المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 ــ المبحث الثالث: تحرك سيبويه بحرية في توجيهاته النحوية في حالة عدم اللبس: - قرينة السياق ودورها في التقعيد النحوي والتوجيه الإعرابي في كتاب سيبويه

[إيهاب سلامة]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ الدراسات السابقة:

- ‌ منهج البحث في أثناء الدراسة:

- ‌ خطة البحث

- ‌تمهيد

- ‌ ترجمة سيبويه

- ‌ الاسم والنشأة والوفاة:

- ‌ أسفاره العلميَّة:

- ‌ شيوخه:

- ‌ منزلة سيبويه العلميَّة:

- ‌ كتاب سيبويه:

- ‌ وقت تأليفه:

- ‌ القيمة العلميَّة للكتاب:

- ‌ منهج الكتاب:

- ‌ أهم المصطلحات المستخدمة في البحث:

- ‌ المصطلح الأول ((…السِّياق)):

- ‌ المصطلح الثاني ((…التَّقْعِيدالنَّحْوِيّ)):

- ‌ المصطلح الثالث ((…التوجيه الإعرابِيّ)):

- ‌ المصطلح الرابع ((…الأصل)):

- ‌ المصطلحات ((…الغالب، الكثير، القليل، الضعيف، الشاذ، الردئ

- ‌الفصل الأول: السياق والمنهج عند سيبويه

- ‌مقدمة:

- ‌المبحث الأول: سيبويه والسِّياق:

- ‌ سيبويه يقوم بالتَّقْعِيدالنَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ من خلال النصوص الحَيَّة المنطوقة:

- ‌اعتبار سيبويه للسياق:

- ‌المخاطب والمُتَكَلِّم أبرز عناصر سياق الحال التي اهتَمَّ بها سيبويه:

- ‌ المبحث الثاني: خطوات إجرائِيَّة ومنهجِيَّة قبل التقيعد النَّحْوِيّ والتوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه:

- ‌1 ــ تصنيف اللُّغَة إلى تراكيب نمطِيَّة مُجَرَّدة:

- ‌2 ــ الإحصاء العددي للتراكيب النَّمَطِيَّة:

- ‌3 ــ تتَبُّع التركيب اللغويّ المُعَيَّن قيد البحث في السِّياقات المختلفة وربطه بدلالة السِّياق إِنْ وجدت:

- ‌4 ــ معايشة التراكيب اللُّغَوِيَّة في نصوصها المنطوقة:

- ‌الفصل الثاني: دور سياق الحال في التوجيه الإعرابِيّ عند سيبويه

- ‌1 ــ المبحث الأول: أهمِيَّة سياق الحال في التوجيهات الإعرابِيّة عند سيبويه:

- ‌أوجود تراكيب نحوِيَّة لا يصِحُّ تركيبُها ولا تصِحُّ كينونتُها وبالتالي لا يصِحُّ توجيهها نحويا إلا إذا قامت قرينة من سياق الحال تُصَحِّحُها:

- ‌ب وجود تراكيب نحوِيَّة توجَّه في إطار معرفة قرينة السِّياق:

- ‌ت يستعين به أحيانا في شرح توجيهه:

- ‌ث يفسِّرُ بالسِّياق مَرْجِعِيَّة الضمير:

- ‌ج خطورة عدم الاعتداد بقرينة السِّياق وأثره في التوجيه:

- ‌2 ــ المبحث الثاني: إثراء السِّياق للتوجيهات الإعرابِيّة والدِّلالِيَّة:

- ‌ حال المُتَكَلِّم ودوره في التوجيه الإعرابِيّ وإثرائه:

- ‌ المخاطب ودوره في التوجيه الإعرابِيّ وإثرائه:

- ‌3 ــ المبحث الثالث: تَحَرُّك سيبويه بحُرِّيَّة في توجيهاته النحوِيَّة في حالة عدم اللَّبس:

- ‌الفصل الثالث: دور السِّياق في التَّقْعِيد النَّحْوِيّ عند سيبويه

- ‌المبحث الأول: سياق الحال والجملة الاسمِيَّة:

- ‌ السِّياق والابتداء بالمعرفة:

- ‌ الحذف في الجملة الاسمِيَّة وسياق الحال:

- ‌ قرينة السِّياق والحال النَّحْوِيّ:

- ‌المبحث الثاني: سياق الحال والجملة الفعلِيَّة وما يتعلق بها:

- ‌ سياق الحال يُؤَثِّر في كينونة الجملة الفعلِيَّة أيضا:

- ‌ الترتيب بين العناصر المكوِّنة للجملة الفعلِيَّة:

- ‌ السِّياق وإعمال اسم الفاعل عمل الفعل:

- ‌ نواصب الفعل المضارع:

- ‌ المفعول المطلق:

- ‌ دور قرينة السِّياق في إعمال ظن وأخواتها أو إلغاء عملها:

- ‌ الحذف في الجملة الفعلِيَّة:

- ‌المبحث الثالث: سياق الحال والتوابع:

- ‌ أولا البدل:

- ‌ ثانيا التوكيد:

- ‌ ثالثا النعت:

- ‌ رابعا العطف:

- ‌المبحث الرابع: سياق الحال والأساليب النحوِيَّة:

- ‌1 ــ أسلوب الاستفهام:

- ‌2 ــ أسلوب النفي:

- ‌3 ــ أسلوب التفضيل:

- ‌4 ــ أسلوب النداء:

- ‌5 ــ أسلوب التحذير والإغراء والاختصاص:

- ‌6 ــ أسلوب الاستثناء:

- ‌7 ــ أسلوب القسم:

- ‌8 ــ النصب على التعظيم أو الذم:

- ‌المبحث الخامس: سياق الحال والأدوات النحوِيَّة:

- ‌ المبحث السادس: سياق الحال والتنوين والتنكير والتعريف:

- ‌الفصل الرابع: سياق الحال والقواعد الصَّرْفِيَّة

- ‌ المبحث الأول: سياق الحال ودلالة الفعل الزَّمَنِيَّة والمصادر والمشتقات

- ‌أ - سياق الحال والدِّلَالَة الزَّمَنِيَّة للفعل:

- ‌ج - سياق الحال ودلالة أوزان المصدر:

- ‌ح - سياق الحال ودلالة المشتقات:

- ‌ المبحث الثاني: سياق الحال ومعاني الأوزان الصَّرْفِيَّة:

- ‌الفصل الخامسالسِّياق وسيبويه والنظَرِيَّةالنحوِيَّة

- ‌ المبحث الأول:‌‌ تعريف مصطلح النظَرِيَّة، وأهم خصائص النظَرِيَّةالعلميَّة:

- ‌ تعريف مصطلح النظَرِيَّة

- ‌ أهم خصائص النظَرِيَّة العلميَّة:

- ‌ المبحث الثاني:‌‌ النظَرِيَّة النحوِيَّة السِّياقِيَّة:

- ‌ النظَرِيَّة النحوِيَّة السِّياقِيَّة:

- ‌ نقد نظَرِيَّة العامل:

- ‌الخاتمة

- ‌قائمة المصادر والمراجع

- ‌أولا ـ المصادر والمراجع العربِيَّة

- ‌ثانيا المراجع الأجنبية

- ‌ثالثا: المجلات والدوريات

- ‌ملخص الرسالة

الفصل: ‌3 ــ المبحث الثالث: تحرك سيبويه بحرية في توجيهاته النحوية في حالة عدم اللبس:

وكان من الممكن الاكتفاء بالتوجيه الأول: الجر على النعت أو البدل، ولكن عند تخيل وجود سياق حواري متخيل من متكلم ومخاطب أثري التوجيه النَّحْوِيّ والدِّلَالِيّ وأثر فيه) (1).

***

‌3 ــ المبحث الثالث: تَحَرُّك سيبويه بحُرِّيَّة في توجيهاته النحوِيَّة في حالة عدم اللَّبس:

مما يتعلق بكلامنا: «دور سياق الحال في التوجيه الإعرابِيّ» أَنْ نُقَرِّر أَنَّ سيبويه كان يجيز كل التوجيهات النحوِيَّة الممكنة لمسألة نحوِيَّة ما بحُرِّيَّة ما دام لا توجد قرينة تمنع أحد هذه التوجيهات مثل قرينة سياق الحال.

ومن أمثلة هذا التوجيه «الحر» غير المقيَّد بقرينة:

أـ يذكر سيبويه قول عمرو بن مَعْدِ يكرب:

الحربُ أوّلٌ ما تكونُ فُتيَّةً

تسعى بزينتها لكلِّ جَهولِ [بحر الكامل]

ويقول عنه: «هذا البيت تنشده العرب على أوجه بعضهم يقول

:

*الحربُ أوّلَ ما تكون فُتَيَّةٌ*

أي إذا كانت في ذلك الحين، وبعضهم يقول:

*الحربُ أوّلُ ما تكون فُتَيَّةً*

كَأَنَّه قال: الحربُ أوّلُ أَحوالِها إذا كانتْ فتَيَّةً، كما تقول: عبدُ الله أحسنُ ما يكون قائما. ومن رَفَعَ الفُتَيَّة ونَصَب الأوّل على الحال قال: البُرُّ أَرْخَصَ ما يكون قَفيزانِ. ومن نَصَبَ الفُتَيَّة ورَفَعَ الأوّل قال: البُرُّ أَرْخَصُ ما يكون قَفيزَيْن») (2).

ويلخص الأستاذ هارون الأوجه الإعرابِيّة في البيت السابق بشكل أوضح قائلا: «والشاهد فيه رفع ((أول)) ونصب ((فتية)) والعكس، ورفعهما جميعا ونصبهما على تقديرات مختلفة. فتقدير الأول: الحرب أول أحوالها إذا كانت فتية، ففتية فيه حال ناب مناب الخبر للمبتدإ الثاني، وتقدير الثاني:

(1) ومن الأمثلة المشابهة لما ورد في نصّ سيبويه هنا قوله: ((وتقول: مررت بأخوَيْك الطويل والقصير، ومررتُ بأخوَيك الراكع والساجد، ففي هذا البدل، وفي هذا الصفة، وفيه الابتداء، كما كان ذلك في مررت برجلين صالح وطالح)). 2/ 8

(2)

سيبويه: الكتاب، 1/ 401 ــ 402

ص: 165

الحرب في أول أحوالها فتية، فأول نصب على الظرفية. وتقدير الثالث والرابع أوضحهما سيبويه») (1).

هكذا يقدم سيبويه توجيهاته النحوِيَّة بدون تحفظ على توجيه ما لعدم وجود قرينة تمنع توجيها وتسمح بآخر؛ وهذا يؤكِّد ما ذهب إليه علماؤنا أَنَّ «تعَدُّد المعنى يكشف عن عدم كفاية القرائن» (2)

ب ــ يوجه سيبويه قول من قال: دخلوا الأولَ فالأولَ بالنصب والرفع، النصب على الحال، كَأَنَّه جرى مجرى قولنا «واحدًا فواحدًا ودخلوا رجُلا رجلا» ، ويجوز الرفع فنقول:«دخلوا الأولُ فالأولُ، جعله بدلا، وحمله على الفعل، كَأَنَّه قال: دخل الأولُ فالأولُ» ) (3).

والواقع أَنَّنا يمكن أَنْ نعطي عشرات الأمثلة على هذا التوجيه الحر، فالكتاب يفيض به في الكثير من المواضع) (4). لكن ما يهمنا هنا المواضع التي تَدَخَّلَ فيها سياق الحال فمنع توجيها نحويا ما وسمح بآخر؛ أي: المواضع التي اتخذ فيها سيبويه سياق الحال كـ «قرينة» لمنع توجيه ما أو إجازته. وفيما يلي مجموعة من الأمثلة فيها توجيهات نحوِيَّة استغل سيبويه فيها سياق الحال في عَمَلِيَّة التوجيه:

1 ــ المثال الأول:

أحد الأمثلة المُهِمَّة التي استغل فيها سيبويه سياق الحال في التوجيه النَّحْوِيّ نجدها عند مناقشته لبيت امرئ القيس:

فَلَو أَنَّ ما أَسعى لِأَدنى مَعيشَةٍ

كَفاني وَلَم أَطلُب قَليلٌ مِنَ المالِ [بحر الطويل]

في هذا البيت لدينا فعلان «كفاني» و «أطلب» ، وكلاهما يطلبان كلمة «قليل» كمعمول، الفعل «كفاني» يطلبها فاعلا له، والفعل «أطلب» يطلبها مفعولا به. ونظريا وبعيدا عن السِّياق فَإِنَّ كلمة ((قليل)) يمكن أَنْ تُنْصب على أنَّها مفعولا به، ويكون المعنى: ((فلو أَنَّ ما أسعى لأدنى معيشة لم أطلب قليلا من المال» أي أَنَّ امرأ القيس: «ما سعى لأدنى معيشة، ومع ذلك فقد طلب قليلا من

(1) سيبويه: الكتاب، 1/ 401، الحاشية ذات الرَّقْم 3

(2)

د. تَمَّام حسان: البيان في روائع القرآن، 1/ 164

(3)

سيبويه: الكتاب، 1/ 398

(4)

ينظر على سبيل المثال هذا التوجيه الحر في: الموضع: 1/ 274 ــ 275 مع قوله: ((شأنك والحج)

والموضع: 1/ 432 مع قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} آل عمران: 13، والموضع: 1/ 286 مع قوله ((ألا رجل إما زيدا وإما عمرا .. ))، والموضع: 1/ 345 مع قول الشاعر: ((أعبدًا حل في شُعَبى غريبًا

))، والموضع: 2/ 147 مع قوله ((إِنَّ زيدًا منطلق العاقلُ اللبيب))، والموضع: 2/ 406 عند مناقشة قوله ((أي من يأتينا يريد صلتنا فنحدثُه)). والموضع: 2/ 11 عند مناقشة قوله: ((سير على اللص اليوم)).

ص: 166

المال)). أَمَّا إذا أتت ((قليل)) فاعلا للفعل «كفاني» فَإِنَّ المعنى يكون: «لو أَنَّ ما أسعى لأدنى معيشة كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك» ) (1).

نعود للتوجيه ثانية ونقول: بناء على هذين المعنيين اللذين وقفنا عليهما فأيُّ التوجيهين يقبل، وأيُّهما يرفض؟ بالطبع يرفض التوجيه الإعرابِيّ الأول «نصب قليلا» ؛ لأَنَّ مقتضاه المعنى الأول، وهذا المعنى ينافي سياق الحال المعروف عن امرئ القيس وقصته في طلب ملك أبيه) (2)؛ لذلك فَإِنَّ سيبويه قال ببراعة عند ذكر هذا البيت:

«فَإِنَّما رفع؛ لأنَّهُ لم يجعل القليل مطلوبا، وإِنَّمَا كان المطلوب عنده الملك وجعل القليل كافيا، ولم يرد ذلك ونصب؛ فسد المعنى» ) (3).

أي أَنَّ المعنى مع حالة النصب سيتناقض مع سياق الحال المعروف من قصة امرئ القيس؛ لذلك مُنِع توجيه النصب وأجيز الرفع. قال ابن يعيش: «وتلخيص معنى البيت: إنني لو سعيت لمنزلة دنيَّة، كفاني قليل من المال، ولم أطلب الكثير؛ ألا ترى أنَّه قال في البيت الثاني:

ولكنما أسعى لمجد مؤثل

وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي

ولو نصب «قليلا» بـ «أطلب» استحال المعنى، وصار التقدير: كفاني قليل ولم أطلب

قليلا») (4).

2 ــ المثال الثاني:

في باب الاختصاص يورد سيبويه بعض الشواهد على هذا الأسلوب، منها قول رؤبة:

راحَتْ وَراحَ كَعَصَا السَيْسابْ

بِنَا تَمِيمًا يَكْشِفُ الضَبابْ [بحر الرجز]

ويستشهد بهذا البيت على نصب «تميمًا» على الاختصاص. ويورد في نفس الباب بيتًا آخر مشابه لبيت رؤبة، هو بيت لبيد الذي يقول فيه:

(1) ينظر: فخر الدين الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 3، ) 1420 هـ (، 1/ 66 إذ تعرض لتفسير هذا البيت، وما نقل عاليه من كلامه.

(2)

يقول المؤرخون إِنَّ امرأ القيس هو حندج بن حُجْر، كان أبوه يمني الأصل، ملكا على بني أسد وغطفان بنجد، وانغمس هو في اللهو والخمر والصيد. قَوَّضَ بنو أسد ملك أبيه وقتلوه؛ فتلمس معاونة القبائل في الثأر لأبيه، واستعادة ملكه. ينظر التفاصيل التاريخِيَّة الكاملة لهذا: ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ت: عمر عبد السلام، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1، ) 1997 م (، 1/ 461.

(3)

سيبويه: الكتاب، 1/ 79

(4)

شرح المفصل: 1/ 212

ص: 167

نَحنُ بَنو أُمِّ البَنينَ: الأَربَعَه

وَنَحنُ خَيرُ عامِرِ بنِ صَعصَعَه [بحر الرجز]) (1).

منع فيه سيبويه نصب «بنو» على الاختصاص ولم يجز إلا الرفع على الخبرِيِّة، يقول:«فلا ينشدونه إلا رفعًا؛ لأنَّهُ لم يرد أَنْ يجعلهم إذا افتخروا أَنْ يُعرفوا بأن عدتهم أربعة، ولَكِنَّه جعل الأربعة وصفا ثُمَّ قال: المطعمون الفاعلون، بعدما حلّاهم ليعرفوا» ) (2).

هذا التعليل من سيبويه لمنع توجيه النصب بهذا السبب السِّياقي يدل على أَنَّهُ يستحضر ملابسات السِّياق الذي قيلت فيه القصيدة، وهو لا يستحضر هذه الملابسات فقط بل يعايشها ويمتزج بالقصيدة ومعانيها، ويُعينه على هذا الاستحضار لسياق الحال أَنَّ القصيدة في حالة «إنشاد» ، أي أَنَّ القصيدة حية منطوقة أمامه، وإن كانت الملابسات الدقيقة الفعلِيَّة التي ارتبطت بالقصيدة وقت قولها ليست متوفرة لديه إلا أَنَّهُ يمكنه تتَبُّعها تاريخيا كما فعل ذلك في بعض التراكيب النحوِيَّة كما أثبتنا هذا من قبل، وهذا ديدنه ومنهجه مع النصوص التي يُقعِّد من خلالها قواعد اللُّغَة كما أثبتنا سلفا عن منهجه.

3 ــ المثال الثالث:

في باب الفاء ناقش سيبويه نصب الفعل المضارع بعد فاء السببية وذكر عددا من الأمثلة على ذلك، ثُمَّ أتى إلى بيتين من أبيات النابغة يقول فيهما:

ولا زالَ قَبرٌ بَينَ تُبْنَى وَجاسِمٍ

عليه مِنَ الوَسمِيِّ جَوْدٌ وَوابِلُ

فيُنبِتُ حَوذانًا وَعَوفًا مُنَوِّرًا

سَأُتبِعُهُ مِن خَيرِ ما قالَ قائِلُ

[بحر الطويل]

ولم ينصب الفعل «فيُنبِتُ» ــ مع تجويز الخليل لتوجيه النصب ــ وقال: «وذلك أَنَّهُ) أي الشاعر (لم يرد أَنْ يجعل النبات جوابا لقوله: ولا زال، ولا أَنْ يكون متعلقًا به، ولَكِنَّه دعا ثُمَّ أخبر بقصة السحاب، كَأَنَّه قال: فذاك يُنْبِتُ حَوذانًا، ولو نصب هذا البيت قال ــ كما الخليل ــ لجاز، ولكنا قبلناه رفعا» ) (3).

فالسبب في «الرفع» أن الشاعر «دعا» ولم يُرد أن يجعل هذا الدعاء سببا في الإنبات، ولكنه ابتدأ كلامًا جديدا) قصة السحاب (مبدوءًا بجملة اسمية «ذاك ينبت

» تحمل «فائدةً» للمخاطب وتعطي «دلالة على الثبات والاستمرارية» يقصدها الشاعر.

(1) والبيت التالي لهذا البيت كما ورد في تاج العروس:

المُطْعِمُون الجَفْنَة المُدَعْدَعَهْ والضارِبُونَ الهامَ تَحْتَ الخَيْضَعَهْ

(2)

سيبويه: الكتاب، 2/ 235

(3)

سيبويه: الكتاب، 3/ 37

ص: 168

وما كان لسيبويه أَنْ يتَّجه إلى هذا التوجيه إلا بدلالة العلامة الإعرابِيّة «الضمة» على نهاية الفعل «تنبت» التي كانت القرينة على عدم وجود سببية في البيت فينصب الفعل «ينبت» . وذهبت به إلى ما ذهب من تأويل.

ويعلق بتعليق مشابه على بيت يشبه البيت السابق، يقول فيه الشاعر) جميل (:

أَلَم تَسأَلِ الرَّبعَ القَواء فَيَنطِقُ

وَهَل تُخبِرَنكِ اليَومَ بَيداءَ سَملَقُ

[بحر الطويل]

ويعلق قائلا: «لم يجعل الأول سببا للآخر، ولَكِنَّه جعله ينطق على كل حال، كَأَنَّه قال: فهو مما ينطق، كما قال: ائتني فأحدِّثُك، فجعل نفسه ممن يحدثه على كل حال» ) (1).

الفعل «ينطقُ» مرفوع «وهو مبنيٌّ على مبتدأ محذوف؛ أي: هو ينطق، ولا يضر اقترانه بالفاء، فإنَّها فيه للاستئناف لا للعطف ولا للسببية» ) (2)؛ أي أنَّ حالة الرفع تضعنا أمام جملة اسمية «هو ينطق» ، والجملة الاسمية تفيد الثبات والاستمرارية على كل حال. واختيار الشاعر لهذا التوجيه

«الرفع» مع إمكانية النصب لا بد وأن يرتبط بالحالة النفسية للشاعر المتأثر بسياق حال ما.

ويثير هذا البيت وما قبله عدة ملحوظات:

ــ الأولى: عبارة سيبويه: «ولو نصب هذا البيت ــ كما قال الخليل ــ لجاز، ولكنا قبلناه رفعا» وردت بين البيتين السابقين وليس من الواضح تماما أي البيتين تقصده هذه العبارة: بيت النابغة أم بيت جميل، ولكن يبدو أنها قيلت قبل الثاني بيت جميل. وهذه العبارة ــ بغض النظر لأي البيتين توجهت ــ مثيرة للاهتمام، فسيبويه فضل حالة الرفع على النصب؛ لأنَّهُ «تلقاه رفعا» أي «تلقى البيت مرفوعا كما تتلقى القابلة الولد» على حد تعبير الأستاذ هارون في الهامش، وهذا يعني أَنَّ سيبويه كان يفضل الواقع اللغويّ على القياس، وأنَّ هذا الواقع اللغويّ مقدم عنده على القياس، وليس العكس كما أشار عدد من الباحثين، وقد كان في مُكنته أَنْ يجيز حالة النصب، وخاصة أَنَّ أستاذه الخليل قد أجازه، أي أَنَّ هذا الموضع من الأدِلَّة التي تذكر على تفضيله الواقع اللغويّ الحي على القياس.

ــ الثانية: وتشير نفس الجملة إلى اعتماده على الواقع الحي لِلُّغَة، أي اللُّغَة منطوقة ومنشدة.

ــ الثالثة: أَنَّ هذه العبارة تشير أيضا إلى استقلالية منهجِيَّة عند سيبويه بعيدة نوعا ما عن أستاذه الخليل.

ــ الرابعة: أَنَّهُ تلقاه رفعا ثُمَّ فسره بتخيل سياق حال يوجد فيه الشاعر.

(1) سيبويه: الكتاب، 3/ 37

(2)

خالد الأزهري: التصريح بمضمون التوضيح، 2/ 281

ص: 169

4 ــ المثال الرابع:

في قولنا: «إِنَّ زيدًا منطلق لا عمرو» و «إِنَّ زيدًا منطلقٌ وسعيدٌ» فَإِنَّ سيبويه يجيز في كلمتي «عمرو وسعيد» وجهين إعرابيين: الأول: الرفع على الابتداء، والثاني: النصب عطفا على زيد. وإذا استبدلنا «لعل أو ليت أو كَأَنَّ» بـ «إِنَّ» في الأمثلة السابقة وقلنا مثلا: «ليت زيدًا منطلق وعمرًا» ؛ فإِنَّهُ في هذه الحالة لا يجوز في «عمرو وسعيد» إلا النصب، يقول سيبويه:«واعلم أَنَّ لَعلَّ وكَأَنَّ وليت ثلاثتهن يجوز فيهن جميع ما جاز في إِنَّ، إلا أَنَّهُ لا يرفع بعدهن شيء على الابتداء، ومن ثَمَّ اختار الناسُ ليتَ زيدا منطلقٌ وعمرًا وقَبُح عندهم أن يحملوا عمرا على المضمر حتى يقولوا هُوَ، ولم تكن ليتَ واجبةً ولا لَعَلَّ ولا كأَنَّ، فقبُح عندهم أن يُدخلوا الواجبَ في موضع التَّمَنِّى فيصيروا قد ضموا إلى الأوَّل ما ليس على معناه بمنزلة إن» ) (1).

قال ابن السَّرّاج معلقا وموضحا نص سيبويه السابق: «يعني أنَّكَ لو قلت: ليت زيدًا منطلق وعمرو، فرفعت عمرا كما ترفعه إذا قلت: إنَّ زيدا منطلق وعمرو، فعطف عمرا على الموضع، لم يصلح من أجل أنَّ ليت وكأنَّ ولعلَّ لها معان غير معنى الابتداء، وإنَّ: إنَّما تؤكِّد الخبر والمعنى معنى الابتداء والخبر، ولم تُزل الحديث عن وجوبه وما كان عليه» ) (2).

إذن السبب في عدم جواز الرفع على الابتداء في الاسم الواقع بعد هذه الحروف ــ كما يقول ابن السراج وكما قال السيرافي ــ أَنَّ «حمل المعطوف على هذه الحروف على الابتداء يغير المعنى الذي أحدثته هذه الحروف من التمني والتشبيه والترجي؛ فلذلك لم يحملوه على الابتداء» ) (3). إن الرفع يقتضي الخبرية، والمبتدأ محذوف، ومن يُخبر يخبر بشيء وقر لديه في الماضي، واستخدام ليت / لعل، يدل على المستقبل فالرفع مع لعل فيه نوع من التناقض في المعنى؛ لذلك منع سيبويه الرفع.

والتمني والتشبيه والرجاء أمور ترتبط بالمُتَكَلِّم الموجود في سياق حال ما؛ أي أَنَّ تمنِّي المُتَكَلِّم ورجاءه وتشبيهه كانت قرائن سِيَاقِيَّة منعت توجيه الرفع. فهو الذي أتى بهذه الأدوات بدافع السياق لكي يتمنَّى أو يشبّه أو يترجَّى.

(1) سيبويه: الكتاب، 2/ 146

(2)

الأصول: 1/ 241

(3)

سيبويه: الكتاب، 2/ 146، الحاشية ذات الرَّقْم 4 حيث نقل الأستاذ هارون كلام السيرافي.

ص: 170

5 ــ المثال الخامس:

في باب «هذا باب من الاختصاص يجري على ما جرى عليه النداء» يذكر فيه بيت الصَّلَتانِ العَبْدي) (1):

يا شاعرًا لا شاعرَ اليومَ مثلَه

جريرٌ ولكن في كليبٍ تواضعُ

[بحر الرجز]

ينقل سيبويه عن هذا البيت كلام الخليل ويُونُس في نصب كلمة «شاعرًا» وأنَّها لا تصح أَنْ تكونَ منادى «وإِنَّمَا انتصب على إضمار؛ كَأَنَّه قال: يا قائل الشعر شاعرًا، وفيه معنى حسبك به شاعرًا» ) (2). ويُزِيد الأستاذ هارون الأمر وضوحًا فيقول شارحا هذا الموضع:

«والشاهد فيه) أي البيت السابق (نصب «شاعرًا» على الاختصاص والتعجب، والمنادى محذوف تقديره: يا هؤلاء، أو يا قوم، حسبكم به شاعرًا. وإِنَّمَا امتنع أَنْ يكون منادى؛ لأنَّهُ نكرة عنده يدخل فيه كل شاعر بالحضرة، وهو إِنَّمَا قصد شاعرًا بعينه، وهو جرير، فلو كان منادى لبني حينئذ على الضم») (3). أي أَنَّ كلمة «شاعرًا» ليست منادى، وليست منصوبة على النداء؛ إذ لو كانت كذلك لبنيت على الضم؛ لأَنَّ سياق الكلام متوجه لشخص مُحَدَّد معروف اسمه «جرير» ، فكان لا بدَّ من منع توجيه النصب على النداء؛ لأَنَّ النصب يعني أَنَّ المنادى نكرة غير مقصودة، ولن يكون موجّها لشخص محدّد؛ وهذا مما يتنافى مع سياق الحال الذي يقال فيه البيت.

6 ــ المثال السادس:

في بعض الأحيان يلجأ سيبويه إلى قرينة سياق الحال في توجيهه ولَكِنَّه لا يذكر اعتماده عليها من قريب أو بعيد، ولكن تأمُّل كلامه يوجب أَنّه لا بد وقطعًا لجأ إلى هذه القرينة. والتالي مثال على ذلك.

(1) هذا البيت قاله الصّلتان العبدي، يفضِّل جريرا على الفرزدق في الشعر، ويفضل الفرزدق على جرير في الشرف والشاهد: نصب ((شاعرا)) على الاختصاص والتعجب، والمنادى محذوف تقديره: يا هؤلاء، حسبكم به شاعرا، وإنَّما امتنع أن يكون منادى؛ لأنَّه نكرة يدخل فيه كل شاعر بالحضرة، وهو إنَّما قصد شاعرا بعينه، وهو جرير، فلو كان منادى، لبني حينئذ على الضم. ينظر: محمد محمد حسن شُراب: شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 1، 2007 م، 2/ 92

(2)

سيبويه: الكتاب، 2/ 237

(3)

سيبويه: الكتاب، 2/ 237، الحاشية ذات الرَّقْم 1

ص: 171

من التراكيب النحوِيَّة التي تناقش في باب الاشتغال التراكيب التي تمثلها الجمل التالية: «إنِّي زيدٌ لقيته، وأنا عمرو ضربته، وليتني عبدُ الله مررت به» ، وهي جمل يجوز في الأسماء «زيد، عمرو ــ عبد الله» نصبها، ورفعها، والاختيار الرفع) (1).

ومع هذا نجد سيبويه عند توجيهه لقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر: 49 يقول:

«فأما قوله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فَإِنَّما هو على قوله: زيدًا ضربته، وهو عربي

كثير») (2).

أي أَنَّهُ يختار النصب في الاسم المشغول عنه «كل» ، مع أَنَّ الآية تشبه في تركيبها الجمل التي ذكرناها آنفا، أي أَنَّهُ من المفروض أَنْ يكون الأولى الرفع، فلماذا منع الرفع وأجيز النصب مع أَنَّ الرفع أولى؟ السبب هو وجود قرينة يمكن أَنْ نسميها قرينة «الخلفيَّة العَقِيدِيّة الشَّرْعِيَّة». إِنَّنَا إذا قلنا بالرفع فمن الممكن أَنْ يكون معنى الآية: أَنَّ هناك ما خلقه الله وهناك ما لم يخلقه، وأنَّ ما خلقه خلقه بقدر؛ أي أَنَّ توجيه الرفع يُفقدُ الآية عمومها، يقول السيرافي:«يجوز أَنْ يكون «خلقناه» نعتًا لـ «شيء» ، و «بقدر» خبر لكل، ولا يكون فيه دلالة على خلق الأشياء كلها، بل يدل على أَنَّ ما خلقه منها خلقه بقدر») (3). وهذا تفسير فاسد. أَمَّا على النصب فالآية تفيد العموم، أي أَنَّ كل شيء قد خلقه الله بقدر.

وسيبويه لم يشر إلى هذه القرينة، ولكن سياق الكلام يشير إلى أَنَّهُ لجأ إليه.

تلك ستة أمثلة توضح دور قرينة سياق الحال في التوجيه النَّحْوِيّ، وأنَّها قد تسمح بتوجيه وتمنع آخر) (4).

(1) السيرافي: شرح كتاب سيبويه، 2/ 7، ويقسم العلماء حالات إعراب الاسم المشغول عنه إلى أربعة حالات: تارة يترجح نصبه، وتارة يجب، وتارة يترجح رفعه وتارة يجب، وتارة يستوي الطرفان، ويترجح رفع الاسم المشغول عنه إذا لم يأت في حالة من الحالات الثلاث السابقة. ينظر: ابن هشام: قطر الندى وبل الصدى، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، ط 11، ) 1383 هـ (، ص 193 وما بعدها.

(2)

سيبويه: الكتاب، 1/ 148

(3)

شرح كتاب سيبويه: 2/ 8

(4)

ومن المواضع التي رصدناها لدور قرينة السِّياق في التوجيه الإعرابِيّ الموضع 1/ 304 عند مناقشة سيبويه لجملة ((أنت وشأنك))، والموضع 1/ 391 عند مناقشته لجملة ((بايعته يدًا بيد))، والموضع 1/ 91 عند توجيهه لكلمة ((طائفة)) في قوله تعالى:{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} آل عمران: 154، وما قاله السيرافي من توجيهات أخرى لنفس الكلمة [1/ 388]، والموضع 1/ 319 عند مناقشته للمصادر التي تنصب بفعل محذوف مختزل، ومنها ((حمدًا وشكرًا لا كفرًا

)) ومناقشة قوله تعالى: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الأعراف: 164، وهو من المواضع المُهِمَّة التي لم نثبتها في المتن خوف الإطالة

ص: 172

بقي أَنْ نشير هنا إلى أَنَّهُ في بعض الأحيان قد تمتزج قرينة سياق الحال مع قرينة المعنى اللغويّ في التوجيه النَّحْوِيّ، وهذا ما فهمتُه من مناقشة سيبويه للجمل التالية:

أما علمت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا.

ب ما ضربت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا.

ت ما رأيت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا.

في الجملة الأولى «أ» المستثنى «زيد» يجوز فيه النصب، وقال سيبويه «وإن شئت

رفعت») (1).

ووجه إجازة النصب أَنَّهُ «على الاستثناء، أو على البدلية من كلمة «أحد» المنصوبة، ويجوز فيها الرفع على البدلية من الفاعل المستتر في الفعل المضارع») (2). والأولوية هنا للنصب فهو الأولى كما يقول سيبويه: «وإِنَّمَا اختير النصب هنا؛ لأنَّهم أرادوا أَنْ يجعلوا المستثنى بمنزلة المبدل منه

وهذا وصف أو خبر») (3). أي أَنَّ أسلوب الاستثناء هنا تام منفي فيجوز في المستثنى النصب على الاستثناء أو البدل من المستثنى منه المنصوب في الجملة السابقة. واختيار النصب تبع لـ

«إرادة المُتَكَلِّم وسياق حاله» كما أشار سيبويه عاليه.

أما الجملة الثانية «ب» لا يجوز فيها إلا النصب؛ «وذلك لأَنَّكَ أردت في هذا الموضع أَنْ تخبر بموقوع فعلِك؛ ولم ترد أَنْ تخبر أَنَّهُ ليس يقول ذاك إلا زيدٌ، ولكنك أخبرت أَنَّكَ ضربت ــ ممن يقول ذاك ــ زيدًا» ) (4). في هذه الجملة يريد المُتَكَلِّم أَنْ يخبر بـ «على من وقع ضربه» ، ولم يرد أَنْ يخبر أَنَّ جملة «ما ضربت أحدًا» من أقوال زيد؛ أي أَنَّهُ لم يرد أَنْ يقول: يقول زيدٌ: ما ضربت أحدًا. وأحد الأسباب التي منعت هذا التوجيه إرادة المُتَكَلِّم المرتبطة بسياق الحال. ولكن هناك سبب آخر، ما هو؟

إذا وضعنا الجملتين السابقتين تحت بعضهما، هكذا:

• ما علمت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا.

(1) سيبويه: الكتاب، 2/ 313

(2)

أ / عباس حسن: النحو الوافي، 2/ 337

(3)

سيبويه: الكتاب، 2/ 313

(4)

سيبويه: الكتاب، 2/ 313

ص: 173

• ما ضربت أحدًا يقول ذاك إلا زيدًا.

وتساءلنا ما الفرق بين الجملتين الذي جعل الأولى لها توجيهان إعرابيان وجعل للثانية توجيها إعرابيا واحدًا؟ الجملتان تركيبهما واحد: «أداة نفي) ما (+ فعل متعدي + مفعول به + جملة فعلِيَّة وصفية + أداة استثناء) إلا (+ مستثنى منصوب» ، والجملتان تتدخَّل فيهما إرادة المُتَكَلِّم. لم يبق هنا من فارق سوى «المعنى اللغويّ للفعل المتعدي» ، وهذا يعني أَنَّ سياق الحال يندمج مع المعنى اللغويّ أحيانا في التوجيه النَّحْوِيّ. ويؤكد كلامنا هذا الجملة الثالثة «ج» ؛ فيتوقَّف المنع والإجازة على المعنى المراد من «رأيت» ، فإذا كان السِّياق يشير إلى أَنَّ رأى قلبية بمعنى علمت؛ فيجوز الوجهان، وإذا كان السِّياق يشير إلى أنَّها بصرية بمعنى شاهدت؛ فيجوز وجه واحد فقط) (1).

وقبل أَنْ أترك الكلام هنا أحبُّ أَنْ أشير إلى منهجِيَّة بسيطة تعلمها الباحث من سيبويه، واستغلها في مناقشة المثال السابق. هذه المنهجِيَّة هي «أَنَّ سيبويه كان يأتي بالتراكيب اللُّغَوِيَّة المتقاربة والمتشابهة ويقارنها ببعضها البعض ويخرج من خلال هذه المقارنة بالفروق الدِّلالِيَّة بينها» ، وقد كان هذا ديدنه على مدار صفحات الكتاب. وهذه الآلية المنهجِيَّة تذكرنا بآلية منهجِيَّة شبيهة عند علماء اللُّغَة المعاصرين وهي آلية ((الثُّنائِيَّة الصغرى Minimal pair») (2) . وهي آلية خاصة بتحديد الأصوات الموجودة في لغة ما من خلال مقارنة لفظتين مختلفتي المعنى أو أكثر مثل: «تاب، طاب ناب

». ومقصدي من هذا الكلام هو إبراز التشابه الواضح بين الفكرتين والطريقتين من خلال المقارنة وإن كان مجال سيبويه التراكيب اللُّغَوِيَّة، ومجال الـ Minimal pair الأصوات اللُّغَوِيَّة.

بقيت كلمة ختامية نقولها في ختام حديثنا عن الجزئيَّة التي عَنْوَنَّاها بـ «تَحَرُّك سيبويه بحُرِّيَّة في توجيهاته النحوِيَّة في حالة أمن اللَّبس» أقول فيها:

(1) ومن المواضع الأخرى التي لاحظنا فيها تفاعلا بين قرينة السِّياق والفرينة اللُّغَوِيَّة الموضع 3/ 100، عند مناقشة سيبويه لجملة ((اتقى الله امرؤ وفعل خيرًا يثب عليه)).

(2)

ينظر ترجمة المصطلح: د. محمد حسن باكلا وآخرون: معجم مصطلحات علم اللُّغَة الحديث، مكتبة لبنان، لبنان، ط 1، ) 1983 م (، ص 54، ويقول ديفيد كريستال عن هذه الآلية: ((واحدة من الإجراءات المكتشفة والمستخدمة في علم الأصوات لتحديد ما إذا كانت الأصوات تنتمي إلى نفس الفئة أو الفونيم. وعندما يختلف معنى كلمتين بسبب تغيير حرف واحد فيهما نكون بصدد ثنائية صغرى، على سبيل المثال: pin، bin

)) ونص ديفيد كريستال:

((Minimal pair: One of the discovery procedures used in phonology to determine which sounds belong to the same class، or phoneme. Two words which differ in meaning when only one sound is changed are referred to as a 'minimal pair'، e.g. pin v. bin

)) والترجمة للباحث.

David Crystal،A dictionary of linguistics and phonetics، P.307

ص: 174

إن سيبويه بهذه النصوص التي استغل فيها قرينة سياق الحال في التوجيه النَّحْوِيّ يضع نصب عينيه هذه القرينة في التوجيه، وهو كما وصفه العلماء بـ «إمام النُّحَاة» ورأس من رءوس المدرسة البصرية يجب أَنْ يقتفى أثره في هذا.

ومن المبادئ التي يمكن استفادتها من نصوص سيبويه السابقة أَنَّنا في التوجيه الإعرابِيّ والنَّحْوِيّ تكون كل الخيارات التوجيهية النحوِيَّة متاحة، إِنْ كانت هناك خيارات إعرابية لهذا التركيب أو ذاك لها شرعية وجود ــ بالاستقراء أو بالقياس ــ في النصوص اللُّغَوِيَّة، وتكون إتاحة هذه الأوجه الإعرابِيّة مرتبطة بعدم وجود قرينة تمنع هذا التوجيه أو ذاك.

كما نتعلم من سيبويه ومن غيره أيضا أَنَّنا يجب ربط التوجيه النَّحْوِيّ بالسِّياق الذي قيل فيه الكلام كلما أمكن ذلك وإلا وقعنا في فوضى إعرابية.

***

في ختام هذا المبحث الثاني نَوَدّ أَنْ نذكر الملحوظات والتأَمُّلات المُهِمَّة التالية:

1 ــ العادة والعرف الاجتماعيّان في البيئة المُعَيَّنَة مما يدخلان في قرينة سياق الحال، ومن الممكن أَنْ تتدخَّل في التوجيه النَّحْوِيّ، وعدم أخذه في الاعتبار قد يوقع من يقوم بالتوجيه النَّحْوِيّ في خطأ.

من ذلك مثلا أَنَّ سيبويه أجاز «النصب والرفع» لكلمة «اليوم» في قول من قال «اليوم الجمعة اليوم السبت» . النصب على الظرفية، والرفع على الابتداء والخبرِيِّة. ولم يجز إلا الرفع في قول من قال: «اليومُ الأحد أو الاثنين

إلى الخميس» يقول: «فأما اليومُ الأحد، واليوم الاثنان، فإِنَّهُ لا يكون إلا رفعا وكذلك إلى الخميس» ، ويعلل ذلك بقوله:«لأنَّهُ ليس بعمل فيه» ) (1). بمعنى أَنَّ

«الجمعة بمعنى الاجتماع، والسبت بمعنى الراحة؛ فهما مصدران يقعان في اليوم» ) (2). أي أَنَّ نصب كلمة اليوم في جملة: اليوم السبت؛ على أَنَّهُ يوم تقع فيه الراحة؛ أي أَنَّ يوم السبت ظرف تقع فيه الراحة. ومنع سيبويه النصب في كلمة اليوم إذا أتت مع أيام الأسبوع: الأحد، الاثنين

؛ لأنَّهُ ليس فيها معنى الراحة أو الاجتماع، وتبع سيبويه في هذا عدد من النُّحَاة.

وقد تبع سيبويه في هذا معظم النحاة. قال ابن مالك ما نصه: «إذا قلت: اليوم الجمعةُ، واليوم السبت، جاز نصب اليوم، لأنَّ الجمعة بمعنى الاجتماع، والسبت بمعنى الراحة. وكذا اليوم العيد واليوم الفطر، واليوم النّوروز، كل هذه يجوز معها نصب اليوم بلا خلاف، لأنَّ ذكرها منبِّه على

(1) سيبويه: الكتاب، 1/ 418، وفي بعض نسخ الكتاب ((ليس فيه بعمل))، وفي نسخة أخرى:((ليس يُعْمَل فيه)). الحاشية ذات الرَّقْم 2 من نفس الصفحة.

(2)

السيرافي: شرح كتاب سيبويه، 2/ 307

ص: 175

عمل يوقَع في اليوم، بخلاف قولك: اليومُ الأحدُ، واليوم الاثنان، واليوم الثلاثاء، واليوم الأربعاء، واليوم الخميس، فإنَّها بمنزلة اليوم الأول، واليوم الثاني، واليوم الثاث، واليوم الرابع، واليوم الخامس فلذلك لايجوز في اليوم معها إلا الرفع، هذا مذهب النحويين إلا الفراء وهشاما») (1).

وهنا نتجرأ قليلا ونقدم رأيا قد يخالف كلام سيبويه هنا وهو: أنَّ ارتباط يوم مُعَيَّن بمعنى مُعَيَّن متروك للعرف والعادة، وهما من مكوِّنات سياق الحال كما أشرنا في التمهيد، ففي عصرنا الحالي وفي بلدنا مصر أصبح يوم الأحد وليس الجمعة ولا السبت من أكثر الأيام المرتبطة بالراحة؛ وفي بعض الأحيان ترتبط الراحة بـ «مهن مُعَيَّنَة» ، فعند أصحاب مهن مُعَيَّنَة يكون الأثنين هو الراحة. وعليه فَإِنَّ النصب والرفع جائز في اليوم إذا جاءت مع الأحد أو غيره الأيام إذا دلت على الراحة.

2 ــ من الأمور الخطيرة التي يُوقِفُنا عليها هنا هذا المبحث أمر مُهِمّ هو «تهافت نظَرِيَّة العامل» ، تلك النظَرِيَّة التي لم يمل النُّحَاة من تكرارها، وما فتِئُوا يرددونها في كل مناسبة.

فما سطرناه في هذا المبحث وما استنبطناه من كلام سيبويه نفسه لا يلتقي ولايمكن أَنْ يلتقي مع ما تقوله هذه النظَرِيَّة وما تتضمنه من العلل الأولى والثواني والثوالث.

لقد أثبتنا ــ من خلال نصوص سيبويه نفسها ــ أَنَّ المُتَكَلِّم هو الذي «يرفع وينصب ويجر» ، وهو الذي «يستأنف الكلام» أو «يعطفه» ، وذكرنا أَنَّ سيبويه كرَّر مئات المرَّات قوله «إذا أردتَ» و «إذا شئتَ» ، وأنَّ المُتَكَلِّم والمخاطب وحالتهما النفسِيَّة هما اللذان يؤثِّران على العلامة الإعرابِيّة.

إِنَّنَا هنا نتعجل الأمور قليلا قبل أَنْ نفرد الفصل الأخير في بحثنا هذا للحديث عن نظرية العامل، ونقول بنقض هذه النظَرِيَّة التي قتلت الحياة في النحو العربي، وأزالت كل مظهر من مظاهر التفاعل مع الواقع.

وفي نقضنا لنظَرِيَّة العامل نضم صوتنا المتواضع جدا للعالِمين اللذين نقضا هذه النظَرِيَّة، وأقصد بهما: ابن جني، وابن مضاء الأندلسي الظاهري. فقد صرَّح ابن جني ببطلان هذه النظَرِيَّة في قول صريح له يقول فيه: «وإِنَّمَا قال النَّحْوِيّون: عامل لفظي وعامل معنوي ليروك أَنَّ بعض العمل يأتي مسببًا عن لفظ يصحبه؛ كمررت بزيد، وليت عمرًا قائم. وبعضه يأتي عاريًا من مصاحبة لفظ يتعلق به؛ كرفع المبتدأ بالابتداء، ورفع الفعل لوقوعه موقع الاسم؛ هذا ظاهر الأمر، وعليه صفحة القول. فأما في الحقيقة ومحصول الحديث فالعمل من الرفع والنصب والجر والجزم

(1) ابن مالك: شرح تسهيل الفوائد، ت: عبد الرحمن السيد، محمد بدوي المختون، دار هجر للطباعة والنشر، القاهرة، ط 1، ) 1990 م (، 1/ 323

ص: 176

إِنَّمَا هو للمتكلم نفسه لا لشيء غيره. وإِنَّمَا قالوا: لفظي ومعنوي لما ظهرت آثار فعل المُتَكَلِّم بمضامة اللفظ للفظ أو باشتمال المعنى على اللفظ. وهذا واضح») (1).

في هذا القول الصريح يؤكد ابن جني أن العمل من الرفع والنصب والجر والجزم إنما هو للمتكلم نفسه لا شيء غيره.

ثُمَّ أتي ابن مضاء الأندلسي) (2) في نهاية القرن السادس الهجري متأثرا بالمذهب الظاهري) (3) ليقرِّرَ هذا الرفض متابعا لابن جني، فيقول:

«قصدي في هذا الكتاب أَنْ أحذف من النحو ما يستغنى عنه، وأنبِّه على ما أجمعوا على الخطأ فيه. فمن ذلك ادعاؤهم أَنَّ النصب والخفض والجزم لا يكون إلا بعامل لفظي، وأنَّ الرفع منها يكون بعامل لفظي وبعامل معنوي. وعبَّروا عن ذلك بعبارات تُوهم أَنَّ قولنا:((ضرب زيد عمرًا)) أَنَّ الرفع الذي في ((زيد)) والنصب الذي في ((عمرو)) إِنَّمَا أحدثه ((ضرب))

وقد صرح بخلاف ذلك أبو الفتح ابن جني في خصائصه بعد كلام في العوامل اللفظِيَّة والعوامل المعنوِيَّة [ذكر النَّصّ السابق]؛ فأكد ((المُتَكَلِّم)) بـ ((نفسه)) ليرفع الاحتمال، ثُمَّ زاد تأكيدًا بقوله ((لا لشيء غيره)). وهذا قول المعتزلة. وأما مذهب أهل الحق فَإِنَّ هذه الأصوات إِنَّمَا هي من فعل الله تعالى، وإِنَّمَا تنسب إلى الإنسان كما ينسب إليه سائر أفعاله الاختيارية. وأما القول بأن الألفاظ يحدث بعضها بعضا؛ فباطل عقلا وشرعا، لا يقول به أحد من العقلاء

وأما العوامل النحوِيَّة فلم يقل بعملها عاقل، لا ألفاظها ولا معانيها؛ لأَنَّها لا تفعل بإرادة ولا بطبع») (4).

(1) الخصائص، ت: محمد علي النجار، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، ط 1، ) 2006 م (، 1/ 109 ــ 110

(2)

ابن مَضَاء) 511 ــ 592 هـ = 1118 ــ 1196 م (هو: ((أحمد بن عبد الرحمن بن محمد، ابن مضاء، ابن عمير اللخمي القرطبي، أبو العباس: عالم بالعَرَبِيَّة، له معرفة بالطب والهندسة والحساب، ومولده بقرطبة. وولي القضاء بفاس وبجاية، ثم بمراكش سنة 578 هـ وتوفي بإشبيلية مصروفا عن القضاء. من كتبه) تنزيه القرآن عما لا يليق من البيان (في النحو)). ينظر: الزركلي: الأعلام، 1/ 146

(3)

طبق ابن مضاء مبادئ المذهب الظاهري في كتابه الرد على النُّحَاة، على غرار كتب الفقه. والمذهب الظاهري يقوم على إنكار القياس والتعليل، وعدم الأخذ بالفروع، والاقتصار على القرآن والسنة. ينظر: ابن مضاء القرطبي في الميزان، د. عائد كريم علوان، مجلة اللُّغَة العَرَبِيَّة وآدابها، العدد 6، حزيران، 2008 م

(4)

الرد على النُّحَاة، ت: د. محمد إبراهيم البنا، دار الاعتصام، القاهرة، ط 1، ) 1979 م (، ص 69، 70

ص: 177

والباحث يميل إلى رأي هذين العالمين الجليلين ويدعمه لما يلي:

- ما أثبتناه هنا في هذا المبحث يدل على تهافت هذه النظَرِيَّة، وقد ذكرنا من نصوص سيبويه ما يدل على ذلك، منها جملته المُهِمَّة التي ناقشناها في أحد نصوصه، التي يقول فيها: «

فإِذا رفعتَ هذه الأشياءَ فالذى فى نفسك ما أظهرتَ، وإذا نصبت فالذى فى نفسك غيرُ ما أظهرتَ)) (1). ففي هذا النَّصّ الصريح يربط سيبويه نفسه بين العلامة الإعرابِيّة وبين الحالة النفسِيَّة للمتكلم، ويُقر أَنَّ المُتَكَلِّم هو الذي يرفع وهو الذي ينصب.

- تكرار اللفظ المعبِّر عن «إرادة المتكلم» في اختيار الإعراب المناسب في أكثر من أربعمائة موضع في الكتاب.

وقد ينشأ اعتراض على هذا الدليل مُؤَدّاه: أَنَّنا نجد نصوصا عند سيبويه نلمح فيها أثرا لنظَرِيَّة العامل، فكيف يمكن القول أَنَّ سيبويه يقبل هذه النظَرِيَّة في نصوص، ويرفضها في نصوص

أخرى؟

نقول مجتهدين ــ ولَعلَّنا نصيب أجرين في هذا ــ:

إن البيئة العلميَّة الفلسفِيَّة التي نشأ فيها سيبويه أثَّرت عليه وجعلته مرغما على مسايرتها رغما عنه فأثَّرت في ذهنه أثناء تقيعده، ولَكِنَّه في كثير من الأحيان تذهب عنه هذه التأثيرات الفلسفِيَّة المنطقية الأرسطية؛ فتأتي الأمور على طبيعتها وكما يسمعها من قائلي اللُّغَة.

- إذا كان أبناء اللُّغَة:

» يتواضعون على ألفاظهم.

» ويتواضعون فيما بينهم على معاني هذه الألفاظ (2)

» بل إِنَّهُم يتواضعون على البنى الصَّرْفِيَّة داخل هذه اللُّغَة (3)؛

(1) سيبويه: الكتاب، 1/ 270 ــ 271

(2)

مما يتفق عليه علماء اللُّغَة أن اللُّغَة عرفية، فالعلاقة بين اللفظ وما يشير إليه علاقة عرفية لا ضرورية.

ينظر: محمد حسن عبد العزيز: مدخل إلى علم اللُّغَة، دار الثقافة العَرَبِيَّة، ص 15

(3)

اللُّغَة تحتوى على بنى صرفِيَّة كثيرة ليست كلها مما يتفق عليه أهل اللُّغَة؛ بمعنى أن هناك ((بِنَى صرفِيَّة)) مستخدمة من قبل أهل اللُّغَة، وهناك بنى صرفِيَّة أخرى موجودة صالحة للاستخدام ولَكِنَّها غير مستعملة. ويؤكد ما ذهبنا إليه:

1 ــ تلك المناظرة التي أوردها السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر بين ابن ولاد وبين ابن النحاس وفيها ((قال ابن النحاس لأبي العباس: كيف تبني مثال اِفْعَلَوْت من رميت، فقال له أبو العباس: اِرْمَيَيْت، فخطأه أبو جعفر وقال: ليس في كلام العرب اِفْعَلَوْت ولا اِفَعَلَيْت؛ فقال أبو العباس: إِنَّمَا سألتني أن أمثل لك بناء ففعلت))، 3/ 162،

[دار الكتب العلمِيَّة، بيروت]

2 ــ قال التبريزي ــ شارح ديوان أبي تَمَّام ــ: ((وليس في كلام العرب مثل ((دَمَقْس)) في الرباعي

[و] تركهم أن يبنوا مثل دمقس إِنَّمَا هو اتفاق وقع في اللُّغَة، لا أن اجتنابهم ذلك لعلة)). ديوان أبي تَمَّام بشرح

التبريزي: [1/ 61 ـ 63].

ص: 178

أفلا يكون من المعقول أَنْ يتواضعوا على ما هو أبسط من هذا وهو تواضعهم على العلامة الإعرابِيّة؟ بمعنى أَنَّ العرب عندما ينطقون باسم معرفة في بداية جملة اسمية يضمون آخر هذا الاسم، وإذا دَلَّ الاسم على أَنَّهُ قام بالفعل أو اتصف به ضموا آخره أيضا، وإذا أتى الاسم واقعا عليه فعل الفاعل نصبوه، وإذا وقع بعد حرف من حروف الجر كسروا آخره وهكذا.

ومن أقوال أساتذتنا المحدثين التي عثرنا عليها ويتوافق قولُنا هنا معها قول أستاذنا تمام حسان إذ يقول: «بعد أَنْ بيَّنت طبيعةَ القرائن المقالِيَّة معنوِيَّة كانت أو لفظِيَّة في دلالتها على المعنى الوظيفي النَّحْوِيّ، أحب أَنْ أضيف إليها كلمة أخرى تتصل بإغناء فهم القرائن المقالِيَّة عن فكرة العامل النَّحْوِيّ الذي قال به النُّحَاة» ) (1).

3 ــ من طريف ما أشار إليه سيبويه أَنَّ التوجيه الإعرابِيّ يراعي الفرق بين الإنسان والحيوان:

» ففي أسلوب الاستثناء التام المنفي يجوز في المستثنى «النصب على الاستثناء أو البدل من المستثنى منه» ، ولكن في بعض الأحيان يختار الإعراب الأول ويكره الثاني؛ «لأَنَّ المستثنى ليس من نوع المستثنى منه» ، يقول:«قولك ما فيها أحدٌ إلا حمارًا، جاءوا به على معنى ولكنَّ حمارًا؛ وكرهوا أَنْ يبدلوا الآخر من الأول؛ فيصير كَأَنَّه من نوعه» ) (2). وجملة

«وكرهوا» تدلُّ على أَنَّ العلامة الإعرابِيّة يتحكم فيها المُتَكَلِّم؛ لتعبِّر عن مشاعره وعواطفه؛ وأنَّهُم لجئوا إلى العلامة الإعربية لإزالة هذه الكراهية.

» وفي مثال ثان إذا قلنا الجمل المتشابهة التالية:

» مررت برجل أسدٍ أبوه.

» مررت برجلٍ أسدٌ أبوه.

» مررت بدابة أسدٌ أبوها.

فكلمة «أسد» في الجملة الأولى تُعربُ نعت سببي مجرور أفاد المبالغة، ونفس الكلمة قد تعرب ــ كما في المثال الثاني ــ مبتدأ مرفوع إذا أردنا مجرد الإخبار. أَمَّا المثال الثالث فلا يجوز فيه إلا

(1) اللُّغَة العَرَبِيَّة معناها ومبناها، ص 231

(2)

سيبويه: الكتاب، 2/ 319

ص: 179

الرفع؛ وذلك لقرينة عقلية محضة تراعي طبيعة المحدث عنه، وهي أَنَّ المنعوت دابة لا تعقل؛ فلا يعقل أَنَّ المُتَكَلِّم يريد إثبات مبالغة لها؛ فينعت؛ فلذلك لم يبق هنا إلا الرفع لمجرد الإخبار.

يقول سيبويه: «تقول: مررت برجلٍ أسدٍ أبوه؛ إذا كنت تريد أَنْ تجعله شديدًا، ومررت برجل مثل الأسد أبوه، إذا كنتَ تشبهه. فإنْ قلت: مررت بدابة أسدٌ أبوها فهو رفعٌ؛ لأَنَّكَ إِنَّمَا تخبر أَنَّ أباها هذا السبع. فإنْ قلت: مررتُ برجل أسدٌ أبوه على هذا المعنى رفعتَ، إلا أَنَّكَ لا تجعل أباه خَلقُه كخِلقة الأسد ولا صورته» ) (1).

ويفهم من النَّصّ أَنَّ سيبويه يفرق في التوجيه الإعرابِيّ بين ما طبيعته إنسان وبين ما طبيعته حيوان، وهذا ما استنبطه عموما من تتَبُّعه للنصوص العربِيَّة. ويؤكد السيرافي هذا المعنى قائلا:

«جعلت العرب لما يعقل في موضع اختصاصا في اللفظ، وفصلت بينه وبين ما لايعقل فيه، لما اختص به ما يعقل بأن يُخاطِب ويخاطَب، ويأمُر ويؤمر، وتُخبِر وتُخبَر عنه، وما لا يعقل ليس له من ذلك إلا الإخبار عنه؛ فجعل لما يعقل تفضيل واختصاص» ) (2).

1 ــ لا نستطيع أَنْ ننكر فضل الخليل على تلميذه سيبويه في توجيه نظره إلى أهمِيَّة سياق الحال، وهذا ما لم يجحده سيبويه، ففي أكثر من موضع يلعب فيه السِّياق دورا ما يشير سيبويه إلى الخليل، وقد ذكرنا هذا في مواضع عديدة في هذا الفصل) (3).

2 ــ ومما تعلمناه من مجموع النصوص في هذا الفصل أَنَّنا نستطيع أَنْ نوجّه الجملة أي توجيه إذا أمكننا «تصور سياق ما» تقع فيه هذه الجملة، أي أَنَّنا إذا استطعنا أَنْ نقوم بما يمكن أَنْ نسميه بـ «التكييف السِّياقي» لتوجيه ما نستطيع أَنْ نقول به.

3 ــ في بعض الأحيان يكون المتحكم في التوجيه الإعرابِيّ ما يمكن تسميته بـ «القرينة العقلِيَّة» ، وليست قرينة سياق حال ولا قرينة لغوية.

مثال ذلك: تقبيح سيبويه قول من يقول: «لا تدنُ من الأسد يأكلْك» بجزم الفعل «يأكلْك» ؛ ويكون المعنى في هذه الحالة على الجزاء، أي أَنَّ المعنى المفهوم من الجملة: إذا ابتعدت عن الأسد

يأكلك؛ وهذا لا يعقل. يقول: «فإنْ قلت لا تدن من الأسد يأكلك؛ فهو قبيح إِنْ جزمت، وليس

(1) سيبويه: الكتاب، 2/ 29

(2)

شرح كتاب سيبويه: 2/ 369

(3)

ينظر مثلا: المثال الذي أوردناه في: إمكانِيِّة سكوت المُتَكَلِّم ودوره في التوجيه الإعرابِيّ، والمثال الخامس في جزئية: تَحَرُّك سيبويه بحُرِّيَّة في توجيهاته النَّحْوِيَّة. ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن سيبويه يعترف بهذه الأستاذية على مدار الكتاب، فقد ذكر النقل عنه في 356 موضعا.

ص: 180

وجه كلام الناس؛ لأَنَّكَ لا تريد أَنْ تجعل تباعده من الأسد سببا لأكله») (1)؛ أي ليس من المعقول أَنَّ جزاء الابتعاد ــ وليس القرب ــ هو الأكل.

4 ــ يمكن أَنْ نقول ــ ونرجو أَنْ نكون على صواب في هذا ــ إِنَّ سياق الحال قد يُؤَثِّر في ضبط بنية الكلمة. أي أَنَّه قد يغير من ضبط بنية الكلمة الداخلية. مثال ذلك ــ ونأمل أَنْ نكون قد اخترنا الأمثلة المناسبة التي تعبر عن هذا ــ:

» إذا اعتبرنا حرف «اللام الجارة» ) (2) كلمة لها ضبطها؛ فإِنَّنَا يمكن أَنْ نقول إِنَّ هذا الضبط يتَأَثَّر بسياق الحال، فهذه اللام إذا دَلَّت على «الاستغاثة والتعجب» ؛ «فُتِحت هذه اللام» ، مثل قول الشاعر:

يا لَبَكرٍ أَنشِروا لي كُلَيبًا يا لَبَكرٍ أَينَ أَينَ الفِرارُ [بحر المديد]

وهذا الفتح في معنى التعجب والاستغاثة «وإلا لم يجز، ألا ترى أَنَّكَ لو قلت: يا لَزيد وأنت تحدثه لم يجز» ) (3). ونقصد مما سبق أَنَّ اللام الجارة لها ضبطان: ضبط بالفتح إذا أتت في سياق دالٍّ على التعجب أو الاستغاثة، وضبط بالكسر في غير سياق دال على تعجب أو استغاثة.

» والحرف «إِنَّ» يؤثِّر سياق الحال على فتح همزته وكسرها، وسبق أَنْ أوردنا نصا أوضحنا فيه ذلك عندما ناقشنا «إمكانيَّة سكوت المُتَكَلِّم ودوره في التوجيه الإعرابِيّ» ) (4).

» تذكير العدد مع المعدود المؤنث، وتأنيثه مع المعدود المذكر دليل على تأثير السِّياق على بنية الكلمة، بل إِنَّنَا في العدد على وزن فاعل نقول «هذا حادي أحد عشر إذا كن عشر نسوةٍ معهن رجل؛ لأَنَّ المذكر يغلب المؤنث» ) (5).

» ومن أقوال سيبويه المُهِمَّة التي تدل على وجود تأثير للسياق على البنية الصَّرْفِيَّة قوله: «وقد يُجرون الاسم مجرى الصفة والصفة مجرى الاسم» ) (6).

(1) سيبويه: الكتاب، 3/ 97

(2)

ينظر معاني اللام الجارة د. على توفيق الحمد ويوسف جميل: المعجم الوافي في أدوات النحو العربي، ص 259

(3)

سيبويه: الكتاب، 2/ 215 ــ 218

(4)

وينظر أيضا الموضع: 3/ 130

(5)

سيبويه: الكتاب، 3/ 561

(6)

سيبويه: الكتاب، 3/ 632، وهذا مثال أيضا على تتبع البنية الصرفِيَّة في سياقاتها المختلفة.

ص: 181

هذه المقولة القصيرة تدل على اعتبار سيبويه للسياق حتى وإن لم يصرح بذلك، فهو لن يصل إلى هذه النتيجة بدونه. فالاسم كلمة تدلُّ بذاتها على شيء محسوس أو شيء غير محسوس يعرف بالعقل، وهو في الحالتين لا يقترن بزمن (1).

أَمَّا الصفة: فهي ما دَلَّت على معنى وذات، وهذا يشمل اسم الفاعل واسم المفعول، وأفعل التفضيل والصفة المشبهة (2).

وللوقوف على انتقال الكلمة من هذه الطبيعة إلى تلك لا بد من سياق) (3).

5 ــ قد يكون التوجيه النَّحْوِيّ جائزًا في سياق مُعَيَّن ولا يجوز نفس هذا التوجيه في سياق آخر. مثال ذلك: إذا اجتمع متحدِّث مع أحد أقاربه أو إخوانه وأراد هذا القريب أو الأخ أَنْ يخبر المتحدِّث عن نفسه أو عن غيره؛ فقال:

• أنا عبد الله منطلقًا.

• هو زيدٌ منطلقًا.

كان هذا الكلام محالا؛ «لأنَّهُ إِنَّمَا أراد أَنْ يخبرك بالانطلاق، ولم يقل هو ولا أنا حتى استغنيت أنت عن التسمية؛ لأَنَّ هو وأنا علامتان للمضمر؛ وإِنَّمَا يضمر إذا علم أَنَّكَ عرفت من يعني» ) (4).

ولكننا إذا أخذنا هاتين الجملتين ووضعناهما في سياق آخر وقلنا إِنَّ «رجلا كان خلف حائط، أو في موضع تجهله فيه؛ فقلت: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله منطلقا في حاجتك؛ كان حسنا» ) (5).

(1) النحوالوافي: 1/ 26

(2)

شرح ابن عقيل، ص 188، ويمكن أن نعطي مثالا على ذلك من قول أبي تَمَّام:

بِحَوافِرٍ حُفرٍ وَصُلبٍ صُلَّبٍ

وَأَشاعِرٍ شُعرٍ وَخَلقٍ أَخلَقِ [بحر الكامل].

قال التبريزي ــ شارح الديوان ــ: ((والأشاعر جمع أشعر، وهوما ينبت عليه الشعر مما يُقارب الحافر (

) وأصل الأشاعر في الصفات ثم نقل إلى الأسماء؛ فجمع على أفاعل)). ينظر: ديوان أبي تَمَّام بشرح التبريزي: 2/ 410

(3)

ويزعم الباحث أيضا أن تأثير السياق غير مقصور فقط على التركيب النحوي، أو البنية الصرفية كما أشرنا، أو الدلالةالمعجمية أو السياقية بل ينال أيضا الجانب الصوتي، بمعنى أن سياق الحال من خلال أحد مكوناته) المتكلم (يؤثر في الجانب الصوتي. يقول د. رمضان عبد التواب:((وقد دلنا الفرّاء على أنَّ ذلك) تغيير الأصوات (مذهب العرب قديما، في الكلمات والعبارات التي يستقبحونها؛ فيعمدون إلى تشويهها، بتغيير أصواتها للتخفيف من حدة وقعها على السمع)). ينظر: التطور اللغوي، ص 123، ونص الفراء الذي أشار إليه د. رمضان:((ومن كلام العرب أن يقولوا: قاتله الله، ثم يستقبحونها؛ فيقولون: قاتعه وكاتعه. ويقولون: جوعا، دعاء على الرجل، ثم يستقبحونها؛ فيقولون: جودا، وبعضهم جوسا. ومن ذلك قولهم: ويحك وويسك، إنما هي ويلك إلا أنها دونها بمنزلة ما مضى)). ينظر: معاني القرآن، عالم الكتب، القاهرة، ط 1، 1983 م، 2/ 362

(4)

سيبويه: الكتاب، 2/ 81

(5)

سيبويه: الكتاب، 2/ 81

ص: 182

أي أَنَّ نوعية السِّياق وخصوصيته تؤثر على التوجيه الإعرابِيّ.

6 ــ في بعض التوجيهات النحوِيَّة قد يلتزم التوجيه بحالة إعرابية واحدة أو بعلامة إعرابية واحدة، ويكون سبب التوجيه مختلف لاختلاف سياق الحال الذي يمكن أَنْ تقال فيه الجملة. ينطبق هذا على هذه الأمثلة التي ناقشها سيبويه في أحد المواضع:

» سير عليه سيرًا.

» انطُلِقَ به انطلاقًا.

» ضرب به ضربًا.

فالكلمات «سيرًا، انطلاقًا، ضربًا» تنصب على وجهين: على أنَّها حال، أو على أنَّها مفعولا مطلقا، يقول سيبويه: «ومما يجئ توكيدًا وينصب قوله: سير عليه سيرا، وانطلق به

انطلاقا، وضرب به ضربا؛ فينصب على وجهين: أحدهما حال

، وإن شئت نصبته على إضمار فعل آخر») (1). ولا شك أَنَّ مقام أو موقف الهيئة الذي تعبر عنه الحال غير سياق المفعول المطلق.

ونلاحظ في النَّصّ السابق أَنَّ سيبويه يجعل «الحال والمفعول المطلق» من الوسائل التي قد يأتى بها للتوكيد، كما قال في بداية النَّصّ، ولا شك أنهما يختلفان في المؤكد، فالحال تؤكد هيئة صاحب الحال، والمفعول المطلق يؤكد عامله. ونلاحظ أيضا أَنَّ التفسير السِّياقي المناسب مرتبط بمشيئة المُتَكَلِّم وإرادته. ويفهم ثالثا أَنَّ مجئ المصدر حال يصح في أي موضع. ولكن النُّحَاة يقيدون هذه العمومية بقولهم:«يمكن للمصدر أَنْ يكون حالا إذا تضمن معنى الوصف)؛ أي: معنى المشتق (بحيث تقوم قرينة تدل على هذا» ) (2).

7 ــ نؤكد هنا للمَرَّة الثانية أَنَّ سيبويه يتقيد في معظم توجيهاته الإعرابِيّة بما قالته العرب. أكد على هذا في مواضع منها: «فإنْ قلت: ضُرِبَ زَيدٌ اليَدُ والرِّجْلُ، جاز على أَنْ يكون بدلا، وأَن يكون توكيدا. وإنْ نصبته لم يحسن؛ لأَنَّ الفعل إِنَّمَا أُنْفِذَ في هذه الأسماء خاصة إلى المنصوب إذا حذفتَ منهُ حرف الجرّ، إلاّ أَنْ تَسمعَ العربَ تقول فى غيره، وقد سَمعناهم يقولون: مَطَرَتهُمْ ظهرًا وبطنا» ) (3). ونشير هنا مع هذا التأكيد إلى أَنَّ كل التوجيهات النحوِيَّة ليست عند سيبويه على درجة واحد من القوة فبعضها قوي وبعضها ضعيف تبعا لتردد هذا التوجيه في نصوص

(1) سيبويه: الكتاب، 1/ 231

(2)

عباس حسن: النحو الوافي، 2/ 371 ــ 372

(3)

سيبويه: الكتاب، 1/ 160

ص: 183

اللُّغَة) (1)، كما علمنا من دراستنا لمنهجه. كما نثبت هنا أيضا أَنَّ من المبادئ التي سار عليها في توجيهه أَنَّهُ من الأفضل «ألا يُلجَأُ إلى توجيه نحوي يحتاج إلى تأويل ما دام هناك توجيه لا يحتاج إليه» ) (2).

(1) ينظر: سيبويه: الكتاب، 3/ 92 عند مناقشة قوله:((إِنْ تأتني آتك وأعطيك)).

(2)

ينظر: سيبويه: الكتاب، 1/ 307 ــ 309 عند مناقشة قوله:((ما شأنك وزيدًا)).

ص: 184

الفصل الثالث

دور السِّياق في التَّقْعِيد النَّحْوِيّ عند سيبويه

ويشمل المباحث التالية:

- المبحث الأول: السِّياق والجملة الاسمِيَّة.

- المبحث الثاني: السِّياق والجملة الفعلِيَّة.

- المبحث الثالثالسِّياق والتوابع.

- المبحث الرابع: السِّياق والأساليب النحوِيَّة.

- المبحث الخامس: السِّياق والأدوات النحوِيَّة.

- المبحث السادس: سياق الحال والتنوين والتنكير والتعريف.

ص: 185