الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 ــ ناقش سيبويه قولهم: «عبد الله نِعْمَ الرجل» ؛ وأشار أن هذه الجملة تكون صحيحة إذا كان المقصود بـ «الرجل» هو «عبد الله» ، ومحالة إذا كان المُتَكَلِّم لا يريد بالرجل عبد الله) (1).
ب وجود تراكيب نحوِيَّة توجَّه في إطار معرفة قرينة السِّياق:
هناك كثير من التراكيب النحوِيَّة التي عالجها سيبويه يصعب فهمها وفهم توجيهها الإعرابِيّ إذا لم يُلجأ إلى قرينة السِّياق لفهمها. ويمكن أَنْ نضرب على ذلك مثالين:
ــ المثال الأول: في أحد المواضع يتحدَّث سيبويه عن الظروف ويخص بالحديث الظرف ((سحر))؛ فيقول: «ومما لا يحسن فيه إلاّ النصبُ قولهم: سير عليه سَحَرَ، لا يكون فيه إلاّ أَنْ يكون ظرفًا؛ لأنَّهم إِنَّمَا يتكلّمون به فى الرفع والنصب والجرّ، بالألف واللام، يقولون: هذا السَّحَرُ، وبأَعلى السَّحرِ وإنّ السَّحَرَ خيرٌ لك من أوّل الليل. إلاّ أَنْ تَجعله نكرةً؛ فتقولَ: سير عليه سَحَرٌ من الأسحار» ) (2).
هكذا يسوق سيبويه النَّصّ، بلا توضيح ولا تفسير. ولتوضيحه وتفسيره يستلزم ذلك أَنْ
نقول: إِنَّ «سحر: ظرف زمان منصوب على الظرفية غير متصرف، ويتصرف إِنْ حُلِّي بـ ((أل))
…
وهي ممنوعة من الصرف إذا أريد بها سحر يوم بعينه لشبه العلميَّة والعدل
…
أَمَّا إذا لم يرد بها سحر يوم بعينه؛ فهي نكرة، وغير ممنوعة من الصرف») (3)؛ أي أَنَّ تنوين كلمة سحر يتوقَّف علي سياق الحال فعندما نقول:«سير عليه سحرَ» بالنصب وعدم التنوين يكون معناها سحر يوم المُتَكَلِّم، وعندما نقول «سير عليه سحرٌ» بالتنكير؛ فهي تعني العموم؛ أي: أي سحر من الأسحار) (4).
إذن فنحن لا نستطيع أَنْ نفهم التوجيه النَّحْوِيّ لكلمة «سحر» إلا إذا استحضرنا السِّياق الذي تقال فيه فهل تعني سحر يوم مُحَدَّد فتُنْصَبُ وتمنع من الصرف؟ أم أَنَّها تفيد العموم فتصرف وتنون؟
جاء في كتاب «الأزمنة والأمكنة» للمرزوقي) 421 هـ (ما نصه: «فأما سحر: فإنّك تقول: سير عليه سحر، فلا ينصرف ولا يتصرّف إذا أردتَ سحر يومك، ومعنى لا يتصرّف لا يتمكّن تمكن أسماء الأزمان في أبوابها. ومعنى لا ينصرف: لا يدخله الجر والتنوين. فأنْ أردت سحرًا من
(1) سيبويه: الكتاب، 2/ 177، وفي هذا النص دليل على أن مصطلح ((محال)) مرتبط عند سيبويه بالدِّلَالَة
(2)
سيبويه: الكتاب، 1/ 225
(3)
د. على توفيق الحمد، يوسف جميل الزعبي: المعجم الوافي في أدوات النحو العربي، ص 179، وينظر أيضا: ابن السرّاج: الأصول في النحو، 1/ 192
(4)
ومثل كلمة سحر ــ كما يقول سيبويه وابن السرّاج في الأصول ــ ((ضحى ــ إذا عنيت ضحى يومك ــ، صباحا، عشية، عشاء ــ إذا أردت عشاء يومك ــ، ذات مَرَّة، بكرا، ذو صباح، ضحوة، عتمة، ذات يوم، ذات ليلة، بعيدات بين)).
الأسحار وهو في موضعه نكرة، فلا مانع له من الصّرف والتمكّن، ونقول: إنّ سحرًا جزء من آخر اللّيل، وفي سحر وقع الأمر») (1).
ــ المثال الثاني: يقول سيبويه: «واعلم أَنَّه لا يجوز أَنْ تقول: قومُك نِعمَ صغارُهم وكبارهم، إلا أَنْ تقول: قومك نعمَ الصغار ونعم الكبار، وقومُك نعمَ القومُ؛ وذلك لأَنَّكَ أردت أَنْ تجعلهم من جماعات ومن أمم كلهم صالحٌ، كما أَنَّك إذا قلت عبدُ الله نعمَ الرجل، فَإِنَّما تريد أَنْ تجعله من أمةٍ كلهم صالح، ولم ترد أَنْ تعرف شيئا بعينه بالصلاح بعد نعمَ» ) (2).
إن سيبويه يريد أَنْ يقول إنَّ جملة «قومك نعم صغارهم وكبارهم» لا تجوز إذا أراد المُتَكَلِّم تعميم الصلاح على الجميع؛ أي أَنَّ الجملة «قومك نعم صغارهم وكبارهم» لا تفيد التعميم، والبديل الذي يقال مكانها:«قومك نعم الصغار، ونعم الكبار» أو «قومك نعم القوم» . والسؤال
هنا: لماذا لا تفيد جملة «قومك نعم صغارهم وكبارهم» هذا العموم؟
يمكن أنْ نقدم إجابتين على هذا السؤال، وكلاهما ــ فيما أظن ــ مرتبط بسياق الحال:
• الإجابة الأولى: فكلمة «كبارهم» يمكن أَنْ تعرب في سياق ما مبتدأ خبرها محذوف مثلا؛ فتخرج الجملة عن المعنى الذي يقصده المُتَكَلِّم، ويظهر هذا جليًّا في النطق الصوتي للجملة بأن يبدأ المُتَكَلِّم بنَغْمَة مرتفعة ويقول الجملة «قومك نعم صغارهم» ، وينهيها بنَغْمَة هابطة، ثُمَّ يبدأ بنَغْمَة مرتفعة كلمة «وكبارهم» ويصمت مع استصحاب أَيَّة إشارة جسدِيَّة تفيد السخرية والاستهزاء مثلا. أى أَنَّ الجملة بهذا الشكل قد تلتبس على المخاطب؛ لذلك منع سيبويه هذه الجملة بهذا الشكل إذا كان مراد المُتَكَلِّم تعميم الصلاح. وعلى ذلك أيضا فَإِنَّ السِّياق لو دَلَّ على أَنَّ المُتَكَلِّم يمدح صغار القوم ويُخرج الكبار عن هذا المدح لجازت العبارة وأرى أَنَّ الأصلح لمنع هذا اللَّبس في هذا التركيب إمَّا أَنْ نعيد الفعل «نِعْمَ» ، وإما أَنْ نأتي بلفظ يضم الصغار والكبار «القوم مثلا» .
• الإجابة الثانية: نحن نعلم أنَّ فاعل نِعْم «جنس» وإذا أتت فيه «أل» تكون جنسية، وأنَّ
«المخصوص بالمدح والذم قد يكون فرعًا من هذا الجنس، وقد يكون فردًا، نقول: بئس الحيوان الذئب، فأنت ذممت جنس الذئب من بين جنس الحيوان، فـ ((الحيوان)) عام،
((والذئب)) خاص منه») (3). واستخدام أسلوب المدح بنعم يُقصَد به: «تخصيص شيء من
(1) المرزوقي: كتاب الأزمنة والأمكنة، ت: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، لبنان، ط 11996 م، ص 174
(2)
سيبويه: الكتاب، 2/ 177
(3)
فاضل السامرائي: معاني النحو، 4/ 301