الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بها للدلالة على المعنى، فإذا فُهم المعنى بدون اللفظ، جاز أن لا تأتي به، ويكون مرادا حكما وتقديرًا. وقد جاء ذلك مَجيئا صالحا، فحذفوا المبتدأ مرة، والخبر أخرى، فممّا حُذف فيه المبتدأ قول المستهِلّ:«الهِلالُ والله» أي: هذا الهلالُ والله،
…
ومثله إذا شممتَ ريحا طيِّبة قلت:
«المِسكُ والله» أي: هو المسك والله، أو هذا المسك، وكذلك لو رأيت صورة شخص فصار آية لك على معرفة ذلك الشخص، فإذا رأيته بعد قلت:«عبدُ الله وربِّي» ، كأنَّك قلت:«ذاك عبد الله» ،
أو «هذا عبد الله» ، وكذلك لو حدثت عن شمائل رجل، ووصف بصفات مثل: مررت برجل راحم المساكين بار بوالديه، فعرف بتلك الأوصاف، فقلت: زيد والله، أي: هو زيد، أو المذكور زيد») (1).
•
قرينة السِّياق والحال النَّحْوِيّ:
تتعدد الاعتبارات التي يمكن أَنْ تُقَسَّمَ الحالُ إليها تعددًا ملحوظًا، من هذه الاعتبارات التي يمكن أَنْ تُقسم إليها:«الاشتقاق والجمود، المعنى، اللزوم والانتقال، التعيين، تحقُّق معناها لصاحبها، الزمن، الإفراد، التعدد» .
وممّا سوَّغ الحديث هنا عن الحال النَّحْوِيّ مع الجملة الاسمِيَّة أَنَّه في بعض التقسيمات السابقة تأتي فيها الحال خالصة للجملة الاسمِيَّة، وفي بعضها قد تأتي في جملة اسمية أو فعلية؛ لذلك آثرنا أَنْ نناقش المواضع التي رأينا فيها تأثيرا للسياق على الحال النَّحْوِيّ هنا.
وبداية نقول لقد اتَّفق العلماء على تعريف الحال؛ فقالوا إِنَّهُ: «فضلةٌ دالَّة على هيئة صاحبه» ) (2). أو هي: «وصف أو ما قام مقامه، فضلة مسوق لبيان الهيئة، أو للتوكيد» ) (3).
ومن العلماء من ربط بين الهيئة والحال بعلاقة تلازمية، فقال:«كلُّ ما دَلَّ على هيئة صحَّ أَنْ يقع حالا» ) (4). ولا بدَّ أنَّ الهيئة «صفة غير لازمة» ، قال ابن السراج:«والحال إنَّما هي هيئة الفاعل أو المفعول أو صفته في وقت ذلك الفعل المخبر به عنه، ولا يجوز أن تكون تلك الصفة إلا صفةً متصفة غير ملازمة. ولا يجوز أن تكون خلقة، لا يجوز أن تقول: جاءني زيد أحمر، ولاأخوك ولا جاءني عمرو طويلًا، فإن قلت: متطاولًا أو متحاولًا، جاز؛ لأنَّ ذلك شيء يفعله وليس بخلقة» ) (5).
(1) شرح المفصل، 1/ 239
(2)
السيوطي: همع الهوامع، ت: عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية، الكويت، 1970 م، 4/ 7
(3)
د. فاضل السامرائي: معاني النحو، 2/ 277
(4)
ابن الحاجب: الكافية في علم النحو، ص 24
(5)
الأصول في النحو، ا/214
والقيد الذي وضعه النحاة للحال أنَّه «مسوق لبيان الهيئة» مرتبط ــ فيما يظنّ الباحث ــ
بالسِّياق؛ فالهيئة غير اللازمة ولا تكون خِلقة والتي عليها صاحب الحال تجعل المُتَكَلِّم يختار اللفظة المناسبة ليُعَبِّر عن هذه الهيئة؛ فإذا اختلفت الهيئة اختلف اللفظ. فعندما نقول: «جاء محمد
مسرورا، حزينا، نشيطا، شاحبا، مغمض العينين، مجروحا
…
»، فنحن لا نحدد اللفظ المعبِّر عن الحال إلا إذا رأينا صاحب الحال أولا، ثُمَّ نحدِّد اللفظ المناسب الذي يُعَبِّر عن هذه الحال، فنحن لا نستطيع أَنْ نعبِّر عن حال أحد أو شيء قبل أَنْ نراه في موقف أو سياق ما؛ أي أَنَّ الحال يتولَّد بعد وجود السِّياق والموقف وليس قبله. لذلك يجب افتراض وجود سياق حال قبل أي جملة تحتوي على «حال» .
في ضوء هذا يمكن أَنْ نفهم لماذا نصب سيبويه المصدرين «سِمَنًا وعِلمًا» على الحال في قوله: «أَمَّا سِمَنًا فسمين، وأما عِلْمًا فعالم» ) (1). والصفات «صديقا وطاهرا وعالما» في قوله:
قوله «أَمَّا سِمَنًا فسمين» تتطلب سياق حال لكي نفهم نصب «سمنا» وهو أنَّ المتكلم رأى صاحب الحال في حالة أو هيئة الـ «سِمَن أو سَمانة» أكثر من مرة وفي أكثر من موقف؛ فقال هذه الجملة، وكأنّ هذا الحال ردٌّ من المتكلم على زاعم أو منكر يزعم أو ينكر غير ذلك. يؤكد هذا المعنى عدد من النحاة، منهم:
- ابن مالك إذ يقول: «واطرد أيضا ورود المصدر حالا عند سيبويه في نحو «أما علما فعالم» يريد مهما يذكر إنسان في حال علم فالذي وصفت عالم، كأنَّه مُنكِر ما وصفه به من غير العلم») (3).
- قال الأشموني: «أما علما فعالم: تقول ذلك لمن وصف عندك شخصًا بعلم وغيره منكرًا عليه وصفه بغير العلم» ، ويعمِّم الصبَّان كلام الأشموني هنا فيقول:«قوله: نحو أما علما فعالم؛ أي من كل تركيب وقع فيه الحال بعد أمَّا في مقام قُصِدَ فيه الردُّ على من وصف شخصا بوصفين وأنت تعتقد اتصافه بأحدهما دون الآخر» ) (4).
(1) سيبويه: الكتاب، 1/ 384
(2)
سيبويه: الكتاب، 1/ 387
(3)
شرح تسهيل الفوائد، 2/ 329
(4)
حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، 2/ 258
- وها هو السيوطي يقول: «أمَّا عِلْمًا فعالم، والأصل فيه: أن رجلا وُصِف عنده شخصٌ بعلم وغيره، فقال الرجل للواصف: أما عِلْمًا فعالم، يريد: مهما يُذْكَرُ إنسانٌ في حال علم فالذي وصفت عالمٌ، كأنَّه مُنكِرٌ ما وصفه به من غير العلم» ) (1).
لقد اجتمع النحاة الأربعة على المعنى الدلالي السياقي لنصب الحال في قول سيبويه: «أما علما فعالم» ، بل نجد الصبان يعمّم هذه الدلالة على هذه الجملة وما يشبهها. وهذا يجعلنا نقول إنَّ التركيب التالي:
والذي تمثِّله الجمل: «أمّا سمنا فسمين، وأما عِلْمًا فعالم، أَمَّا صديقًا مصافيًا فليس بصديق
مُصافٍ
…
». يرتبط بدلالة نمطية سياقية هي: قَصدُ الردِّ على من وصف شخصا بوصفين والمتكلم يعتقد اتصافه بأحدهما دون الآخر.
ومن خلال اعتبار الهيئة يمكن أَنْ نثري المعنى في قولنا: «هؤلاء ناسٌ وعبد الله منطلقين» كما يقول سيبويه في نصه: «وتقول: هؤلاء ناسٌ وعبد الله منطلقين، إذا خلطتَهم. ومن قال: هذان رجلان وعبد الله منطلقان قال: هؤلاء ناس وعبد الله منطلقون؛ لأنَّه لم يُشرك بين عبد الله وبين ناسٍ في الانطلاق» ) (2).
عندما نقول:
» هؤلاء ناسٌ وعبد الله منطلقين؛ نقصد: أَنَّ عبد الله مختلط بغيره من الناس؛ أي أَنَّ هيئة عبد الله والناس مختلطة.
» هؤلاء ناسٌ وعبد الله منطلقون؛ نقصد: أَنَّ عبد الله ليس مختلطا بالناس، ولم يشرك بين عبد الله وبين ناس في الانطلاق؛ أي أَنَّ الهيئة لا تدل على الاختلاط، ويتضح للرائي أَنَّ الناس منطلقون بمفردهم، وعبد الله منطلق بمفرده.
على أَنْ أخص أقسام الحال ارتباطا بالجملة الاسمِيَّة: الحال المؤكدة والحال المنبهة، فمن الوظائف التي يؤديها الحال «التوكيد» ، وتسمى هذه الحال «الحال المؤكِّدة» ، ويعرفها النُّحَاة بأنَّها
«هي التي يستفاد معناها من الكلام السابق عليها في جملتها، وفائدتها إذن تأكيد هذا المعنى
(1) همع الهوامع، 4/ 16، ط: دار البحوث العلمية
(2)
سيبويه: الكتاب، 2/ 82
المستفاد») (1). ومن خصائصها أنَّها «تجئ على إثر جملة عَقْدُها من اسمين لا عَمَلَ لهما لتوكيد خبرها، وتقرير مُؤَدّاه، ونفي الشَّكِّ عنه» ) (2). قال ابن يعيش: «يعني أنَّ الحال مؤكِّدة تأتي بعد جملة ابتدائِيَّة، الخبرُ فيها اسمٌ صريحٌ، ولا يكون فعلا، ولا راجعًا إلى معنى فعل، لأنَّ الحال هاهنا تكون تأكيدًا للخبر بذكر وصف من أوصافه الثابتة له، والفعلُ لا ثبات له، ولا يوصف» ) (3).
إِنَّ موضع هذه الحال أَنْ تأتي عقب الجملة الاسمِيَّة والوظيفة التي تؤديها هذه الحال هي تأكيد الخبر، وتقرير مُؤَدّاه، ونفي الشك عنه. وهذا التأكيد والتقرير ونفي الشك هي أمور سِيَاقِيَّة بالدرجة الأولى، فالمُتَكَلِّم لن يلجأ إلى التأكيد ولا إلى التقرير ولا إلى نفي الشك إلا إذا اقتضى السِّياق هذا، فهو يؤكِّد أو يقرِّر أو ينفي بدافع السِّياق، ودلالة هيئة المخاطب على هذا.
ويقدم سيبويه أمثلة على الحال المؤكدة، هي:«هو زيدٌ معروفًا» ، «هو الحق بينًا» ، «أنا عبد الله كريمًاجوادًا» ، «هو عبد الله شجاعًا بطلا» .
ويوضح في المثال الأول كون «معروفًا» حالا تفيد التوكيد بقوله: «وذلك قولك: هو زيد معروفا، فصار المعروف حالا. وذلك أَنَّكَ ذكرت للمخاطَب إنسانا كان يجهله أو ظننت أَنَّهُ يجهله فكَأَنَّك قلت: أثبتْه أو الزَمْه معروفا، فصار المعروف حالا،
…
والمعنى أنَّك أردت أن توضِّح أنَّ المذكور زيدٌ حين قلت معروفا، ولا يجوز أَنْ تذكر في هذا الموضع إلا ما أشبه المعروف؛ لأنَّهُ يعرِّفُ ويؤكِّدُ، فلو ذَكر هنا الانطلاق كان غير جائز؛ لأَنَّ الانطلاق لا يوضح أَنَّهُ زيدٌ ولا يؤكِّده. ومعنى قوله معروفا: لا شكَّ؛ وليس ذا فى منطلق. وكذلك: هو الحقُّ بَيِّنًا، ومعلوما، لأَنَّ ذا مما يوضَّح ويؤكَّد به الحق») (4).
في هذا النص يوضح سيبويه «الملابسات السياقية النمطية» التي دعت المتكلم إلى استخدام هذه الحال المؤكِّدة، هذه الملابسات تتمثَّل في أنَّ المتكلم ذكر للمخاطب إنسانًا كان يجهله) أو ظن المتكلم أنَّ المخاطب يجهله (؛ فأراد المتكلم من خلال هذه الحال أن يؤكِّد مضمون الجملة الاسمية التي يقولها المخاطب. وما دامت هذه الحال تأتي إثْرَ جملة اسمية عَقْدُها من اسمين كما قال ابن يعيش؛ فلا بد أن يكون المبتدأ والخبر معروفين) أو شبه معروفين (بين المتكلم والمخاطب؛ لذلك أشار سيبويه في النص السابق:«ولا يجوز أَنْ تذكر في هذا الموضع إلا ما أشبه المعروف» .
(1) د. محمد عيد: النحو المصفى، مكتبة الشباب، القاهرة، ) بدون تاريخ للطبعة (، ص 461
(2)
ابن يعيش: شرح المُفَصّل، 2/ 21
(3)
السابق، 2/ 23
(4)
سيبويه: الكتاب، 2/ 78 ــ 79
ولعل جملة سيبويه «أو شبه معروفين» تفسر لماذا يأتي الخبر أحيانا في الجملة الاسمية مع الحال المؤكدة نكرة، يقول:«وممَّا ينتصب لأنَّه حالٌ وقع فيه أمرٌ قولُ العرب: هو رجلُ صِدْقٍ معلومًا ذاك، وهو رجل صدق معروفا ذاك، وهو رجل صدق بيِّنًا ذاك، كأنه قال: هذا رجل صدق معروفا صلاحُه» ) (1).
فالأحوال في هذه الجمل مؤكدة لمضمون الجملة مع أنَّ أحد الجزأين نكرة، والنكرة هنا ــ كما يفهم الباحث من نص سيبويه ــ ليست نكرة خالصة ــ إن جاز التعبير ــ بل هي نكرة مشوبة بتعريف أو شبه تعريف كما قال سيبويه.
وقد يصحب التوكيد الذي تدلُّ عليه هذه الحال في بعض السياقات «الفخر، أو التهَدُّد، أو الوعيد» ، قال سيبويه: «وإذا ذكرتَ شيئًا من هذه الأسماء التي هي علامةٌ للمضمَر فإِنَّه مُحال أنْ يَظهر بعدها الاسمُ إذا كنتَ تُخبِر عن عَمَلٍ، أو صفةٍ غير عمل، ولا تريد أن تعرفِّه بأنَّه زيدٌ أو عمرو. وكذلك إذا لم تُوعِدْ ولم تفخر أو تصغِّر نفسك؛ لأنَّك في هذه الأحوال تُعَرِّفُ ما ترى أَنَّهُ قد جُهِل، أو تُنزل المخاطَب منزلة من يجهل فخرًا أو تهدُّدًا أو وعيدًا؛ فصار هذا كتعريفك إياه
باسمه») (2).
ومن النحاة المعاصرين من تتبع الدلالات السياقية التي يمكن أن تأتي مع هذه الحال، فذكر أنها قد تأتي) (3):
- لبيان اليقين، نحو:«هو خالد معلوما» .
- الفخر، نحو:«أنا أبوك كريما» .
- التعظيم، نحو:«هو ربُّنا منعمًا» .
- التحقير، نحو:«هو سالم ذليلا» .
- التصاغر، نحو:«أنا عبد الله آكلا كما يأكل العبيد» .
- الوعيد، نحو:«أنا سعيد قاتلا» .
- الترحم، نحو:«هو المسكين مرحوما» .
- الذم، نحو:«هو زيد سارقا» .
- الإطماع، نحو:«هو ربُّنا غافرًا لمن يتوب» .
(1) سيبويه: الكتاب، 2/ 92
(2)
سيبويه: الكتاب، 2/ 80
(3)
د. فاضل السامرائي: معاني النحو، 2/ 308
ومن وظائف الحال أيضا «التنبيه» ، والتنبيه كما يقول العلماء: «هو إعلام ما في ضمير المُتَكَلِّم للمخاطب
…
من: نبَّهتُه على الشيء؛ بمعنى: وقفته عليه») (1).
وكما هو ظاهر من التعريف فَإِنَّ حالة التنبيه تتطلب: متكلم مُنبِّه، ومخاطَب مُنبَّه، ومُنَبَّه عليه؛ أي أَنَّ حالة التنبيه لابدَّ أَنْ ترتبط بسياق الحال بوجه من الوجوه.
يقول سيبويه في باب «ما ينتصب لأنَّهُ خبر للمعروف المبني على ما قبله من الأسماء المبهمة» : «والمعنى أَنَّكَ تريد أَنْ تنبِّهه له منطلقا، لا تريد أَنْ تعرفه عبد الله؛ لأَنَّكَ ظننت أَنَّهُ يجهله، فكَأَنَّك قلت: انظر إليه منطلقا، فمنطلقٌ حالٌ قد صار فيها عبدُ الله وحالَ بين منطلق وهذا كما حال بين راكب والفعل حين قلت: جاء عبد الله راكبا، صار جاء لعبد الله، وصار الراكب
حالا») (2).
لقد أشار سيبويه إلى أَنَّ الحال قد تأتي للتعبير عن «التنبيه» . ولكن يبدو أَنَّ الحال المنبِّهة ــ كما يبدو من كلام سيبويه ــ تأتي في جملة لها مواصفات مُعَيَّنَة، وهي أَنْ تبدأ بـ «اسم إشارة» مبنيٌّ عليه كلام، مثل الأمثلة التي أوردها:«هذا عبد الله منطلقًا، وهؤلاء قومك منطلقين، وذاك عبد الله ذاهبا، وهذا عبد الله معروفا» . فالأحوال في هذه الجمل للتنبيه.
ويبدو أن التنبيه المصاحب للحال في الأمثلة السابقة مصدره اسم الإشارة الذي يتصدَّر هذه الجمل. قال ابن يعيش بعد أن أورد كلام الزمخشري عن الأدوات «ها، ألا، أما» :
وتقييد سيبويه الحال المنبِّهة بالجملة الاسمِيَّة المبدوءة باسم إشارة يشهد لمنهجه الذي أوضحناه سلفا من تتَبُّعه للتراكيب اللُّغَوِيَّة في السِّياقات المختلفة، وربط التراكيب اللُّغَوِيَّة المُعَيَّنَة بدلالات مُعَيَّنَة.
(1) الكفوي: الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللُّغَوِيَّة، ت: عدنان درويش، محمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، ) بدون تاريخ للطبعة (، ص 288
(2)
سيبويه: الكتاب، 2/ 78، وينظر أيضا الموضع التالي: 2/ 87، والموضع: 2/ 152، ويفرق سيبويه بين الجمل التي تبدأ باسم الإشارة ((هذا، هؤلاء))، والجمل التي تبدأ بـ ((ذاك، أولئك، تلك))؛ فإذا جاء التركيب مع ذاك فالتنبيه لشيء متراخٍ. 2/ 78
(3)
شرح المفصل، 5/ 42، 43 طبعة دار الكتب العلمية.
وهذا التقييد يمكن أَنْ يفسر عقليًّا بأنَّ اسم الإشارة لابدَّ أَنْ يُصحَب بالمشار إليه، وذكر المشار إليه بعد اسم الإشارة لا يعطي للمخاطب كبير فائدة؛ فإذا ذكر الخبر بعد اسم الإشارة وبعد هذا الخبر حال؛ فلابد أَنْ يتَّجه إلى أَنَّ المقصود التنبيه؛ أي يدعم هذا التنبيه مع اسم الإشارة ويؤكده.
***
وقبل أَنْ ننهي كلامنا هنا عن تأثير قرينة السِّياق على الجملة الاسمِيَّة نحبُّ أَنْ نشير إلى بعض النقاط المُهِمَّة:
- إن فكرة القدر المعرفي المشترك بين المُتَكَلِّم والمخاطب اللازم لإيجاد المبتدأ اللازم بدوره لإيجاد الجملة الاسمِيَّة ليست مقصورة فقط على الجملة الاسمِيَّة، بل تمتد في بعض الأحيان إلى بعض النصوص الأدبيَّة والشعرِيَّة الحديثة؛ وأقصد هنا أَنَّ السامع لكي يتفاعل مع الجملة فلا بد أَنْ يبتدأ المُتَكَلِّم بشيء معروف بينه وبين السامع، وكذلك على نطاق القصيدة الشعرِيَّة لا بدَّ أَنْ تكونَ الفكرة الأساسيَّة لها واضحة بعض الشيء للقارئ لكي يستطيع الاستمتاع بها فكثير من هذه القصائد الشعرِيَّة الحديثة يستغلق فهمها على القارئ ولا يستطيع فض مغاليقها لأنَّهُ ليس هناك قدر مشترك من المعرفة في هذه النصوص بين الأديب والقارئ يبدأ منه الأديب ثُمَّ يبني عليه نصه الأدبي؛ فيتفاعل معه القارئ. والسبب أَنَّ الشاعر أوغل في ذاتيته، ولا يوجد قدر مشترك من المعرفة في القصيدة بينها وبين القارئ يمكن أَنْ ينطلق منها ليستمتع بالقصيدة. ولَعلَّ هذا قريب مما قاله أحد نقاد الأدب إذ يقول:«إِنَّ التعبير عن تجربة ذاتية بلغة تبلغ من الذاتية حد الابتعاد عن كافة المواضعات الاصطلاحية، وحدا يجعل كل اتصال مع الآخرين أمرا مستحيلا؛ ليكون أمرا مخالفا لوظيفة الفن» ) (1).
- ينسحب تأثير سياق الحال على الجملة الاسمِيَّة من حيث الابتداء بمعرفة أو من حيث عدم الاستغناء عن أحد ركنيها في إيصال المعنى ــ على أي شكل توجد فيه أو عليه الجملة الاسمِيَّة؛ بمعنى أَنَّ الجملة الاسمِيَّة إذا جاء مبتدؤها وخبرها مفعولين لأحد أفعال ظنّ فـ
«ليس لك أَنْ تقتصر على أحد المفعولين دون الآخر» ) (2)؛ لأَنَّ الاقتصار على أحد المفعولين سيُضيع الفائدة التي يريد المُتَكَلِّم إيصالها له. يقول سيبويه: «وإِنَّمَا مَنعك أَنْ تقَتصر على أحد المفعولين ههنا أنَّك إنّمَا أردْتَ أَنْ تبيّن ما استَقّر عندك من حال المفعول
(1) أرنست فيشر: ضرورة الفن، ترجمة: أسعد حليم، الهيئة العامة المصريَّة للكتاب، سلسلة مكتبة الأسرة، القاهرة، ط 1، ) 1998 م (، ص 227،
(2)
سيبويه: الكتاب، 1/ 39