الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قسمان: ما هو جائز التعريف، وما هو واجبه، فالأول نحو:((هذا زيد الحق لا الباطل)) فجملة ((هذا زيدٌ)) تحتمل الصدق والكذب، فإذا قلت:((الحق))، فقد حققت أحد الاحتمالين، فرفعت الاحتمال الآخر، وكأنَّك قلت: أحقُّ ذلك الحق أو حقًّا، فإن كان المخاطب يعتقد خلاف ما ذكرت، وأردت قصر القلب قلت:((لا الباطل)) بالنصب عطفًا على ((الحق)). ((و)) الثاني:
((لا أفعل كذا البتة))، فجملة ((لا أفعل كذا)) تحتمل استمرار النفي وانقطاعه، فإذا قلت:((البتة)) حققت استمرار النفي، ورفعت انقطاعه») (1).
- ويقول السيرافي إذا قال القائل: «هذا عبد الله حقا؛ [فَإِنَّ] قوله: «هذا عبد الله» من قبل أَنْ تذكر حقا يجوز أَنْ يظن أَنَّ ما قاله حق، وأنْ يظن أَنَّ ما قاله باطل، فتأتي بـ «حقا» ؛ لتجعل الجملة مقصورة على أحد الوجهين المحتملين عند السامعين») (2). وفي هذا الكلام دليل على أَنَّ إرادة المُتَكَلِّم هي المتحكمة في التوكيد واستعماله.
ــ
ثالثا النعت:
يعرف النُّحَاة النعت بأنَّه: «التابع الذي يُكَمِّلُ متبوعه، بدلالته على معنى فيه، أو فيما يتعلق به» ) (3).
ويعلق الشيخ العلامة محمد محيي الدين عبد الحميد ــ رحمه الله ــ على جزء من التعريف السابق وهو «يُكَمِّلُ متبوعه» قائلا:
«اعلم أَنَّ النُّحَاة يفسِّرون قولهم في تعريف النعت «المتمِّم لمتبوعه» بأحد تفسيرين: الأول: أَنَّ معناه «المفيد لما يطلبه المتبوع بحسب المقام» ، وممن اختار هذا التفسير الأشموني، وهو تفسير شامل لكل المعاني التي يرد لها النعت من: التوضيح والتخصيص والمدح والذم والترحم والإبهام والتوكيد والتفصيل، فلا يرد عليه الاعتراض بأنَّه غير جامع
…
، والتفسير الثاني حاصله أَنَّ معنى
«المتمِّم لمتبوعه» الموضح له في المعارف والمخصص له في النكرات، وهو تفسير قاصر») (4).
(1) التصريح بمضمون التوضيح، 1/ 505، 506
(2)
شرح كتاب سيبويه، 2/ 267
(3)
ابن هشام: أوضح المسالك إلى ألفِيَّة ابن مالك، المكتبة العصرية، بيروت، ) بدون تاريخ للطبعة (، 3/ 300
(4)
الشيخ محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك) بهامش أوضح المسالك إلى ألفِيَّة ابن مالك (، المكتبة العصرية، ) بدون تاريخ للطبعة (3/ 301
في هذا الكلام ينقل الشيخ محيي الدين ــ طيب الله ثراه ــ تفسيرين للنحاة، يفسرون به الجملة «يُكَمِّلُ متبوعه» التي وردت في التعريف أحد التفسيرين أَنَّ الجملة تعني «المفيد لما يطلبه المتبوع بحسب المقام» ، وهذا التفسير شامل لكل المعاني التي يرد لها النعت من: التوضيح والتخصيص والمدح والذم والترحم والإبهام والتوكيد والتفصيل. وأنَّ الأشموني اختار هذا التفسير، وهو التفسير الأصح لعدم ورود ما يعترض به عليه كما قال الشيخ محيي الدين، خلافا للتفسير الثاني.
وهذا التفسير يربط في وضوح بين النعت وسياق الحال الذي يوجد فيها المُتَكَلِّم، فهو لا يلجأ إلى النعت إلا إذا أحسَّ من سياق الحال أَنَّهُ يريد أَنْ يؤكد أو يوضح أو يمدح أو يذم أو يترحم أو
…
فإذا طلب المقامُ إيضاحا للمتبوع أُتي بالنعت للإيضاح، وإذا طلب المقام مدحا أو ذما للمتبوع أُتي بالنعت للمدح أو الذم؛ أي أَنَّ المقام أو سياق الحال هو الذي يتحكَّم في النعت ووظيفته الدِّلالِيَّة في نهاية المطاف.
ويوضح سيبويه أَنَّ النعت يأتي في مرحلة تالية من الكلام، وأنه لا يبدأ به. يقول:«إِنَّمَا تبتدئ بالاسم ثُمَّ تصفه» ) (1). وهذا يعني أَنَّ المُتَكَلِّم لديه فرصة في تحديده وإيقاعه ملائما للموقف الذي يقال فيه.
ويوضح سيبويه في نصوص عدة وظيفة النعت والمعاني التي ترتبط بالسِّياق، منها:
أالتخصيص:
من وظائف النعت التي أشار إليها سيبويه التخصيص، يتضح هذا من خلال قوله:«فأمَّا النَّعت الذى جرى على المنعوت فقولك: مررتُ برجُلٍ ظَريفٍ قَبْلُ، فصار النعتُ مّجرورًا مثلَ المنعوت لأنّهما كالاسم الواحدِ. وإِنَّمَا صارا كالاسم الواحد من قِبَلِ أنَّك لم تُرِدِ الواحدَ من الرجال الَّذين كل واحدٍ منهم رجُلٌ، ولكنَّك أردت الواحدَ من الرجال الَّذين كلُّ واحد منهم رجُلٌ ظريفٌ، فهو نكرةٌ، وإنَّما كان نكرةً لأنَّهُ من أُمّةٍ كلُّها له مثلُ اسمه. وذلك أَنَّ الرجالَ كلُّ واحدٍ منهم رجلٌ، والرَّجالُ الظرفاءُ كلُّ واحد منهم رجلٌ ظريفٌ، فاسمُه يَخِلطه بأُمّته حتَّى لا يُعْرَفَ منها. فإِنْ أَطلتَ النعتَ فقلتَ: مررتُ برجل عاقِلٍ كَريمٍ مُسْلمٍ، فأَجْرِه على أوّله» ) (2).
أي أَنَّ المُتَكَلِّم حينما أراد أَنْ يخصص ويحدد من يتحدَّث عنه استخدم النعت في هذا التحديد والتخصيص) (3)، قال ابن يعيش: «وإنما قلنا: إنَّهما كالشيء الواحد من قبل أنَّ النعت يخرج
(1) سيبويه: الكتاب، 2/ 28
(2)
سيبويه: الكتاب، 1/ 422
(3)
قال التهانوي في التفريق بين التخصيص والتوضيح ما نصه ((التخصيص هو في اللُّغَة تمييز بعض الجملة بحكم
…
وفي عرف النُّحَاة: تقليل الاشتراك الحاصل في النكرات، وتقليل الاشتراك الحاصل في المعارف عندهم لا = يسمّى توضيحا، بل التوضيح: عندهم رفع الاحتمال الحاصل في المعرفة وهذا هو المراد بالتخصيص والتوضيح في قولهم: الوصف قد يكون للتخصيص وقد يكون للتوضيح)). كشاف اصطلاحات الفنون، 1/ 394
المنعوت من نوع إلى نوع أخص منه، فالنعت والمنعوت بمنزلة نوع أخص من نوع المنعوت وحده،
…
وإذا قلت: مررت برجل ظريف، فهو من الرجال الظرفاء الذين كل واحد منهم رجل ظريف، فالرجال الظرفاء جملة لرجل ظريف، كما أنَّ الرجال جملة لرجل، فرجل ظريف جزء للرجال الظرفاء وهو أخص من رجل، ألا ترى أن كل رجل ظريف رجل، وليس كل رجل رجلا ظريفا») (1).
ب التوضيح:
يقول موضحًا هذه الوظيفة: «ومن النعت أيضًا: مررتُ برجلٍ لا قائمٍ ولا قاعدٍ، جُرّ لأنَّهُ نعتٌ كأَنَّك قلت: مررتُ برجلٍ قائمٍ، وكأَنّك تحدِّثُ مَن فى قلبه أَنَّ ذاك الرجلَ قائمٌ أو قاعدٌ، فقلتَ: لا قائم ولا قاعد، لتُخْرِجَ ذلك من قلبه» ) (2).
إن المُتَكَلِّم يتَأَثَّر بحالة المخاطب وما يدور في نفسه، فعندما شعر أَنَّ المخاطب يعتقد أَنَّ المُتحدَّث عنه قائم أو قاعد، وهو ليس بذلك؛ أتى بالنعت لكي يُزيل ما في قلب المخاطب؛ أي أَنَّ النعت في هذا النَّصّ أتى لسبب سياقي وهو التوضيح والتبيين وإزالة ما في قلب المخاطب.
ويقول في موضع ثان: «إِنَّمَا تكون المعرفة مبنيا عليها أو مبنية على اسم أو غير اسم، وتكون صفة لمعروف لتبينه وتؤكده أَنْ تقطعه من غيره» ) (3).
ت رفع الالتباس إِنْ خيف منه:
من المعاني التي يؤديها النعت أيضا رفع الالتباس) (4)، والحذر من اللَّبس والغموض في الكلام من الأمور التي نبَّه عليها سيبويه مرارا وتكرارا.
يقول في عدة نصوص:
1 ــ «وقد تقول: كان زيدٌ الطويلٌ منطلقًا، إذا خفت التباسَ الزيدَيْنِ» ) (5).
(1) شرح المفصل، 2/ 244
(2)
سيبويه: الكتاب، 1/ 429
(3)
سيبويه: الكتاب، 2/ 114
(4)
جاء في معجم اللغة العربية المعاصرة تحديدٌ لمعنى ((الالتباس مصدر التبس بـ، التبس على، عدم التمييز بين شيئين مختلفين واعتبارهما شيئا واحدًا، عدم الوضوح وإدراك المضمون، اختلاط الأفكار بدون رابط منطقي بينها. الالتباس الدلالي: احتمال الكلام لأكثر من معنى، وقد يكون ذلك نتيجة للتعقيد المعنوي. الالتباس النحوي: عبارة تتحمل أكثر من معنى بسبب تركيبها النحوي)). ص 1990
(5)
سيبويه: الكتاب، 1/ 48
2 ــ «وإِنَّمَا يُحتاج الى الصفة إذا خاف الالتباس من الأسماء الغالبة» ) (1).
ث المدح والمبالغة فيه ورفعة شأن المنعوت:
إذا أراد المُتَكَلِّم المبالغة في مدح شخص أو شيء وجد النعت طوع أمره في هذا، يقول:«ومن الصفة: أنت الرجل كلُّ الرجل، ومررت بالرجل كلِّ الرجل. فإنْ قلت: هذا عبد الله كلُّ الرجل، أو هذا أخوك كلُّ الرجل، فليس في الحُسن كالألف واللام؛ لأَنَّكَ إِنَّمَا أردت بهذا الكلام هذا الرجل المبالغ في الكمال، ولم ترد أَنْ تجعل كل الرجل شيئا تعرف به ما قبله وتبيِّنُه للمخاطب، كقولك: هذا زيدٌ. فإذا خفت أَنْ يكون لم يُعرَف قلت: الطويل، ولكنك بنيت هذا الكلام على شيء قد أثبت معرفته، ثُمَّ أخبرت أَنَّهُ مستكمِلٌ للخِصال» ) (3).
وواضح من كلامه أَنَّ إثبات المبالغة من خلال النعت تأتي بعد أَنْ يكون المنعوت واضحا معروفا للمخاطب من خلال كلام سابق ومقام فائت؛ أي أَنَّهُ لا مبالغة بالنعت إلا من خلال معرفة مسبقة، يعرف فيها المُتَكَلِّم أَنَّ المنعوت مستكمل للخصال، ولا بد أَنْ يكون هذا مخالطةً وإثباتًا بالمعاينة.
ويقول في نصّ آخر: «وتقول: مررتُ برجلٍ الأسدِ شدة، كَأَنَّك قلت: مررتُ برجلٍ كامل، لأَنَّكَ أردت أَنْ ترفع شأنَه» ) (4). ويقول: «مررت برجلٍ أسد أبوه، إذا كنت تريد أَنْ تجعله شديدا» ) (5).
ونلاحظ في هذين المثالين أَنَّ سيبويه ينعت بما يمكن أَنْ نسميه بـ «اسم الجنس» ، وهذا النوع من الأسماء يجوز أَنْ ينعت به «إذا خرجا على دلالتهما الأصلية، وأريد بهما معنى اشتهرا به؛ كدلالة حاتم على: الكرم، والرجل على: الكامل، والنمر على: الغادر
…
. فعلى هذا القصد مع ما يؤَيِّده من قرينة يصح تأويلهما بالمشتق. ووقوعهما نعتين») (6). فإذا دَلَّ اسم الجنس على معنى اشتهر به مع وجود القرينة التي يجب أَنْ يكون منها سياق الحال جاز النعت به.
(1) سيبويه: الكتاب، 2/ 413
(2)
سيبويه: الكتاب، 2/ 189
(3)
سيبويه: الكتاب، 2/ 12
(4)
سيبويه: الكتاب، 2/ 17
(5)
سيبويه: الكتاب، 2/ 29
(6)
عباس حسن: النحو الوافي، 3/ 466
ج التوكيد:
ومن الوظائف الدِّلالِيَّة التي يُقَدِّمها النعت أيضا التوكيد، يقول:«ومثل ذلك الجماء الغفير، فالغفير وصفٌ لازم، وهو توكيد لأَنَّ الجماء الغفير مَثَل» ) (1).
تلك هي الوظائف التي يؤديها النعت عند سيبويه من خلال النصوص التي استطعنا أَنْ نستخلص منها هذه الوظائف.
- حذف النعت:
مما أقره النحاة أنَّ الصفة قد تحذف «وتدلُّ عليها حال المتكلم، وللنغْمَة الصوتيَّة أثر في إيضاحها» ) (2).
وفي أحد أبواب الكتاب «باب ما يكونُ في المصدر حِينًا لسعة الكلام والاختصار» يُورد سيبويه النص التالي: «وكذلك: سير عليه ليلاً ونهارا، إذا أردت ليلَ ليلِتك ونهارَ نهارِك، لأنَّه إنَّما يُجْرَى على قولك: سير عليه بَصَرًا، وسير عليه ظَلاما، إلاّ أن تريدَ معنى سير عليه ليلٌ طويلٌ ونهارٌ طويلٌ، فهو على ذلك الحدّ غيرُ متمكِّن، وفى هذا الحال متمكِّنٌ» ) (3).
ما يُفهَم من النص أنَّ سيبويه يوضح معنى الجملة «سِير عليه ليلا ونهارا» ، ويقدم التوجيهات الإعرابية المختلفة لكلمة «ليل» . ويُفهم من النص أن كلمة «ليل» في الجملة «سِير عليه ليلا
ونهارا» يجوز فيها النصب كما يجوز فيها الرفع. وفي حالة الرفع تكون كلمة الليل
«منعوتا» والنعت «محذوف» تقديره مثلا «طويل» ، وكأنَّ الجملة:«سِير عليه ليلٌ طويلٌ» . والذي يُبَرِّر حذف النعت هنا «إرادة المتكلم المدفوعة بسياق الحال» .
هذا الفهم لنص سيبويه السابق وهذا التبرير لحذف النعت فيه أخذناه من شيخ العربية ابن جني، إذ يذكر في أحد مواضع الخصائص نصًّا رائعا يورد فيه نص سيبويه السابق فيقول:
«وقد حُذِفَت الصفة ودلَّت الحال عليها. وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم:
«سِير عليه ليل» ، وهم يريدون: ليل طويل. وكأنَّ هذا إنَّما حذفت فيه الصفة لما دلَّ من الحال على موضعها. وذلك أنك تحسّ في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل أو نحو ذلك. وأنت تحسّ هذا من نفسك إذا تأمَّلته. وذلك أنْ تكون في مدح إنسان والثناء عليه، فتقول: كان والله رجلًا؛ فتزيد في
(1) سيبويه: الكتاب، 2/ 107
(2)
د. فاضل السامرائي: معاني النحو، 3/ 202
(3)
الكتاب، 1/ 226
قوّة اللفظ بـ «الله» هذه الكلمة، وتتمكَّن في تمطيط اللام وإطالة الصوت بها وعليها؛ أي رجلًا فاضلًا أو شجاعًا أو كريمًا أو نحو ذلك. وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنسانًا، وتمكّن الصوت بإنسان وتفخَّمه؛ فتستغني بذلك عن وصفه بقولك: إنسانًا سمحًا أو جوادًا أو نحو ذلك. وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت: سألناه وكان إنسانًا! وتَزْوي وجهك وتقطِّبه؛ فيغني ذلك عن قولك: إنسانًا لئيمًا أو لَحِزًا أو مبخَّلًا أو نحو ذلك») (1).
في هذا النص المبين استطاع باقتدار ابن جني أن يوضِّح كيف يعين سياق الحال على تفهُّم حذف النعت، وما يستعاض به عنه من «التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم والتمطيط وإطالة الصوت» .
والحقُّ إنَّه لولا تنبيه ابن جني لتأثير السياق على حذف النعت في هذا الموضع ما تنبَّه الباحث
له، وهذا يؤكد ما أثبتناه قبل من وجود مواضع وقواعد استخدم فيها سيبويه السياق ضمنا تحتاج إلى فضل تأمُّل للوقوف عليها.
- النعت الجامد:
الأصل في النعت أن يكون مشتقًا، «وقد ينعت بالجامد كثيرا كالمنسوب، نحو: «مررت برجل بصري» ، والموصول، نحو:«مررت بالشخص الذي فاز» ، والمقادير والأعداد، نحو:«أقبل رجالٌ مائةٌ» ، و «أقبل رجالٌ سبعةٌ»
…
») (2).
ومن إشارات سيبويه لهذا النعت الجامد قوله: «ومن النعت أيضًا: مررتُ برجلٍ أَيِّما رجلٍ، فأَيُّما نعتٌ للرجل فى كماله وبَذِّه غيرَه، كأَنَّه قال: مررتُ برجلٍ كاملٍ» ) (3).
و«أَيّ» من الألفاظ «الجامدة» التي يُؤْتَى بها أحيانا للنعت، وهي «التي تسمَّى أيَّا الكماليَّة، ويراد بها التعجب والمبالغة في المدح، وتنعت بها النكرة» ) (4).
وعبارة سيبويه في نصه السابق «أَيُّما نعتٌ للرجل فى كماله وبَذِّه غيرَه، كأَنَّه قال: مررتُ برجلٍ كاملٍ» تؤكد ما ذكرناه من منهجه من تتبُّعه للتركيب المعين في السياقات المختلفة، فقد تتبع التركيب
(1) الخصائص: 2/ 270 ــ 271
(2)
د. فاضل السامرائي: معاني النحو، 3/ 184
(3)
الكتاب، 1/ 422
(4)
السابق، 4/ 184
«
…
منعوت نكرة + أيّ + المنعوت الأول مكررا»، وربطه بدلالة سياقية معينة، وهي هنا الدلالة على «الكمال والتعجب والمبالغة في المدح» .
وقد تتبع بعض النُّحَاة من بعد سيبويه «أَيَّ» تاريخيًّا ودلاليًّا، وذكروا أَنَّها نقلت عن الاستفهام، وأكدوا الجانب الدلالي السياقي الذي ذهب إليه سيبويه، يقول الرَّضِيّ:«والذي يقوى عندي أن «أيَّ رجل» لا يدل بالوضع على معنى في متبوعه، بل هو منقولٌ عن «أَيٍّ» الاستفهامية، وذلك أنَّ الاستفهامية موضوعة للسؤال عن التعيين، وذلك لا يكون إلا عند جهالة المسؤول عنه، فاستعيرت لوصف الشيء بالكمال في معنى من المعاني، والتعجب من حاله، والجامع بينهما أنَّ الكامل البالغ غاية الكمال بحيث يتعجب منه يكون مجهول الحال، بحيث يُحتاج إلى السؤال عنه») (1).
بقي من أمور النعت المرتبطة بسياق الحال التي أشار إليها سيبويه ما يلي:
• يشير سيبويه إلى أَنَّ النعت إذا جاء للمدح لابد أَنْ يكون المنعوت الممدوح معروفا مسبقا عند المُتَكَلِّم، فلا يجوز المدح بالنعت لمن لا يعلمه المُتَكَلِّم، يقول:«[إنك] لا تُثني إلا على من أثبته وعلمتَه، ولا يجوز أَنْ تَخلِط من تعلم ومن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة، وإِنَّمَا الصفة علَمٌ فيمن قد علمتَه» ) (2). أي أَنَّ إجازة المدح بالنعت مرتبطة بمعرفة المُتَكَلِّم السابقة بهذا المنعوت الممدوح، وما يعرفه عنه من الخصال الكريمة ما جعله يمدحه ويقبل مدحه، وهذا ما أثبتناه قريبا.
• الأمر الثاني: أَنَّ النعت الذي لا يفيد معنى أو فائدة لا يجوز أَنْ يكون نعتا. وذلك مثلا بأن ينعت العام بالخاص، يقول:
»
«وإِنَّمَا منع أخاك أَنْ يكون صفة للطويل أَنَّ الأخ إذا أضيف كان أخصَّ، لأنَّهُ مضاف إلى الخاص وإلى إضماره، فَإِنَّما ينبغي لك أَنْ تبدأ به وإن لم تكتفِ بذلك زدتَ من المعرفة ما تزداد به معرفة. وإِنَّمَا منع هذا أَنْ يكون صفة للطويل والرجل أَنَّ المخبِر أراد أَنْ يقرب به شيئا ويشير إليه لتعرفه بقلبك وبعينك، دون سائر الأشياء. وإذا قال الطويل
(1) شرح الرَّضِيّ لكافية ابن الحاجب، القسم الأول، ص 975، وينظر أيضا الخصائص، 3/ 270
(2)
سيبويه: الكتاب، 2/ 60
(3)
سيبويه: الكتاب، 2/ 149