سيبويه في قول من قال: «لا آمرًا بالمعروف لك» ، حيث يجوز في آمر:

• النصب وظهور التنوين) اسم لا النافية للجنس شبيه بالمضاف (.

• ويجوز البناء على الفتح لاسم لا أيضا.

يقول سيبويه نقلا عن الخليل: «كذلك لا آمِرًا بالمعروف لك، إذا جعلت بالمعروف من تمام الاسم وجعلتَه متصلا به، كَأَنَّك قلت: لا آمِرًا معروفا لك. وإن قلت: لا آمِرَ بمعروف، فكَأَنَّك جئت

(1) ومما ذكره الرضي في شرحه على كافية ابن الحاجب ويؤكد تأثير إرادة المتكلم المرتبطة بالسياق قوله:

((وتقول: أَمَّا في الدار فإنَّك قائم بالكسر، إذا قصدت أنَّ قيام المخاطب حاصلٌ في الدار، وأمَّا إن أردت أنَّ: في الدار هذا الحديث وهذا الخبر فإنَّه يجب الفتح)). القسم الثاني، ج 2 ص 1256

(2)

سيبويه: الكتاب، 3/ 89

(3)

سيبويه: الكتاب، 3/ 89

ص: 152

بمعروف بعد ما بنيتَ على الأول كلاما») (1). ونترك المجال هنا للسيرافي ليوضح دور سكوت المُتَكَلِّم في التوجيه الإعرابِيّ وخاصة مع التوجيه الثاني في الجملة السابقة، يقول:«فَإِنَّ الباء) في قولنا: لا آمر بمعروف (ليست في صلة آمر، كَأَنَّك قلت: لا آمر، وسكت وأضمرت خبره، ثُمَّ جئت بالباء للتبيين، كَأَنَّك قلت: أعني بمعروف، كما تقول: سقيا، ثُمَّ تجئ بـ «لك» على

أعني») (2).

ففي قوله «لا آمرَ بالمعروف لك» يمكن أَنْ تُحلل على رأي الخليل وبتفسير السيرافي كما يلي:

«لا آمرَ +) سكتة المُتَكَلِّم بنَغْمَة هابطة تدلُّ على اكتمال المعنى وإضمار الخبر (+ بالمعروف) الباء مع كلمة بالمعروف للتبيين؛ عندما أحس المُتَكَلِّم من هيئة المخاطب أَنَّ المعنى لم يتمكن منه (+ لك» .

وقوله «لا آمرًا بالمعروف لك»

«لا آمرًا بالمعروف) بدون سكتة المُتَكَلِّم كَأَنَّ المُتَكَلِّم قال دفعة واحدة: لا آمرًا معروفا (+ لك»

في حالة النصب يكون التوجيه كما يقول السيرافي أَنْ يبدأ المُتَكَلِّم بالجملة «لا آمرًا» ويسكت مضمرا الخبر وما يكمل اسم لا الشبيه بالمضاف. ثُمَّ يتبين أَنَّ المخاطب لم يفهم المعنى فيأتي بشبه الجملة «بالمعروف» للتبيين.

ب ــ إرادة المُتَكَلِّم) (3):

يأتي هنا دور الحديث عن إرادة المُتَكَلِّم وأهميتها في التوجيه الإعرابِيّ والنَّحْوِيّ، وهو دور جد خطير. أبرزه سيبويه في أقوال كثيرة، وسنحاول بمَنٍّ من الله وتوفيقه أَنْ نُبرز هذا من خلال أربعة أمثلة:

- المثال الأول: ونمهد له بالحديث الآتي:

إذا قال قائل: مررت بفلان فإذا له صوتٌ صوتَ حمار فَإِنَّ كلمة «صوت» يجوز أَنْ تنصب ويجوز أَنْ ترفع، تنصب على المصدر أو على الحال، ويكون في «صوت حمار» معنى

التشبيه، فإذا نصبته على المصدر؛ فتقديره: «فإذا هو يصوت تصويتا مثل الحمار. وإذا نصبته

(1) سيبويه: الكتاب، 2/ 287

(2)

الحاشية ذات الرَّقْم 3، الكتاب: 2/ 278

(3)

من المفيد أن نُثبت هنا معنى مصطلح ((الإرادة)) لأهمِيَّة ذلك، ونقول إِنَّ ((الإرادة)) هي:((تصميم واعٍ على أداء فعل معين، ويستلزم هدفا ووسائل لتحقيق هذا الهدف. والعمل الإرادي وليد قرار ذهني سابق. يقول الجرجاني الإرادة صفة توجب للحي حالا يقع منه الفعل على وجه دون وجه، فهي ميل يعقب اعتقاد النفع)). ينظر: مجمع اللُّغَة العَرَبِيَّة: المعجم الفلسفي، ص 7

ص: 153

على الحال؛ فتقديره: فإذا هو مشبها صوت حمار، أو ممثلا صوت حمار. ويجوز أَنْ تنصب بإضمار فعل على تقدير: فإذا له صوت يصوت صوت حمار») (1). والرفع على أساس أَنَّه نعت أو بدل.

واختلف النُّحَاة في الوجه الراجح منهما؛ فقيل «إِنَّ الرفع مرجوح؛ لأَنَّ الثاني ليس هو الأول والنصب السالم من هذا المجاز، وذهب ابن عصفور إلى أنَّهما متكافئان؛ لأَنَّ في النصب التقدير، والأصل عدمه» ) (2). ويعلق د. فاضل السامرائي على هذا بقوله: «وفي هذا الترجيح نظر؛ لأَنَّ معنى الرفع غير معنى النصب؛ وأنت تعبِّر بحسب المعنى الذي تريد؛ فلا تكافؤ ولا ترجيح» ) (3).

وما نريد أَنْ نثبته هنا أَنَّ توجيه النصب والرفع يتوقَّف على إرادة المُتَكَلِّم وسياق حاله، فهو الذي يُعَبِّر عن المعنى الذي يريده كما يقول الدكتور السامرائي، وهذا ما يفهم من كلام سيبويه على جملة «له صوتٌ صوتَ حمار» في باب:«ما ينتصب فيه المصدر المشبه به» إذ يقول: «فَإِنَّما انتصب هذا لأَنَّكَ مررت به في حال تصويت، ولم ترد أَنْ تجعل الآخر صفة للأول ولا بدلا

منه») (4).

إذا اتجهت الإرادة بعد «إعمال الذهن» و «بدافع السِّياق» إلى النعت أو البدلية بما لهما من معاني سِيَاقِيَّة) (5) فالرفع، وإذا اتجهت الإرادة إلى الحال أو المصدر، بما يتضمنان من معنى التشبيه فالنصب.

ومن الأمور التي يُوَجَّهُ النظرُ إليها أَنَّ سيبويه يقرِّر أَنَّ حالة الرفع في الجملة السابقة وما يشبهها مثل: «فلان له علمٌ علمُ الفقهاء» ، و «له حسبٌ حسبُ الصالحين» تعبر عن أمور ثابتة مستكملة في المخاطب، فإذا أراد المُتَكَلِّم أَنْ يُعَبِّر عن هذا الثبات والاستكمال لجأ إلى حالة الرفع هذه، وإن أراد المُتَكَلِّم في نفس الجمل السابقة أَنْ يُعَبِّر عن أمور لم تصل إلى درجة الثبات والاستكمال وتتعرض للتجدد والطروء استخدم حالة النصب. هذا ما يُفْهَم من نصّ سيبويه التالي:

(1) ابن يعيش: شرح المُفَصّل للزمخشري، قدم له ووضع هوامشه وفهارسه د. إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمِيَّة بيروت لبنان، ط 1، ) 2001 م (، 1/ 284

(2)

خالد الأزهري: شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو، دار الكتب العلمِيَّة، بيروت، ط 1، ) 2000 م (، 1/ 507

(3)

معاني النحو: 2/ 174

(4)

سيبويه: الكتاب، 1/ 356، ويقول الأستاذ هارون في الحاشية ذات الرَّقْم ((1)) من نفس الصفحة:((في إحدى النسخ ((وبدلا منه)). قال السيرافي: يعني أنك لم ترد أن تجعله نعتا ولا بدلا منه؛ فترفع)).

(5)

سنتكلم عنها بالتفصيل في ((السِّياق والتوابع)).

ص: 154

((

وذلك قولك: له عِلْمٌ عِلْمُ الفُقَهاءِ، وله رَأَىٌ رأىُ الأُصَلاءِ. وإنَّما كان الرفعُ فى هذا الوجهَ لأَنَّ هذه خِصالٌ تَذكرها فى الرجل، كالحِلم والعلم والفضل، ولم ترد أَنْ تُخبِر بأنَّك مررت برجل فى حال تعلُّمٍ ولا تفهُّمٍ، ولكنّك أردت أَنْ تَذكر الرجل بفضلٍ فيه، وأَنْ تَجعل ذلك خَصلةً قد استَكملها، كقولك: له حَسَبٌ حَسَبُ الصالحينَ؛ لأَنَّ هذه الأشياءَ وما يُشْبِهها صارت تَحليةً عند الناس وعلاماتٍ. وعلى هذا الوجهِ رُفع الصوتُ. وإن شئت نصبتَ فقلت: له عِلْمٌ علمَ الفقهاءِ، كأَنَّك مررت به فى حال تعلُّمٍ وتفقُّهِ، وكأَنّه لم يَستكمل أَنْ يقال: له عالِمٌ. وإِنَّمَا فُرق بين هذا وبين الصَّوت لأَنَّ الصوت عِلاجٌ، وأنّ العِلْم صار عندهم بمنزلة اليَدِ والرَّجلِ. ويدلُّك على ذلك قولهم: له شَرَفٌ، وله ديِنٌ، وله فَهمٌ. ولو أرادوا أنّه يُدْخِلُ نفسَه فى الدَّينِ ولم يَستكمل أَنْ يقال: له دِينٌ، لقالوا: يَتديَّنُ وليس بذلك، ويَتشرَّفُ وليس له شَرَفٌ، ويَتفهَّمُ وليس له فَهَمٌ. فلمّا كان هذا اللفظُ للّذين لم يَستكملوا ما كان غيَر علاجٍ، بَعُدَ النصبُ فى قولهم: له عِلْمٌ علمُ الفقهاءِ. وإذا قال: له صوتٌ صوتَ حمارٍ، فإِنَّما أَخبر أنَّه مرّ به وهو يصوَّت صوتَ حمارٍ. وإذا قال: له علمٌ علمُ الفقهاءِ، فهو يُخبِر عمَّا قد استقرّ فيه قبل رؤيته وقبل سَمْعِه منه، أو رَآه يَتعلَّم؛ فاستدَلّ بحُسْن تعلُّمهِ على ما عنده من العلم، ولم يردْ أَنْ يُخبِر أَنَّه إِنَّمَا بدأَ فى عِلاج العلم في حال لُقِيِّه إيّاه؛ لأَنَّ هذا ليس مما يُثْنَى به، وإنَّما الثناءَ فى هذا الموضع أَنْ يُخبِر بما استَقرّ فيه، ولا يُخبِر أنّ أَمْثَلَ شيء كان منه التعلُّمُ فى حال لقائِه)) (1).

إن هذا النَّصّ يدل على عبقرية سيبويه في الملاحظة، ومعايشته التامة لنصوص اللُّغَة كما أثبتنا قبلُ، ويدل على أَنَّ إرادة المُتَكَلِّم المتحكِّمة في اختيار الوجه الإعرابِيّ المناسب مقيَّدة بسياق الحال وبالتحديد العلاقة بين المُتَكَلِّم والمُتَحَدَّثِ عنه، فلكي يختار المُتَكَلِّم علامة النصب أو الرفع لابد أَنْ يكون مُلمًّا بحال من يتحدَّث عنه. فالاختيار هنا ليس عشوائيا بل مقيَّدا بسياق الحال.

ويؤخذ من هذا النَّصّ عدة فوائد أخرى:

1 ــ الخلفيَّة الاجتِماعِيَّة والثقافيَّة لصاحب اللُّغَة تؤثِّر في التوجيه الإعرابِيّ، وليس فقط ملابسات الحال الوقتِيَّة اللحظِيّة، وجملة سيبويه ((لأَنَّ هذه الأشياءَ وما يُشْبِهها صارت تَحليةً عند الناس وعلاماتٍ)) في النَّصّ السابق دليل على ذلك. وأَنَّ لتلك الخلفيَّة تأثيرا على إرادة المُتَكَلِّم في اختيار الوجه الإعرابِيّ المناسب.

(1) سيبويه: الكتاب، 1/ 361 ــ 362

ص: 155

فعندما أقول عن فلان: له علمٌ علمُ الفقهاء؛ فهذا يعني أَنَّه قد استقرَّ عندي وثبت لديَّ من خلال مرَّات سابقة ومواقف عديدة أَنَّ هذا المخاطب الذي أقول في حقِّه هذا الكلام له فعلا علم الفقهاء. أَمَّا قولنا: له علمٌ علمَ الفقهاء؛ فهذا الضبط يعني نقيض ما سبق، وقد يعني هذا الضبط في سياق آخر السخرية والاستهزاء.

2 ــ التوجيه الإعرابِيّ بدون ربط بالسِّياق يؤدي إلى «فوضى دلالية» ، كما أشار إلى ذلك صاحب النحو الوافي) (1).

3 ــ الرفع يرتبط دِلالِيًّا بما هو ثابت ودائم، والنصب يرتبط بما هو متجدِّدٌ وطارئ وغير مستكمَل وأنَّ «المصادر المرفوعة تدلُّ على الثبوت، والمصادر المنصوبة تدل على الحدوث؛ فبالرفع يكون المعنى أَنَّ حالته الثابتة كذلك)؛ أي: تصويته كذلك

(، وأما حالة النصب فلبيان حالة موقوتة»)(2).

4 ــ العلامة الإعرابِيّة لها قيمة دلالية مؤثِّرة مرتبطة بها وتُسْتَحْضَرُ في ذهن أبناء اللُّغَة عند ذكر التركيب المشتمل عليها.

5 ــ ويوقفنا النَّصّ السابق أيضا على خطورة إهمال السِّياق في ((عَمَلِيَّة تعليم القواعد النحوِيَّة))؛ فتعليم القواعد النحوِيَّة كمجرد قواعد جامدة، بدون ربطها بالسِّياقات الاجتِماعِيَّة المختلفة يُهدر كثير من الفوائد ويوقعنا في فوضى كبيرة، وإهمال هذا الجانب الاجتماعِيّ في دراسة القواعد يجعلنا نتساءل: «ما هي الفائدة من اتقان تراكيب اللُّغَة والمقدرة التامة على تركيب الجمل الصحيحة إذا لم يعرف المتحدِّث بها كيف يستخدم الأشكال المناسبة في المواقف المختلفة، وأَنْ يغير تلك الأشكال بتغير نوع الحدث، أو موضوعه، أو الغرض منه أو مناسبته أو المشاركين فيه، إلى آخر مكونات الحدث العشرة التي أشرنا إليها سابقا؟ فكلنا يعرف بالسليقة مثلا أَنَّنا ــ حتى في المجتمع الواحد ــ نستخدم أساليب وطرائق خطاب تختلف باختلاف الإنسان الذي نخاطبه. فالأساليب والطرائق التي نستخدمها مع الغريب غير تلك التي نستخدمها مع القريب

وكثيرا ما يعتبر استخدام الصيغة الخاطئة إهانة للمخاطب، أو أنَّها على الأَقَلّ يمكن أَنْ تولد انطباعا خاطئا عن المُتَكَلِّم، أو تسبب نوعا من سوء التفاهم، وهذا بالضبط بجميع تعقيداته ما يعنيه القول العربي المأثور: لكل مقام مقال») (3). واهتمام سيبويه بهذا الجانب الاجتماعِيّ هنا يستحثنا على مزيد اهتمام بهذا الجانب.

(1) يراجع تمهيد هذا البحث، والنحو الوافي، 4/ 477

(2)

د. فاضل السامرائي: معاني النحو، 2/ 175

(3)

د. نايف خرما، د. علي حجاج: اللغات الأجنبية تعليمها وتعلمها، ص 48

ص: 156

- المثال الثاني:

الجملة التالية: «ضُرِب به ضربتين» يجوز فيها أَنْ تقال كما هي هكذا، ويجوز أَنْ يقال فيها

«ضُرِب به ضربتان» ، ويتوقَّف الاختيار هنا على إرادة المُتَكَلِّم. نقول هذا التركيب بالرفع إذا أردنا ذكر عدد مرَّات الضرب، وكَأَنَّ الجملة إجابة على سؤال «كم». يقول سيبويه: «وتقول على قول السائل: كَمْ ضَربةً ضرب به، وليس في هذا إضمار شيء سوى كَمْ والمفعولُ كَمْ، فتقول: ضُرِبَ به ضربتانِ، وسير عليه سَيْرتانِ؛ لأنَّهُ أراد أَنْ يبيَّن له العدّةَ، فجرى على سعة الكلام والاختصار،

وإِنَّمَا المعنى: كَمْ ضُرِبَ الذى وقع به الضَّربَ من ضربةٍ، فأَجابه على هذا المعنى، ولَكِنَّه اتَّسع واختَصر») (1).

أي أَنَّ المخاطب والمستمع أعطى إجابة تناسب السِّياق الذي قيلت فيه) (2).

ونقول الجملة «ضُرِب به ضربتين» إذا أردنا ذكر المدة الزَّمَنِيَّة التي استغرقها الفعل، كَأَنَّه قال هنا: ضرب به وقت ضربتين. يقول سيبويه: «وتقول: ضرب به ضربتين؛ أي: قدر ضربتين من الساعات، كما تقول: سير عليه ترويحتين، فهذا على الأحيان» ) (3). ولا شكَّ أَنَّ اختيار التوجيه هنا يتوقَّف على إرادة المُتَكَلِّم المرتبطة بسياق الحال.

فإذا اتجهت إرادة المُتَكَلِّم المرتبطة حتما بالسِّياق إلى ذكر مرَّات حدوث الفعل كان الرفع، وإذا اتجهت الإرادة لذكر الفترة الزَّمَنِيَّة لذكر الفعل كان النصب.

- المثال الثالث:

تناول سيبويه بالتحليل الإعرابِيّ كلمة «سلاما» في باب «من المصادر ينتصب بإضمار الفعل المتروك إظهاره» . ناقش فيه حالة النصب والرفع لهذه الكلمة وأمثالها، فذكر أَنَّ هذه الكلمة في حالة النصب تكون منصوبة بـ «فعل مخزول». ونقل سيبويه عن أبي الخطَّاب أَنَّ حالة النصب تجعل الكلمة «سلاما» مرتبطة بمعنى «البراءة والتسلُّم» من جهة «المُتَكَلِّم». يقول: «وزعم أبو الخطاب أَنَّ مثله قولك للرجل: سلامًا، تريد تسلُّما منك، كما قلت: براءة منك، لا ألتبس بشيء من أمرك

وزعم أَنَّ هذه الآية {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)} [الفرقان: 63] بمنزلة ذلك؛ لأَنَّ الآية فيما زعم مكيَّة، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أَنْ يسلموا على المشركين؛ ولَكِنَّه على قولك: براءةً منكم

(1) سيبويه: الكتاب، 1/ 229 ــ 230

(2)

وعلى هذا التخريج تخرج كل الجمل المشابهة: ((سير عليه خرجتان، صيد عليه مرتان، بسط عليه مرتان، سير عليه مرتان

)).

(3)

سيبويه: الكتاب، 1/ 230

ص: 157

وتسلُّما، لا خير بيننا وبينكم ولا شر») (1). أي أَنَّ «سلاما» منصوبة لارتباطها بمعنى «البراءة والتسلُّم» من جهة «المُتَكَلِّم» فقط، ومنها آية سورة الفرقان بدليل قرينة سياق الحال التي أثبتها أبو الخطاب.

وقد تابع أبا الخطاب في هذا سيبويهُ؛ لأنَّهُ لم يعلِّق على هذا الكلام.

وفي حالة الرفع قال سيبويه: «واعلم أَنَّ من العرب من يرفع «سلاما» إذا «أراد معنى

المبارأة»

سمعنا بعض العرب يقول لرجل: لا تكونَنَّ منِّي في شيء إلا سلامٌ بسلام، أي أمري وأمرُك المبارأةُ والمتاركةُ») (2).

أي أَنَّ: حالة الرفع في «سلاما» ترتبط بالمعنى الذي يريده المُتَكَلِّم، وهو هنا معنى المبارأة والمتاركة. والفرق بين «البراءة» في حالة النصب، و «المبارأة» في حالة الرفع هو أَنَّ البراءة من جانب المُتَكَلِّم فقط، أَمَّا المبارأة فهي من الطرفين؛ فالمبارأة مصدر الفعل «بَارَأَ» على وزن فاعل الذي من معانيه أَنَّهُ يدل على المشاركة، وهو فعل يقع بين اثنين.

وما أخطر عبارة سيبويه التي نقلها عن أبي الخطاب التي قال فيها: «لأَنَّ الآية فيما زعم مكيَّة، ولم يؤمر أَنْ يُسلِّموا على المشركين» ؛ ففي هذه الجملة توظيف لسياق الحال بشكل جيد، فالنصب على تقدير:«نسلم منكم سلامًا ونبرأ منكم براءة» من جهة واحدة جهة المسلمين؛ لأَنَّ العلاقة بين المسلمين والكُفَّار علاقة حرب واقتتال، والمسلمون في الجانب الأضعف في هذا الوقت، أَمَّا الرفع فعلى تقدير «أمري وأمرك سلامٌ» على المبارأة؛ أي أَنَّ هناك مشاركة متبادلة بين الطرفين تقتضي وضعا متساويا حربيًّا وقتاليًّا بين الطرفين يسمح بهذه المشاركة.

ولعلني هنا أستنتج استنتاجا، قد أكون مصيبا فيه وقد أكون مخطئا، وهو:«إِنَّ من دلالات علامة الرفع العامة الدِّلَالَة على القوة، ومن دلالات علامة النصب العامة الدِّلَالَة على الرقة واللين والضعف» .

- المثال الرابع:

قد تأتي الجملة الاسمِيَّة وخبرها طلبي: أمر، استفهام

؛ وفي هذه الحالة ــ كما يقول النُّحَاة ــ يجوز في الاسم المتقدم الرفع أو النصب، مثل: الحيوان ارحمه، أطائرة ركبتها؟ ويكون التوجيه:

• الرفع إذا اعتبرنا الاسم المتقدم مبتدأ وما بعده خبر.

• النصب إذا أعربنا الاسم المتقدم مفعولا به لفعل محذوف وجوبا.

(1) سيبويه: الكتاب، 1/ 324 ــ 325

(2)

سيبويه: الكتاب، 1/ 326

ص: 158

واختيار التوجيه الإعرابِيّ يترتب على تحديد نوع الجملة؛ إذ «يترتب على أحدهما أَنْ تكونَ الجملة اسمية وعلى الآخر أَنْ تكونَ الجملة فعلِيَّة مع صحتهما؛ لهذا يقول البلاغيون: إِنَّ أحسن الأمرين هو ما يتفق مدلوله مع غرض المُتَكَلِّم، فإنْ لم يعرف غرضه فهما سيان» ) (1). فإذا كان المراد تنبيه المخاطب للمبتدأ يختار الرفع، يقول سيبويه:«قولك عبد الله اضربه، ابتدأت عبد الله فرفعته بالابتداء، ونبَّهت المخاطب له لتعرِّفَه باسمه، ثُمَّ بنيت الفعل عليه» ) (2). وإذا كان المراد الاهتمام بشأن الفعل دون الفاعل كان النصب.

أي أَنَّ إرادة المُتَكَلِّم وما يريده هي المتحكِّمة والغالبة) (3).

ونضيف معنى آخر لعلامة الرفع نستخلصه من هذا النَّصّ هو معنى التنبيه. وبذلك ومن خلال مجموع النصوص السابقة نكون قد رصدنا لعلامة الرفع ثلاث دلالات عامَّة: الثبات والاستمراريَّة والدِّلَالَة على القوة والتنبيه.

ج ـحالة المُتَكَلِّم النفسِيَّة ومكنونها:

ومما يُثري التوجيه الإعرابِيّ ويؤثِّر فيه ويتعلق بالمُتَكَلِّم ــ حالتُه النفسِيَّة وما تنطوي عليه نفسه من معاني. ومن الغريب أَنْ نقول هنا إِنَّ التوجيه الإعرابِيّ قادر على أَنْ يعكس ما يدور في نفس المُتَكَلِّم من معاني وأحاسيس، وأنَّ العلامة الإعرابِيّة قادرة على إبراز ذلك.

ــ هذا ما فهمناه من نصّ سيبويه التالي:

((ومما يَنتصب على إضمار الفعل المستعمَل إظهارُه، أَنْ ترى الرجلَ قد قَدِمَ من سفرٍ فتقولَ: خَيْرَ مَقْدَمٍ. أو يقولَ الرجلُ: رأيتُ فيما يرى النائمُ كذا وكذا؛ فتقول: خيرًا وما سَرَّ، وخيرًا لنا وشرًّا لعدوّنا. وإن شئت قلت: خيرُ مَقدَمٍ، وخيرٌ لنا وشرٌّ لعدوّنا. أَمَّا النَّصبُ فكأَنَّه بناه على قوله قَدِمْتُ، فقال: قَدِمْتَ خيرَ مَقْدَمٍ، وإن لم يُسمَعْ منه هذا اللفظُ، فإنَّ قدومَه ورؤيتَه إيّاه بمنزلة قوله: قدمتُ. وكذلك إِنْ قيل: قَدِم فلانٌ، وكذلك إذا قال: رأيتُ فيما يرى النائم كذا وكذا، فتقول: خيرًا لنا وشرّا لعدوّنا. فإِذا نصبَ فعلى الفعل. وأمّا الرفع فعلى أَنَّهُ مبتدأ أو مبنيٌّ على مبتدأ، ولم يرد أَنْ يحمله على الفعل، ولَكِنَّه قال: هذا خيرُ مَقْدَمٍ، وهذا خيرٌ لنا وشرٌّ لعدوّنا، وهذا خيرٌ وما سَرَّ. ومن ثَمّ قالُوا: مصاحَبٌ مُعانٌ، ومبرورٌ مأجورٌ، كَأَنَّه قال: أنت مصاحَبٌ، وأنت

(1) عباس حسن: النحو الوافي، 2/ 129 الحاشية ذات الرَّقْم 4

(2)

سيبويه: الكتاب، 1/ 138

(3)

ويمكن أن نعطي مثالا آخر على إرادة المُتَكَلِّم في 1/ 69 عند مناقشته لجملة ((ما زيدٌ كعمرو ولا شبيهًا به)).

ص: 159

مبرور. فإِذا رفعتَ هذه الأشياءَ فالذى فى نفسك ما أظهرتَ، وإذا نصبت فالذى فى نفسك غيرُ ما أظهرتَ)) (1).

أهمُّ ما في النَّصّ السابق جملته الأخيرة، حيثُ تعبِّر العلامةُ الإعرابِيّة عن مكنون نفس المُتَكَلِّم، بمعنى أَنَّ المُتَكَلِّم إذا رأى رجلا قدم من السفر قال له:«خيرَ مقدم» بنصب كلمة

«خير» . وعندما يسمع المُتَكَلِّم رجلا يقول: رأيتُ فيما يرى النائم كذا وكذا؛ فيقول المُتَكَلِّم: «خيرًا وما سَرَّ» ، بنصب كلمة «خير» ، ويجوز الرفع في الجملتين السابقتين؛ فيقول المُتَكَلِّم:«خيرُ مقدم» و «خيرٌ وما سَرَّ» . وتفسير هذا التوجيه كما يلي:

• تكون حالة النصب على إضمار فعل، كَأَنَّه قيل: قدمتَ خيرَ مقدم، ويكون ما في نفس المُتَكَلِّم غير ما أظهر.

• وتكون حالة الرفع على اعتبار أَنَّ الكلمة) خير (خبر لمبتدأ محذوف، كَأَنَّنا قلنا: هذا خيرُ مقدم، وهذا خيرٌ لنا وشرٌ لعدونا، ويكون ما في نفس المُتَكَلِّم هو ما أظهر.

ولم يفسر سيبويه بشكل واضح علاقة النصب بعدم إظهار المُتَكَلِّم ما في نفسه، وعلاقة الرفع بإظهار المُتَكَلِّم ما في نفسه. وإذا كان لا بدَّ من اجتهاد وتعليل لذلك فأقول سائلين الله السَّداد:

ــ تعليل الرفع: يمكن أَنْ نعلل علاقة الرفع بإظهار ما في نفس المُتَكَلِّم في جملتي «خيرُ مقدم»

و«خيرٌ وما سر» ) بتقدير مبتدأ تقديره هذا (بأن المُتَكَلِّم في حالة الرفع يقدر جملة اسمية يبدؤها بمبتدأ، ولا بد أَنْ يكون هذا المبتدأ معرفةً ومعروفا بين المُتَكَلِّم والمخاطب، ) والذي يمثِّله في هذه الحالة كلمة «هذا» التي تعود على ما يُمليه سياقُ الحال «القدوم، رؤية النائم

» (؛ ولا بدَّ أَنْ يكون المبتدأ معروفا؛ إذ لا يجوز الابتداء بنكرة كما هو معروف، ثُمَّ يأتي الخبر الذي يحمل فائدة لا يعلمها المخاطب؛ إذ لو كان يعلم المخاطب هذه الفائدة لما كانت للجملة الاسمِيَّة كلها فائدة، والفائدة التي يمكن أَنْ يحملها خبر الجملة الاسمِيَّة في ظل سياق حال كاشف ولا يعرفها المخاطب لابد أَنْ تكونَ نابعة من نفس المُتَكَلِّم وغير معروفة للمخاطب، أي أَنَّ ما في نفس المُتَكَلِّم يظهر من خلال حالة الرفع.

ويمكن أَنْ نقدم تعليلا ثانيا لحالة الرفع مستغلين عبارة وردت في إحدى نسخ الكتاب الفرعِيَّة أوردها الأستاذ عبد السلام هارون في الهامش عند ذكر سيبويه تفسير حالة الرفع، يقول:«وأما الرفع فعلى أَنَّهُ جعل ذلك أمرا ثابتا» ) (2)، أي أَنَّ «خيرُ مقدم» و «خيرٌ وما سرّ» و «وهذا خيرٌ لنا

(1) سيبويه: الكتاب، 1/ 270 ــ 271

(2)

سيبويه: الكتاب، 1/ 270 الحاشية ذات الرَّقْم 4

ص: 160

وشرٌّ لعدوّنا» أمر ثابت عند المُتَكَلِّم، والأمر الثابت لكي يثبت يجب أَنْ يتمكن من النفس ويستقر فيها وهذا ما أثبتناه قريبا من دلالة علامة الرفع على الثبات.

هذا الثبات والاستقرار الذي تفيده الجملة الاسمِيَّة استغلَّه الإمام الزَّمَخْشَرِيّ ببراعة واقتدار ــ مستفيدا هذا من سيبويه ــ في تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} البقرة: 14 فقال: «فإنْ قلت: لِمَ كانت مخاطبتهم المؤمنين بالجملة الفعلِيَّة، وشياطينهم بالاسمِيَّة محقَّقة بأن؟ قلت: ليس ما خاطبوا به المؤمنين جديرًا بأقوى الكلامين وأوكدهما

وهكذا كل قول) بالجملة الفعلِيَّة (لم يصدر عن أريحية وصدق رغبة واعتقاد. وإمَّا لأنَّهُ لا يروج عنهم لو قالوه على لفظ التوكيد والمبالغة .... وأما مخاطبة إخوانهم) بالجملة الاسمِيَّة (فهم فيما أخبروا به عن أنفسهم من الثبات على اليهودية والقرار على اعتقاد الكفر، والبعد من أَنْ يزلُّوا عنه على صدق رغبة ووفور نشاط وارتياح للتكلم به، وما قالوه من ذلك فهو رائج عنهم متقبَّل منهم، فكان مظنّة للتحقيق ومئِنَّة للتوكيد»)(1).

ــ تعليل النصب: أَمَّا تعليل النصب في «خيرَ مقدم» بتقدير فعل «قدمت خيرَ مقدم» فيكون على اعتبار «خير» مفعول مطلق؛ أي أَنَّ خير هنا تؤكد الفعل «قدم» ، وهذا أمر بعيد عن المُتَكَلِّم وما يدور في نفسه.

وفي موضع ثان نجد سيبويه يكرر نفس العبارة التي ذكرها في نهاية النَّصّ السابق عند استشهاده بقول عمر بن أبي ربيعة:

هَل تَعرِفُ اليَومَ رَسمَ الدارِ وَالطَلَلا

كَما عَرَفتَ بِجَفنِ الصَيقَلِ الخِلَلا

دارٌ لِمَروَةَ إِذ أَهلي وَأَهلُهُمُ

بِالكانِسِيَّةِ نَرعى اللَهوَ وَالغَزَلا [بحر البسيط]

يقول: «فإذا رفعت) دار (فالذي في نفسك ما أظهرت، وإذا نصبت فالذي في نفسك غيرُ ما

أظهرت») (2).

(1) الكشاف: 1/ 65

(2)

سيبويه: الكتاب، 1/ 282 وهذا النص من النصوص التي تدل على أَنَّ علامة الرفع ــ بوجه عام ــ ترتبط بما هو ثابت ومستقر في نفس المُتَكَلِّم، فهي دليل استقرار المعنى وثباته عنده. وهذه نتيجة مُهِمَّة نخرج بها من نَصَّي سيبويه السابقين. ويوجد نصّ ثالث في هذه الجزئيَّة وإن لم يكن الكلام فيه واضحا تماما نقله سيبويه عن يُونُس تعليقا على قول النابغة:

أَقارِعُ عَوفٍ لا أُحاوِلُ غَيرَها

وُجوهَ قُرودٍ تَبتَغي مَن تُجادِعُ [بحر الطويل]

يقول: ((وزعم أنك شئت رفعت البيتين جميعا على الابتداء) يقصد كلمة وجوه في البيت السابق التي هي منصوبة على الذم (، تُضمر في نفسك شيئا لو أظهرته لم يكن ما بعده إلا رفعا))، 2/ 71

ص: 161

ونعلق هنا تعليقا بسيطا قائلين إِنَّ هذه النتيجة التي أقرها سيبويه من ربط علامة الرفع بما هو مستقر وثابت عند المُتَكَلِّم ليست وليدة دراسة نصّ عابر أو نصين، بل لا بدَّ أنَّها ناتجة عن تتَبُّع للتراكيب المشابهة المرفوعة في النصوص الحَيَّة المنطوقة في سياقاتها المختلفة، وهو بعد هذا التتَبُّع والتقصي والإحصاء ربط هذه العلامة بهذه الدِّلَالَة السِّياقِيَّة. ونحنُ متأكِّدون من هذا التتَبُّع والتقصي لسبق معرفتنا بمنهج سيبويه الذي شرحناه قبل.

ــ ونضرب مثالا آخر على أَنَّ التوجيه الإعرابِيّ يعكس الحالة النفسِيَّة للمتكلم:

يناقش سيبويه في أحد مواضع الكتاب الإعراب في الجملتين الآتيتين:

• قد خيف منه خوفٌ، وقد قيل في ذلك قولٌ.

ويجوز أَنْ تكونَ الجملتان: قد خيف منه خوفًا، وقد قيل في ذلك قولًا.

والنص الذي وردت فيه هذه المناقشة هو: «مما يَسْبِقُ فيه الرَّفعُ لأنَّهُ يراد به أَنْ يكون فى موضع غير المصدر قوله: قد خِيفَ منه خوفٌ، وقد قيل فى ذلك قولٌ. إنَّما يريد: قد خيف منه أمرٌ أو شيءٌ، وقد قيل فى ذلك خيرٌ أو شرٌ .... وإنْ حملتَه على ما حملت عليه السَّيرَ والضربَ فى التوكيد، حالًا وقع فيه الفعلُ، أو بدلاً من اللفظ بالفعل؛ نصبتَ» ) (1).

ما يفهم من هذا الكلام هو أَنَّنا إذا نصبنا كلمة «خوف» في جملة «قد خيف منه خوفًا» يكون توجيهنا لها أَنَّنا يمكن أَنْ نعتبرها «حالا» تبين هيئة صاحبها الذي يظهر في مظهر من تبدو عليه علامات الخوف الظاهرة، وقد نعرب «خوفًا» مفعولا مطلقا يؤكد الفعل «خاف» ويؤكد حدث الخوف في قلب من تشمله الجملة، وإذا رفعنا؛ نكون قد خرجنا عن معنى الحالِيَّة ومعنى المفعول المطلق إلى معنى آخر بعيد عنهما، وتكون معنى جملة «خيف منه خوفٌ؛ يراد «أمرٌ مخوف» ، ولم ترد الخوف الذي في القلب») (2). أي أَنَّ النصب ساهم في إظهار ما في القلب، أَمَّا الرفع فإِنَّنَا ننقل الخوف لأمر بعيد عن القلب والنفس.

وليس في مُكنة العلامة الإعربية فقط أَنْ تعكس الحالة النفسِيَّة لدى المُتَكَلِّم كما دلَّلنا على ذلك فيما سبق بل أيضا يمكنها أَنْ تعكس حالة الشك أو اليقين التي قد يتعرض لها أثناء الكلام؛ أي أَنَّ العلامة الإعربية يمكنها الاستجابة اللحظِيّة والفوريَّة لما يحدث في نفس المُتَكَلِّم من شك ويقين وتعكس ذلك بوضوح.

(1) سيبويه: الكتاب، 1/ 233

(2)

السيرافي: شرح كتاب سيبويه، 2/ 131

ص: 162